2024-04-23 01:15 م

العدوان التركي الأخير على الأراضي السورية.... أبعد بكثير من نقل ضريح تركي

2015-02-26
كتب الدكتور بهيج سكاكيني
الخطوة الاستفزازية والعدوانية بكل المقاييس والأعراف الدولية التي أقدمت عليها الحكومة التركية والجيش التركي الذي قام بالتوغل في داخل الأرضي السورية لما يقرب من 30 كيلو متر يعتبر تعدي سافر ووقح على سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة تم بذريعة حماية ضريح سليمان شاه التركي، لا ينطلي على أحد من المتابعين للازمة السورية منذ بدايتها والتي قامت حكومة السيد اردوغان آنذاك بتأجيج الوضع واستغلال الازمة لتحقيق مشروع الاسلام السياسي في المنطقة وبعث الخلافة العثمانية ليتربع السلطان العثماني الجديد على قمة الهرم السياسي لهذا المشروع الذي تهاوى وسقط سقوطا مدويا مع سقوط حكم الاخوان المسلمين في مصر بعد ان تدخل الجيش المصري لحسم الأمور. وضمن هذا المخطط انخرطت بعض الدول العربية وعلى رأسها مشيخة قطر حيث أوجدت مع تركيا ما سمي "المجلس الوطني السوري" "للمعارضة السورية" المصنعة في الخارج وتم اغداق الأموال على هذا الجسم الهلامي وانتجت معارضة مسلحة امدت بالعتاد والسلاح والتدريب وفتحت الأراضي والمعابر والحدود التركية على مصراعيها امام جحافل المرتزقة الذين تم تجنيدهم من كل بقاع العالم ليدنسوا أرض سوريا الطاهرة ويعيثوا فيها كل الممارسات الحيوانية وغير الحضارية وغير الإنسانية من قتل وذبح وتدمير للمقدسات والارث الحضاري لبلد يمتلك بعدا حضاريا وانسانيا وتراثيا يمتد الى اكثر من 2000 عام. تركيا رفضت الانضمام الى "التحالف الدولي" لمكافحة الارهاب الذي ابتدعته أمريكا والذي لا يمت الى مكافحة الارهاب بصلة اللهم عدا عن الاسم، فعلى الرغم من صرف أكثر من ملياري دولار منذ بدء "الحملة" فان داعش ما زالت تمتلك ديناميكية عالية نسبيا ولم يبدأ تراجعها مؤخرا الا على العمليات التي يقودها الجيش العربي السوري والجيش العراقي وكل منهما مدعوما بقوى شعبية الى جانب الدعم الإيراني. وهنالك اخبار ترد من محللين في العراق الى جانب سياسيين عراقيين يتهمون الولايات المتحدة بتقديم الدعم العسكري واللوجيستي وذلك بعمليات مدهم بالأسلحة الى جانب إنزال المؤن في المناطق التي يسيطرون عليها وطبعا كل هذا يتم عن طريق "الخطأ". فرادارات الطائرات الامريكية وكاميراتها يركبها ابليس عندما تمر من فوق ارتال الإرهابيين المتوجهين بكافة أسلحتهم وسيارات الدفع الرباعي التي يستخدمونها في تحركاتهم وتنقلاتهم بحيث يصبحون غير مرئيين. نعود الى تركيا التي كانت تشترط انشاء حزام أمني ومنطقة حظر جوي داخل الأرضي السورية وبعمق يصل الى ما يقرب من 40 كيلومتر في بعض المناطق لدخولها في "التحالف الدولي" لمحاربة الارهاب. وحيث ان الولايات المتحدة لم تكن معنية بالاستجابة للطلبات التركية لأسباب عديدة، فقد أهملت تركيا في حينها ولكنها لم تسقط من الاجندة الامريكية التي أبقت على العلاقة مع تركيا، على الرغم من عنتريات اردوغان التي وصلت الى حد التطاول على اسياده في البيت الابيض. فتركيا عضو في دول حلف شمال الأطلسي الى جانب انها تمتلك ثاني أكبر جيش في هذا الحلف بالإضافة الى موقعها الاستراتيجي وكونها تشكل جزء أساسيا ضمن الاستراتيجية الكونية للولايات المتحدة. وقبل أيام معدودة من انتهاك سيادة الأراضي السورية قامت الولايات المتحدة بتوقيع معاهدة مع تركيا يتم بموجبها تدريب 1200 عنصر من "المعارضة السورية المعتدلة" على الأراضي التركية ويتم تسليحهم وتدريبهم على استخدام أجهزة التنصت وارسال المعلومات عن طريق الأقمار الصناعية للطائرات الامريكية على حسب ما قيل الى جانب قتال داعش على الأراضي السورية. الإدارة الامريكية تحسب ان الناس بلهاء او متخلفين عقليا او بالسذاجة السياسية بمكان لتصديق هذه السوالف. ولعل السؤال الذي يجب أن يطرح على الإدارة الامريكية من قبل وسائل الاعلام التي لم تغادر مكانها لابتلاع كل ما يرمى عليها لا بل وتجد فصيل من جهابذة للدفاع عما يقوله السلطان القابع في البيت الأبيض دون اية مماحكة ذهنية أو طرح الأسئلة، نقول السؤال الذي يجب ان يطرح هل ضخ 1200 مرتزق جديد سيؤثر على موازين القوى على الأرض السورية؟ العاقل يجيب بكلا، والعاقل يقول بان الجيش العربي السوري وحلفائه في محور المقاومة هم من يقاتل وبضراوة المجموعات الإرهابية التي جمعت من جميع انحاء العالم على الأراضي السورية، وان من يريد ان يقاتل الدواعش فعلا فعليه ان يقدم الدعم لهؤلاء الذين يقاتلون المجموعات الإرهابية التكفيرية على الأرض وهم المدربين والمؤهلين والقادرين والملتزمين بمقاتلة حثالة البشرية التي أرسلت لتدمير صرحا حضاريا اسمه سوريا. ولكن الولايات المتحدة لا تريد ذلك، وهي التي رفضت تزويد الأردن بإحداثيات الأماكن التي تتوجد بها المجموعات الإرهابية المنتمية الى تنظيم داعش في سوريا للإغارة عليها بعد حرق الطيار الأردني. والولايات المتحدة أيضا رفضت إعطاء احداثيات للاماكن التي يتواجد فيه تنظيم داعش في ليبيا لقصفها من قبل الطيران المصري على أثر ذبح 21 عاملا مصريا على ايدي التنظيم. وتركيا التي تدعي انها تحارب الارهاب هي التي قامت بإرسال ما يقرب من 500 إرهابي الى منطقة حلب مؤخرا عبر أراضيها لتخفيف الضغط الذي تتعرض له المجموعات الإرهابية في حلب على أثر التقدم الذي أحرزه الجيش السوري مؤخرا على هذه الجبهة. وتركيا ما زالت تحتضن داعش والنصرة وغيرهم من المجموعات الإرهابية على ارضها وتقيم لهم معسكرات للتدريب بحسب مصادر تركية حيث يتواجد على أراضيها أربعة معسكرات لهذا الغرض. الضريح الذي تدعي تركيا انها قامت بالعملية لإنقاذه من خطر التدمير، لم يتعرض لأي خدش منذ أن بدأت الازمة السورية عام 2011 هذا مع العلم بان العديد من دور العبادة من جوامع وكنائس واضرحة صحابة واولياء قد تعرضوا لعمليات تفجير وتدمير كلي من قبل هذه المجموعات الإرهابية. وحتى في اوج المعارك على عين العرب وتواجد مسلحي داعش بكثافة في تلك المنطقة لم يتعرض الضريح او حراسه من الاتراك الى أي أذى واللذين كانت تقدم لهم الدواعش المأكل والمشرب. وهذا ما يطرح العديد من التساؤلات عن النوايا الحقيقية لمثل هكذا عمل عدواني على الدولة والاراضي السورية. وحتى فيما إذا اردنا ان نصدق الرواية التركية بشأن حماية الضريح فان حمايته تستدعي نقله الى داخل الأراضي التركية وليس نقله الى مكان آخر على الأراضي السورية، حيث الخطر باق اذا ما سلمنا بالرواية التركية. فهل تعتزم تركيا التدخل مرة أخرى فيما إذا ما قررت القيادة الإردوغانية بان الضريح يتعرض لخطر الاعتداء عليه مرة أخرى؟ اللافت للنظر ان القوات التركية التي دخلت الى الأراضي السورية لم تعترض من قبل تنظيم داعش ولا من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري وكلاهما متواجد في المنطقة. وهذا ما يدلل بوضوح على ان الضريح لم يكن تحت أي تهديد، بالإضافة الى ان الامر والمسرحية قد تمت بالتنسيق مع داعش وكذلك حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري. ان عدم اعتراض مسلحي داعش للقوات التركية المعتدية امرا مفهوما حيث ان تركيا قدمت وتقدم لداعش ما لم يقدمه أحد لهذا التنظيم الإرهابي وتركيا تلعب دورا فاعلا في الإبقاء على داعش ونموها والحفاظ على شريان حياتها وطرق امدادها العسكرية والاقتصادية. أما عدم تعرض مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني المصنف إرهابيا من الحكومة التركية والذي هدد سابقا ان أي توغل تركي للأراضي السورية سيعتبر عدوانا وسيجابه من قبل قوات الحزب. وللتذكير هنا فقد رفضت تركيا ان تسمح للشباب الاكراد اللذين تركوا عين العرب الى الأراضي التركية في بداية المعارك بعودتهم للدفاع عنها عندما احتدت المعارك مع داعش التي اطبقت على المدينة ، هذا عدا عن منع إيصال اية امدادات بالأسلحة او حتى المؤن والحاجيات الأساسية ومستلزمات المعيشة لسكانها فلا شك انه امر مستغرب ويدلل على ان هناك طبخة ما تطبخ في دوائر الإستخبارت التركية والأمريكية والقيادة السياسية في كلا البلدين. أضف الى ذلك الصمت المطبق، صمت القبور مما يسمى "بالمجتمع الدولي" والرجعيات في الإقليم التي تتصدر قيادته كلا من السعودية ومشيخة قطر بالتحديد، على هذا الاعتداء السافر على دولة سيادية. ولا بد من ان يتساءل المرء لماذا تقوم الولايات المتحدة والان بالذات الى توقيع اتفاقية مع تركيا خارج ما يسمى "التحالف الدولي" لمحاربة داعش ومن لف لفها من المنظمات الإرهابية؟ ولماذا ما زالت تركيا ترفض الانضمام الى هذا "التحالف الدولي"؟ طبعا هذه الأسئلة وغيرها تثير الكثير من الشكوك حول جوهر وماهية الاتفاق الذي لم يعلن من بنوده الا القليل القليل. لكن الواضح من التصريحات هنا وهناك من ان قطر والسعودية هم جزء من هذا المشروع العدواني. والمتتبع للأحداث يرى أن القضية أبعد بكثير من قضية ضريح تركي ولها تداعيات إقليمية ودولية أيضا. الاتفاقية تأتي في الوقت الذي فشلت المخططات الامريكية والاسرائيلية والأدوات في المنطقة من تحقيق اختراقات ذات أهمية في منطقة الجولان وجبهة درعا ففي كلا الجبهتين اثبت الجيش السوري وحلفائه الى جانب المقاومة الشعبية انهم قادرون على التصدي للمجموعات الإرهابية وتحقيق تقدم وانتصارات نوعية على الرغم من كل أنواع الدعم اللوجيستي والتسليحي وتدخل الطيران والمدفعية لجيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر لدعم المجموعات الإرهابية. فكان على ما يبدو ضرورة التوجه لتفعيل الجبهة الشمالية على الحدود التركية وخاصة مع احياء عملية الحوار بين الأطراف السورية لحل الازمة سياسيا وهو الحوار الذي ترعاه وتشجعه موسكو. ومن هنا نرى التقاطع الواضح بين المصالح والمطالب التركية الآنية والمصالح الاستراتيجية الامريكية في إعادة تقسيم المنطقة ورسم خرائط جيوسياسية وتحالفات جديدة في المنطقة بما يتماشى مع مخططاتها الكونية. تركيا اردوغان لم تتخلى عن مطالبتها بالتدخل العسكري في سوريا من خلال الدعم المستمر والذي لم ينقطع منذ بدء الازمة السورية لإسقاط الدولة السورية والنظام السوري ممثلا بالرئيس الدكتور بشار الأسد، والمجيء بتنظيم الاخوان المسلمين الى السلطة ضمن مخطط الإسلام السياسي في المنطقة الذي تم الاتفاق عليه مع الإدارة الامريكية في مرحلة ما سمي "بالربيع العربي" وتسلم تنظيم الاخوان المسلمين السلطة في كل من مصر وتونس. والذي يبدو ان دخول تركيا الان وتوقيع الاتفاقية التي اشرنا اليها تدخل ضمن هذا التصور التركي للمنطقة. فتركيا ترى في تدريب وتسليح اعداد من "المعارضة السوري المعتدلة" الذي قد يصل عددها الى 15000 مسلح في مدى عام على ان يتم انتقاء هذه العناصر من لجنة مشتركة تركية-أمريكية يخدم مخططاتها في إقامة منطقة عازلة داخل الأرضي السورية وإقامة حظر جوي لضمان إقامة وتنقل هذه المجموعة الإرهابية وحفظ خطوط امدادها بالأسلحة والذخيرة والتموين عبر المعابر التركية. وهذه المجموعة ستعمل بالطبع على مقاتلة الجيش السوري ولا دخل لها في محاربة داعش كما يدعون. ومن هنا تعود تركيا الى واجهة الاحداث وباعتراف "المجتمع الدولي" للتأثير على الاحداث في سوريا بعد ان اهملت لصالح محور السعودية عندما فشلت تركيا وقطر في تنفيذ وعودهم بإسقاط الدولة السورية. ليس هذا فحسب بل أن تركيا ستدفع في إعادة تأهيل تنظيم الاخوان المسلمين وتقبلهم لدى الإدارة الامريكية التي لم تقطع الجسور مع التنظيم أصلا على الرغم من الخفوت والوهن الذي أصاب التنظيم على مستوى الإقليم. وهنالك العديد من المؤشرات على إمكانية عودة التنظيم على الساحة مدعوما من قبل الولايات المتحدة والدول الخليجية ومن ضمنها السعودية التي ادرجت تنظيم الاخوان المسلمين على لائحة الارهاب في زمن الملك السعودي الراحل عبدالله. وهنالك العديد من المؤشرات التي تدلل على ذلك ومن ضمنها ما ادلى به مؤخرا وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في احدى المقابلات التلفزيونية التي أجريت معه مؤخرا حيث قال " ليس لدينا أي مشكلة مع الاخوان المسلمين، مشكلتنا مع مجموعة صغيرة تنتمي الى هذا التنظيم" (Middle East Eye 11 Feb 2015). وتدعيما لهذا التوجه السعودي الجديد فقد صرح السيد التويجري الذي يعتبر من المقربين من الملك الجديد سلمان والمستشار الغير رسمي له من انه من غير المنطقي اعتبار تنظيم الاخوان المسلمين تنظيما إرهابيا. ومن المعروف ان النظام السعودي يقيم علاقات كبيرة مع العديد من المجموعات الإسلامية التي تنتمي الى هذا التنظيم في العديد من الدول الأوروبية والاسيوية وتغدق عليهم الأموال لبناء المساجد وإقامة المدارس لتحفيظ القران وتدريس المذهب الوهابي والتي تخرج منها العديد من الإرهابيين وقيادات القاعدة والدواعش الجدد. الى جانب ذلك يضاف الاجتماع الذي عقد بين قيادات من تنظيم الاخوان المسلمين في مصر والمقريبين من هذا التنظيم مع مسؤولين في وزارة الخارجية الامريكية بالإضافة الى مسؤولين في البيت الأبيض وهو ما انكرته القيادة الامريكية وعادت واعترفت بهذا الامر بعد نشره في الصحف الامريكية. ومؤخرا أيضا استضاف البيت الأبيض بحفاوة الشيخ تميم أمير قطر على الرغم من القناعة والأدلة المادية التي عرضتها العديد من مراكز الاستخبارات العالمية ومراكز الابحاث الغربية عن الدعم المالي والسياسي الذي تقدمه قطر الى المجموعات الارهابية مثل النصرة وداعش جنبا الى جنب مع تركيا الى جانب علاقاتها المميزة بتنظيم الاخوان المسلمين في جميع دول الإقليم من مصر وليبيا واليمن وتونس والسودان وتقديم كافة اشكال الدعم لهم. والذي تتبع تصريحات الغزل بين أوباما والشيخ تميم يدرك ان الإدارة الامريكية تريد ان تعطي دورا لقطر الاخوان المسلمين في المنطقة ولا يستبعد ان يكون ذلك على حساب السعودية، والا فماذا يعني دعوة الإدارة الامريكية للشيخ تميم الى واشنطن وتصريحات أوباما من ان قطر " هي الشريك القوي في تحالفنا لإضعاف الدولة الإسلامية والقضاء عليها بعد ذلك". والتصريح الذي ادلت به لوري بوجهاردت مسؤولة كبيرة والخبيرة في شؤون الخليج بمركز واشنطن لسياسات الشرق الأدنى والمعروفة بقربها من دوائر صنع القرار من ان " واشنطن والدوحة يتقاسمان شراكة استراتيجية قوية واستثنائية" ((Middle East Eye 24 Feb 2015. ومن ان "واشنطن والدوحة بالتأكيد يختلفان في عدد من الأمور، ولكننا رأينا المرة تلو الأخرى من ان الشراكة الاستراتيجية بين الحليفين تطغى بالأهمية على كل هذه الخلافات". وهي نفس الكاتبة التي كتبت مقالا في المجلة New Republic الامريكية بعنوان "" قطر..حليف الولايات المتحدة المحرض على الارهاب" في 6 أكتوبر 2014. وقد اثارت قطر زوبعة سياسية عندما تحفظت على البيان الذي صدر عن ما يسمى "جامعة الدول العربية" التي تعطي مصر الحق بالدفاع عن امنها القومي بعد ذبح 21 عاملا مصريا في ليبيا على ايدي داعش والتي قامت على اثره الطائرات المصرية بشن هجمات في الداخل الليبي على معسكرات تنظيم داعش، مما حدا بالمندوب المصري باتهام قطر بدعمها للإرهاب. وما تبع ذلك من اصدار بيان من الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي في جدة شديد اللهجة ضد مصر والوقوف الى جانب قطر. وعلى الرغم من "طبطبة" الموضوع من قبل مجلس التعاون باصدار قرار ثاني بدعم مصر والرئيس السيسي الا ان هذه السابقة يجب ان لا نمر عليها مر الكرام، لأنها تؤكد أن هنالك توجه عام للتخلي عن مصر حتى من قبل السعودية التي كانت ربما تأمل في الإمساك بالقرار المصري وضم مصر الى تحالف عربي يضم الأردن والمغرب ودول مجلس التعاون الخليجي تحت رعاية أمريكية لمحاربة سوريا والوقوف في وجه ايران، وهو ما لم تفلح فيه السعودية لغاية الان على الرغم من المليارات التي ضختها في مصر بعد اسقاط حكم الاخوان المسلمين وصعود السيسي كرئيس لدولة مصر. وهذه الحادثة تدلل أن السعودية وخاصة مع وصول الملك الجديد سلمان لم تعد تعول على هذا المحور وربما هذا يفسر جانب من التقارب ما بين السعودية وقطر التي وقفت وما زالت تقف مع الاخوان المسلمين في مصر وتقدم لهم كافة الدعم. ولقد ذكرت العديد من الصحف والتقارير الامريكية عن التنسيق ما بين السعودية وإسرائيل في كل ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني ولقد اشارت صحيفة وول ستريت جورنال ( 20 فبراير 2015 ) أن السعودية أبدت استعدادا للسماح للطائرات الإسرائيلية باستخدام الأجواء السعودية لضرب المفاعلات النووية الإيرانية. ولن يكون من المستغرب ان نسمع في القريب العاجل عن تقارب تركي-سعودي وخاصة وان السعودية تشارك تركيا اردوغان فيما يخص النظام في سوريا والعداء المفضوح او المستتر لإيران ودورها في الإقليم. وبالتالي فان المشهد السياسي والتحالفات في المنطقة آخذة بالتبدل على ما يبدو. ومن المفيد ان نذكر هنا بالبيان الذي أصدرته مجموعة الاخوان المسلمين من تركيا التي تدعو بها عناصرها لحمل السلاح واللجوء الى العنف في مصر لاسترجاع "الشرعية" التي سلبت من الاخوان بإزاحة مرسي عن الحكم. ولقد سربت بعض الاخبار مؤخرا مفادها ان الولايات المتحدة اشترطت التصالح مع الاخوان المسلمين في ليبيا وتنحية اللواء حفتر المرشح لان يكون قائدا عاما للجيش الليبي كشرط أساسي لرفع الحظر المفروض على تسليح الجيش الليبي ومساعدته في الحرب على تنظيم داعش في ليبيا. ومن المعروف ان اللواء حفتر مدعوما من قبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ودولة الامارات العربية، وقد قام بأكثر من زيارة سرية الى مصر الذي زودته بأسلحة لمساعدته في الحرب ضد المجموعات الإرهابية في ليبيا وكذلك المجموعات المرتبطة بالإخوان المسلمين. ما نريد أن نستخلصه هو القول بان هنالك العديد من التحركات التي تدلل على عملية احياء مشروع الإسلام السياسي في المنطقة وان المنطقة مقبلة على إعادة ترتيب وتركيب محاور جديدة وهذا من شأنه ان يخلق مزيدا من التعقيدات امام حلول أزمات المنطقة سواء في ليبيا او سوريا او اليمن او العراق او مصر. ان الاعتداءات التركية الأخيرة على الأراضي السورية وتوقيع الاتفاقية مع الولايات المتحدة فيما يخص الشأن السوري تحمل في ثناياها اخطار كبيرة على المنطقة. واذا ما أخذنا بعين الاعتبار حالة التسخين التي تشهدها المنطقة من زيادة في التواجد العسكري في منطقة الخليج مع وصول حاملة الطائرات الفرنسية "لقتال داعش" في العراق وارسال 4000 جندي امريكي الى الكويت واستعدادهم للدخول الى الأراضي العراقية للمشاركة في "قتال داعش"، الى جانب التفويض الذي قدمته ادارة اوباما الى الكونغرس الأمريكي لقتال داعش الذي سيتيح للرئيس مقاتلة داعش والأشخاص والمجموعات المرتبطة بها دون تحديد الجغرافيا الى جانب امكانية ارسال قوات أمريكية للاشتباك على الأرض مع هذه القوى فان الأمور لا تطمئن على المستوى المنظور. وما شهدناه في الفترة الأخيرة من طلعات جوية وضربات لمراكز داعش في سوريا من قبل الطائرات الأردنية المقاتلة ردا على مقتل الطيار الأردني الذي اسقطت طائرته فوق الرقة والقصف الجوي وعملية الانزال لقوات خاصة مصرية داخل الأرضي الليبية تشير الى ان القتال ضد داعش بدأ يأخذ مسارا لا يوجد فيه تحديد الحدود الجغرافية لقتال داعش. ونحن نعلم ان طائرات من دولة الامارات وبعض الدول الخليجية تشارك ولو بشكل رمزي في عمليات القصف الجوي. ولا بد لنا ان نتخوف من انه ضمن حالة الفوضى القائمة وعدم وجود حدود جغرافية لقتال داعش التي تتمدد بشكل سرطاني في المنطقة من المحتمل ان تقوم دولة ما في استغلال حالة الفوضى هذه للقيام بعمل أحمق لا يمت بأية صلة بمحاربة داعش. وربما هذه احدى الرسائل التي ارادت لها إيران ان توصلها من اجراء المناورات العسكرية لقواتها البحرية والارضية والجوية التي حاكت تحطيم بارجة حربية حاملة طائرات أو الاستيلاء عليها. ومع اقتراب المفاوضات الدول الكبرى مع ايران بشأن برنامجها النووي من نهايتها للتوصل أو عدم التوصل الى توقيع اتفاقية وتهديدات الكيان الصهيوني الغاصب بضرب المنشآت النووية الإيرانية في حالة التوقيع على اتفاق لا يرضيه والتصريحات الإيرانية بتسوية مدن رئيسية في الكيان الغاصب بالأرض تزيد من سخونة الوضع في المنطقة. المنطقة مقبلة على مجابهات ساخنة فمعسكر الأعداء ممثل بالولايات المتحدة وحلفاءها وادواتها في المنطقة لن تستسلم بسهولة وستحاول حتى اللحظة الأخيرة للحصول على بعض المكاسب وهي على استعداد لتغير اساليبها وطرقها وتحالفاتها وادواتها وفتح جبهات مواجهة جديدة كلما فشلت في احدى الجبهات. كما ان عملية المجابهة والتسخين غير مقصورة على منطقتنا بل تمتد لتصل الى اوكرانيا التي لم تتوقف الإدارة الامريكية من توجيه الاتهامات لروسيا بالتدخل عسكريا في أوكرانيا الشرقية دون ان تقدم دليلا ماديا واحدا على هذا التدخل والغرض طبعا هو الاتجاه الى تغذية منحى الصدام مع روسيا وفرض مزيد من الضغوطات الاقتصادية والسياسية والعسكرية عليها. الولايات المتحدة لا تريد لاتفاقية مينسك بين أطراف نورماندي ان ترى النور وتصر على فرض المزيد من العقوبات على روسيا والتصادم معها حتى لو كان هذا التصادم ينقلب كارثيا على حلفاؤها من الدول الأوروبية.