2024-04-20 04:00 م

سورية... شجاعة الكلمة والموقف

2015-02-28
بقلم: الدكتور فيصل المقداد
بدايةً نقول: نحن لسنا هواة مهاجمة سياسات أو مواقف أي كان في ما عدا سياسات ومواقف أعداء الأمة، وفي هذه الحالة المقصود بذلك هو «إسرائيل» ومن يدعم سياساتها المتمثلة باحتلال أراضي الغير والاعتداء على حقوقهم ومحاولة قضمها وتجاهلها للشرعية الدولية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإننا أقل الناس رغبةً واندفاعاً في إلقاء الدروس والمحاضرات على الآخرين، إلا أننا نؤكد أيضاً أننا في وقت نحترم آراء ووجهات نظر الآخرين، إلا أننا نمارس قناعاتنا وندلي بآرائنا من دون خوف أو وجل.

وإذا كنا في سورية قيادةً ومواطنين قادرين على التعبير عن وجهات نظرنا إزاء تطورات إقليمية وسياسات دولية بكل صراحة في كثير من الأحيان، فلأننا لا نخاف في الحق لومة لائم. وعلى رغم الانطباعات النمطية التي تم وسم السوريين بها من قبل أعداء سورية الداخليين والخارجيين لتشويه صورة سورية، إلا أن الحقيقة الناصعة تُشير إلى أن سورية لم تتردّد في إعلان مواقفها إزاء قضايا إقليمية ودولية حساسة، الأمر الذي جلب لها في كثير من الأحيان المتاعب والضغوط الخارجية، بينما زادت هذه المواقف من ثقة الشعب السوري بقيادته والمواقف التي تتبناها إزاء قضايا عربية ودولية.


كل ما قلناه سابقاً يتعلق بما برز من مواقف على مختلف الأصعدة أثبتت صواب السياسات السورية سواءً إزاء أوضاع القطر الداخلية أو إزاء قضية سورية المركزية قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه، والتي لم تعد للأسف مسألة تثير أدنى اهتمام من قبل العديد من أمراء وملوك وقادة بعض الدول العربية، بل إن الكثير من هؤلاء يضع يده بيد «إسرائيل» وينسّق سياساته معها ويدفع لها ثمن عدوانها على العرب الصامدين. إن الصحوة الخجولة لبعض المسؤولين الغربيين وتغييرهم تفكيرهم إزاء ما تمر بها سورية يظهر، بما لا يترك مجالاً للشك، صحة استراتيجيات سورية وصمودها المشرّف دفاعاً عن قناعات شعبها. وقد تمثل ذلك من خلال تدفق الوفود الذي شهدته دمشق أخيراً بما في ذلك وفود فرنسية وهندية وباكستانية وأميركية شعبية ورسمية، ناهيك عن الوفود الكثيرة التي تزور دمشق ولا يُعلن عنها.

إن ما دفعنا إلى قول ما قلناه هو تلك المواقف التي اتخذتها بعض الدول الأوروبية، على سبيل المثال، إزاء الأحداث في سورية ووقفت فيها إلى جانب الإخوان المسلمين و»داعش» و»جبهة النصرة» و»جيش الإسلام» و»الجيش الحر» الإرهابي، الأمر الذي استفزّ الرأي العام في بلدان مثل فرنسا وأدى بشكل مباشر إلى تشجيع بعض المجموعات المتطرفة التي دعمتها فرنسا في سورية لارتكاب جرائم في باريس وغيرها من المدن الفرنسية. إن زيارة الوفد البرلماني الفرنسي إلى سورية واللقاءات التي أجراها مع القيادة في دمشق، تظهر مدى عزلة القيادة الفرنسية التي أظهرت كل استطلاعات الرأي العام الفرنسي عدم ثقة الشعب الفرنسي بها حيث لا يزيد مؤيدو هذه القيادة عن 11 في المئة من الفرنسيين. وأعاد الرأي العام الفرنسي تأكيده عدم ثقته بقيادته بعد زيارة الوفد البرلماني الفرنسي إلى سورية حيث وقف الرئيس الفرنسي ضد هذه الزيارة بينما أيدها 88 في المئة من الذين استطلعت آراؤهم من الفرنسيين. إن من لا يحظى بدعم أكثر من 12 في المئة من أبناء شعبه هو طاغية ولا يمثل شعبه وإرادته ولا تعبر سياساته عن رأي شعبه وهو بالنتيجة وبموجب مبادئ الديمقراطية الأوروبية يجب أن يرحل. وعندما كشفت الدوائر المعنية أن الداعشي الذي قام بذبح المعتقلين الأميركيين واليابانيين هو البريطاني «جون الجهادي»، وأن اسمه الحقيقي هو «محمد الموازي» فإن ذلك يضع الحكومة البريطانية أمام مسؤولياتها وضرورة العودة عن سياساتها إزاء سورية وإزاء الأحداث التي شهدتها مصر وليبيا وتونس واليمن وسورية والعراق، وما على القيادة البريطانية وغيرها من أوروبيين إلا أن يعيدوا التركيز على احترام مسؤولياتهم أما شعبهم أولاً وذلك من خلال مكافحة الإرهاب في بلدانهم وخارجها، وسيحكم الشعب البريطاني وغيره من الشعوب الأوروبية على هؤلاء الحكام الذين تطاولوا على حريات وإرادة الشعوب الأخرى. وفي كلتي الحالتين الفرنسية والبريطانية فإنه أصبح واضحاً أن كل مواقفهما تنبع من خلفية الشوق والحنين إلى إعادة الاستعمار إلى المنطقة بكل ما يحمل هذا التاريخ الأسود من معان، وحرصاً من طرف هؤلاء على مصالح «إسرائيل» أكثر من حرصهم على مصالح شعوبهم وبلدانهم.

إن ابتعاد المسؤولين الأوروبيين والأميركيين وغيرهم من القيم والمثل الكونية التي تمثلت بميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي أصبحت معايير ملزمة لضمان أمن وسلام العالم، هو الذي أدى إلى هذا الاختلال الفاضح في الوضع العالمي بدءاً من الأحداث التي نراها في أوكرانيا إلى أحداث المنطقة العربية. فكيف يمكن لقادة الغرب وأتباعهم في المنطقة العربية أن يدعوا حرصهم على إعادة الأمن والاستقرار في ليبيا وهم الذين غزو هذا البلد العربي وقتلوا عشرات الآلاف من أبنائه ودمروا ثرواته ويعملون على تفتيته من قبل الإرهابيين الذين قدّموا لهم المال والسلاح؟ وكيف يمكن لهؤلاء أن يدعوا حرصهم على أبناء الشعب السوري وهم يرسلون إليه عشرات الآلاف من القتلة ويتحالفون مع كل إرهابيي العالم بشكل فاضح ويروّجون لمفهوم المعارضة المسلحة المعتدلة والجيوش الحرة الإرهابية وإعادة تأهيل المنظمات الإجرامية مثل «جبهة النصرة» الإرهابية؟ إن من يعتمد قرارات مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن ويعود لمخالفتها على أرض الواقع ويعطي الغطاء لتركيا والسعودية ودولاً أخرى لتمويل وتسليح وتمرير وتدريب الإرهابيين لقتل السوريين والعراقيين، إنما هو جزء لا يتجزأ من مؤامرة كونية على أحرار العالم في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية وحتى أوروبا.

أما نحن في سورية فإن كلمتنا سنقولها ومواقفنا سنعلنها، رضي الغربيون وأدواتهم أم لم يرضوا. وها هو جيشنا البطل يخوض حربه الكونية ضد الإرهاب والتطرف والغطرسة، ولن يثنينا عن تحقيق انتصارنا على الإرهاب أي دعم يقدمه الغربيون وأدواتهم للإرهابيين من خلف ظهور شعوبهم، فهؤلاء يدعمون الإرهاب ويعتمدون عليه في تفتيت وحدة أرض وشعوب البلدان التي ترفض الانصياع لإرادة المستعمرين أو الخضوع لسيدهم «الإسرائيلي».

عن صحيفة "البناء" اللبنانية