2024-04-25 03:46 ص

الرقص مع الشيطان

2015-03-01
بقلم: سمير الفزاع
حقق حلف العدوان على سورية نجاحات كبرى في العامين الأولين من الحرب، ولكن هذه النجاحات بقيت تكتيكية موضعية لأن الهدف الرئيسي بإسقاط النظام لم يتحقق. تشعبت الجبهات، وتنوعت الولاءات، وتضاربت المصالح، وتوسعت رقعة المواجهة، وذابت الحدود علناً وبمشاركة دول حلف واشنطن المزعوم ضد داعش بعد تدهور المشهد الميداني... إنها مرحلة جديدة من"الفوضى الخلاقة"، وهذا "هدف عزيز" على قلب جبهة المقاومة، وقد تحفظت طويلاً قبل الإندماج فيه واللجوء إليه، لا أحد في المنطقة يجيد هذه "اللعبة" ويصبر على نتائجها مثل أعضاء محور المقاومة. لا أبالغ إذا قلت أن هذه الفوضى القاتلة كانت بداية الخروج من النفق. عندما فشلت واشنطن بالسيطرة على سورية عبر "ربيع عربي" مزعوم، إضطرت للتعامل علناً مع مصطلح جديد كليّاً في التاريخ السياسي، "المعارضة السورية المسلحة" ولا أفهم كيف يمكن لمعارضة، أي معارضة أن تكون مسلحة!؟. مع تطور الأحداث، وتصارع الجماعات المسلحة بفعل تضارب مصالح حلفاء واشنطن كما أعلن نائب الرئيس الأمريكي بايدن، والظهور العلني لتنظيم القاعدة في المشهد السوري، إضطرت واشنطن بعد أن فقأت عينيها حقائق الميدان التي تثبت وجود القاعدة للحديث عن "معارضة سورية معتدلة". لكن الحديث عن "معارضة معتدلة" قادرة على التغلب على الرئيس السوري ضرباً من ضروب الفانتازيا كما قال أوباما، الخطة البديلة التي سبقت إطلاق هذا التصريح كانت داعش. مَثّل ظهور داعش مرحلة جديدة من الحرب على سورية، إنها مرحلة إستلام تركيا للملف من الأيدي "العربية" والقطرية والسعودية بشكل أكثر تحديداً، بأوامر أمريكية. بمساعدة أدواتها في العراق، سلّمت تركيا محافظة نينوى لداعش دون رصاصة واحدة، وسلحتها بعتاد وآليات فرقتين مدرعتين عراقيتين مكلفة بحماية المحافظة، ومولتها بمئات الملايين من الدولارات من المصرف المركزي بالموصل وبقيّة المؤسسات العامة والخاصة، ومنحتها الغطاء الشرعي والسياسي... إنها الثورة السُنيّة ضد التهميش والظلم الشيعي!؟. أيام قليلة وتزحف داعش إلى محافظات ديالى وصلاح الدين والأنبار، لتقف على مشارف بغداد، وعلى الجانب الآخر من الحدود، تدخل داعش الرقة السورية بعميلة تسليم تركية واضحة للمدينة، وبأقل الخسائر. بأقل من شهر تسيطر داعش على مئات ألآف الكيلومترات المربعة في سورية والعراق، مارست فيها التطهير الإثني والطائفي والتعددي والتاريخي... بأبشع الصور، لتنتج صورة تحمل عنوانين رئسيين، شريط داعشي من الحدود الإيرانية إلى مشارف بغداد وصولاً إلى شمال شرق سورية وحتى أبواب حلب، وشريط آخر يتشكل بصعوبة وتحفظ كبير "يضم كردستان" العراق وما تيسر من كرد سورية... إنها "أحزمة" أردوغان لإعادة تشكيل المنطقة. على عجل، تدخل شرفاء العراق لإستعادة المبادرة من يد تركيا وواشنطن، بإحداث تغيير جوهري بموازين القوى على الأرض بإطلاق ملحمة الحشد الشعبي، وسارعت سورية بتقديم الدعم الجوي الممكن، وأرسلت إيران وحزب الله الخبراء بحرب العصابات والمستشارين العسكريين. وعلى الجبهة السورية، أعيد توزيع القوات التي يصعب الدفاع عنها وإن بخسائر باهظة، وتقوية مراكز الدفاع الإستراتيجي في دير الزور والحسكة والقامشلي لمنع المخطط الأمريكي-التركي بشقيه، وتحصين حلب وأواسط البلاد. كان لتجربة الحشد الشعبي في العراق مع داعش وداعميها فوائد كبيرة إنعكست بمعظمها على الساحة السورية، والعكس صحيح. لقد عجّلت هذه التجربة، وخصوصاً لناحية الشراكة العلنية من قبل سورية وإيران وحزب الله وروسيا في مساعدة العراق على إستعادة توازنه وزمام المبادرة. ثم جاء العدوان الصهيوني على مستودعات في مطار دمشق الدولي ومطار الديماس، ليدخل الإستعداد لتطويق "جدار العدو الطيب" في الجولان مراحله النهائية، وكان العدوان الصهيوني على قافلة شهداء القنيطرة شرارة البدء، وخطأه الإستراتيجي الذي لم يفهم حتى تلك اللحظة معنى تجاوز سلاح الجو السوري للحدود مع العراق وحضور حزب الله وإيران وروسيا هناك، ومنذ اللحظات الأولى. ألم يقل أحدهم "عندما يعجز الذكاء يتدخل الشيطان"، عَجِزَ ذكاء قادة كيان العدو وشُلّت إرادتهم ما أدخله في دوامة خانقة من فقدان الوزن والقيمة، سكتوا وراقبوا جهدهم يتداعى، وراح نتنياهو يصرخ بوجه حليفه الأمريكي –الشيطان- الذي يتخلى عنه رويداً رويداً. يرى نتنياهو كيف سقط حلفائه في قطر ومصر والسعودية... ويتسائل، أرأسي هو الضحيّة التالية للمقصلة السورية؟!. يعرف الجواب جيداً، ويدرك أن مستقبله السياسي قد إنتهى، ولن يختلف مصيره عن مصير مرسي والحمدين وبندر وبترايوس... . كيف لا، وهو يرى تلك الرؤوس المبعثرة لحلفاءه، ورأس أردوغان الذي يهتز بشدة بين يدي حقان فيدان. وهذا الآخر، يقبل بمهمّة رفضها لقرابة العام بتدريب "معارضة" يعرف جيداً هزالتها وصفريّة جدواها، وسيقبل برئاسة السيسي ولن يجرؤ على القول بأنه مجرد دكتاتور مجدداً، وسبدأ بحصار داعش، ولن يسعفه إلا كرد سورية، ألم يوكل لهم مهمة حماية جده الأكبر سلمان شاه الذي هرّبه على عجل ليلاً، ليحاول دفنه مجدداً بين عين عرب وجرابلس ليمنع إقامة "الجيب الكردي" إلا بشروط؟. أنجز الحل في أوكرانيا، وقالت زعيمة أوروبا، ميركل: مشاكل أوروبا لا تحل إلا بالتعاون مع موسكو لا ضدها. فرنسا تشعر بأنها الخاسر الأكبر في سورية ولبنان والعراق وجزيرة العرب... فأندفعت خلف ستار من التمنع بحكم الخوف والحاجة نحو دمشق بوفد يمثل الجيش والأمن وحتى مقربين من قصر الإليزيه الذي كان قد أمر بتأجيل الزيارة ذاتها قبل تسعة شهر. كلام كثير عن الرئاسة اللبنانية، والعماد ميشيل عون الأوفر حظاً. ثورة حقيقية في اليمن وإنقلاب جذري في المشهد، هروب دبلوماسي أمريكي وغربي وسعودي من صنعاء، في حين تمارس سفارتي موسكو وبكين أعمالهما كالمعتاد على أبواب مضيق باب المندب. مجرد رأي، لم تجلب شهادة معاذ الكساسبة حرقاً على يد داعش المزيد من التدخل الأردني في الحرب على سورية وفق السناريو الشائع، دون توقف هذا الدور حتماً؛ بل ساعد في شدّ عصب الشعب الأردني بوجه الجماعات المتطرفة عموماً وداعش خصوصاً، وإستعادة القيادة الأردنية لشارعها بمعظمه على الأقل في معركتها مع جماعة الإخوان المسلمين بعد تغولها عقب إنتصار مرسي وغزة الذي حاولت تجييره لصالحها، وتخفيف الضغوط الخليجية والسعودية خصوصاً لناحية إنخراط أكبر للأردن في الحرب على سورية بدعوى مخاطر إنفجار داخلي يتهددها إذا ما تكرر مشهد مماثل لإعدام الكساسبة، خصوصاً بعد الأنباء التي تحدثت عن وجود ثلاثة ألوية من قوات درع الجزيرة على الحدود الأردنية-السورية. داعش تنهار في سورية والعراق، ما دفع واشنطن لتسريب خطة تحرير مدينة الموصل بكامل تفاصيلها للإعلام لتكسب بعض الوقت لترتيب أوراقها. تستقبل الخارجية الامريكية قبل شهر تقريباً وفداً قيادياً من جماعة الاخوان المسلمين المصرية، وبعدها يتراجع سعود الفيصل عن وصفه للإخوان المسلمين بالجماعة الإرهابية ليحصر تهمة الإرهاب بمن في عنقه بيعة للمرشد، وإخوان الأردن ينشقون على أنفسهم وعن المرشد، وأردوغان مستعد لتبريد المواجهة بين مصر والاردن والسعودية من جهة وجماعة الإخوان من جهة أخرى، وهو ما إستعد به مواربة أمير قطر من واشنطن. تقول صحيفة زمان التركية: ما حصل لقبر سلمان شاه هزيمة، وكل حديث آخر مجرد كلام فارغ. الهروب بجثة سلمان شاه ورفيقيه، وتدريب "معارضة سورية معتدلة"، وهذا لا يفسر إلا بأن تركيا مقبلة على مرحلة جديدة، تناكف فيها داعش على الأقل، وما هذه القوة الإرهابية التي تدربها إلا تحسب من تداعيات وقوف الجيش العربي السوري وحلفائه على خط الحدود التركيه، وإحتمال مشاغلته تركيا بدعم أعداء أردوغان، كحزب العمال الكردستاني مثلاً. هجرة أردوغان والسيسي... وقبلهم أمير قطر إلى الرياض، تفسر بإنحسار الخيارات أمامهم وبات خيار تشكيل محور تركي-أردني-مصري-خليجي ضرورة ملحة ليس لوقف إنتصارات جبهة المقاومة وإنما لمنع تمددها خارج دول هذا المحور. ألا يسمح لنا هذا المشهد بإستحضار بعض الصور القريبة والمتوسطة من رحم المستقبل؟ نعم، ومنها: 1- عندما إستخرج أردوغان رفات سلمان شاه دفن مكانه أحلامه السلطانية والعثمانية. 2- إنتهى الزمن الذي يتحرك فيه مئات الألآف من الجنود الغربيين والأميركيين في المنطقة لفرض إرادتهم وتطويع أعدائهم، وصاروا مجبرين على "الرقص" مع من كانوا يرونهم محور الشر وحلفاء الشيطان. 3- على دول المنطقة التي تدور في فلك واشنطن، أن تضمن أمنها الوطن والإقليمي بنفسها وبتحالفها مع آخرين بذات الموقع من واشنطن والصراع في المنطقة. 4- لم يعد الكيان الصهيوني قادراً على شنّ أي حرب أو حتى عدوان محدود، مثل عدوان 2014 على غزة أو الغارة على القنيطره قبل أسابيع. 5- الجولان عائد، وليس أمام العدو الصهيوني وحلفائه إلا أحد خيارين، القنيطرة 1973 أو جنوب لبنان 2000.

الملفات