2024-04-20 04:51 م

الخطة الأمريكية " جـ" .. في معادلة احتضار " داعش " وتعاظم مخزون حزب الله

2015-03-24
بقلم : الدكتور محمد بكر
لم يكن ما أعلنته الاستخبارات المركزية الأمريكية ( السي أي إيه ) على لسان رئيسها جون برينان عن أن زخم " داعش" قد أصبح ضعفيفاً وبدأ بالتقهقر, هو مجرد تصريح للتسويق الإعلامي إنما انعكاسٌ فعلي لمدى الخسائر التي مني بها التنظيم خلال الفترة القصيرة الماضية بفعل الضربات القاصمة التي تلقاها في الساحتين العراقية والسورية اللتين يمضي فيهما الجيشين السوري والعراقي قدماً في تحقيق التقدم النوعي على الأرض ويفرضان سيطرتهما على جملة من المواقع الهامة , ما يؤشر بالمعنى الاستراتيجي إلى احتضار المشروع الأمريكي وخطته , الخطة " ب" الذي كان فيها تنظيم " داعش" اللاعب الرئيس والمنفذ بدقة للأجندات الأمريكية , هذه الخطة التي جاءت تصحيحاً للخطة " أ " المسماة ربيعاً التي فشلت بدورها في تقسيم المنطقة وفق سايكس بيكو ثانية , وعليه وبناء ً على مفرزات الميدان ومآلات نتائجه غير السارة من المنظورين الأمريكي والإسرائيلي , وبعد فشل كل ماتم التعويل عليه ,حتى على الساحة اليمنية التي حاول فيها الأمريكي بدأب تعويض الكفة في محاولة لفرض سياساته وامتلاك أوراقاً رابحة فيها تؤثرعلى خصومه السياسيين ,قد باتت خارج المرسوم والمحدد أمريكياً , ولاسيما بعد الدعوات للنفير العام والتحشيد الشعبي لمواجهة القاعدة و" داعش " , أضف إلى ذلك ما تناقلته وسائل إعلام إسرائيلية حول تقديرات جيش الاحتلال الإسرائيلي لما باتت عليه القدرة العسكرية والتسليحية لحزب الله ولاسيما الصاروخية منها والتقنية وفي توقيت له مدلولاته السياسية في أن المراد الإسرائيلي وما كان يمني به النفس لجهة استنزاف قدرات الحزب في معارك وساحات أخرى ولاسيما في سورية , قد ثبت وبتقديرات مؤسسته العسكرية نفسها أن كل تلك الأمنيات قد قضى عليها ما بات في جعبة الحزب, الأمر الذي يهدد أمن الكيان الصهيوني ويحسب له إسرائيلياً ألف حساب, إذ أشارت تلك التقديرات إلى أن الحزب يمتلك 700 صاروخ طويل المدى , و5500 صاروخ متوسط المدى , و100 ألف صاروخ قصير المدى , وأكثر من 150 طائرة من دون طيار , ولايحتاج الأمر هنا للكثير من الإلمام والخبرة العسكرية لإدراك أن مثل هذا المخزون قادر على المواجهة الفاعلة وتغيير الموازين في المعركة المقبلة , وتنفيذ الوعود التي قطعتها المقاومة على نفسها لجهة تحرير الجليل , ويقين الدخول إلى القدس , لا بل حتى تسوية تل أبيب بالأرض " على الطريقة الإيرانية " , انطلاقاً من ذلك لابد إذاً من التصحيح على طريقة بريجنسكي الذي رسم ملامح وضرورة الحاجة لتنشيط حرب خليجية ثانية على هامش حرب الخليج الأولى في ثمانينيات القرن الماضي لتتمكن الولايات المتحدة من خلالها تصحيح حدود سايكس بيكو بما يخدم المصالح الأمريكية , هذا التصحيح الذي تعمل من خلاله الولايات المتحدة حالياً على تهيئة وإعادة هيكلة " كيان جديد" يشكل جوهر الخطة الأمريكية " جـ " وهو ما يسمى أمريكياً " معارضة معتدلة " وبالطبع إنه لايحمل من الاعتدال إلا الاسم فقط , وهنا قد يبدو أن هذا الطرح لا يشكل حدثاً جديداً , وإننا لا نذيع سراً عندما نتحدث عنه إذ لطالما تم الإعلان عن ذلك صراحة من قبل واشنطن وحلفائها غير مرة, لكن الجديد هو طريقة استيلاد هذا الكيان وتهيئته وتوجيهه والجغرافيا التي سيتحرك ضمنها , والأهم هو تغطيته سياسياً ولوجستياً تحت مسمى مكافحة الإرهاب , وتقديمه كبديل " شرعي" وشريك لواشنطن وحلفائها سيما وأنه تم الإعلان أمريكياً عن عدم وجود شريك للولايات المتحدة في سورية . النقطة الأبرز في اعتقادنا هي التزامن في الحديث أمريكياً وعربياً , والتماهي غير البريء في الرؤى والاستراتيجيا, وتطابق عناوين التوجهات خلال المرحلة القادمة , عندما اقترح مجلس وزراء الخارجية العرب التحضيري للقمة العربية المقبلة في القاهرة ضرورة تشكيل قوة عربية مشتركة لمواجهة الإرهاب على الأرض, وربطاً مع ماتم إعلانه أمريكياً عن نية واشنطن تدريب وحماية مسلحين يجري إعدادهم في معسكرات على الأراضي التركية والسعودية تمهيداً لزجهم في الداخل السوري , إضافة لما ألمح إليه مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة عن إمكانية فرض حظر جوي على مناطق في سورية , إنما يدلل على ماهية المرحلة المقبلة وجديدها الذي تحمله فيما يتعلق بالمولود الجديد المسمى " معارضة معتدلة " , وهنا نسأل إن كان زخم داعش قد بدأ بالتقهقر , وإن كانت مفرزات الميدان تدلل بشكل قطعي على إمكانية الجيوش في هزيمة التنظيم , فلماذا يأتي الحديث في هذا التوقيت عن تشكيل قوة عربية مشتركة واستيلاد جسم مسلح جديد بكوفية " معتدلة " ويقال أن ذلك لمواجهة داعش , ولماذا يسارع البيت الأبيض لتنصيب نفسه محامياً " للدفاع " عن التنظيمات المتطرفة عندما ادعى أنه لا تتوافر بحوزته أي دلائل على استخدام " داعش " لغاز الكلور ضد قوات البيشمركة , وأن التفجيرات الإرهابية التي حدثت في صنعاء لا دليل على ضلوع أيادي المتشددين فيها على الرغم من تبني داعش لها ؟ إن الطرح العربي بتشكيل قوات مشتركة من جهة , والتحضير الصهيو- الأمريكي لمنتجه الجديد " المعتدل " من جهة ثانية؟, إنما يأتي في إطار التكامل الأمريكي – الخليجي في صياغة الحلول وتصنيع المخارج من جملة المآزق التي تحاصر المخططات المتهالكة وفي محاولة لتخليصها من " سكرات الموت" ودب روح التصعيد وبث عوامل التجدد فيها , ومن هنا نفهم ما نقلته الإذاعة الإسرائيلية عن أن قادة " المعارضة السورية " قد أبرقوا لنتنياهو مهنئين ومباركين بفوزه في الانتخابات , هذه المباركة التي يمكن وضعها في سياق " الجاهزية " لتلقي العروض ولعب الأدوار. إن كل التحولات الأمريكية وما يحكى عن انعطافات في مقاربة المشهد السوري وحتى الإيراني لم يغادر الإطار اللفظي حتى الآن, ولأن السياسة الأمريكية واحدة في رؤيتها لمختلف القضايا الشائكة على مستوى المنطقة يتمحور فيها النفاق والكذب في لب عملها , فقط انظر للتصريحات الأخيرة للأمين العام للبيت الأبيض دنيس ماكدونو الذي طالب نتنياهو بضروة إنهاء احتلال دام قرابة الخمسين عاماً مستغرباً رفض نتنياهو حل الدولتين مضيفاً أنه من حق الفلسطينيين العيش بسلام في دولتهم المستقلة , ما يكرس الإجراء اللفظي الذي لاتسعى فيه الولايات المتحدة مطلقاً لتحقيق الأقوال وترجمتها إلى أفعال وهي التي تواصل دعمها ورعايتها للكيان الصهيوني , لم ولن تنتصر لقيم العدالة , وعند أول استحقاق دولي لإعطاء فلسطين صفة دولة مراقب كانت أول الطاعنين بالقرار الأممي , وكذلك أيضاً فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني , ألم يقر ماكدونو علانية أن الولايات المتحدة تدرك أن إيران التزمت بكل ما قطعته على نفسها حيال المفاوضات , فلماذا تستمر إذاً الولايات المتحدة في مراوغتها وإطلاق التصريحات المقوضة لأي اتفاق , ما يكرس أن ما تنتهجه الولايات المتحدة لايمكن أن يؤمن جانبه على الإطلاق . فهل ينجح الحلف الأمريكي في استيلاد " سلس" لمولوده الجديد الذي انتهى تشكله في الرحم الخليجي ؟ أم إن جبهة المقاومة ستكون السباقة في صياغة إجراءات فاعلة قادرة على إجهاض أي جديد أمريكي تموت معها الاستراتيجيات الأمريكية قبل أن تولد . 
* كاتب سياسي فلسطيني مقيم في سورية