2024-03-28 07:58 م

قراءة في أحداث اليمن!!

2015-03-27
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
تسارعت الاحداث في اليمن وخاصة بعد التدخل العسكري السافر للسعودية التي قامت "طائراتها" بقصف جوي في صنعاء والتي أدت الى استشهاد ما يقرب من 35 شهيدا مدنيا 16 منهم من عائلة واحدة الى جانب أكثر من 50 جريحا كما أوردت الانباء عن وزارة الصحة في صنعاء. ومع ان السعودية لم تكف عن التدخل في الشؤون الداخلية اليمنية منذ عقود بما فيها الاستيلاء على بعض المناطق اليمنية مثل نجران وعسير وجيزان عبر السنوات منذ 1934 مع إقامة مملكة الا سعود، الا ان هذا التدخل يكتسب طابعا مميزا من حيث التوقيت والحجم والاهداف. لا يمكننا ان نتفهم ما حصل ويحصل الان في اليمن الا ضمن الصورة الأعم والأشمل التي تتلخص في الهجمة الشرسة التي بدأتها الولايات المتحدة بشكل مكشوف وواضح على المنطقة مدعومة بالدول الغربية وادواتها في المنطقة وذلك منذ عام 2003 عندما غزت الولايات المتحدة العراق ودمرته بالكامل كدولة ومؤسسات واستولت على مقدرات البلد، تحت ذرائع كاذبة من وجود اسلحة الدمار الشامل. كان هذا إيذانا ببدء سياسة التدخل العسكري المباشر كسياسة معتمدة في المنطقة، مستغلة التفكك الذي حصل لجمهوريات الاتحاد السوفياتي وتهاوي المعسكر الاشتراكي. وكان الغرض من هذا وما زال هو السيطرة على مقدرات المنطقة واقامة أنظمة كرتونية متساوقة مع الاستراتيجية الأميركية راضية بالخنوع والذل لسيد البيت الأبيض والقضاء على كل نظام أو دولة وطنية تقف في وجه هذا المخطط. هذه الاستراتيجية التي تتلخص في التحكم بمصادر الطاقة وطرق امدادها وبأسعارها العالمية بتحويل منطقة الخليج الى بحيرة أمريكية للقواعد العسكرية البحرية والبرية والجوية، الى جانب الحفاظ على امن الكيان الصهيوني كبؤرة ومركز وقاعدة عسكرية متقدمة للولايات المتحدة في المنطقة وما حولها. وما يحدث في المنطقة في العراق وسوريا وليبيا ولبنان واليمن ومصر اليوم يندرج في هذا الإطار لتفكيك المنطقة وإعادة رسم الخرائط وتحطيم القدرات العسكرية للجيوش العربية وتوجيه الطاقات العربية او ما تبقى منها لتدمير بعضها البعض بعد ان فشلت جحافل المغول والتتار الجدد والجيش الأمريكي الذي تواجد على الأرض من تحقيق ذلك. فقط ضمن هذا الإطار والمسلسل نستطيع ان نتفهم الذي يحصل في اليمن اليوم وما يمكن ان يحصل مستقبلا ولكن لا بد لنا من التأكيد على بعض النقاط الأساسية المتعلقة بما يجري حاليا. أولا : ان التدخل العسكري السافر الذي تقوده السعودية في اليمن لم يكن ليأتي دون الحصول على الضوء الأخضر من الإدارة الامريكية ومباركتها لمثل هذا العدوان. لا بل ونذهب ابعد من ذلك فمن التصريحات لوزارة الخارجية الامريكية وكذلك الرئيس أوباما من ان الولايات المتحدة تقوم بتزويد مجلس التعاون الخليجي بالمعلومات الاستخباراتية وتقدم الدعم اللوجيستي للحملة العسكرية على اليمن. لا بل وان الإدارة أبدت استعداها لتزويد الحملة العسكرية والسعودية بالأسلحة والطائرات في عملية غزو بري مرتقب على اليمن. وما نريد ان نذكر به هنا ان هذه هي الإدارة التي ترددت وماطلت في تقديم الدعم اللازم للجيش العراقي والمصري للأسلحة والطائرات الضرورية لمحاربة داعش في العراق وسيناء، ولكنها هنا نراها سباقة في عرض خدماتها حينما يتعلق الامر بان تقوم حفنة من الدول العربية الأدوات المتهافتة على حفنة من الدولارات لتدمير دولة عربية أخرى، والتعدي على سيادتها واراضيها. هذا يرقى الى تدخل مباشر للولايات المتحدة وان لم يكن لها قوات برية على الأرض ولكننا في نفس الوقت لن نستبعد ان تتواجد قوات خاصة تقوم او ستقوم بالأعمال القذرة لاحقا. ثانيا: من السذاجة السياسية والعسكرية ان يعتبر هذا التدخل وكأنه وليد الساعة، وعلى انه مجرد ردة فعل آنية. فليس من المعقول أن تأتي قطاعات عسكرية من أكثر من دولة عربية خليجية وغير خليجية الى جانب قوات باكستانية على الأراضي السعودية، ولن نستغرب ان كان هناك خبراء وعسكريين من تركيا أيضا او انهم في الطريق في هذه الساعات، نقول ليس من المنطق ان يجتمع هذا الحشد العسكري البري والجوي والبحري وخاصة المصرية والاردنية والمغربية دون ترتيب مسبق لمثل هكذا عمليات، ودون ان يكون هناك مركز لقيادة هذا الحشد وتقديم الدعم اللوجيستي والاستخباراتي الذي تم تجميعه على مدى فترة من الزمن. وأغلب الظن ان من يدير العمليات هي الولايات المتحدة من احدى المراكز في دولة خليجية. ومرة أخرى نريد ان ننوه ان الولايات المتحدة وبحسب المصادر الأردنية رفضت تقديم الدعم اللوجيستي والاستخباراتي للأردن حول أماكن توجد عناصر داعش في سوريا عندما قامت الطائرات الأردنية بطلعات فوق الأراضي السورية لضرب بعض عناصر داعش ردا مقتل الطيار الأردني. ولكنها هنا تقوم بتقديم كافة أنواع الدعم وتزويد الطائرات المعتدية على اليمن باحداثيات المطارات وأماكن مخازن الصواريخ التي تمتلكها اليمن لقصفها، وأماكن تواجد القيادات الشعبية اليمنية الميدانية لتنفيذ عمليات الاغتيالات من الجو. وهنالك تصريحات سعودية حول احتمال تدخل عسكري بري وهذا يدلل على انها قد حصلت على تأكيدات مصرية وباكستانية بأرسال قوات برية. التصريحات المصرية الرسمية حول دعم الحملة العسكرية التي تقودها السعودية عسكريا وسياسيا لا يمكن تفسيره بغير ذلك. اما الحكومة الباكستانية فقد صرحت بانها تدرس طلبا سعوديا بإرسال قطاعات من الجيش الباكستاني للمشاركة في الحرب على اليمن. ثالثا: ان السعودية كانت تدفع ومنذ فترة لإنشاء قوة عسكرية خليجية قوامها 100000 جندي لموجهة التحديات الأمنية في الخليج العربي، على ان ينضم الى هذه القوة قوات اردنية ومغربية ومصرية. ولقد قطعت التحضيرات لتشكيل هذه القوات شوطا كبيرا كما كان قد صرح مسؤول مصري مؤخرا. وكانت السعودية قد اقترحت في مجلس التعاون الخليجي انضمام الأردن والمغرب الى مجلس التعاون الخليجي. ولا بد للإنسان ان يتساءل من الأولى بعملية الضم من الناحية المنطقية المغرب مثلا الذي يقع جغرافيا في الشمال الافريقي أم الدولة اليمنية التي لها حدود متاخمة للسعودية وهي دولة خليجية؟ بالإضافة الى ذلك فان الولايات المتحدة كانت تحث على إقامة تحالف عسكري عربي على غرار حلف الناتو وهي ما كانت السعودية تعمل عليه، والذي يبدو ان التكالب الي نشهده على اليمن من قبل أدوات أمريكا في المنطقة سيعجل من إقامة هذا الحلف مع تطعيمه بنكهة باكستانية وتركية. فها هي مصر والأردن والمغرب والسودان بالإضافة الى الدول الخليجية باستثناء سلطنة عمان تتوحد لتنهش الجسد اليمني "للحفاظ على الأمن القومي العربي" وكان اليمن دولة غريبة عن هذا الجسم العربي. رابعا: الكثير من المعلقين والسياسيين كان يأمل خيرا في القيادة السياسية "الجديدة" بمجيء السيسي الى الرئاسة. ولكن من المؤكد أن الموقف المصري بالنسبة لليمن وارساله الطائرات والقطع البحرية والاستعداد لإرسال قوات برية هذا ان لم تكن متواجدة أصلا هنالك يستدعي التوقف عنده قليلا. التصريحات المصرية التي تكررت منذ تولي السيسي الحكم وحتى قبل الحكم عندما كان حاضرا للمناورات المصرية الإماراتية العسكرية المشتركة من ان أمن الخليج من الامن القومي المصري وتكرار هذا التصريح اثناء زيارته للسعودية، وكأن ذلك أصبح ركنا أساسيا للسياسة الخارجية المصرية. وها هو اليوم يترجم على أرض الواقع بإرسال الدعم العسكري ليكون حاضرا من اجل حفنة من الدولارات المغمسة بدماء الأطفال والامهات اليمنيين الذين تقصف بيوتهم فوق رؤوسهم كما بينت شاشات التلفزيون اليوم. ونتساءل ويحق لنا هذا هل قامت كل هذه التحركات الشعبية بالملايين في مصر في ثورة عارمة من أجل أن يأتي نظاما يحكم بالبراءة على مجرمي نظام مبارك واحد تلو الاخر وكأن شيئا لم يكن. إذا أراد الرئيس السيسي ان تعود مصر الى المنطقة بثقلها ووزنها الفاعل فمن المؤكد أنها لن تعود الى الوطن العربي ولا للأمة العربية عن طريق أنظمة عفنة ما زالت تتعامل بعقلية القرون الوسطى وثأر قبلي مقيت وتنفث سموم الفتنة الطائفية والمذهبية وعلى استعداد لصرف مليارات الدولارات في سبيل تحطيم دول عربية وطنية. مصر الحضارة والثقافة والعمق التأريخي أكبر من ان تنحني امام طواغيت الفتنة المذهبية والطائفية من اجل حفنة من الدولارات العفنة. مصر تعود الى الوطن العربي عندما تعتبر أن امن سوريا من أمنها والامن القومي العربي وامن فلسطين من أمنها والامن القومي العربي وتكف حصارها للشعب الفلسطيني في قطاع غزة وتساومه على لقمة العيش والطبابة والتحاق الأجيال الشابة بالجامعات والالتحاق بأماكن عملهم خارج القطاع. الامن القومي العربي يتطلب أن تقف مصر سدا مانعا أمام الكيان الصهيوني على كافة الأصعدة. خامسا: اتحفنا السيد نبيل العربي الأمين العام لما يسمى بجامعة الدول العربية بأن الجامعة تؤيد الحملة العسكرية السعودية الخليجية سمها ما شئت ضد اليمن وذلك للدفاع عن الشرعية والامن القومي العربي. وعلى ان ارسال الجيوش العربية لغزو اليمن يتماشى مع قرارات وأنظمة الجامعة، لا بل وانه متوافق مع معاهدة الدفاع المشترك. وهذه جميعها تصريحات باطلة وملفقة. ونحن نتساءل أين هي الجامعة العربية؟ ومتى اجتمعت؟ ومتى تم التصويت على هذا؟ ومن هي الدول التي صوتت على اتخاذ مثل هكذا قرار؟ من الواضح السعودية بالتنسيق الكامل مع الإدارة الامريكية قررت والعربان هرولوا منصاعين للأوامر كالعادة خاصة مع سماع رنين الفلوس السعودية. وطبعا ما "اخذ" من مثل هذه القرارات في الجامعة العربية بشأن اليمن ليس بالأمر المستغرب. الم تجيز هذه الجامعة وتشرع العدوان الأطلسي على ليبيا، أي بالاعتداء على دولة عربية ذات سيادة عضوا فيها وفي الأمم المتحدة. ليس هذا فحسب بل قامت طائرات إماراتية وقطرية بالمشاركة بالطلعات الجوية وقصف مواقع داخل الأرضي الليبية. ألم يذهب وفد "رفيع المستوى" من هذه الجامعة العتيدة الى مجلس الامن ليطلب من أعضاء المجلس التدخل في سوريا تحت البند السابع. الجامعة العربية ومنذ بدء الازمة السورية ترفض الا ان تكون مطية واداة طيعة لخدمة الاجندات السعودية والقطرية والاماراتي على وجه التحديد والتي تصب في استراتيجية الضامن لعروشهم ومشيخاتهم ومملكاتهم الا وهي الولايات المتحدة. سادسا: ان وسائل الاعلام الخليجية على وجه الخصوص وبعض الاعلام الغربي بدأ يثير قضية مضيق باب المندب وعلى أهميته الاستراتيجية وعلى ضرورة ضمان امن الملاحة به وخاصة وانه الممر الذي تمر منه البواخر المحملة ببترول الخليج الى العالم الغربي والأسواق العالمية. ومن المعروف ان هذا المضيق يمرر ربما ما يقرب من 30% من احتياجات هذه المادة الاستراتيجية ان لم يكن أكثر من ذلك. هذه النغمة لها مآربها الاستراتيجية وخاصة وان السعودية وغيرها من الابواق الخليجية تصرخ بان مضيق باب المندب سيكون تحت سيطرة الحوثيون في اليمن وبالتالي تحت السيطرة الإيرانية. فالدول الخليجية وعلى رأسها السعودية تعيد كل المشاكل الى إيران وتنفث بالطائفية والمذهبية المقيتة. ونحن لا نستبعد ان توعز المخابرات السعودية أو الغربية لعناصر القاعدة في اليمن ان تقوم بعمليات إرهابية بالقرب من هذا المضيق لتؤخذ كمبرر للتدخل العسكري الغربي للسيطرة على هذا الجانب من المضيق والترويج الاعلامي ان ذلك تم للحفاظ على أمن الطاقة العالمي. سابعا: وسائل الاعلام الخليجية في معظمها بالإضافة الى الأقلام العربية المأجورة تحاول ان تصور على أن ما يدور في اليمن على انه صراع مذهبي وان الحوثيون يريدون السيطرة على اليمن خدمة لإيران. وان اليمن ستسقط بيد إيران بعد ان سقطت بغداد ودمشق في الايادي الإيرانية على حد جهابذة المحللين في مراكز ابحاثهم الاستراتيجية الذين يعملون في بلاط السلاطين. لنقل أولا ان الحوثيون ليسوا غرباء اتون من المريخ او كوكب آخر الى اليمن للاستيلاء عليه. الحوثيون هم جزء من النسيج السياسي ومكون رئيسي من مكونات المجتمع اليمني منذ القدم وهم يشكلون ما يقرب ربما من 30-35% من الشعب اليمني. وهم كغيرهم من هذه المكونات لها الحق في الدفاع عن أراضي الوطن ضد كل من يعتدي على هذا الوطن. هذا بالإضافة الى ان الحوثيون ليسوا الوحيدون في المعركة فإلى جانبهم تقف مكونات سياسية واجتماعية وقبلية تحارب للدفاع عن الوطن والغزو الأجنبي. ومن الواضح ان عمليات القصف التي قامت بها الطائرات التي قيل انها سعودية (والله أعلم) قد وحدت الصف اليمني ضد العدوان لأنه عدوان ضد الشعب اليمني بأكمله، يراد به تطويع اليمن واعادته الى الهيمنة والخضوع للسعودي والامريكي على وجه خاص. الامريكي الذي بات يسرح ويمرح في الأراضي والاجواء اليمنية دون رادع وبالتفاهم مع حكومات يمنية سابقة. ثامنا: ان ما يحدث في اليمن هو نتيجة وانعكاس لحالة التصعيد والاستقطاب السياسي الغير مسبوق في حدته في المنطقة بين محورين أساسيين وخاصة مع تلاشي الفروقات بين المحور السعودي الاماراتي الخليجي الى جانب الأردن والمغرب وانضمام مصر الان الى هذا المحور والمحور التركي القطري اللذين عملا كليهما ضد محور المقاومة في المنطقة بإدارة أمريكية وغربية واضحة على الأراضي السورية والعراقية خاصة. فتركيا أعلنت تأييدها للعدوان السعودي وسبق هذا زيارة أردوغان للسعودية والتفاهمات على قضية الاخوان المسلمين التي شكلت حجر العثرة للعلاقات بين البلدين زمن الملك الراحل السعودي عبدالله. هذا الاستقطاب وصل الان الى مرحلة الصدام المباشر والاشتباك على الأرض بعدما فشلت المحاولات المستميتة لإسقاط الدولة السورية كمقدمة لإسقاط محور المقاومة في المنطقة وكذلك للنجاحات الأخيرة التي حققها الجيشين السوري والعراقي ضد الارهاب بدعم واضح من الحلفاء ومحور المقاومة وخاصة إيران بجانب الدعم الروسي والصيني على الساحة الدولية. ان السعودية التي تقود محور العدوان قد فتحت على نفسها نار جهنم ولا بد ان ترتد هذه النار الى عقر دارها، أما الذين ارتضوا على ان ينضموا الى هذا التحالف العسكري العدواني فأنهم سيغرقون في المستنقع اليمني كما غرقت أمريكا في المستنقع الافغاني والعراقي واضطرت في النهاية أن تلملم هزيمتها وتترك هذه الأراضي. لقد ضاق الشعب اليمني من العبودية والهيمنة السعودية على اليمن وخيراته لأكثر من سبعة عقود ولا نظن أنها ستقوى على دحر إرادة الشعب اليمني أو تطويع محور المقاومة.

الملفات