2024-03-28 06:38 م

كيف خسر تنابل آل سعود اليمن؟

2015-03-30
بقلم: ابراهيم الأمين
«تنبل أو تنابل»، هي المرادف الشعبي لكلمة «كسول أو كسالى»، لكن في العقل الجمعي الشعبي، عند العرب، هناك إضافة عندما يصل الحديث الى أمراء آل سعود، وهي «هؤلاء يقضون وقتهم يداعبون أصابع أقدامهم».
السيد حسن مهذب، لكنه كسر الحرم الذي أنفقت عليه مملكة القهر عشرات مليارات الدولارات طوال العقود الماضية. حتى صار من الصعب أن تجد صحافياً واحداً يقول عنهم الأشياء كما هي.

قال السيد حسن نصرالله عن أمراء آل سعود إنهم تنابل لم يقوموا بواجباتهم، فغابوا عن السوق، وحضرت إيران، لترضى بقواعد وعلاقات خاصة، فكان لها النفوذ والحضور. ومثلما لا يريد كثيرون فهم طبيعة العلاقة بين إيران وحزب الله، فهم الآن لا يريدون فهم طبيعة العلاقة بين الحوثيين وإيران. ولذلك، يصعب على آلة القتل الخليجية الإدراك بأن مشكلتها هي مع أهل اليمن لا مع أي أحد آخر.

في مراجعة العقود الستة الماضية، يعرف العرب وأهل الجزيرة على وجه الخصوص أن ثورة اليمن التي قامت في عام 1962، إنما استهدفت التخلص من حكم يخضع لهيمنة آل سعود. والكل يتذكر، كيف انه عندما ارسل عبد الناصر قواته لنصرة الشعب الثائر، كان خصمه آل سعود على وجه الخصوص. وكان هدفهم اخضاع اليمن وإعادته الى بيت الطاعة. ومر ربع قرن، فيه نجاحات وانتصارات، وفيه انتكاسات اعادت سلطة اليمن الى الحظيرة. وأعادت سطوة آل سعود على الشعب من خلال حكام وقبائل وشخصيات ارتضت بالمال من اجل تثبيت سلطتها وقمع شعبها. الى ان خرجت في العقد الأخير حركة انصار الله، وهي حركة نشطت في اقصى الشمال اليمني، حيث القهر على مختلف انواعه. وتكفي العودة الى بعض صور الفيديو عن طبيعة مدن وقرى وشكل حياة الناس هناك، حتى يفهم المرء ما الذي كانت تفعله مملكة القهر بمعاونة ازلامها في صنعاء.

تطور الأمر سريعاً، ونجحت الحركة الحوثية في اجبار الخصوم من داخل اليمن وخارجه على التعامل معها كقوة حقيقية لها تمثيلها الشعبي ولها قدراتها الدفاعية. وبعد اندلاع الثورة الشعبية ضد حكم الرئيس علي عبد الله صالح، كان للحوثيين دورهم الكبير. وخلال السنوات الخمس الماضية، نجح هؤلاء في بناء شبكة علاقات داخلية وخارجية مكنتهم من تطوير قدراتهم حتى باتوا القوة الشعبية الأكثر نفوذاً وتنظيماً وفعالية.
في هذه الاثناء، كان آل سعود يعتقدون بأن الأمور سوف تنتهي كما في كل مرة الى احتواء المنتفضين وإلى استعادة النفوذ الكامل. وترافق ذلك مع تعمق ازمة القيادة في العائلة المسيطرة على الجزيرة، ومع الترهل الكبير جسدياً وعقلياً وعصبياً. وفي كل مرة تحصل فيها مواجهة، كان الجميع يكتشف كيف يخسر هؤلاء نفوذهم التاريخي في اليمن. وببساطة يمكن مراجعة الأحداث، وفقط عند مرحلة سيطرة الحوثيين على السلطة في صنعاء، من أجل معرفة واقع حال المشهد الداخلي وموقع آل سعود فيه.
صحيح أن آل سعود حفظوا نفوذهم دوماً من خلال العلاقات المرضية مع القبائل ومن خلال نظام الحكم في اليمن، الا ان المشهد السياسي الذي انتهى اليه اليمن على شكل وجود 5 قوى رئيسية لم يكن في مصلحة آل سعود. فهناك أنصار الله أو الحوثيون، وهؤلاء صنفهم آل سعود بالأعداء الخطيريين منذ اليوم الأول لبروزهم قوة فاعلة ساعية الى الاستقلال. ثم هناك المؤتمر الشعبي الذي يقوده علي عبد الله صالح، والذي تم ابعاده وطرده من جنة الحكم، من دون ان يقدر النظام السعودي على جذب قواعده او ترك باب للتفاهم مع صالح نفسه، بعدما ظل لعقدين واكثر يعمل عندهم موظفاً براتب وصل الى 12 مليون دولار شهرياً. ثم صار منبوذاً حتى حدود منعه من تقديم العزاء بعبد الله.
هناك أيضاً تجمع الإصلاح، او الفرع اليمني لحركة «الإخوان المسلمين»، والذين صاروا اعداء الرياض بمجرد انتصار اخوانهم في مصر وتونس وليبيا والمغرب، وتعاظم نفوذهم في مناطق اخرى من العالم الاسلامي. وهناك أيضاً، قوى الحراك الجنوبي، من الذين كانوا ابرز خصوم الرياض بسبب علاقاتهم مع الاتحاد السوفياتي سابقاً، وإقامة حكم اشتراكي جنوب اليمن، ثم بسبب ان آل سعود كانوا يرفضون سابقاً مطالب الجنوبيين بالانفصال. ويبقى أخيراً، المجموعات الانتهازية في السلطة التي التفت حول الرئيس الفار عبد ربه منصور هادي، والذي يعرف أل سعود أنه أميركي أولاً وأخيراً، وأنه ظل كذلك حتى إعلانه الاستقالة من منصبه يوم سيطر الحوثيون على الحكم في صنعاء، وبعدها صار حليف الضرورة لمملكة آل سعود.
على الصعيد الطائفي والقبلي، كان المشهد عشية سيطرة الحوثيين على صنعاء قاتماً بالنسبة إلى آل سعود. فقبيلة حاشد التي يبرز فيها نفوذ صالح ومعه آل الأحمر، تعرضت لعملية انقسامات حادة لم تبق لآل سعود الا القليل منها. وعندما لجأت الرياض الى اللعبة الطائفية، اكتشفت أن قسماً غير قليل من ابناء هذه القبيلة هم من الزيديين. اما قبيلة بكيل، فهي أصلاً كانت على خصومة مع آل سعود بسبب انها ظلت على الدوام خارج الحكم.
حتى عندما بحثت الرياض عن حلفاء جدد لها، وتوجهت الى تعز حيث غالبية شافعية تعول السعودية على انها ستكون خصماً مذهبياً للحوثيين، وجدت ان المشكلة هناك اكبر، فهذه المنطقة الغنية والتي تعج بأهل العلم والثقافة والأدب والعلوم، وفيها النشاط الكبير لأهل اليسار والقوميين العرب، ليست اصلاً في موقع المرحب بعلاقة مع مملكة القهر التي سلطت عليهم حكاماً قاهرين، علماً بأن النقد الذي يلاحظ اليوم من قبل ابناء اليسار او القوميين العرب او بعض الناصريين لسياسات الحوثيين، لا يعبر عن انتماء هؤلاء الى الجبهة المقابلة، بل كشفت الايام القليلة الماضية ان غالبية هؤلاء نددت بالعدوان السعودي على اليمن، محتفظة لنفسها بملاحظاتها على سلوك الحوثييين، علماً بأنه يجب القول، ومن باب الإنصاف، ان انتقادات هؤلاء لسلوك الحوثيين محق، بسبب اخطاء ارتكبها الأخيرون، يرجح ان سببها الحقيقي هو نقص الخبرة.
وبذلك، عندما سيطر الحوثيون على صنعاء، كان ال سعود من دون حلفاء في اليمن. ومن قبل التعاون معهم ليس لديه قاعدة حقيقية. وهو ما دفعهم الى الاستنفار من جديد. ولأنهم لا يعرفون غير شراء الذمم، فقد صرفوا خلال الأشهر القليلة الماضية مئات الملايين من الدولارات على شخصيات وجماعات وقبائل وعائلات بغية كسب ولائها تحت مظلة عبد ربه، وتحت مرجعيتها هي. لكن الأمر لم يظهر أنه قابل للصرف، وعندما قرر الحوثيون ضرب الحركة الانفصالية لهادي جنوباً، وجد آل سعود انفسهم امام الحقيقة المرة: ليس بيدنا سوى امتطاء الجنون والحقد والعمل على غزو اليمن، وهو ما جعلهم يتورطون في حماقة العدوان القائم.
وبعد، الى أين؟
ها نحن ندخل في يوم جديد من العدوان. وبنك الأهداف الموضوع لطائرات الغزاة ينتقل سريعاً الى هدم المنشآت المدنية لأبناء اليمن، ورسائل التهدئة الآتية من الرياض تقول بأنه في حال استسلام الحوثيين، سوف تبني السعودية كل ما هدم وأكثر. لكن واقع الحال أن الحوثيين لم يشعروا بمرحلة التفاف شعبي حولهم أكبر من تلك القائمة الآن، سواء على صعيد اهل الشمال، او حتى على صعيد اهل الجنوب، وهم قرروا ان الرد الأولي على العدوان هو السير في خطة إحكام سيطرتهم والجيش على كل الأراضي اليمنية. وهم يتقدمون جنوباً، رغم كل الغارات، والمقاومة التي تواجههم ليست من النوع الاستثنائي. لا بل إنهم دخلوا مناطق من دون مقاومة، وبترحيب من الأهالي، وإن خرج بوجههم معترضون يتقدمهم انصار الاخوان المسلمين.
وربما هذا يعطي اشارة، ليس الى ان جميع اليمنيين يريدون للحوثيين تولي السلطة، لكن الأكيد أن غالبية يمنية ساحقة لا تريد بقاء نفوذ آل سعود على بلادهم وخيراتهم، وهم يعرفون من كل تجارب الماضي أن آل سعود لا يمكن ائتمانهم على دجاجة، فكيف يؤتمنون على وطن.
واضح ان استراتيجية الغزاة تقوم على تدمير الجيش اليمني، وفق خطة تقضي في حال نجاحها بإخضاع اليمن لوصاية عسكرية، لا لوصاية سياسية فقط، وسوف تكون الحجة عدم وجود جيش يمني قوي. ثم هم يريدون تدمير كل ما هو موجود لأجل فرض تبعية قاتلة على اي نظام حكم جديد يحتاج الى اعادة الإعمار. وفي الوقت نفسه، يريدون تنفيذ عملية تهجير للحوثيين من كل المناطق الحدودية مع السعودية. وهو ما يحتم قيامهم بعمل بري. وطالما أن الأمر لم يصل بعد الى هذا الحد، وطالما ان العدوان يقوم الآن على ما يحصل، فإن استراتيجية الحوثيين سوف تظل في سياق رفع مستوى الجاهزية العسكرية والسياسية لمرحلة الرد، واستمرار عملية الإمساك بالأرض.
الجميع في اليمن يتصرفون على أساس ان المعركة طويلة، بل ان هناك من يتحدث منذ الآن عن خيارات صعبة في حال عدم حصول اختراق قوي للجدران بمبادرة منطقية. وبالتالي، فإن الاستمرار على هذه الحال من المواجهة، سوف يجعل مراحلها المقبلة اكثر شدة. ويسود التشاؤم بقرب التوصل الى حل سياسي بين جميع المعنيين، لأن طرفي الأزمة ليسا في وارد التراجع.
من جانب آل سعود، هم فرضوا على كل العالم هذه المغامرة باعتبارها إلزامية لضمان بقاء الحكم في أيديهم، وهم ليسوا تحت اي نوع من الضغوط، لا الشعبية ولا السياسية ولا الدولية حتى يبادروا الى التراجع. ثم إن العملية العسكرية تقتصر اليوم على غارات وليس فيها ارسال قوات برية لا تعود او ترجع محمولة بالنعوش.
وفي المقابل، فإن واقع الحوثيين لا يقل تماسكاً. وبرغم الفارق الكبير على صعيد الترسانة العسكرية، فإن اليمنيين يعرفون أن الأمر يتعلق أولاً بالوحدة الداخلية وبالحضور الشعبي. ويمكن القول إن الحوثيين يمسكون بهذه الورقة جيداً، وهم سبق ان تحملوا ليس عدوانا جوياً، بل هجمات برية قاسية ضدهم، ونجحوا في احتواء الموقف والانتصار. ثم ان الضغط عليهم من ناحية عدد الشهداء، فهم سبق ان دفعوا الثمن الأكبر في مواجهة خصومهم. ويكفي العودة الى كلفة الإمساك بمحافظة الجوف، حيث سقط نحو 600 شهيد لأنصار الله، حتى يفهم الواحد كيفية تعاملهم مع مسألة خسائر الحرب. عدا عن كونهم اليوم يمثلون رصيداً عسكرياً اكبر بكثير جداً عما كان عليه الأمر قبل خمس سنوات.
وإذا ما أجريت مقارنة منطقية، يمكن بسرعة التوصل الى خلاصة بأن طرفي الأزمة ليسا الآن في وارد التنازل، ولا حتى خلق مساحة مشتركة لبناء تفاهم، ما يعني ان الحرب سوف تتواصل. لكن السؤال: هل ستبقى على الشكل الذي هي عليه الان؟
عن صحيفة "الأخبار" اللبنانية