2024-03-29 02:20 م

"الشرعية الدولية" تشرعن من لا شرعية له وتشرع قانون الغاب في التعاملات الدولية

2015-04-17
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني  
كما كان من المتوقع تبنى مجلس الأمن مشروع القرار السعودي-الأمريكي بشأن اليمن تحت الفصل السابع بتأييد 14 من أعضاء المجلس وامتناع روسيا عن التصويت. والقرار يتعامل مع جماعة انصار الله من الحوثيين وكأنهم جماعة قادمة من كوكب آخر لاحتلال اليمن فهو يطالبهم" الكف عن استخدام العنف، وسحب قواتهم من جميع المناطق التي استولوا عليها، بما في ذلك العاصمة صنعاء". ومن هنا يتبن ان القرار لا يتعامل مع جماعة انصار الله على أنهم مكون أساسي ورئيسي من المكونات الاجتماعية والسياسية في اليمن، قام ليدافع عن البلاد من القاعدة وداعش وغيرها من المجموعات الإرهابية المتواجدة على الأراضي اليمنية والممولة والمدعومة من بعض الدول الخليجية وعلى راسها السعودية وقطر والامارات، الى جانب الدفاع عن الشرعية الشعبية التي كنست نظاما اسيرا ومرتهنا لإرادة آل سعود الذين عملوا أبا عن جد على إبقاء الصراعات القبلية والمناطقية مشتعلة طيلة عقود من الزمن وإبقاء حالة الفقر والتخلف من خلال نهب ثروات البلاد وأرضها، وذلك لتأبيد تبعية الطبقة السياسية اليمنية للسعودية. الشرعية الشعبية التي كنست أيضا نظاما منبطحا للإدارة الامريكية فاتحا الأجواء اليمنية للاستباحة من قبل الطائرات بدون طيار الامريكية التي قتلت بدم بارد العديد من المدنيين الأبرياء تحت ذريعة محاربة الإرهاب وعلى مدى أكثر ربما من عشرة سنوات. هذا بالإضافة الى جانب إقامة معسكرا للقوات الخاصة الامريكية على الأرضي اليمنية للتجسس وجمع المعلومات ليس فقط عن القاعدة وتنظيم داعش بل أيضا على الشعب اليمني وقواه الفاعلة. تركيز القرار على جماعة أنصار الله بدرجة أساسية يهدف الى إعطاء الانطباع الكاذب لتضليل الراي العام العربي والدولي وكأن أنصار الله هم وحدهم الفئة اليمنية اللذين يقاتلون أذناب النظام السابق وعملاء الدول الخليجية أو ما سمي بالقرار "الشرعية" الممثلة بالرئيس عبد المنصور هادي. التركيز يتأتى من وسائل الاعلام الصفراء والمدفوعة الاجر لتبث سموم المذهبية والطائفية التي يريد آل سعود الباس ودمغ أي تحرك شعبي خاصة في الدول الخليجية الذي من شأنه ان يزعزع كراسي ملوك وامراء ومشايخ الخليجيين، كما هو حاصل في البحرين واليمن والداخل السعودي. ويذهب القرار ليطالب أنصار الله، "التوقف عن جميع الاعمال التي تندرج ضمن نطاق سلطة الحكومة الشرعية في اليمن". ولا بد لنا من ان نتساءل اين هي الحكومة الشرعية في اليمن؟ فالرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي قد فتح مكتب رئاسة له في السعودية وتحديدا في الرياض ليدير شؤون البلاد ربما لان جو اليمن لا يناسبه. أما رئيس حكومته فهو يعقد اجتماعات الحكومة اليمنية من وزراء أيضا من الرياض. أما وزير الدفاع اليمني اللواء الفار علي محسن الأحمر المقيم في السعودية أيضا متواجد بشكل متواصل في قاعدة الظهران الجوية في السعودية أيضا ويعتقد انه يلعب دورا فاعلا في إعطاء معلومات دقيقة عن أماكن تواجد مخازن الأسلحة للجيش اليمني ومعسكراته المنتشرة على مساحة الأرض اليمنية الى جانب المواقع المدنية والمنشآت الحيوية. أما وزير الخارجية المقيم أيضا في السعودية فهو يطالب "المجتمع الدولي" و"تحالف الناتو العربي" بالإسراع في التدخل البري لإنقاذ المحاصرين من الشعب اليمني وإنقاذ البنية التحتية التي دمرت عن بكرة ابيها من قبل الطائرات "السعودية" المغيرة. فبعد كل هذا يأتي القرار ويتحدث عن الحكومة الشرعية في اليمن؟ من ينادي ويتوسل ويعمل على تدمير بلده وقتل شعبه لا يمكن أن يطلق عليه الرئيس الشرعي أو الحكومة الشرعية، التي تريد ان تعود الى البلاد على دبابات وطائرات واساطيل حلف "الناتو العربي"، الذي ما زال يبحث عن تطعيم بقوات برية تركية وباكستانية ولكنه لم يفلح لغاية الان. والمضحك في القرار انه يضع قيودا على حركة وسفر قياديين من حركة أنصار الله الى جانب تجميد ارصدتهم في البنوك الأجنبية. ولا شك أن من يسمع بهذا البند لا يسعه الا الضحك على سخافة من وضعه وصاغه. فأنصار الله لا يئمون المنتجعات الصيفية أو الشتوية في الدول الاوروبية أو غيرها ولا يخرجون للتسوق في المولات العالمية على حسب فصول السنة الاربعة..الخ، كما يفعل امراء الخليج العربي وغيرهم. وجماعة أنصار الله لا تستخدم البنوك الأجنبية لتكديس الأموال المنهوبة من ثروات البلاد النفطية أو غيرها من قبل العائلات المالكة التي تعتبر ثروات البلاد ملكها وملكها لوحدها تقوم بصرف بعضها على الرعية لضمان تأييدها وشراء الذمم للإبقاء على مراكزهم، اما ما تصرفه على الأمور العامة فهذا يدخل تحت بند مكارم ولي الامر . وبالتالي على قول أحدهم "انقعوا قراركم واشربوا ميته". والقرار يطالب أنصار الله "بالامتناع عن الإتيان بأي استفزازات أو تهديدات ضد الدول المجاورة". طبعا المقصود بها هي السعودية. قرار مجلس الامن الذي هو قرارا سعوديا-أمريكيا بامتياز وتبعه المهللين والمزمرين من الدول الصديقة والحليفة والدول والتي اشترى صوتها بالتهديد او بالمال، نقول هذا القرار لم يأتي على ذكر العدوان الهمجي الذي تقوده السعودية والذي دخل اسبوعه الرابع من القصف المتواصل على كافة الأراضي اليمنية والتي بحسب التقارير الميدانية الواردة من منظمات حقوقية وإنسانية انها أدت الى تدمير شبه كامل للبنى التحتية للدولة اليمنية بالإضافة الى عدد كبير من الشهداء من المدنيين جلهم من الأطفال والنساء الذين سقطوا من جراء هذا القصف المكثف والمتواصل. والعديد من هذه المنظمات صرحت من خلال العاملين على الأرض اليمنية ان اليمن يعانى الان من كارثة إنسانية غير مسبوقة في تاريخه أو تاريخ الحروب. الجانب الإنساني وإدخال المعونات المادية والطبية والإنسانية التي أصبح الشعب اليمني بحاجة ماسة لها للبقاء، لم يأخذ حيزا في هذا القرار الأممي المجحف والذي يفتقر الى أي أسس أخلاقية أو التزامه بالمعايير والقوانين الدولية. هذا القرار جاء ليشجع المعتدي على دولة ذات سيادة لم تهدد أو تعتدي على اية دولة من دول "تحالف الناتو العربي" . اليمن أفقر دولة عربية على الاطلاق ذات الإمكانيات المحدودة الا من عزة وكرامة وعنفوان شعبها الطيب يعتدى عليها بأحدث أنواع الأسلحة الفتاكة من صواريخ وقنابل حارقة وسلاح جوي متطور واسطول بحري ويفرض عليها حصارا بريا وبحريا وجويا. كل هذا أيضا خارج نطاق الشرعية الدولية التي يتشدقون بها. ان مثل هكذا قرار لن يحل مشكلة اليمن لأنه قرار يشرعن العدوان الهمجي الذي لم يؤتى على ذكره، كما يؤسس لشريعة الغاب في التعاملات الدولية وهو المبدأ الذي اتبعته وتتبعه الولايات المتحدة، وها هم ادواتها في المنطقة يأخذون المثل من اسيادهم في البيت الأبيض في التعامل مع أزمات المنطقة، لتعميق الصراعات والنزاعات فيها خدمة للمخططات الصهيو-أمريكية سواء عن وعي أو دون وعي. ماذا يريد أصحاب القرار عندما يقولون "الامتناع عن الاتيان بأي استفزازات أو تهديديات للدول المجاورة". بأي حق يطلب من شعب يعتدى عليه بكل هذه الاسلحة المتطورة والتي أحدثت دمارا شاملا على مساحة الأرض اليمنية التي أصبح سكانها يعيشون بدون ماء أو كهرباء، ويقتل مدنيها بدم بارد وتحرق أجساد الأطفال والنساء منهم، ويدفن العديد منهم تحت انقاد بيوتهم، كيف يمكن الطلب من هذا الشعب ان يقبل بكل هذا دون الرد على المعتدي الي تكفله كل الأعراف والمواثيق الدولية؟ لا بل ويهدد في حالة أي استفزاز او تهديد للبلد التي تقود هذا العدوان بعقلية قبلية وحقد دفين وتعمل على تدمير وحرق الأخضر واليابس؟ السعودية وعلى لسان ممثلها في الأمم المتحدة اعتبرت أن هذا القرار يأتي "دعما أكيدا للعملية" وكانت السعودية تسعى الى قرار يتبنى بالنص والحرف عمليتها العدوانية لإعطائها "الشرعية" حتى تسهل وتستكمل الخطوات في شراء الجيش الانكشاري التي تود استحضاره تمهيدا للغزو البري. فالسعودية على استعداد للقتال حتى آخر مرتزق او جيش تنجح في شراءه واستحضاره ليقاتل بالنيابة عنها في حرب برية تخشاها. أما المتحدث الرسمي باسم "عاصفة الحزم" السيد أحمد العسيري فانه يعتبر ان القرار "نصرا للشعب اليمني". أي عهر سياسي ووقاحة متناهية هذا أي نصر للشعب اليمني الذي دمرت كل مقومات معيشته حتى البدائية منها. فقد دمرت البنى التحية لليمن من محطات لتوليد الكهرباء وشبكات توزيع المياه والطرق والجسور التي تصل المناطق ببعضها البعض كما دمرت صوامع الحبوب الخاصة والعامة وأماكن تخزين الموا الغذائية ومصانع الأغذية والمستشفيات والمدارس، كما دمرت ابنية سكنية على رؤوس قاطنيها. هذا هو "النصر للشعب اليمني" الذي يتحدثون عنه وتحقيق " الامن والاستقرار" لليمن بمفهوم آل سعود المدعوم أمريكيا. "الامن والاستقرار" يعني أن يبقى الوطن اليمني ولقمة عيش شعبه ومصيره كدولة يقرر في الرياض ,ان يبقى اليمن لقمة سائغة لجحافل القاعدة وداعش التي تنتشر كالسرطان في الجسد اليمني، شكرا للدعم الخليجي فهذا أيضا يدخل من باب "النصر للشعب اليمني". والقرار يؤكد على أن تكون المفاوضات بين الفرقاء اليمنيين في الرياض كما تصر عليه السعودية، عاصمة الدولة التي تقود "التحالف" في العدوان الهمجي على الدولة اليمنية. ما تريده السعودية بالدعم الأمريكي هو استسلام أنصار الله وتسليم أسلحتهم والانسحاب الكامل من الجنوب وصنعاء وكأنهم محتلين للأراضي اليمنية. هل سمعتم بربكم على مدار التاريخ الإنساني عن شعب يحتل أراضيه؟ ما هذا المنطق المقلوب لمفاهيم التاريخ والجغرافيا. طبعا الإصرار على أن تكون المباحثات في الرياض وليس في أي مكان آخر محايد انما يحمل في طياته رمزية كبيرة لان آل سعود يريدون من هذا استحضار الشعب اليمني وقواه الفاعلة والوازنة الى بيت الطاعة السعودي، أو هذا ما يسعون اليه. وهذا صعب المنال وهو يشبه حلم ابليس بالجنة. ان ما حصل في اليمن لن يجعل الشعب اليمني ان يستسلم بل انه سيزيده إصرارا على الانعتاق من هيمنة وسيطرة آل سعود التي استمرت لعقود على اليمن وعلى مقدرات شعبه من خلال الأدوات المحلية التي عاثت في الأرض فسادا. ان الهبة الشعبية في اليمن التي قامت لتكنيس نظام بائد وعميل لن تهدأ الا بتحقيق هذا الغرض. ان القرار الجائر الذي مرر في مجلس الامن والذي شرعن العدوان الهمجي وشرعن من لا شرعية له وشرعن قانون الغاب في التعاملات الدولية لن يغير أو يزعزع من ايمان الشعب اليمني بحقه في الدفاع عن أراضيه ضد العدوان الغاشم وحقه في تقرير مصيره دون التدخلات الأجنبية من أي طرف كان. اليمن لشعب اليمن بكل مكوناته الاجتماعية والسياسية والقبلية وهم من يقررون مصيرهم وليس الحفنة التابعة والقابعة في الرياض، المستظلة والمستقوية بالغرباء والاجنبي على أمل عودتها تحت المظلة السعودية. 

الملفات