2024-03-28 11:54 م

قراءة في زيارة العبادي الى واشنطن!

2015-04-20
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي مؤخرا الى واشنطن كان الهدف الرئيس منها هو الحصول على مزيد من الدعم العسكري للعراق وخاصة في مجال الطوافات المقاتلة "الأباتشي" وطائرات الاستطلاع بدون طيار وذخيرة الى جانب صواريخ لطائرات F-16 الرابضة في المطارات العسكرية لعدم وجود الذخيرة اللازمة لها. ولا شك ان الجيش العراقي بأمس الحاجة الى مجموعة من الأسلحة المتطورة كما ونوعا وخاصة في ظل الاستعدادات التي يجريها لتحرير الموصل كما تم تحرير تكريت من تنظيم داعش مسنودا بقوات الحشد الشعبي ورجال العشائر. ومن الواضح أن الولايات المتحدة التي قامت بتسريح الجيش العراقي عندما غزت جحافلها العراق عام 2003 البلد الذي دمرته بالكامل واعادته الى العصور الوسطى آنذاك، نقول ان الإدارة الامريكية غير معنية بنهوض الجيش العراقي ولا بجعله قوة ضاربة حتى في مجال محاربة الارهاب الجاثم على أراضيه، والذي اقتطع مساحة واسعة من الوطن العراقي. والأدلة على ذلك كثيرة ربما أبرزها يظهر من انه طيلة احتلال العراق ولحين أن اضطرت القوات الامريكية في معظمها على الانسحاب من العراق عام ،2011 لم تعمل إدارة الاحتلال على بناء جيش مدرب ومجهز بالأسلحة والامكانيات اللازمة لحماية حدوده أو الدفاع عنها، على الرغم من صرف عشرات المليارات التي ذهبت لشركات الأسلحة الامريكية دون سواها لهذا الغرض من عائدات النفط العراقي المنهوب. الإدارات الامريكية المتعاقبة ارادت ان تبقي الأمن العراقي رهينة بأيديها وأن تؤبد اعتماد العراق على الولايات المتحدة فيما يختص على الأقل بهذا الجانب لما يشكله من أهمية وضرورة لبقائه. الحال لم يتغير فما زالت عملية التقنين في المساعدات العسكرية قائمة وحقيقة الامر لا يمكننا ان نطلق عليها المساعدات العسكرية فكل شيء يدفع ثمنه الان او مستقبلا. وحتى عندما تسدد المبالغ للشركات الامريكية لا يوجد ضمان بان يتسلم العراق الأسلحة المدفوعة الثمن في الوقت المتفق عليه. وهو ما حصل بالفعل عندما كان السيد المالكي رئيسا للوزراء في الحكومة العراقية السابقة فلم تفي الولايات المتحدة الامريكية بالتزاماتها بشأن تسليم العراق طائرات الأياتشي الامريكية الصنع وصواريخ وذخيرة متنوعة وطائرات F-16 المقاتلة على الرغم من سداد الفاتورة من قبل الحكومة العراقية، وكان هذا أحد الأسباب وراء التمدد السرطاني للمجموعات الإرهابية في العراق. وهذا التعنت الأمريكي في عدم تسليم صفقة الأسلحة تحت الذرائع المختلفة هو ما استدعى الحكومة العراقية السابقة لعقد صفقة سلاح سريعة مع روسيا التي وفرت للحكومة العراقية آنذاك الأسلحة والمعدات اللازمة بهذا الخصوص. واستخدمت الولايات المتحدة كل الضغوط السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والأمنية لإزاحة رئيس الوزراء المالكي وذلك بمنعه من الترشح مرة أخرى لرئاسة الوزراء. طبعا كل هذا تم بأدوات داخلية وضغوط خليجية، فالولايات المتحدة عمدت على القيادة من الخلف كما كان الحال في ليبيا وكما هو الحال الان في اليمن وبقية المنطقة من خلال أدواتها. وقبل تحرير تكريت من آفة العصر وجحافل التتار والمغول الجدد المسمى بتنظيم داعش، والتي تصر وسائل الاعلام الغربية وخاصة الامريكية منها على تسميته بالدولة الإسلامية لربط الإسلام بالإرهاب من قاطعي الرؤوس واكلي الأعضاء البشرية، نقول قبل تحرير تكريت كانت القيادات العسكرية الامريكية وكذلك السياسية تصرح بان تحرير الموصل يحتاج الى ثلاثة سنوات للإعداد له لان الجيش العراقي غير مؤهل أو مدرب لخوض عمليات عسكرية من هذا النوع كما انه لا يمتلك الأسلحة والقدرات القتالية...الخ من الاعذار التي كانت في معظمها تدلل على عدم وجود اية نوايا حقيقة لدى الإدارة الامريكية في قتال داعش وغيرها من المجموعات الإرهابية العاملة على الأراضي العراقية، وانما الغرض الرئيس كان وما زال هو حشرها في مناطق معينة واستخدام وجودها لخدمة المخطط الصهيو-امريكي في السيطرة على المنطقة وإعادة رسم خرائطها السياسية والجغرافية. وجاء تحرير مدينة تكريت عاصمة محافظة صلاح الدين وما كانت تمثله هذه المدينة لتنظيم داعش من أهمية، ليشكل صفعة قوية للمخططات الامريكية حيث اثبت الجيش العراقي مدعوما بقوات الحشد الشعبي الذي لعب دورا رئيسيا في تحرير تكريت وبتوجيهات من خبراء ومستشارين عسكريين إيرانيين، بان هنالك قدرة للشعب العراقي على محاربة الارهاب ودحره إذا ما توفر القرار السياسي لذلك. ولقد حاولت الإدارة الامريكية بشتى السبل أن توقف سير المعارك أو تقلل من اندفاعها من خلال ادواتها ضمن الطبقة السياسية العراقية واشترطت مشاركتها في العملية في الدعم اللوجيستي والقصف بالطائرات بخروج قوات الحشد الشعبي من ارض المعركة. ليس هذا فحسب بل قامت الطائرات الامريكية بقصف تجمعات للحشد الشعبي "بالخطأ" طبعا. الولايات المتحدة سعت من وراء ذلك الى قطف ثمار النصر العسكري وتجيره لصالحها الى جانب إزاحة قوات الحشد الشعبي بذريعة انها ذراع لإيران وأن هذا قد يؤدي الى اثارة النعرات الطائفية والمذهبية في العراق بين السنة والشيعة. وكانت تصريحات المسؤولين الأمريكيين تصب في هذا المنحى، وكأن الولايات المتحدة الامريكية تعير اهتماما باستقرار العراق وأمنه، أو كما لم تكن هي من أقام دستورا وحكومات قائمة على المحاصصة على أسس طائفية ومذهبية وعرقية في عراق ما بعد الاحتلال. وللأسف انحاز البعض من الطبقة السياسية العراقية لهذا الطرح ان لم يكن هم من ساعد أيضا في اثارته علنا في بعض الأحيان، وحتى عندما كانت عملية التحرير تجري على قدم وساق. نعم هنالك بعض التجاوزات قد حصلت بالنسبة لهذه القضية وقد تم التحقيق بها وتجاوزها ومعاقبة مرتكبيها، ولكن الأخطر من ذلك هو تواجد عناصر مندسة هنا وهناك مأجورة تسعى لخلق واثارة النعرات المذهبية والطائفية وكأن الوطن ليس لجميع مكوناته وعلى أن الجميع متضرر ومعني بالتالي بتحرير كل شبر من ارض الوطن من الانجاس من الوهابيين الإرهابيين اللذين لا يمتون الى الإسلام بصلة لا من بعيد أو قريب. الولايات المتحدة غير راضية البتة على صعود نجم قوات الحشد الشعبي ومشاركتهم الفعالة الى جانب الجيش العراقي ورجال العشائر في تحرير الأراضي العراقية الواقعة تحت سيطرة داعش. ومن ثم تحولت زيارة رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي الى واشنطن الى اعتراضات البيت الأبيض على مشاركة الحشد الشعبي في عملية تحرير الأراضي العراقية وعدم موافقة واشنطن أن تتكرر تجربة تحرير تكريت في تحرير الموصل التي يتم الاعداد لها. ومن الواضح أن الامتعاض الأمريكي من هذا قد انعكس في نوعية المعونة وكميتها التي ستقدمها الإدارة الامريكية الى العراق، فلقد أعلن عن تقديم 200 مليون دولار كمساعدات إنسانية لتحسين أوضاع النازحين، دون التطرق الى الدعم العسكري الضخم والقروض المؤجلة الدفع التي كان يأمل االعبادي في الحصول عليها من البيت الأبيض. وأغلب الظن أن هنالك شروط وضعت على الحكومة العراقية بالنسبة الى المشاركة الامريكية في عملية تحرير الموصل، ولكن هذا لن يظهر صراحة في وسائل الاعلام وعليك ان تراقب التصريحات التي تصدر من هنا وهناك من المسؤولين العسكريين والسياسيين الامريكيين أو حلفاءهم لتعرف ما يدور من وراء الكواليس وهو بكل تأكيد لن يكون مطمئنا. وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر بأن بما قاله دوغلاس أوليفنت وهو مسؤول ملف العراق السابق في مجلس الامن القومي الأمريكي بانه على العبادي " اقناع الاميركيين والنظام السياسي الأميركي بأن الوقت قد حان للأميركيين من أجل المراهنة على أصدقائهم في العراق لمواجهة النفوذ الإيراني". أما الرئيس أوباما فلم يخفي امتعاضه من قوات الحشد الشعبي عندما ذكر بأن هذه القوات قد شكلت واخذت دورا عندما ظهر تنظيم داعش في مرحلة كانت الحكومة العراقية ضعيفة ولكن " فور تولي العبادي السلطة...فان من تلك النقطة فصاعدا فان أي مساعدة أجنبية تساهم في هزيمة داعش يجب ان تمر عبر الحكومة العراقية. هذه هي الكيفية لاحترام السيادة العراقية" (السفير اللبنانية 15 ابريل 2015). ولقد ذكر الكثيرون من المحللين أن "تأثيرات إيران" في العراق كان الملف الأبرز في مباحثات البغدادي مع أوباما. ويبقى السؤال الى أي مدى ستستجيب حكومة العبادي الى الضغوط والمطالب الأميركية بشأن قوات الحشد الشعبي وعلاقتها مع إيران في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها بغداد؟ نحن لا نريد ان نستبق الأمور ولكن من الواضح ان هنالك من يريد اخراج قوات الحشد الشعبي وزخمها من الساحة تحت مسميات مذهبية مقيتة. هنالك قوى إقليمية الى جانب الولايات المتحدة يريدون ان يحولوا قضية تحرير الموصل الى قضية مذهبية بامتياز. وهذه القوى تقولها بصريح العبارة أن الموصل مدينة سنية ولذلك يجب أن تشارك قوى سنية فقط الى جانب الجيش العراقي في تحريرها، وبالتالي فانهم يريدون ان يعمقوا الشرخ المذهبي والطائفي الذي أثاره الاحتلال الأمريكي بالأساس ومن سوء إدارة البعض في الحكومات العراقية التي تلت. الحديث يدور عن دور تركي في عملية التحرير نتيجة "وجود روابط تاريخية مع مدينة الموصل" كما ذكر احدى المحللين الاتراك القريب من الفكر الأردوغاني دون ان يوضح ماذا يعني بذلك. ان أي مساعدات تقدم قائمة على أسس مذهبية أو طائفية أو عرقية أو مناطقية في العراق أو في أي دولة لن تكون نواياها سليمة وبريئة على الاطلاق هذا ما دللت وتدلل عليه التجارب التي تعرضت لها المنطقة وما تزال.  

الملفات