2024-04-20 03:26 ص

النظام السعودي يغامر بمصيره ومصير بلاده

2015-05-03
بقلم : حماد صبح
في حياة الأفراد والأمم منعطفات يبدو اتجاههم نحوها جبريا مهما كان سوء المصير الذي يترقبهم كامنا وراءها ، وتراهم متحمسين في اندفاعهم في ذلك الاتجاه اندفاعا لا عقلانية ولا لين فيه ، وربما بدا اندفاعاهم مغايرا للمألوف المعتاد من سلوكهم . كأن هناك حتمية مأساوية تناديهم فيستجيبون نداءها . يبدو أن النظام السعودي، كما نستنتج من استقراء سلوكه في السنوات الأربع العاصفة التي هزت العالم العربي محدثة ما نراه من تغييرات كبرى في ما كان يحسب مسلمات لا جدال في صحتها واستقرارها ؛ قد استجاب نداء تلك الحتمية المأساوية التي لن تكون أقل من إزالته وتقسيم بلاده . فالنظام الذي درج على التقية والخفية في أفعاله ، وحرص على تجنب الاشتراك المباشر في حروب المنطقة وصراعاتها ؛ انقلب على نهجه المألوف انقلابا كاملا في السنوات الأربع الأخيرة ، فشارك بسلاحه الجوي في أحداث ليبيا ، وتدخل سافرا ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي في مصر ، وقبل ذلك تدخل في انتفاضة البحرين لصالح العائلة الحاكمة فيها، وإن بدا تدخله هناك أقرب للمتوقع بحكم علاقة البلدين. وجاء تدخله العسكري في 26 مارس الماضي في اليمن تتويجا كبيرا لخروجه عما ألفه من سلوك محسوب وهامشي في أحداث المنطقة مع الحفاظ على أعلى شروط السرية في ذلك . ولأن الحتمية المأساوية لا تكف عن مناداة من اختارتهم تشجع النظام السعودي "بالاستعراض الجوي" الذي قام به في سماء اليمن الخالية ، وزاده تشجعا ما لقيه من سكوت المجتمع الدولي عن القتل والتدمير الذي أحدثه سلاحه الجوي في اليمن ، وهو سكوت وراءه أميركا وسواها من قوى الغرب والصهيونية التي أعدت فخا بارعا لهذا النظام للوصول إلى هدفها المحدد الذي جرى الحديث عنه كثيرا ، وهو تقسيم السعودية إلى أربع دويلات كجزء من مخطط تقسيم كل الدول العربية أو ما عرف في الإعلام العربي والدولي بسايكس _ بيكو الثانية . ولننتبه إلى أن حرب النظام السعودي في اليمن لم تأتِ حتى الآن بأي نتيجة عملية عسكريا أو سياسيا ، ومع ذلك هو يواصلها ، وكان المنطقي أن يصحو ويعيد النظر فيها ، لكن يبدو أنه لا نجاة له من مصيره المحتوم . ولأن ذلك المصير ينتظره ، نراه يوسع دوره العسكري في المنطقة ، وضد دولة عربية شقيقة ، فقد قوي الحديث عن نيته الاشتراك مع تركيا ومن قد ينضم إليهما في " عاصفة حزم " ثانية في سوريا كأنه لم يبن له أن ما سماها "عاصفة حزم " في اليمن لم تتمخض إلا عن " عاصفة حمق " ، ولست ألعب بالكلمات ، فهذه هي شهادة الواقع القائم . وفي الشأن السوري يقوم الشك بأن طائرات سعودية اشتركت في مهاجمة القوات السورية في القلمون ، وذكرت صحيفة " جنوبية " اللبنانية أن النظام السعودي يخطط بالاتفاق مع تركيا وقطر لإقامة مناطق حظر طيران في سوريا لمساعدة تحركات المعارضة العسكرية بتحييد سلاح الجو السوري الذي قام بدور رئيسي في مواجهة تلك المعارضة . ومعلوم ثابت أن النظام السعوي ينسق كل تحركاته الضارة بالعرب والمسلمين مع الغرب وإسرائيل ، وهناك أخبار قوية عن مشاركة سلاح الجو الإسرائيلي في الحرب السعودية على اليمن ، وأوردت صحيفة " في . تي " الإلكترونية الأميركية في عدد أخير لها أن السعودية دفعت لإسرائيل 16 مليار دولار لتعزيز معارضتها للاتفاق النووي الإيراني مع الدول الكبرى الست ، واستحمقت الصحيفة دفع السعودية لذلك المبلغ الكبير إزاء حقيقة ان إسرائيل تعارض الاتفاق دون أن يكافئها أو يشجعها أحد على معارضته باعتبار أنها تراه خطرا عليها . نظرة تاريخية على مصائر الدول التي أكثرت من اتخاذ الحروب وسيلة في التعامل مع غيرها تبين ان تلك الدول انتهت بكوارث ومآسٍ مهلكة طوت نظمها والتهمت أجزاء من ترابها الوطني وجعلتها تهجر أسلوب الحرب في حل مشكلاتها مع الدول هجرا نهائيا . وفي التاريخ القريب لدينا أمثلة ألمانيا واليابان وإيطاليا وأخيرا أميركا بكل عتوها العسكري غير المسبوق في التاريخ . يستقر الآن في الفكر السياسي الأميركي أن كل حروب أميركا منذ الحرب العالمية الثانية حروب خاسرة ، وهي بعد كل تلك الحروب جنحت إلى اجتناب الاشتراك بجنودها في الحروب التي ترى لها مصلحة في تفجيرها . أليس في ما آلت إليه الدول التي لجأت كثيرا للحروب من انصراف عن ذلك الأسلوب من عبرة للنظام السعودي ، وهو الذي لا يقارن في شيء بقوة وسطوة تلك الدول ؟! والعاقل من اتعظ بغيره . يبدو أنه لا مفر لذلك النظام من الانعطاف نحو حتميته المأساوية ، فكل ما يفعله مغامرة طائشة بمصيره نظاما ومصير بلاده وطنا .

الملفات