2024-04-20 01:31 م

قضم تدريجي في القلمون.. وخلاف يعصف بالمسلحين

2015-05-09
لم يطرأ أي توسع جغرافي جوهري على ميدان الاشتباكات التي تدور في جرود القلمون الغربي منذ أربعة أيام، وبقيت الاشتباكات محصورة في محيط عسال الورد والجبة فقط، ولم تنتقل إلى المناطق المجاورة، سواء شمالاً أو جنوباً، وهو ما يشير إلى أن ثمة عملية عسكرية مضبوطة الإيقاع، لم تكتمل فصولها بعد.
في هذه الأثناء، اتخذت القوى العسكرية والأمنية اللبنانية عند مداخل الضاحية الجنوبية وفي داخلها، في الساعات الأخيرة، سلسلة إجراءات أمنية مشددة لم تشهد مثيلاً لها منذ سنة تقريباً، وشملت التدقيق في تفتيش السيارات والدراجات النارية والمارة، فضلاً عن تدابير اتخذت في عمق الضاحية، بالتعاون مع شرطة اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية و «حزب الله».
هذه الجهوزية الأمنية العالية، رافقها تكثيف للعمل الاستخباري اللبناني، خصوصا في ضوء معلومات عن احتمال تحرك بعض «الخلايا النائمة» لتنفيذ أعمال إرهابية.
وبينما تركزت الاشتباكات في محيط الجبة بعد انسحاب المجموعات المسلحة من جرود عسال الورد، برزت مؤشرات إلى أن القلمون الشرقي قد لا يبقى بعيداً عن عدوى الحرارة التي أصابت توأمه الغربي، خصوصاً في ظل بعض التحركات التي يقوم بها تنظيم «داعش».
ولم يتمكن «جيش الفتح في القلمون» من مواصلة إنكاره لتقدم الجيش السوري و «حزب الله»، وهو ما واظب عليه طوال أمس الأول، فأصدر أمس بياناً أقر فيه بانسحابه من جرود عسال الورد، واضعاً هذا الانسحاب في سياق محاولة التصدي للهجوم واستنزاف المهاجمين، مشيراً إلى أن السبب الرئيسي وراء الانسحاب هو «تسلل مقاتلي حزب الله من جهة لبنان».
وفي محاولة منه لتقليل وقع الهزيمة التي لحقت به، أعلن «جيش الفتح في القلمون» أنه تمكن من قتل ما يزيد عن 60 مقاتلاً من «حزب الله»، بينما اعترف فقط بمقتل ثلاثة من عناصره وجرح اثنين. وكان «حزب الله» قد أصدر بياناً نفى فيه «المعلومات الكاذبة التي تصر بعض وسائل الإعلام على إذاعتها حول عدد شهداء الحزب»، مؤكداً أن «عدد شهداء المقاومة في هذه المواجهات هو ثلاثة من المجاهدين (أحدهم كان جريحا في معركة سابقة) الذين نالوا شرف الشهادة، وقد تم إبلاغ عائلاتهم الشريفة بذلك».
وتركزت الاشتباكات أمس في محيط بلدة الجبة المجاورة لعسال الورد من جهة الشمال، وشاركت المدفعية في قصف مواقع المسلحين وأماكن انتشارهم في محيط البلدة، بينما كثف الطيران الحربي السوري طلعاته ونفذ عدة غارات في المنطقة. وأفادت المعلومات الأولية عن تحقيق الجيش السوري وحلفائه تقدماً سريعاً، تمثل بسيطرتهم على بعض المناطق في محيط الجبة، مثل حرف المحمضان وقرنة وادي الدار وحرف جوار الخراف وصير عز الدين ووادي الديب وشميس عين الورد وقرنة جور العنب.
وبدا أن الأولوية هي لأمرين معا: الأول، تثبيت ما أنجز ميدانياً حتى الآن، واستكمال التحضير لـ «المعركة» من خلال الحشد والاستطلاع الناري وجس النبض، والثاني، اعتماد أسلوب القضم المتدرج في منطقة القلمون الغربي، بحيث لا تنتقل المعارك إلى أي منطقة قبل الانتهاء من المنطقة التي تسبقها. لذا من المرجح أن تندلع الاشتباكات في رأس المعرة بعد الانتهاء من الجبة وهكذا.
ويأتي هذا الضبط الميداني لرقعة انتشار المعارك في ظل تعقيدات جغرافية كبيرة تحيط بمعركة القلمون الغربي، وتجعل احتمال انتشارها في أكثر من اتجاه أمراً أكثر من وارد. وبينما لم تبرز أي معطيات تشير إلى أن شرارة المعركة قد تنتقل إلى عرسال وجرودها، فإن ذلك يبقى احتمالاً قائماً، خصوصا أن الجيش اللبناني اتخذ من المقلب الشرقي إجراءات ميدانية غير مسبوقة، تأخذ في الحسبان احتمال أن يقدم المسلحون على فتح جبهة جديدة في المنطقة لتخفيف الضغط عنهم في منطقة الجرود.
وتشمل إجراءات الجيش منع أي محاولة للخرق، وأن يبقى قادراً على التحكم والمراقبة والسيطرة، براً وجواً، على مناطق واسعة في عرسال وجردها، خصوصاً أنه مهد لذلك بالسيطرة على عدد من التلال الإستراتيجية في منطقتي عرسال ورأس بعلبك في الأسابيع الأخيرة.
ويأخذ الجيش في الحسبان احتمال تجمع أعداد كبيرة من المقاتلين في جرود عرسال بعد انكفائهم من التلال والوديان التي بات يسيطر عليها الجيش السوري و «حزب الله».
وكان القلمون الشرقي على موعد مع أول المؤشرات إلى أن السخونة في الجبهة الغربية قد تنتقل إليه، خاصة وسط التشابك المعقد لخريطة توزع المسلحين فيه واختلاف أجنداتهم ومصالحهم. وفي هذا السياق، حاولت مجموعة مسلحة افتعال اشتباكات بهدف قطع الاوتوستراد الدولي بين دمشق وحمص، وانطلقت المجموعة من محيط جيرود في القلمون الشرقي باتجاه المنطقة بين قلدون «المراح» ومعلولا، إلا أن وحدات الجيش السوري تصدت لها سريعاً، وعاد الاوتوستراد إلى نشاطه المعتاد بعد ساعات شهد فيها انخفاضاً في معدل الحركة.
غير أن التحدي الأبرز الذي يواجه القلمون الشرقي قد يكون في علاقة الفصائل المسلحة بعضها ببعض، واحتمال أن تتجدد المعارك في ما بينها، لا سيما في محيط المحسا والبترا، حيث تمكن «داعش» مؤخراً من تحقيق تقدم. وقال مصدر ميداني، لـ «السفير»، إنه من المتوقع أن تتجدد المعارك في القلمون الشرقي، لا سيما في ظل المعلومات المؤكدة حول تحضيرات يقوم بها «داعش» بهدف الهجوم على البترا التي تضم جبالها أهم مخازن الأسلحة التي تملكها بعض الفصائل، وعلى رأسها «جيش الإسلام»، مشيراً إلى أن نجاح «الدولة الإسلامية» في السيطرة على هذه المخازن وما تحويه من أسلحة قد يؤدي إلى تغيير موازين القوى كثيرا، وأن القلمون الغربي عندها لن يكون بمنأى عن هذا التغيير.
وتشير المعطيات إلى أن «داعش» بات يملك نفوذاً متزايداً في القلمون الشرقي، سواء من حيث عدد عناصره والعتاد الذي يملكه، أو من حيث عدد الفصائل التي تقف على الحياد وترفض قتاله، وآخرها «لواء تحرير الشام» و «لواء أهل الشام» اللذان وجهت إليهما اتهامات مباشرة بالتعاون معه وتسهيل دخوله إلى منطقة المحسا. وقد تمكن «جيش الإسلام» قبل أسبوعين من قتل قائد «أهل الشام» أبو البراء مؤيد والعشرات من عناصره، لكن قائد «تحرير الشام» فراس البيطار لا يزال طليقاً، ويعتبر التعاون مع «داعش» نوعاً من الانتقام على إقدام زعيم «جيش الإسلام» زهران علوش على شق المجلس العسكري في ريف دمشق وتقسيمه إلى قسمين انضم أحدهما بقيادة أبو عمار إلى «القيادة الموحدة» في الغوطة الشرقية التي يتزعمها علوش نفسه.
وقد يكون أبرز ما يشير إلى تزايد نفوذ «الدولة الإسلامية» في القلمون الشرقي إصداره بياناً يطلب فيه من الفصائل التي تقاتله إعلان توبتها ضمن مهلة ثلاثة أيام تنتهي اليوم. ومما له دلالته أن أول المستجيبين لهذا البيان هم مجموعة مسلحين تابعين إلى «جبهة النصرة» انشقوا عن جماعتهم، وأصدروا بياناً أعلنوا فيه توقفهم عن قتال «داعش» وسط تأكيدات بأن هذه المجموعة انتقلت إلى منطقة آمنة بالنسبة إليها، ومن المتوقع أن تنضم إلى «الدولة الإسلامية». فيما أصدرت قيادة «جبهة النصرة في القلمون الشرقي» بياناً نفت فيه علاقتها بالبيان السابق، وأكدت أنها مستمرة في «قتال الخوارج ما دام فينا عرق ينبض».
ويعتبر هذا الانشقاق الأول الذي تتعرض له «جبهة النصرة في القلمون»، علماً أن «جبهة النصرة تقسم القلمون إلى ثلاثة قطاعات، القلمون الغربي بقيادة أبو مالك الشامي، والقلمون الشرقي بقيادة أبو عامر الشامي الذي قتل قبل أسبوعين ولم يعرف من حل مكانه، وقطاع الزبداني بقيادة أبو هاشم الشامي، غير أن هذه القطاعات الثلاثة تخضع في النهاية لقيادة أبو مالك الشامي الذي يعتبر بمثابة «الأمير العام» على منطقة القلمون بكل مناطقها.
المصدر: صحيفة "السفير" اللبنانية