2024-03-29 02:04 م

"مؤتمر الرياَض" سعودي بامتياز

2015-05-22
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
المؤتمر الذي عقد في الرياض تحت المظلة الخليجية وبالتحديد السعودية بحضور ما سمي بالأحزاب والقوى السياسية والقبلية اليمنية لإيجاد حلول سياسية لليمن (أو هكذا يدعون)، لم يكن في حقيقة الامر الا تجمع لتأدية الولاء والطاعة لآل سعود ومجلس تعاونهم الخليجي من قبل من حضر هذا المؤتمر، اللذين ارتضوا بشكل أو بآخر أن يتولى آل سعود تقرير مصير اليمن السياسي مستقبلا، لانهم ببساطة لا يعترفون بشعبهم ولا باليمن المستقل الذي يمتلك قراره السياسي بعيدا عن التدخلات الخليجية وذلك خوفا على مراكزهم والامتيازات المالية التي يحصلون عليها من هذه الممالك والمشايخ المتهالكة. ان مجرد القبول بحضور هذا المؤتمر في الرياض عاصمة آل سعود اللذين يشنون حربا شعواء مدمرة للبشر والحجر والشجر فيما يفترض أن يكون بلدهم هو بمثابة تأييدا للعدوان السفر الهمجي الذي أدى الى استشهاد ما لا يقل عن 2000 يمني الان جلهم من النساء والأطفال وأكثر من 7000 جريح الى جانب مئات الالاف من النازحين من القصف العشوائي وما يقرب من 8 مليون يمني لا يجدون ما يسد رمقهم بحسب المنظمات الإغاثة الدولية، هذا عدا عن انتشار الأوبئة والامراض المعدية نظرا لعدم توفر الدواء والمحروقات وتدمير المستشفيات والبنى التحتية للبلد بأكمله. لم يتجرأ أي من القوى السياسية والأحزاب اليمنية التي ذهبت "للحوار" في هذا المؤتمر أن ينادي بوقف "التحالف" الذي تقوده السعودية الغارات الجوية المكثفة على الأراضي اليمنية أو وقف اطلاق النار أو تمديد (الهدنة التي لم تكن بهدنه)، حتى تتمكن منظمات الإغاثة الدولية والعالمية من إيصال المساعدات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الشعب اليمني الذي يدعون انهم يمثلونه. هذه القوى ليست فقط أنها لا تمتلك الجرأة لتنادي بذلك بل أن البعض منهم ذهب لينكر ان طائرات التحالف تقتل المدنيين وتدمر البنى التحتية وعلى ان الطائرات تقصف فقط المعسكرات والمقاتلين من الحوثيين واعتبار أن القصف هو بمثابة "قصف الرحمة". أما البعض الآخر فقد ذهب بمطالبة قوات "التحالف" بإرسال قوات بالتدخل البري وذلك لإنقاذ البنى التحتية لليمن (التي دمرتها قوات التحالف التي يستنجد بها) وإنقاذ الشعب اليمني ( الذي تحصد ارواحه طائرات التحالف لأكثر من أربعون يوما الان). ولكن لسوء حظ وزير الخارجية "للشرعية" الذي طالب بذلك فان اسياده في الرياض لم يتمكنوا لغاية الان بشراء جيش من دولة او دول "إسلامية" لكي يقوموا بالمهمة على الرغم من الاستعداد لدفع المليارات لذلك وآخر ما رشح بهذا الشأن هو محاولة توريط الجيش الموريتاني. والسؤال هنا كيف يمكن ليمني حر شريف أن يقبل بهذا؟ كل من نادى أو ينادي بالتدخل الأجنبي في بلاده لقتل أبناء شعبه والاستقواء بقوى البغي والطغيان فقد شرعيته بغض النظر عمن يدعمه. أما السيد الرئيس المستقيل الفار هادي وتماشيا مع من احتضنوه في الرياض فلم ينسى أن ينفخ بمزمار الطائفية والمذهبية المقيتة خدمة لآسياده من آل سعود اللذين يعملون على جر المنطقة بأكملها الى حروب فتنة طائفية ومذهبية. ولا نبالغ فيما إذا قلنا انها تريد اشعال الفتنة بين المذاهب الإسلامية على المستوى الدولي. فالتحرك لبعض المتشددين الاسلاميين في باكستان خريجي "المدارس السعودية" ضد قرار البرلمان الباكستاني الذي رفض ارسال قوات من الجيش الباكستاني لتنفيذ التدخل البري في اليمن الذي كان قد أقر من آل سعود ولكن ليس بقوات سعودية، كان للسعودية يد فيها وخاصة من خلال زيارة مفتي السعودية الى باكستان لحث هذه القوى بالتحرك ضد الحكومة. ففي فترة وجوده مع مجموعة علماء الدين السعوديين قامت هذه المجموعات بمظاهرات تحث الحكومة بإرسال وحدات من الجيش الباكستاني للدفاع عن الحرمين الشريفين وكأن هنالك أحد يهددهم، هذا بينما طائرات التحالف تقصف المساجد في اليمن. الى جانب ذلك محاولة السعودية لإقحام ماليزيا الدولة الإسلامية الكبرى في التحالف من خلال مشاركة لقطع عسكرية ماليزية. الرئيس الفار هادي جدد في كلمته في المؤتمر باتهام أنصار الله "بالتبعية لإيران" وكرر تعهده "برفع العلم اليمني فوق جبل مران في صعدة" . فالسيد الرئيس على ما يبدو يعتبر ان صعدة محتلة وان الحوثيين ليسوا بيمنيين. ومن غير المستبعد في حالة عودته منتصرا بقوات التحالف لا سمح الله أن يقوم بإصدار مرسوم بنزع الجنسية اليمنية عن كل الحوثيين اسوة بأسياده في بعض الدول الخليجية الذين سحبوا الجنسية من بعض مواطنيهم كما حصل في البحرين لأنهم ملكوا الجرأة للوقوف في وجه الطغيان وقول كلمة الحق التي لا يمتلكها، أو إذا ما تملكته الرحمة بهم فقد يحولهم الى "البدون" اسوة بالكويت التي تبدو أكثر "ديمقراطية" من البحرين!!! ما رشح من هذا المؤتمر من قرارات هو تشكيل قوة عسكرية جديدة ببناء جيش وقوات امن يمني لتامين المدن اليمنية، والعمل على إيجاد منطقة آمنة تسمح بعودة الرئيس "الشرعي" والحكومة "الشرعية" لممارسة مهامهم على أرض يمنية (بدلا من المكاتب المكيفة والمريحة في الرياض وهذه خسارة كبيرة). هذا الى جانب تنفيذ قرارات مجلس الامن وضمان الانسحاب الكامل للجيش اليمني وقوات المقاومة الشعبية والحوثيين من جميع المدن وتسليم أسلحتهم. ما لم يحققوه على أرض الواقع يريدون ان يحققوه من خلال الحبر على الورق وهذا منطق مقلوب سياسيا. المقصود من كل هذا هو محاولة مستميتة من قبل آل سعود لإعادة عقارب الساعة الى الوراء وإعادة تشكيل اليمن كدولة سياسيا وعسكريا على الأقل على حسب المقاسات السعودية لتأبيد السيطرة على البلاد واستعباد الشعب اليمني ومحاربته بلقمة عيشه كما هو حاصل الان بمنع الصادرات الزراعية اليمنية بالدخول الى الاراضي السعودية بوضع العراقيل على النقاط الحدودية. كل ذلك لتتمكن السعودية من الإمساك بالقرار السياسي اليمني وسلب إمكانية تحقيق إقامة أي شراكة فعلية للقوى السياسية الفاعلة على الساحة اليمنية، وجر اليمن كدولة في الحرب المذهبية التي تشنها السعودية، أو بالأحرى الحرب السياسية التي تدور في المنطقة والتي تغلفها السعودية كما هو تنظيم داعش أيضا بغلاف مذهبي، خدمة للمصالح الغربية والصهيونية في المنطقة.  

الملفات