2024-04-20 04:05 ص

حين يفرض الميدان معاييره..!!

2015-05-23
بقلم: علي قاسم
في الصراع المفتوح على جبهات متعددة، تبدو الأولويات عرضة لكثير من التعديل والتغيير.. تحددها في أحيان كثيرة اعتبارات لا تتحكم فيها بالضرورة الحسابات العسكرية وحدها، ولا المحددات المادية على أهميتها، بقدر ما تضبطها المعايير الإنسانية، أو معادلات الثوابت الوطنية، وإن صَعُبَ الفصل واستحال التمييز بينها بعض الأحيان.‏

ورغم العلاقة المتأرجحة في الميدان بين هذه وتلك، فإنه بات من الثابت لدى القاصي والداني أن سورية بثوابتها ومعاييرها الوطنية تتحرك وفقاً لمفاهيم محددة، استطاعت أن تبرزها في معركة مفتوحة منذ سنوات خمس تقريباً، وهي تنسحب بالضرورة على معادلاتها العسكرية، حين يتعلق الأمر بأي نوع من أنواع المفاضلة على ضفتي المشهد، رغم ما يحكمه من تباينات وازدواجية ناتجة عن الخلل الحاصل في المقاربات والقراءات التي تؤطر لتلك المعادلات.‏

فجميع الحسابات المبنية في اختيار المعركة وتوقيتها أو حتى التي كانت تفرض ذلك التوقيت، برزت إلى السطح المعايير الوطنية وكان الإنسان أساساً ومحدداً جوهرياً لكل الاعتبارات التي انطلقت خلالها حركة وعمليات الجيش العربي السوري على امتداد المساحة التي اقتضتها حركته، أو فرضتها أولويات المجابهة في الميدان مع التنظيمات الإرهابية.‏

في تدمر لم يكن المعيار مختلفاً، ولا المحددات مغايرة، بدليل أنّ عمليات الجيش العربي السوري فيها كانت بالأساس تعتمد على المعادلة ذاتها، التي تحكم الأولويات العملياتية وفيها: أن حماية الإنسان حيثما وجد هي الناظم والموجه، وأنّ حماية المدنيين من عمليات التنظيمات الإرهابية كانت أكثر حضوراً من سواها، بل تقدمت معايير المفاضلة على أي وجود آخر مهما عَظُمَ شأنه، ومهما كانت ضرورته وأهميته.‏

فتدمر ليست موقعاً تاريخياً فحسب، بل هي أيضاً مدينة تقطنها آلاف الأسر السورية الآمنة وعشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء وأن حمايتهم تتفوق بالمطلق على أي حسابات أخرى مهما تكن الاعتبارات التي تنطلق عبرها أو خلالها.‏

والمفارقة في المقاربة المتعمدة التي سالت على ألسنة الإعلام الإقليمي والغربي حين تباكى على ما فيها من آثار متناسياً حياة المدنيين السوريين الذين كانوا في مواقع الخطر الداهم من التنظيمات الإرهابية وكانوا عرضة لعمليات القتل من قبل تلك التنظيمات. فحين تكون المفاضلة بين مواطنيه لا بد للجيش العربي السوري أن ينحاز إلى تأمين حياتهم.‏

فلا يخفى على أحد مابذلته سورية لحماية آثارها والتحف الثمينة منها، عبر نقلها وحفظها في أماكن آمنة، بما فيها تدمر لمنع استهدافها من التنظيمات الإرهابية وقد سبق أن تعرضت عشرات إن لم تكن مئات المواقع والمدن الأثرية السورية للإرهاب والنهب المنظم، ولم نسمع من العالم كله.. جنوبه وشماله.. بمنظماته ودوله ما يشير إلى جديته في ذلك الحين، ولم نرَ ما نراه من تباكٍ كاذبٍ ومنافق، ما يثير عشرات علامات الاستفهام حول الغاية والهدف، خصوصاً أن العمليات تتم بإدارة مباشرة من حكومات إقليمية تتولى عمليات سرقة الآثار السورية.. ومتاحف الغرب التي تتواطأ مع تلك العمليات شاهد على السرقة الموصوفة وعلى تعاون الغرب مع الإرهابيين..‏

لسنا بوارد الجدل في الأولويات وهي محسومة بالنسبة إلينا.. كنا وما زلنا نضع في أولوياتنا حياة المواطنيين السوريين أولوية مطلقة، ولا زلنا نراهن على إرادة الصمود التي تجسّدها معادلة الجيش والشعب والقيادة، لتكون البوصلة في كل المعايير المعتمدة، وعدا ذلك لا يعدو كونه نفخاً في رماد يتطاير، وغباراً يُثار للتغطية على الحقيقة المرة المسكوت عنها والتي تقف خلفها دول إقليمية بإدارة غربية تراهن على الإرهاب لكسر هذه الإرادة، أو للمزاودة على السوريين في وجودهم وإرثهم وتاريخهم وآثارهم وحضارتهم.‏

عن صحيفة "الثورة" السورية