2024-03-29 12:44 م

حربٌ بالإنابة باتجاه الحدود الإيرانية .. ماذا بعد ؟؟

2015-05-24
بقلم: الدكتور محمد بكر*
مع كل الحديث عن أجواء إيجابية سادت المفاوضات بين إيران والخمسة زائداً واحد ولاسيما فيما يتعلق بالاتفاق الإطاري , يطل مجدداً مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية ليعلن عن أن الأعداء وبعض دول الخليج يحضرون لحرب ٍ بالإنابة باتجاه الحدود الإيرانية , وهو الذي شكك مراراً وتكراراً بالنيات الأمريكية فيما يتعلق بالموقف من البرنامج النووي الإيراني , بدوره أعلن مستشار المرشد علي أكبر ولايتي عن أن إيران لن تسمح على الإطلاق بتمرير المشروع الأمريكي لجهة تقسيم العراق وسورية واليمن واستحضار عملاء للولايات المتحدة والصهاينة ليحكموا تلك البلدان , بدورها وما إن وضعت قمة كامب ديفيد " أوزارها " حتى تغلغل " داعش" كالسرطان في الجسدين السوري والعراقي ليفرض سيطرته على الرمادي وتدمر , هذا التغلغل الذي لم يكن توقيته بريئاً على الإطلاق بعد انتهاء أعمال القمة الأمريكية – الخليجية . فهل بدأ الأمريكي وحلفائه بالفعل التحضير لإثارة حرب بالإنابة وجهتها الحدود الإيرانية ؟؟ , وهل ثمة ما يربط بين التطورات المتسارعة التي شهدها الميدان السوري وما بثته الإذاعة الإسرائيلية عن لقاء في الأردن جمع مسؤولين إسرائيليين وآخرين من دول عربية لاتقيم علاقات دبلوماسية مع " إسرائيل " وبين ما أعلنه مرشد الثورة الإيرانية ؟ لاشك بأن ما قيل عن سعي الولايات المتحدة الأمريكية لصياغة خطة لاحتواء إيران وما أعلنه ورحب به الرئيس الأمريكي في قمة كامب ديفيد لجهة الدور المسؤول الذي يمكن أن تلعبه الجمهورية الإسلامية في الإقليم من خلال حل خلافاتها السياسية مع جيرانها بالسبل السلمية إضافة لعدم " التجاوب المثالي " الأمريكي مع تطلعات ورغبات الساسة الخليجيين, وعدم الانسجام المطلق مع الاتجاه الذي يدفع به ملوك وأمراء الخليج لتحصيل دعم أمريكي لصدام مع إيران, وهذا ما أوضحته يومية الفورين بوليسي الأمريكية في عددها الصادر في 12 أيار الماضي لجهة أن هدف الولايات المتحدة في المنطقة هو تحقيق توازن في القوى الإقليمية وليس تمكين دول الخليج من النصر في صراعها مع إيران مضيفة ً أن الولايات المتحدة ستنصت لمخاوف دول الخليج حول إيران لكنها ستوضح لهم أنها ليست بصدد إبرام اتفاقية توفر ضمانات أمنية شاملة , كل ذلك يؤشر إلى انعطافة في السلوك السياسي الأمريكي تجاه إيران , لكنه لن يكون على حساب الارتباط العضوي والتحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني الذي كان آخر ثمراته وعربون حميميته صفقة الأسلحة الأمريكية المتطورة التي يصل قيمتها لحوالي ملياري دولار ستزود بها " إسرائيل " قريباً , وإن ما يعمل الأمريكي وحلفائه عليه من خلال تنمية أدواته في الداخل السوري والعراقي وصياغة المزيد من سيناريوهات التصعيد العسكري على الأرض , وبالتوازي مع " اللهجة الناعمة " والمرونة التي يبديها في مفاوضاته مع الإيراني, وبالرغم مما بدأ يتكاثر على لسانه من لهجات " التأنيب" لدول الخليج لضرورة الالتفات لوضعهم الداخلي المتردي, إنما يخفي في كواليسه الأبلسة الأمريكية بعينها ويصب في سياق التحضير للمس الحقيقي بأمن الجمهورية الإسلامية الإيرانية , وإن الوجهة الأمريكية التي تصعد من سياساتها العدائية في العراق وسورية واليمن وتصوغ احتواءً مؤقتاً في طريقة تعاطيها مع السياسة الإيرانية , إنما هي بالفعل ستكون مكرسة للنيل من إيران وعينها ستبقى مسمرة على الجغرافيا الإيرانية لجهة إغراقها بالفوضى والمجاميع القاعدية , ودحرجة كرة النار التي أريد للهيبها أن يستعر في جغرافيا حلفاء إيران أولاً, قبل إيصالها للحدود الإيرانية . إن ما يزعج وما يقلق الأمريكي ومن خلفه الإسرائيلي هو الاستراتيجية التي تنتهجها الجمهورية الإسلامية الإيرانية لجهة استمرارها في دعم سورية والعراق وحزب الله , إذ لا تزال السياسة الإيرانية تبدي أعلى درجات الثبات على المواقف, وتمضي قدما ً في توجيه الرسائل السياسية والعسكرية الصارمة التي من شأنها أن تقف في وجه كل ما يعول عليه الأمريكي عبر أدواته في المنطقة من جهة , وما تعززه من تهديد حقيقي للكيان الصهيوني عبر دعمها المتواصل للمقاومة اللبنانية وبالعتاد النوعي من جهة أخرى . إن سياسة الاحتواء التي ينتهجها الأمريكي في التعامل مع ملف إيران النووي , والتملص من توسيع وتكثيف تعهداته والتزاماته الأمنية والعسكرية تجاه دول الخليج , و " الفراغ الشكلي " الذي يمكن أن تتركه الاستدارة السياسية الأمريكية, إنما يسارع الكيان الصهيوني وعلى العين الأمريكية نفسها لملئه , ومن هنا نقرأ ونفهم ما تمخض عن اللقاء الأمني في الأردن بين مسؤولين إسرائيليين وعرب لجهة تنشيط التعامل الأمني وما قيل عن أن بعض الدول العربية يجب أن تستعد لملء الفراغ الذي سيتركه الأمريكي في المنطقة , هذا اللقاء الذي يهدف أيضاً إلى تغذية الجسم الإرهابي ولاسيما على الحدود الأردنية السورية في محاولة لصياغة سيناريوهات تصعيدية جديدة للرد على النجاحات والتقدم الذي يحققه الجيش العربي السوري في منطقة القلمون وجرودها وتلالها . إن ما يتهدد اليوم الحدود الإيرانية , وما يعمل الأمريكي وحلفائه على طبخه وتحضيره وتهيئته انطلاقاً من الساحتين العراقية والسورية وحتى من الساحة اليمنية , وإن تغلغل وتمدد وانتشار " داعش " الذي لم يكن مصنوعاً ولم تُرسم تحركاته واستهدافاته إلا على العين الأمريكية , وإن كل ما يُقدم أمريكياً من توصيفات وتبريرات تستند إلى " تراجع وانتكاسات تكتيكية" بحسب منظور أوباما, إنما هي في حقيقتها مرحلة محددة ومخطط لها جيداً من مراحل الحرب الأمريكية على هذه المنطقة , واللبنة الأساسية في مشروع التقسيم الذي تحدث عنه ولايتي, يجب العمل على مواجهتها والتصدي لها من خلال التنسيق الفاعل ووضع الخطط المضادة القادرة على لجم ما يخطط له الأمريكي , هذه الخطط التي يجب أن تتحول في مراحلها الحالية والمستقبلية إلى خطوات هجومية أكثر إيلاماً لا تنتظر كرة النار حتى تصل إلى عقر الدار, إنما يبادر فيها المستهدفون أمريكياً, لصياغة ما يهدد ويؤلم ويردع مشاريع ومصالح الأمريكي وحلفائه في المنطقة , تتوارد فيها بزخم مشاهد التمريغ الفعلي للأنوف في التراب , وتُقطع فيها أيادي المستكبرين التي تطاولت في الامتداد والاستعلاء والاعتداء على شعوبنا ومقدراتنا , وتسوى فيها مصالح المعتدين بالأرض , وإلا فإن كرة النار الأمريكية تتسارع نحو وجهتها ومرادها وغايتها الرئيسة " الجغرافيا الإيرانية " .
*كاتب سياسي فلسطيني مقيم في سورية