2024-04-25 03:06 م

معركة الوجود مع المشروع التكفيري .. وتلازم الذهاب إلى ميادين أخرى

2015-05-26
بقلم: الدكتور محمد بكر
نحن يقظون جداً ولم نغفل لحظة واحدة عن العدو الإسرائيلي , وجهوزيتنا تامة ولم تشغلنا الهموم الأخرى , ولم يمر يوم كانت فيه المقاومة أكثر قوة ً ونفيراً وحضوراً مما هي عليه اليوم , ونقاتل إلى جانب الجيش والشعب في كل مناطق سورية على أساس أن ذلك دفاعاً عن الجميع , وإذا قررت قيادة الحزب التواجد في ميادين أخرى فإن الآلاف سيتواجدون فيها. بهذه الكلمات وبذات اللهجة المعتادة , وبنفس الأسلوب المعهود , أطل السيد حسن نصر الله في الذكرى الخامسة عشر لتحرير الجنوب اللبناني , ليبعث بجملة من الرسائل السياسية والعسكرية لجهة المضي في مواجهة المشروع التكفيري والعمل المتواصل على الجبهة استعداداً وجهوزية للمواجهة مع الكيان الصهيوني , فكيف تمكن لنا قراءة تلك الرسائل؟ , وهل تدفع القوة والجهوزية التي باتت عليها اليوم المقاومة اللبنانية الكيان الصهيوني لاختبارها ؟ , وماهي الاستراتيجية التي تنتهجها " إسرائيل " إنجاحاً لأهدافها ومشروعها بالتوازي مع المشروع التكفيري ؟؟ ما جاء في خطاب السيد حسن نصر الله , يمكن وضعه في سياق محورين هامين الأول تحذيري والثاني يتعلق بالمعركة مع الكيان الصهيوني , إذ حذر من خطورة المشروع التكفيري المصنوع على العين الأمريكية , ومن تداعياته وتبعاته وارتداداته ولاسيما على القوى السياسية والأنظمة التي تراهن عليه أو تؤيده ضمناً كأداة لمواجهة محور المقاومة, بأنهم سيكونوا أول ضحايا هذا المشروع الذي لا يفرق بين تيار بعينه أو بين طائفة محددة , إذ دعا لضرورة توحيد الجهود والإرادات لمواجهة الخطر التكفيري , معتبراً أن المعركة مع هذا المشروع هي معركة وجود والقتال فيها لا يجزأ وتؤجل عندها المعارك الأخرى , وهنا نقول وانطلاقاً من التشكيك لا بل حتى من باب المؤكد أن الاستراتيجية والتحالف الذي صاغته واشنطن لجهة محاربة " داعش " إنما هو مسرحية باتت مكشوفة الأهداف والغايات لجهة مواصلة الولايات المتحدة وحلفائها استثمار الأداة الداعشية في إنجاح مشروع " الفوضى الخلاقة " وضرب اقتصاديات الدول المستهدفة واستنزاف مؤسساتها العسكرية, وعليه فإن القوى والأنظمة السياسية الراعية للإرهاب ستستمر في تنفيذ الاستراتيجية الأمريكية والانخراط فيما يستثمر الأمريكي, وصولاً للغايات المرجوة , وهي غير معنية على الإطلاق بما طرحه السيد حسن نصر الله غير مرة فيما يتعلق بضرورة توحيد الجهود لمكافحة داعش وأخواته, وإطلاق مشروعات الاستنهاض والتحشيد ضده , لا بل على العكس تماما ً وانطلاقاً مما تشكله السعودية من محور الاعتداء والإجرام في المنطقة بحسب ما أعلن بروجردي ولكون الصراع السياسي الحاصل هو صراع وجود بين مشروعين , فإن السعودية وحلفائها سيمضون قدماً في دعم وتغذية الإرهاب في محاولة " للانتصار " وإثبات الوجود , إذ لطالما بات جلياً للمراقب والمتابع البسيط وتماماً كما أعلن السيد حسن نصرالله أن تحركات داعش بعتاده وآلياته وعرباته وتغلغله ومناطق استهدافه في العراق وسورية إنما يتم بالفعل على العين الأمريكية وبالمال السعودي, وهذا ما أوضحه لافروف عتدما عدّ أن " عاصفة الحزم " عززت من مواقع تنظيم القاعدة في اليمن , وفي ذات السياق ما أعلنته حركة أنصار الله بأن ميليشيات هادي ترفع العلم السعودي وعلم القاعدة بالتوازي. بموازاة ذلك , وفي الحديث عن الدور الذي يلعبه الكيان الصهيوني في المنطقة وموقفه من التطورات الحاصلة, ولاسيما القدرات النوعية التي لا زالت في جعبة حزب الله, فإن ما أعلنه وما فاخر به السيد حسن نصر الله وما بعثه من رسائل القوة والجهوزية والحضور لن تكون عرضة للاختبار من قبل الكيان الصهيوني خلال المرحلة الحالية بالحد الأدنى , لأن " إسرائيل " تدرك يقيناً المفاعيل المؤثرة والمؤلمة لردود الحزب على أي عمل عسكري ضده , ولعل العملية النوعية التي نفذها الحزب مؤخراً في شبعا رداً على اغتيال كوادره في مدينة القنيطرة قد وصلت رسائلها جيداً للكيان الصهيوني , بيد أن السياسة التي ينتهجها حالياً لجهة التعاطي مع مجريات الحدث السياسي الحاصل في المنطقة , إنما تصب أيضاً في سياق محورين رئيسين, الأول تتقاطع فيه الرؤى الإسرائيلية مع الرؤى الأمريكية والخليجية لجهة الاستثمار في الإرهاب ومجاميعه وأدواته والتنسيق عالي المستوى معه, ولاسيما على الجبهة الجنوبية في حين يشتغل الكيان الصهيوني في المحور الثاني على توسيع وتكثيف تحالفاته الأمنية والعسكرية مع بعض الدول العربية تحضيراً للمواجهة مع حزب الله ومستقبلاً مع إيران وذلك في الوقت والمكان المناسبين , ومن هنا نفهم ونقرأ ما أعلنته مؤخراً مصادر استخبارية إسرائيلية لصحيفة هآرتس بأن الصراع في سورية لم يُحسم بعد , وأن ما سمته " المنازلة " في العراق وسورية واليمن إنما تهدف إلى ترحيل القضية الفلسطينية إلى الظل , وهذا ما استطاع أن يحققه المحور الصهيو- الأمريكي إلى حد بعيد إذ أن كل ما يجري تصنيعه أمريكياً وإسرائيلياً في المنطقة , إنما يصب في الصالح الإسرائيلي أولاً وأخيراًَ , وعطفاً على ما أعلنه السيد حسن نصر الله بأن المعركة الحالية الوجودية مع المشروع التكفيري تتأجل فيها المعارك والمواجهات الأخرى , و ربطاً بين جزئيتي ترحيل القضية الفلسطينية وتأجيل المعارك الأخرى في المواجهة والصراع الحالي مع التكفيريين , يمكن فهم غياب الإرادات لدعم أي حل سياسي في سورية , ومواصلة دعم جحافل الإرهاب لتأمين " انشغال نوعي" لحلفاء وداعمي المقاومة الفلسطينية وترحيل القضية الفلسطينية إلى الظل بشكل كامل , وتالياً الانفراد " إسرائيلياً " بتصفية المشروع الوطني الفلسطيني والقضاء على مقاومته وتشتيت فصائله . إن إطلاق مشروع قومي عربي يستنهض الشعوب الحرة لمواجهة الأخطار التي تتربص بالمشروع المقاوم يعد من الأهمية بمكان الشروع به والبدء بتنفيذه , لكن مع ضرورة أن يستند هذا المشروع في اعتقادنا إلى مقومات أساسية لجهة ضمان إنجاحه وتلمس مفاعيله الوازنة ولاسيما على مستوى الشعوب الحرة ذاتها وفيما يتعلق بالنبض القومي لدى الشارع العربي والإسلامي , يُقرر خلاله توسيع رقعة الميدان والذهاب سريعاً إلى ميادين أخرى وبمشاركة جميع القوى والأنطمة المعنية, لطالما كانت هذه المعركة وهي كذلك " معركة وجود " تماماً كمعركتنا مع الكيان الصهيوني, والعمل على " تثقيل " المواجهة , وتفعيل لغة التهديد على الأرض , باتجاه المدبر والمحرك والراعي والممول والمشغل والمستفيد الأول , ولو أن الحمل سيكون فيها مضاعفاً , لكنه سيكون أقل كلفة وأجود نتائجاً من تقديم مواجهة المشروع التكفيري على مواجهة الكيان الصهيوني إلى حين القضاء والانتصار عليه , فمعركة الوجود يجب أن لا تجزأ ولايرتب فيها أولويات , من المشروع التكفيري إلى المشروع الصهيوني الذي يهنأ صاحبه لعظيم ما صنعت يداه . 
* كاتب سياسي فلسطيني مقيم في سورية