2024-03-29 03:03 ص

أخطار غير مسبوقة تهدد مصير كل العرب

2015-05-26
بقلم: حماد صبح
احتفل حزب الله ومعه شرفاء العرب والمسلمين بالذكرى الخامسة عشرة لتحريره لجنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي في 25 مايو 2000. واستعدنا في وجداننا مشاهد الفرح العارم الذي عاشه سكان جنوب لبنان يومئذ وهم يعودون إلى منازلهم ومزارعهم التي شردهم الاحتلال منها وأنزل بها كل ما استطاعه من صنوف التخريب . واستعدنا كذلك مشاهد الهروب الإسرائيلي الذليل من الجنوب ليلة ذلك اليوم ، وسماه الإسرائيليون أنفسهم هروبا والذيل بين الأرجل تشبيها لأنفسهم بالكلاب حين تهرب فزعة من خطر ما . مثل انتصار حزب الله الكبير يومئذ أملا كبيرا لشرفاء الأمة ، ورمزا لما يمكن أن يفعلوه بعدو ألحق بهم ضروبا من الذل لا يمكن ان يلحقها عدو بهذه الضآلة بأمة في عراقة ووزن أمة القرآن إلا إذا كانت روحها قد غزاها الوهن ونسيت من هي وأسلمت قيادها لحكام ينتمون لها نسبا ويخونونها هدفا وعملا ، وهي الحال الحقيقية للأمة العربية ومعها الأمة الإسلامية . وفطنت إسرائيل إلى خطورة رمزية انتصار حزب الله الصغير عددا والقليل عتادا ، القوي النقي إيمانا بعدالة وقداسة الحق في حماية الذات والوطن وكل ما يتصل بهما من قيم، ويرفد ذلك الإيمان فيض زاخر قوامه الإيمان الراسخ بأن الله سبحانه وتعالى وعد المؤمنين إحدى الحسنيين : النصر أو الشهادة . إنه الخيار العظيم بين خيرين . أقول فطنت إسرائيل إلى خطورة رمزية انتصار حزب الله عليها ، وحذرت وهي تلتقط أنفاسها لاهثة مصدومة من مذلة طردها من الجنوب اللبناني ؛ الفلسطينيين من التفكير في تطبيق أمثولة حزب الله الظافرة في الضفة وغزة ، ولكن الانتفاضة الثانية انفجرت ، ومع أنه كان لها سبب مباشر وهو دخول شارون المسجد الأقصى إلا أن استلهام أمثولة حزب الله البطولية كان في روح تلك الانتفاضة . تحرير جنوب لبنان على يد فئة قليلة مؤمنة لم يرق لعرب الغرب والصهيونية ، فاشتدت عداوتهم لحزب الله ولأمثولته . ما يفعله يناقض كامل المناقضة أدوارهم وأهدافهم المتوافقة مع الغرب والصهيونية . وجاء انتصاره في حرب 2006رغم الويلات التي أنزلها العدوان الإسرائيلي بلبنان ؛ صاعقة على قلوب عرب الغرب والصهيونية ، وارتاعوا وهم يرون شعبية سماحة الشيخ حسن نصر الله تجتاح العالم العربي حتى صارت صوره من المعلقات في البيوت العربية ، وجن عرب الغرب والصهيونية ، فاندفع إعلامهم يسفه المقاومة ويركز على الخسائر والمصائب التي جلبتها على الناس ، ولم يتعففوا ، في قمة صدمتهم من صعود شعبية المقاومة وشعبية رموزها ؛ من الاستنجاد بأخس الأسلحة التي كان الاحتلال الأميركي فجر نارها وشرورها في العراق ، أي المذهبية المنكرة . فجأة اكتشفوا أن المسلمين سنة وشيعة ، وأن لا التقاء ولا قواسم موحدة بين الطائفتين . الدين الواحد واللغة الواحدة والدم الواحد والجغرافيا الواحدة والتاريخ الواحد والخطر الحقيقي الواحد كلها امحت في ومضة برق ، ولم يكن من سبب لذلك الامحاء الجماعي إلا أن حكاما من صنع الغرب والصهيونية أرادوه للتوافق والتواثق بين أهداف الطرفين . وجاهر أولئك الحكام بإعلامهم وطبقاتهم الاجتماعية التي يمثلونها تمثيلا منفعيا منفصلا عن الأمة وجوهر روحها بانحيازهم لإسرائيل ، وألحوا عليها بمحاربة المقاومة في لبنان وفلسطين وحرمانها من الشعور بأنها أنجزت شيئا ذا قيمة ، والتأكيد على أنها لم تجلب سوى موت الناس وخراب بيوتهم ودمار مصادر عيشهم . وعوضت دول خليجية إسرائيل عن خسائرها في حرب 2006 مع حزب الله ب 9 مليارات دولار . وبدا العرب أمة مستعصية على صنع الخير والكرامة لنفسها ، أمة تكره عزة السيادة وشرف الانتصار ، وتحب ذل العبودية وهوان الانكسار . الذي يدافع عنها الخطر الحقيقي الواضح وضوح الشمس تمقته وتتبرأ منه وتنحاز في مواجهته إلى صف العدو الحقيقي . هل يمكن تقديم تفسير نفسي معقول لهذا السلوك الشاذ ؟ له تفسير سياسي وآخر نفسي . السياسي _ مثلما وضحنا من قبل _ أن معظم حكام العرب منفصلون في دورهم وأهدافهم عن أمتهم ، ومرتبطون بأهداف الغرب وإسرائيل اللذين يحميان حكمهم ، والثاني نفسي ، وبيانه أن الشعوب العربية استمرأت تحت سطوة هؤلاء الحكام الذل أيا كان مصدره ، وصارت تراه قدرا مكتوبا ، ولا تثق في قدرتها على صنع عزتها وكرامتها ، وتستهول ثمن ذلك ، وتمقت من يحاول الخروج على هذا الاقتناع المرضي المتحجر وتراه جلابا لمتاعب ومصاعب لا مبرر لها بعد أن تكيفت مع حياة الذل، داخليا بسيف قمع النظام أو خارجيا بسطوة العدو مثلته إسرائيل أو مثلته أميركا ومعها بعض دول الغرب . وكان طبيعيا أن يتسع هذا الخلل الخطير ، وأن يسهل على العدو الخارجي أن يحارب الأمة من داخلها وبسيفها ، فتوالت الكوارث داخلة الآن عامها الخامس ، فقتل وجرح مئات الآلاف وشرد ملايين المواطنين العرب داخل أوطانهم وخارجها ، ودمر عمران ومصادر اقتصاد بأرقام خسائر فلكية ، لو حارب العربَ عدوٌ خارجي ما ألحق بهم ما يقاربها . إنها الحالة المتناهية في كوارثها وتعاستها وجنونها التي جسد خطرها سماحة الشيخ حسن نصر الله في خطاب الاحتفال بالذكرى الخامسة عشرة لتحرير جنوب لبنان حين قال :" إننا أمام خطر لا وجود له في التاريخ " ، أي لا شبيه له على فظاعة ما عرف تاريخ الإنسانية من أخطار وأهوال ؛ فما تقترفه الجماعات الإرهابية المسلحة في العالم العربي باسم الإسلام والدفاع عن حقوق الناس أعظم خطر واجهه الإسلام والمسلمون من داخلهم على مر التاريخ ، بل فاق حتى أخطار الخارج . فهل تصحو روح الأمة للتصدي له دفاعا عن بقائها ؟ تجاوزنا الرضى بالذل وما فيه من صغار، وكره الانتصار وما فيه من عزة وكرامة ؛ إلى السكوت الخانع على إبادة وجودنا بأيدي أناس خرجوا من جلدنا ، وهم في الحق ليسوا سوى آلات في يد العدو الخارجي .

الملفات