2024-03-28 08:31 م

كيف ننتصر ؟

2015-05-27
بقلم: سمير الفزاع
لنعترف بكل شجاعة بأن هناك وضع ميداني صعب في بعض المناطق، ولنعترف بأننا تلقينا في الشهرين المنصرمين خسائر ثقيلة... ولكن يجب أن نعي بأننا بتنا نقاتل جيوشاً منظمة من الإرهاب تقودها غرف عمليات حقيقية، وليس مجرد مجموعة من الإرهابيين السذج الذين يبحثون عن الحوريات... وأن هناك نقلة نوعية في التسليح والتدريب والتجهيز والإعداد النفسي والقتالي لهؤلاء، وأن هناك بيئات حاضنة –صغيرة أو كبيرة- قدمت على نحو شبه دائم لهذه المجموعات الثغرة التي تنفذ منها لإحداث خلل عسكري-أمني في منطقة ما، لتأخذ بعدها الأمور شكل الإنهيار المفاجيء، كما حصل في إدلب وجسر الشغور والسخنه. أدلل على ملاحظتي الأخيرة بما أثبته الواقع، حيث حوصرت قطاعات عسكرية في مناطق مختلفة، ولكنها صمدت لأشهر طوال لأنها كانت عسكرية خالصة تقريباً، ولم يكن هناك وجود مدني يذكر... مثل مطار منغ وسجن حلب مشفى الكندي مشفى جسر الشغور... . أي حرب نواجه؟ نحن نواجه أخطر وأعقد أنواع الحروب على الإطلاق؛ إنها الحرب اللامتماثلة، ولكن في أحدث صورها قاطبة. الحرب اللامتماثلة، نموذج معقد من الحروب يجمع بين الحرب غير النظامية والنظامية، بأفكار مبتكرة تدمج مفهوم الحرب الشعبية بحرب العصابات مع إستخدامها لبعض تكتيكات الحروب النظامية، وتلجأ لإستخدام التكنولوجيا الحديثة في الأدوات القتالية والدعائية والإتصالات... وتعتمد على إستخدام الحدّ الأقصى من العنف الذي يشلّ حركة الخصم، ويحطم معنوياته، ويدمر حاضنته الشعبية... وأمر حتمي أن تستفيد من القدرات النظامية للدولة/الدول الراعية والممولة والموجهة لحركة وفعل القوة الميدانية التي تخوض هذا النوع من الحروب. رأينا هذا النوذج في طالبان-باكستان والسعودية، داعش، النصره-واشنطن وتركيا والكيان الصهيوني... أي أن هذه الأدوات ما هي إلا غزو مقنع يغير الخرائط ويفرض الوقائع السياسية بالقوة، لكن دون وجود لجسم نظامي تبادله العنف والعداء و"تفرض" عليه الهزيمة والإنكسار، أما في حالة إنتصاره يظهر المحرك/المحركون مباشرة لقطف ثمار هذا الغزو. ما هي وسائل وأساليب الحرب اللامتماثلة؟ تعتبر الأسلحة المضادة للطيران كالرشاشات المتوسطة والثقيلة، والصواريخ الموجهة والمضادات للمدرعات، والصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى... ومعرفة طبيعة الأرض التي تجري عليها العمليات ومسالكها ودروبها... من أهم أسلحة الحرب اللامتماثلة، باعتبار أن ذلك يمثل الأساس في عملياتها الحربية، إلى جانب وسائل التخابر والاتصالات الحديثة. وتعتمد أساليب القوات غير النظامية غالباً على حرب العصابات وعمليات حرب المدن، وإعداد الكمائن واستهداف مواقع إستراتيجية مؤثرة، وهذا يستدعي تجنب التورط بالدخول في معارك ومجابهات على نطاق واسع والتركيز على الاشتباكات الصغيرة وعمليات التمويه والكر والفر، واستخدام وسائل قد تكون بدائية مع وسائل أكثر تطورا حسب الحاجة مع تطور طبيعة الصراع، لتحقق أهدافها. تدمج الحرب اللامتماثلة أنماط القتال المعروفة المختلفة للاستفادة من كل أشكال القتال "المشروعة" لاستنزاف وإرهاق الخصم لإرغامه علي الانسحاب من الأراض أو التخلي عن سياسة خارجية معينة. وهناك عدة ميزات لأسلوب الحرب اللامتماثلة، منها: 1- المرونة العالية في القتال، ويقصد بها سرعة الانتشار والمواجهة، وتغيير الخطط حسب الحاجة وحسب تطورات الميدان، وتكيف القيادة مع نوعية العمليات وطرق الخصم القتالية... فوراً وبدون اللجوء للتسلسل القيادي. 2- تجنب الصدام المباشر مع العدو لحرمانه من استخدام قوته النارية المتفوقة، واختيار الأماكن والأوقات المناسبة لمواجهة العدو، مع الاستفادة من طبيعة الأرض في كل الحالات. 3- اعتماد مفهوم ساحة الحرب المفتوحة دون الاعتماد على خطوط ثابتة وخنادق وتحصينات ضخمة ومراكز تحشد خلفية. 4- الإستثمار النفسي والمادي لأي نجاح من عمليات الإغارة والضربات المفاجئة، واستغلال نقاط ضعف العدو لصالح المجهود الرئيسي نحو الهدف المحدد. 5- الاستثمار "القليل" في أفراد ومعدات غير مكلفة نسبيا يمكن أن يعرقل ويوقف قوات تقليدية اكبر عدداً وأكثر تسليحاً وتطوراً. 6- الاعتماد على القدرات الذاتية المحلية ودعم الدولة/الدول في توفير وتخزين الذخائر ومواد الإعاشة للقوات في أماكن متفرقة لتفادي الوقوع في فخ صعوبة الإمداد اللوجستي. 7- العمل بمبدأ الانتشار الواسع والمبكر للوحدات كأسلوب أمثل للدفاع السلبي ومقاومة الاستطلاع وتجنب الضربات الجوية المركزة، مع القدرة على اتخاذ التشكيل المناسب للتعامل مع العدو عند وصوله إلى مناطق عمل تلك الوحدات. 8- اعتماد مفهوم النوعية بالنسبة للسلاح الثقيل بدلا من الكمية، وعدم إقحامه في تشكيلات كبرى ثقيلة الحركة تكون عبئاً عند المواجهات الحاسمة، والاستعاضة عنه بوحدات سريعة مضادة للمدرعات لصد مدرعات العدو وإنزال أكبر الخسائر بها. 9- التوسع في استخدام المنظومات الصاروخية، خاصة وأن لها عدة مميزات تعبوية منها الدقة وكثافة النيران والقوة التدميرية تجعلها أسلحة مناسبة وفاعلة ضمن أسلوب القتال اللامتماثل. * كيف ننتصر؟ للإجابة عن السؤال المركزي (كيف ننتصر؟) من الضروري الإجابة عن سؤال مركزي آخر، كيف ننتصر في حربنا اللامتماثلة مع داعش والنصرة وغيرهم من أدوات الغزو، لنؤسس لإنتصارنا التاريخي في هذه الحرب الكبرى؟. سأذكر بعض الإجراءات العملية والميدانية لتشكل بمجملها محاولة متواضعة للإجابة عن هذا السؤال: أ– ممنوع السماح لحربنا مع أدوات الغزو أن تتحول الى حرب استنزاف، تستهلك عوامل الصمود وعناصر القوة لعدة اسباب، منها: 1- إكساب الحرب طابع الإستنزاف هدف غالِ بحدّ ذاته على قلب هذه الأدوات ومشغليهم... حتى تتآكل القدرات، وترفع كلفة الصمود والمقاومة، وتتصدع المعنويات... . 2- قدمت هذه الأدوات اكثر مما يلزم من الدلائل لنتعرف على هويتها وداعميها وطرق عملها... ومن يتمسك بها ويروج لها او ينتمي لصفوفها... شريك كامل في جرائمها ويجري عليه ما يجري عليها من العقاب، ولا مكان هنا للحديث عن مخدوع أو مغرر به. 3- إطالة أمد الحرب سيسمح لها باكتساب مؤيدين جدد؛ حيث سيشعر أعضائها بالثقة، وينخرط المزيد من المتعاطف معها في عملها الميداني... وينشر القنوط والإحباط لدى جمهورنا، وقد يتحول هذا القنوط والإحباط مع الوقت إلى رعب يشلّ حركة البعض أو يبدل خياراتهم. ب– استنفار قوانا الكامنة والمرتخية والمحايدة. نحن نقف اليوم عند نقطة فاصلة من الحرب على سورية، ولا نملك رفاهية الإختيار من متعدد؛ إما أن نكون مع الجيش العربي السوري والقوات المسلحة يداً بيد فننهي هذه الحرب بأسرع ما يمكن، وإما نترك الجيش وحيداً في الميدان، يستنزفه أعدائنا ويشتتوه، حتى تخور قواه لا قدّر الله. من غير المعقول أن نقف مكتوفي الأيدي ونكتفي بالدعاء والإبتهال. الدعاء مهم، ولكنه يصير تواكلاً وعجزاً ومخالفةً لأمر الخالق إن لم نقرنه بالعمل. لذلك علينا القيام بعدة اجراءات، منها: 1- التشدد في تطبيق قانون خدمة العلم، والتوقف تماماً عن قبول البدل المادي ولو لفترة محدودة. من غير المقبول مبادله بقاء الوطن وشعبة وتماسك دولته… بالمال، كما أن هذا البدل لا يملكه كل السوريون وإنما أعداد محدودة منهم، وآن لهؤلاء أن يكونوا شركاء بالحمل والعبء كما كانوا أول من إستفاد وأنتفع. 2- دعوة أكبر عدد ممكن من دفعات الاحتياط للعودة الى الخدمة الفعلية، فهم أهل الخبرة والكفاءة والتجربة… وحتماً، هم أهل العطاء والفداء والتضحية. 3- رفع عديد التشكيلات الرديفة، كالدفاع الوطني والدفاع الشعبي وكتاب البعث… وإدارة شؤونها من قبل ضباط ومرتبات الجيش العربي السوري لتكون عوناً حقيقيّاً له. ج- التعبئة الجماهيرية و الشعبية. يجب العمل على زيادة الوعي الشعبي بمخاطر ما نواجه، وتحريض الجماهير على الوقوف مع ذاتها ومع وطنها ومؤسساتها... وتحويل الصراع الدائر مع حلف العدوان على سورية إلى قضية مجتمعية جامعة، تفرز المتخاذل والمرجف عن المضحي والمقاوم، وهنا يظهر دور المؤسسات المدنية والاهلية، من احزاب ونقابات وشيوخ عشائر ومثقفين وادباء ورجال دين ووسائل الإعلام وصناعة الراي... ومن أهم هذه الإجراءات تشكيل قوات دفاع ذاتي في كل قرية وبلدة ومدينة... لتحقق التالية: 1- توفر مقداراً معقولاً من الأمن الذاتي، وتكون رديفاً للجيش عند حصول أي طارئ. 2- قمع أي محاولة تخريب أو تمرد جماهيريّاً. 3- توفير خط دفاع أول مؤهل وخبير بالمكان بوجه أي غزو إرهابي. 4- القيام بمهام الإستطلاع والإنذار المبكر لأي خطر محدق بأماكن تواجدهم أو غيرهم من القرى والمدن والقطاعات العسكرية. 5- تحصن الجماهير من الآثار المدمرة للحرب النفسية والشائعات؛ بل وترفع من معنوياتهم. 6- إشتراكهم بحماية وطنهم يرفع من روح المواطنة لديهم، ويزيد من إستعدادهم للتضحية والبذل. 7- هكذا سيكون الجيش العربي السوري حاضراً في كلّ سورية، وقادر على التفرغ لمهمة التطهير والإنتصار. د- سلطة القانون، وهيبة الدولة. إحترام القانون شرط لحياة آمنة ومستقرة، والرافعة الحقيقية للسلم الأهلي والشعور بالمساواة… وهو لازمة لا غنى عنها لحفظ هيبة الدولة، وصيانتها من التضرر والتآكل. سأنبه إلى عاملين فقط: 1- من غير المعقول أن يبقى قانون العفو العام بلا إطار زمني واضح، وتمديد مفاعيله تلقائياً لأمد غير منظور. صحيح أن هذا القانون قد فتح في حينه باباً للعودة "إلى حضن الوطن" ولكنه عندما يكون بلا أمد معلوم فإنه يفتح للإرهابي باباً لذبح الوطن وجيشه، وقتل مواطنيه، وتدمير مقدراته ومؤسساته... حتى إذا أدركته الهزيمة، وتأكد من دنو الأجل، تذكر "حضن الوطن" وقرر العودة إليه. 2- المفسدون. وهم موجودون في كلّ مكان من المجتمع، وفي كل مؤسسات الدولة. مثل هؤلاء، يجب أن يحاسبوا، وبأقصى ما يسمح القانون من عقوبة. إنهم المقابل الموضوعي، والرديف الطبيعي، للمخرب والإرهابي؛ بل هم أخطر كما قال سيادة الرئيس بشار حافظ الأسد. لذلك يجب الشروع بحملة مكافحة شاملة للفساد، تريح الناس، وتقطع اليد المفسدة الآثمة... وترسي دعائم سورية المتجددة. هـ– الجيش العربي السوري والقوات المسلحة. عندما نتحدث عن هذا الجيش العظيم يكللنا الصمت، ويتملكنا العجز، ونفقد القدرة على الوصف والتصوير… هذا الجيش يستحق من كلّ سوري الكثير الكثير، سأتحدث في نقطتين فقط: 1- أي تلاعب أو إستخفاف بحياة ومصير وحقوق ومقومات صمود وإنتصار... هذا المقاتل العربي السوري، تلاعب وإستخفاف بمصير كل سورية، ومن يمارس هكذا أفعال، يجب أن يحاكم ميدانيّاً وبشكل مباشر، كما تنص القوانين العسكرية في حالات الحروب والأزمات. 2- لدى الجيش العربي السوري قدرات نارية هائلة القوة، وواسعة الإمكانات... مع عدو مثل داعش وغيرها، وفي شروط ميدانية مثالية كالموجودة اليوم (حيث الإنتشار الممتد، ميادين القتال المفتوحة، الإجماع على قتال وسحق هذا العدو...) أعتقد بأن إستخدامها صار أمراً ممكناً؛ بل وضروريّاً. * ختاماً، سورية تنتصر، بقائدها وجيشها والشرفاء من شعبها، وأهل النخوة والوفاء من أمتها وحلفائها. ولن يغفر التاريخ ولا سورية، لمن كان من أبنائها، وأنتسب لنبيل إسمها... ثمّ تقاعس عن نصرتها، وأشاح بوجهه عنها عندما سألته العون، وبخل بالوفاء عندما تكالب عليها ذئاب العصر وسِقط البشرية. وأتمنى أن لا نصل للمرحلة التي أُجبر فيها السيد حسن نصر الله ليقول عن نصر تموز 2006: بأنه نصر أحرزه بعض اللبنانيون، لنقول نحن إن إنتصار سورية أحرزه بعض السوريون.

الملفات