2024-04-23 04:05 م

بين "التوسع" والإلحاق بزغت معادلة النصر

2015-06-25
بقلم: سمير الفزاع
* دعوات "التوسع الأردني"، كيف؟ لماذا؟ وما هو مصيرها؟ منذ فترة ظهرت في الأردن وعلى لسان بعض الصحافيين القريبين من أجهزة السلطة، نغمة غريبة تفتقر إلى المنطق القانوني والأخلاقي والعروبي والوطني حتى، حيث طالبنا بعضهم بالإقتناع بضرورة توسيع المملكة لحدودها "لتضم" إليها غرب العراق وجنوب سورية... إستناداً لمبررات تشبه تلك التي قام الكيان الصهيوني بالإعتماد عليها لإحتلال فلسطين... حيث أننا نعيش في منطقة مضطربة، وفي لحظة تتفكك فيها الخرائط الوطنية لدول المنطقة، فإما أن تكبر أو أن تتقسم وتصغر أو حتى تتلاشى، فلا خيار أمامنا إلا أن نكبر ونتمدد، ويجب أن نتخلص من أي مبررات أو مخاوف تقف في وجه هذا التوسع! بهذه البساطة عبّرة بعض السلطة ومهدت لرؤيتها للإقليم والأردن في الأمس والغد... وعن إنتهاك الحدود، والإعتداء على السيادة، وطعن العروبة، والإستسلام الكلي للمشاريع التفتيتية للمنطقة والإقليم... على لسان أبو طير!. ردّاً على هذا المنطق التمهيدي –الذي تحول مع الوقت إلى سياسة علنية- لمغامرة كبرى تضع الأردن كياناً ومصيراً في مهب عاصفة لا خروج منها... وبعقل بارد ومنطق حازم، وبعيداً عن الشتم والذم، سأحاول تفكيك هذا الخطاب من أي جهة جاء، تمهيداً لإستخراج دوره ووزنه الفعلي ومآلاته وفق مجريات الميدان. * كيف؟: يقول خطاب "التوسع":(وقد نكون أمام مناطق جغرافية سكانية، غير محددة الهوية، منفصلة عن العراق مثلا أو عن سورية، لكنها لم تصبح دويلة... تسمع تحسساً دون سبب مفهوم، يخلط فيه البعض بين حرمة التدخل العسكري في دول الجوار، وبين أشكال الدول المستقبلية، هذا على الرغم من أن التدخل العسكري البري قد لا يكون أحيانا خيارا طوعيا، بقدر استباق المخاطر، أو إطفاء النار حتى لا تتمدد إلى الأردن، فنحن في ظرف لا يسمح بترف الانتقاء، وكثيرا ما تأتيك سيناريوهات تفرضها الظروف، وليس الرغبات). من المخجل والمخزي أن يتم تبرير توسع المملكة الأردنية نحو الحدود العراقية والسورية تحديداً، لأسباب ترتبط بالوشائج الطبيعية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية والإنسانية... المتشعبة والتاريخية، وأما من الزاوية السياسية-الأمنية فإن هذا الخطاب يصبح أكثر خطورة وكارثيّة بما لا يقاس، سأكتفي بذكر ثلاثة عناصر فقط: 1- عبر الأردن وفيها تمّ تدريب وتجهيز ونقل أعداد كبيرة من الجماعات الإرهابية تحت مسميات مختلفة إلى الساحتين السورية والعراقية، وإن إدعت بعض "الأصوات" أن ما يتم تدريبه من هذه الجماعات يهدف إلى محاربة "داعش" إلا أن الواقع يدحض هذه الإدعاءات تماماً. لقد أثبتت الوقائع أن "هؤلاء" ومنذ أن يدخلوا إلى "بلدهم" فإنهم يقومون بمحاربة الجيش الوطني السوري أو العراقي؛ بل إنهم ينقلبون سريعاً إلى صفوف الجماعات الإرهابية المتطرفة كداعش والنصرة، وهذا ما دفع أوباما نفسه لوصف الحديث عن "معارضة مسلحة معتدلة" بالفانتازيا والخيال. 2- إذا كانت داعش سبب الإنهيار الفعلي للحدود، والأداة الحقيقية لتفكيك وتمزيق الخرائط... فإن توسع الأردن وتمدده نحو هذه الحدود المنتهكة أو الخرائط المهددة بالتفكك تحت أي مسمى كان –إستباق الأخطار، تسليح الأهالي...- ما هو إلا إستثمار لجرائم داعش وبقية الجماعات الإرهابية، ولعبثها بخرائط المنطقة... وأما إذا أردنا أن نترك "للشك" أعنته، سنرى مشهداً غاية في الخطورة والوضوح في آن، داعش يفتك بحدود ويرسم أخرى، في العراق ساهم بخلق إقليم كردستان، وفي جنوب سورية يساهم بخلق الأردن الكبير... أي أن داعش يؤسس ميدانيّاً لما سيأخذه الأردن في الجغرافيا والسياسية. 3- إذا كان ما تدعمه "الأردن" "معارضة مسلحة معتدلة" أو "قوى عشائرية" لمحاربة نفوذ داعش وتمددها، فكيف يمكن الموائمة بين دعوات محاربة داعش وتوسعها في سورية والعراق وبين التمدد الأردني نحو الأراضي السورية والعراقية؟ ألا تلاحظون معي نوعاً من التطابق في الأهداف؟ وهل لهذا من علاقة بإشهار الراية الجديدة للجيش العربي الاردني؟ هذه المعارضة والعشائر هل ستكون "الجسر" الذي سيعبره "الأردن" ليكبر ويتمدد؟ هل هذا "التوسع" المزعوم قرار أردني، أم جزء من مشروع أجنبي لتفتيت وتمزيق المنطقة؟ هل للمواطن الأردني والجيش الاردني مصلحة في تكرار مأساة أيلول الأسود 1970، حينما إجتاحت الدبابات والمدرعات السورية شمال الاردن حتى بلغت مشارف عمان، ولم يمنع إندلاع معركة كبرى بين شعبين شقيقين إلا رفض الراحل الكبير حافظ الأسد قائد سلاح الجو السوري حينئذ، تغطية تقدم الدبابات السورية في الاراض الاردنية؟ وهل للمواطن الاردني والجيش الاردني والقيادة الاردنية مصلحة بتكرار مأساة قصف الطيران السوري لمعسكرات الاخوان المجرمين في جرش؟. * لماذا؟: لا يمكن وضع هذه السياسة "الأردنية" العدوانية إلا ضمن احد هذه المواقع أو كلها مجتمعة: 1- الشراكة الفعلية في تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، وخرائط "برنارد لوس"، وأمنيات كيسنجر... وما دعاوى التمدد والنمو أو تدريب وتسليح العشائر إلا قنابل دخان لإخفاء الهدف الرئيسي منها. 2- إستيعاب و"هضم" اللاجئين العراقيين والسورين وقبلهم الفلسطينيين، في كيان هجين يقوم على أشلاء أقطار عربية عديدة، في مقدمتها فلسطين... ما سينجم عنه آثار مدمرة على القضية الفلسطينية، وعلى الإستقرار الاردني الداخلي، وإنقلاب في تشخيص ونظرة المواطن والمسؤل العربي للاردن بعد تحويله إلى أداة تخريب وتقسيم وغزو... . 3- متابعة الضغط الإرهابي على سورية عبر فتح معارك جديدة وتحريك أخرى، كما حدث في بصرى الشام واللواء 52 ومطار الثعلة وبلدة حضر مؤخراً، للتعويض عن البوابة التركية التي تقف على مفترق طرق هو الأخطر منذ نصف قرن على الأقل؛ حيث سيكون لشكل الحكومة الجديدة –إئتلافية، معارضة- أثر حاسم في بقاء هذه الجبهة الأوسع والأخطر، وفي مستوى تأثيرها على مجريات الميدان السوري... وفي مطلق الأحول، بروز الدور "الأردني" يؤشر إلى عمق الفراغ الذي تركه وسيتركه مستقبلاً "الإنسحاب" التركي على المشروع التفتيتي للمنطقة، فراغ لا يمكن للاردن ملأه أبداً. * المصير: هناك معارك كان لها أثر كبير جداً في خلق تحولات كبرى في مجريات الحرب على سورية، مثل معركة بابا عمر والقصير... وخلال العام الأخير من هذه الحرب كان لمعركة مشفى جسر الشغور دور حاسم في إفشال مشروع غزو شمال ووسط سورية ومحاصرة حلب تمهيداً لإجتياحها... ومؤخراً، لعبت معركة مطار الثعلة دوراً مماثلاً لناحية إسقاط مشروع عزل جنوب وغرب سورية ومحاصرة دمشق، تمهيداً لملاقاة وهم "التوسع الأردني" شمالاً من جهة، وخلق جيب عميل للكيان الصهيوني على سفوح الجولان من جهة أخرى. لقد كان لمجزرة قلب لوزة آثار كارثية على مشروع تظهير النصرة كقوة معتدلة مسموح لها بخلق جيب جغرافي "قابل" للحماية الدولية والإقليمية في الشمال أو الجنوب السوري. كما منعت هي ومعركة مطار الثعلة المفصلية، مخطط دمج الجبهتين الغربية والجنوبية من السويداء حتى وادي اليرموك، إمتداداً حتى حضر وما ورائها ربما. لقد كان المطلوب من هذه المجزرة، ومن السيطرة على مطار الثعلة تهيأت المناخ النفسي والمعنوي لدى الموحدون العرب للبدء بمرحلة جديدة من تاريخهم، تسقط فيها الزعامات الدينية التقليدية لصالح "مشايخ" الفتنة والتقسيم، وتسقط فيها المرجعيات الوطنية لصالح مرجعيات خلف الحدود في المختارة والكنيست الصهيوني... وتسقط فيها المؤسسات الوطنية الضامنة للأمن والوحدة الوطنية لصالح وعود من كيانات ودول وأفراد همّهم تفتيت الوطن، وتمزيق مؤسساته الوطنية الجامعة وعلى رأسها الجيش العربي السوري. في مطار الثعلة وحضر وقبلهما في الحسكة، ظهر نموذج جديد من "المقاومة" السورية لمشروع الغزو، نموذج فيه معادلة النصر المحتم والسريع: الوحدة الوطنية المعمدة بالدم، الثقة بالنصر وبمؤسسات الوطن وإهمال الشائعات، إستنفار القوى المدنية والأهلية المحلية وإتخاذها موقف وطني مسؤل متجاوزاً لكل الأصوات النشاز ومتقدماً عليها، هبّة أبنا المنطقة شيباً وشباناً ورجالاً ونساءً لدعم جيشهم الوطني، تقاطر شباب المنطقة من المتخلفين عن الخدمة للالتحاق بصفوف الجيش العربي السوري والقوى الرديفة له، التمسك الأسطوري لقطاعات الجيش والقوى الرديفة بمواقعها؛ بل وترك المواقع الدفاعية والتقدم ومطاردة فلول العدو... . * كلمة أخيرة: بصرف النظر عن جديّة وجدوى دعوات التوسع على حساب سورية والعراق التي سمعنا الكثير منها خلال العقد الأخير، إلا أن مجريات الحرب التي نخوضها منذ خمسة أعوام تقريباً أثبتت حقيقة كبرى، التقسيم يقع بمقدار ما نسمح له أن يقع. فؤاد جنبلاط، سياسي لبناني ووالد كمال جنبلاط وجد وليد جنبلاط، كان قائم مقام منطقة الشوف إبان الحكم العثماني وبداية الانتداب الفرنسي للبنان. قتله شكيب وهّاب في6/8/1921 في وادي عينبال، عندما قرر أن ينفذ بنفسه قرار القنصل الفرنسي بإعتقال كل عائلات الثوار الدروز الذين إلتحقوا بالثورة العربية الكبرى لإجبارهم على تركها، وإلتزام موقف الحياد إزائها... رأى شكيب وهّاب بأن الحلّ يكون بالمزيد من مقاومة المستعمر وأذنابه وأدواته مهما عظمت التضحيات لا بتقديم التنازلات لمطالبه التي لن تنهي... وأثبتت الوقائع والتاريخ صوابية خيار المقاومة وخيار شكيب وهّاب.

الملفات