2024-04-20 05:02 ص

بين توقيع الاتفاق النووي أو تأجيله، المنطقة نحو الانفراج أو الإنفجار؟

2015-06-25
حسن غندور
أيامٌ معدودةٌ تفصلنا عن الموعد المقرر لتوقيع الاتفاق التاريخي بين الجمهورية الاسلامية والغرب، الكل يحبس الأنفاس، ومصير المنطقة بأسره رهن هذا الحدث الكبير لما له من اهمية في تغيير وجه المنطقة ورسم العلاقة الدولية بين الجمهورية الاسلامية كقوة إقليمية صاعدة وعلاقتها المستقبلية مع الغرب، وبين علاقة دول المنطقة مع الجمهورية الاسلامية بعد تلك المرحلة في حال تم الاتفاق أو أُجهض وتمّ تأجيله.

لا شك أنّ دول الاقليم، التي تعتقد انها متضررة من هذا الاتفاق قد سعت في الاشهر القليلة الماضية وعلى وجه الخصوص بعد إعلان تفاهم جنيف الى الاستماتة في سبيل إفشاله أو كحدٍّ أدنى تحسين الشروط والمواقع لمرحلة ما بعد هذا الاتفاق اذا تم، وقد جهدت كل من السعودية وتركيا وقطر وبالرغم من التباين في سياسة كل منهم تجاه ملفات المنطقة، الى التحالف لمواجهة "الخطر القادم"، هذا التحالف الذي ظهر جلياً في الميدان السوري عبر وضع كل الثقل والإمكانات لكسب الجغرافية ومحاولة تقسيم سوريا كأمر واقع قبل فوات الأوان. وقد لاقاهم الكيان الصهيوني في منتصف الطريق، داعماً بكل الإمكانات اللوجستية والتقنية والسياسية لإقامة مناطق عازلة في جنوب سوريا ليتلاقى مع الجهد التركي الكبير في الشمال لكسر معادلات الميدان والوصول الى الساحل السوري او في اقل تقدير محاولة ربط شمال سوريا بالقلمون. ومن جهته، دأب القطري على مساعدة داعش لوصل امتدادها العراقي بالامتداد السوري عبر خط الموصل تدمر في محاولة مستميتة للاقتراب من دمشق وإعادة التهديد إليها.

في هذه الأثناء، نشطت المنظومة الاعلامية التابعة لهذا المحور بشكلٍ لافت محاولةً الاستفادة من التقدم الميداني في تدمر وادلب وجسر الشغور ومن الهدوء "الاستراتيجي" للدبلوماسية الايرانية عبر تصوير هذا المشهد وكأنّ إيران تخلت عن دعم سوريا مقابل الاتفاق النووي، وأنّ النظام الذي خسر تلك المناطق هو في مرحلة السقوط الحتمي والهزيمة المؤكدة.

كان هدف ذلك الهجوم هو الوصول الى الساحل من الشمال والى دمشق من الوسط والى جبل حرمون فالقلمون من الجنوب، لكن الجيش العربي السوري، وبالرغم من إنهاكه على مدى السنوات الخمس، استطاع صدّ هذا الهجوم ووقفه وإفشاله بدليل أنّ كل تلك الهجمات، وإن خسر النظام تلك الجغرافية، لم تستطع تحقيق الغايات النهائية منها في الوصول الى الساحل أو الى دمشق أو فتح ثغرة واحدة في القلمون، مما يعني، أنّ استراتيجية الحفاظ على المدن، والتي اتبعها النظام منذ بدء الأزمة كخيار لصيانة جسم الدولة والكيان ومنعه من السقوط ما زالت استراتيجية ناجحة وقوية، وأنّ إعادة الانتشار التي قام بها الجيش العربي السوري والمعتمدة على تجميع القوات أدت الى مزيد من التحصين لتلك المدن سيّما وأنّ أغلب المناطق التي يسيطر عليها الإرهاب في سوريا لا يتعدى عديد سكانها أكثر من 15% من مجمل سكان سوريا المقيمين، مما يعيد أخذنا الى النموذج الجزائري في ثمانينات القرن الماضي حينما خاض الجيش الجزائري معركة طويلة ومفتوحة مع الارهاب في مناطق شبه خالية من السكان وجنّب المدن من حرب الشوارع والعصابات الاستنزافية. وتجدر الاشارة في هذا الصدد الى أنّ العصابات التكفيرية التي تسعى الى كسب الجغرافيا ستحتاج الى مئات الألوف من المقاتلين للحفاظ على تلك الجغرافيا المنتشرة مما سيرفع من قيمة الفاتورة البشرية والعسكرية للإرهاب ويجعلها عرضةً للتناحر الداخلي فيما بين صنوفهم وتشكيلاتهم العديدة في لعبة النفوذ والسيطرة.

من هذا المنطلق، نجد أنّ خيار القيادة السورية في إدارة الصراع الطويل الأمد (بغياب الرغبة الصادقة لدى الغرب للحل السياسي) هو خيار تكتيكي يعتمد الى اعادة تشكيل الوحدات المقاتلة بما يتناسب مع تطورات المعركة من جهة، وما يتناسب مع الخيارات الاستراتيجية الهامة التي طرحها سماحة السيد حسن نصرالله حول ربط الجبهات والاندماج بين القوات النظامية والحشود الشعبية والدفاع الشعبي والمقاومة لتكريس المعادلة الثلاثية، الجيش والشعب والمقاومة بخلق جيش مقاوم وشعب مقاوم، لا جيش كلاسيكي يعمل بمعزل عن تكتيكات حرب العصابات التي يتبعها الشعب المقاوم، ولم يعد خافياً أنّ الجيشين السوري والعراقي يعكفان على إعادة التشكيل لما يتناسب مع مقتضيات المرحلة القادمة والتي ستشهد انقلاباً في مفهوم المواجهة القائم وهو ما نفهمه بوضوح من خلال كلام المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية، السيد علي الخامنائي اليوم حينما تحدث عن مفاجآت قريبة منتظرة في العراق وسوريا واليمن.

وبالعودة الى كلام السيد جواد ظريف اليوم، والذي صرّح بأنّ الشعب الايراني سيقوم "بالتضحية المطلوبة لنيل حقوقه"، نجد فيها رسالة حازمة لمن يحاولون إنجاح المسعى الصهيوني بإفشال المفاوضات، بأنّ فاتورة إفشال المفاوضات غالية جدًا، وأنّ الجمهورية الايرانية مستعدة لاتخاذ كامل الخيارات التي من شأنها انتزاع حقوقها، مما يعني أنّ هناك انتقال من مرحلة "الصبر الاستراتيجي" الى مرحلة "صب جام الغضب" فيما لو فكر الغرب بالتراجع عن التزاماته بهذا الخصوص. ولا شك أنّ الرد على اي تأجيل او إفشال للتوقيع سيعني انطلاق حلف الممانعة بمرحلة جديدة من المواجهة بعد مضي المهلة المحدودة، أي 30 حزيران.

حتى الآن، لم تستعمل ايران كل الاوراق التي تملكها في هذه المواجهة الاقليمية، وقد اكتفت بالدعم اللوجستي والتقني والمادي في كل جبهات المواجهة، ولكن، إن كان مشروعها النووي "المصيري" على المحك، فهي لن تتوانى لحظة في قلب الطاولة على المراوغين والمنافقين من الاسرة الدولية وأذنابها في المنطقة، وهي تملك كل عناصر القوة لفعل ذلك، ولا يمكن ان تقبل بعد 30 حزيران بأن يبقى المشهد كما كان قبله، ولذلك فإنّ مصير المنطقة ومصير الصراع مرتبط ارتباطاً وثيقاً بنتائج جلسة 30 حزيران، فإما أن تذهب المنطقة الى انفراجٍ كبيرٍ يرسم خرائط السيادة الاقليمية لمحور الممانعة وتنظيم العلاقة بين المشروعين المتقابلين، او أن تذهب الى الانفجار الكبير الذي سيجبر اللاعبين الآخرين على إعادة حساباتهم جيدًا، سيّما وأنه بعد استعمال ورقة الفتنة التي لطالما كان محور الممانعة يخشاها ويتجنبها، لم يعد لديه شيء ليخسره، وفي المقابل، لم يعد لأصحاب المشروع الآخر أي "عنصر قوة" يمكن استثماره دون دفع الثمن باهظاً.

المصدر: "سلاب نيوز"