2024-04-18 05:12 م

المفاوضات النووية .. المساران المتوازيان لا يلتقيان

2015-06-30
بقلم: محمد بكر*
على وقع سابقات التمديد , يعود التمديد للمفاوضات النووية بين إيران و( 5+1) , ولتغذية التمديد تتزاحم العصى الفرنسية في عجلة المفاوضات , يسارع الأمريكي لتظهير النيات الحسنة ويقدم اقتراحاً بتخطي عقدة مقابلة الخبراء النوويين الايرانيين، ومراقبة المنشآت العسكرية، مقابل تقديم ايران شرحاً وافياً وشفافاً عن أنشطتها النووية الماضية والحالية , بدورها عدت إيران الشروط الفرنسية تجاوزاً للخطوط الحمراء وسعياً لإفشال المفاوضات , قبلها عد جواد ظريف أن فشل المفاوضات ليس نهاية العالم , فيدريكا موغريني هي الأخرى لم تجد إلا ترديد المردد والانخراط في استراتيجية التمديد, آملة أن تثمر المحادثات النووية في اليومين المقبلين, لافتة أنه إذا احتاج الأمر إلى أيام إضافية فلا مشكلة في ذلك ، ورابطة ًمسألة التوصل إلى اتفاق نهائي بأمن العالم برمته, وحده نتنياهو وبرغم كل هذه المناورة والمماطلة الغربية خدمة للتمديد وعدم الجدية , مضى بذات اللهجة والأسلوب الذي يضع الحاصل في إطار التنازلات لصالح الجمهورية الإسلامية, وعدم مغادرة حدود الصفقة السيئة , ومابين التمديد وترقب أي جديد من المفاوضات النووية , وبالتوازي مع سيل من التحليلات التي تؤكد أن الاتفاق في طريقه لرؤية النور وأخرى تجزم أن لا اتفاق يلوح في الأفق , يبقى السؤال ؟هل فعلاً أن الطرف الأمريكي يبدي أعلى مستويات الجدية للنحو باتجاه إبرام اتفاق نووي مع إيران ؟؟ ولا سيما أن التشكيك بالنيات الأمريكية يبقى راسخاً ثابتاً على لسان قائد الثورة والذي كان آخره ماعده القائد خيانة لكل من يغطي على عداوة أمريكا ويتستر على وجهها القبيح والمرعب , داعياً الشعب الإيراني إلى الاستعداد للمواجهة في ميادين الحرب الباردة , وإذا سقنا افتراضاً أنه تم توقيع الاتفاق النهائي أو ما يحكى عن اتفاق جزئي , هل ستلتزم الولايات المتحدة وحلفائها برفع العقوبات عن إيران دفعة واحدة وهي التي تعلم ما يعنيه هذا الأمر , وما سيشكله من قيم مضافة للحضور الإيراني على المستويين الإقليمي والدولي ؟؟ وماذا عن العامل الإسرائيلي الذي يشكل في اعتقادنا المشكلة الرئيسة والعائق في وجه ما يسميه تنازلات لدولة يصفها ويصنفها في غير مناسبة بالداعمة للإرهاب وأنها تسعى لتدمير إسرائيل ؟؟ في اعتقادنا أنه ثمة معضلة في تلك المفاوضات تقل فيها «نقاط التقاطع» في رؤى المتفاوضين، وينبع ذلك من أمرين رئيسين، الأول يكمن في عدم الثقة الإيرانية في التوجهات الأمريكية والتي تستشعر بها دائماً طهران وهو بالتأكيد استشعار في مكانه الصحيح، والأمر الثاني يتعلق بانزعاج الولايات المتحدة من الاستراتيجية الإيرانية الراسخة منذ عقود ونظرتها السلبية الثابتة للكيان الصهيوني، ودعمها العلني والمتواصل لحركات المقاومة. في مسلسل الصراع العربي – الإسرائيلي كان الدور الإيراني حاضراً بقوة ولاعباً رئيساً لجهة تبني القضية الفلسطينية ودعم الكفاح الفلسطيني ضد التسلط الإسرائيلي، إذ انتهج الإمام الخميني حتى في فترة ما قبل الثورة الإسلامية الإيرانية فكراً عقائدياً واستراتيجية مواجهة مع الكيان الصهيوني واستطاع أن يقود حراكاً جماهيرياً ضد نظام الشاه محمد رضا بهلوي الذي كان أول المعترفين، مع تركيا، بالكيان الصهيوني والمتحالف معه بشدة، لدرجة أن العلاقة مع «إسرائيل» والتنسيق معها والخضوع لإملاءاتها كانت من ضمن الأسباب الرئيسة والشرارة الفاعلة في انطلاق الثورة الإسلامية الإيرانية وانتصارها في العام 1979, ولعل الكلمة الأشهر التي أطلقها الإمام الخميني عند عودته من المنفى في باريس ولحظة هبوط طائرته في إيران «اليوم إيران وغداً فلسطين» تشكل الاستراتيجية ذاتها والأسلوب نفسه اللذين تنتهجهما الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم في موقفها الداعم للقضية الفلسطينية إذ يؤكد قادتها في كل مناسبة وفي ذروة المعركة السياسية مع الغرب فيما يتعلق بالبرنامج النووي على ثبات الاستراتيجية الإيرانية الداعمة لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين , فما كان قد أكده مؤخراً قائد الحرس الثوري أن هناك من لايصدق أن العقوبات على إيران هي بسبب مقاومتها للغرب وقوى الاستكبار وليس بسبب برنامجها النووي , هو ما يشكل في اعتقادنا جوهر المعضلة في المفاوضات الحالية، يضاف لذلك مخزونها النوعي والمتطور من الصواريخ المصنعة محلياً على الرغم من الحصار المفروض عليها على مدى سنوات طويلة ، هذا المخزون والقدرة التي تباهي بها إيران وتزود المقاومة اللبنانية والفلسطينية بقسم منها في سياق دعمها للمقاومة، من دون أدنى حرج أو تردد , كيف لا وهي التي مضت يقيناً وأعلنت بالفم الملآن وفي ذروة مفاوضاتها النووية أنها زودت حزب الله بصواريخ فاتح الكاسرة للتوازن , وعلى لسان قائد الثورة أعلنت إيران أيضاً تجاوزها للبعد المذهبي وأنها مستمرة في دعم حماس وحزب الله على حد سواء , وهي التي أعلنت كذلك عن استمرارها في دعم الدولة السورية وأنها لن تسمح للإرهاب بإسقاط الحكومة الشرعية فيها , وستقف حاجزاً في وجه مشاريع التقسيم الأمريكية , وأبرمت اتفاقاً مع الروسي لبناء مفاعلين نوويين إضافيين على أراضيها و معركة التفاوض النووي على أشدها , كل ذلك يشكل الحاجة العميقة والهدف المبطن للأمريكي لجهة الوصول له ومحاولة تغييره ,وهو بالطبع ما يشكل خطوطاً " أكثر من حمراء " بالنسبة للجمهورية الإسلامية . منذ فترة وخلال تفقده معرض صناعات الدفاعات الجوية الإيرانية في مركز خاتم الأنبياء للدفاع الجوي أكد الأدميرال علي شمخاني أن القدرات الدفاعية الجوية الإيرانية وصلت إلى المستوى الذي لايوجد فيه أي تهديد يحوق بإيران ما دفع الأعداء لإزالة خيار التهديدات العسكرية من على الطاولة, مضيفاً: «إن هذا لا يعني أنهم لا يريدون وإنما لا يستطيعون»، ومن هنا نقرأ ونفهم ما يعده الكيان الصهيوني وعلى لسان نتنياهو أن أي اتفاق سيكون سيئاً. في ميزان العقيدة الاستراتيجية يبدو «ثقل» إيران وازناً للغاية وجاثماً بقوة على الصدر الإسرائيلي، تتمسك بحقوقها المشروعة، وتؤمن بأحقية الشعوب في مواجهة الكيان الصهيوني المغتصب لأراضيها ولا تدخر جهداً في توفير وتقديم الدعم المالي واللوجستي لحركات التحرر من هذا الكيان، بقدر إيمانها بأن التيار التكفيري هو نتاج قوى الاستكبار والذراع الرئيسة للكيان الصهيوني لتحقيق الأهداف والأجندات الإسرائيلية . مابين السياسة الأمريكية التي جوهرها أمن الكيان الصهيوني، والسياسة الإيرانية التي لا تحيد قيد أنملة عن خط دعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية من جهة ودعم سورية والعراق في مواجهة الإرهاب المصنوع والمغذى على العين الإسرائيلية من جهة أخرى , لا نجد في مستقبل المفاوضات النووية إلا مراوحة في المكان والانتقال من تمديد إلى تمديد, ونكث ٍ أمريكي بالعهود فيما لو وُقع الاتفاق, على قاعدة أن مسارين متوازيين لا يمكن أن يلتقيا, مسارٌ أمريكي خبيث وغير صادق , وآخر إيراني ثابتٌ حازمٌ راسخٌ على المواقف , يستعد لمواجهة التهديدات , ولهجته لا تبرح مستوى " التسوية بالأرض " و " وتمريغ الأنوف " إذا ما تعرض لأي اعتداء خارجي.
 * كاتب سياسي فلسطيني 
mbkr83@hotmail.com