أكثر من أربع سنوات ٍ للحرب على سورية .. و لم يستطع المشروع الصهيو- أمريكي تحقيق أي تقدم ٍ على مستوى تشظي أو تقسيم سورية .
حتى كوندي رايس الشهيرة و التي تعتبر إحدى مؤسسات مشروع الشرق الأوسط الكبير , تعترف أن الرئيس بشار الأسد قد عرقل المشروع , و أن الحرب داخل سورية هي الستارة الأخيرة في مسرحية تقسيم دول الشرق الأوسط .
غير أن هناك من يُصرّ على توجيه التهمة إلى روسيا و يُحملّها مسؤولية صمود و بقاء سورية و الرئيس الأسد .. متناسين صمودها و جيشها و شعبها .
فقد بدا واضحا ً قصور العديد من دول الخليج و العالم في فهم طبيعة العلاقة بين الدولتين .. إذ لم تنقطع أو تتوقف الشائعات و التحاليل السياسية حول تخلّي أو تغير الموقف الروسي حيال سورية , أو شخص الرئيس الأسد .
لقد طالت سنوات الحرب , و ما زال الإحباط ينساب إلى نفوس الأعداء , و يتحول إلى يأس ٍ مستعصي , فجعل البعض يصب جنونه و غضبه على الدولة الروسية .. و مواقفها الثابتة من الحرب على سورية .. و تعرضت من جراء ذلك إلى مؤامرات ٍ و ضغوطات ٍ كثيرة حاولت دفعها إلى تغيير موقفها:
1 – عقوبات اقتصادية ( مؤامرة النفط السعودية – الأمريكية , و تخفيض الأسعار ) , و إلى جملة عقوبات اقتصادية دولية و أوروبية على وجه الخصوص .. استهدفت ضرب الإقتصاد الروسي .
2 – عقوبات عسكرية استهدفت ضرب أمنها الوطني و القومي و استقرارها الداخلي و الإقليمي عبر ملف الحرب في أوكرانيا .
3 – عقوبات طالت سمعتها و هيبتها الدولية .. عبر حملات ٍ إعلامية مكثفة حول دورها ووصفه ب " اللا أخلاقي " نتيجة عدم وقوفها و دعمها لمن اعتبروا أنفسهم ثوارا ً لا إرهابيين , و دعمت الدولة السورية , و استخدمت حق الفيتو لأكثر من مرة في مجلس الامن .
لقد حاربوا و ضغطوا و استنزفوا روسيا كما سورية .. و حاولوا إخضاعها و جرّها إلى تسويات ٍ عساها تقدم التنازلات .
لقد أثبتوا فهما ً خاطئا ً و بائسا ً لدورها , و كأنهم لم يروا دعمها الجدي و الممنهج للحفاظ على وحدة سورية و دعم سيادتها .. و من المفترض أن يكون مطلبا ً لكل السوريين الصادقين .
لقد حاولت الدولة الروسية التحدث إلى كل الأطراف , و استقبلت العديد من رؤوساء الأحزاب و الهيئات و الشخصيات " المعارضة " , و اجتهدت في تقديم الرؤى للحل السياسي بشكل واقعي , وحرصت على عقد عدة لقاءات تشاورية سورية – سورية .. تساعد على تقريب وجهات النظر .
لكنها في الوقت نفسه عارضت مشروع التقسيم الأمريكي مرارا ً و تكرارا ً .. و اتخذت لمواقفها السقف الأممي الذي ينسجم مع طبيعة دورها السياسي و الأخلاقي في إصلاح المؤسسة الأممية , و تحسين أدائها , و منع انحيازها أو تحكّمها بمصائر الشعوب , أو منعها من تقرير مصيرها وفقا ً لإرداة شعوبها .. و منها سورية .
كما عارضت فكرة تغيير الأنظمة بالقوة و من الخارج , و سعت إلى تليين و احتواء الموقف التركي السيئ في المنطقة و ترويضه و إقناعه بأن مستقبل المنطقة سيبقى خاضعا ً لجغرافية المنطقة , و أنه لن يتجاوز البحار و ما وراء البحار المحيطات .. فأبرمت معه مؤخرا ً العديد من الصفقات التجارية , و رفعت مستوى التبادل التجاري بين البلدين إلى أضعاف ما كان عليه سابقا ً ... كذلك استقبلت ولي ولي العهد السعودي , و أبرمت مع المملكة عددا ً من صفقات التعاون التجاري و العسكري احتواءا ً للموقف السعودي التائه و اللاهث وراء الإدارة الأمريكية ..و من غير المستبعد أن تكون قد تلقت أثناء الزيارة , رسالة ً سعودية للدخول على خط حربها الفاشلة على اليمن كوسيط لإيجاد المخرج المناسب , على الرغم مما أُشيع عن الزيارة و عن طرح ٍ سعودي يعرض مقايضة التخلي الروسي عن سورية مقابل المال و رفع أسعار النفط السعودي .. و هذا من غير الممكن إذ لا يجرؤ ولي ولي العهد على طرح فكرة شراء الموقف الروسي على طاولة الزعيم بوتين .
و حتى اللحظة لم تتوقف الضغوط , خاصة ً بوجود ما يشير إلى استياء البعض من استخدامها حق الفيتو في الشأن السوري , عبر طرح فكرة تقييد استخدامه في مجلس الأمن الدولي .. إذ جاء الرد الروسي عبر نائب وزير الخارجية غينادي غاتيلوف الذي اعتبر أن روسيا :" لا يمكنها أن توافق على فكرة تقييد حق النقض الذي يتمتع به الأعضاء الخمس الدائمون " , محذرا ً من مغبة حرف مبدأ توافق الأعضاء و الذي يعد حجر الأساس الأممي الضامن لتوازن القرارات فيه , و أكد أن استخدام بلاده هذا الحق حال مرارا ً دون التدخلات الخارجية لدول ٍ عدة , منها سورية .
و تأتي زيارة السيد وليد المعلم إلى روسيا لدحض كل الشائعات حول تغير العلاقة أو المواقف الروسية – السورية , هذا إذ أبدت موسكو الحفاوة بالمعلم , و أكد له الرئيس بوتين أن ثبات الموقف الروسي الداعم لقيادة سورية و شعبها لن يتغير .. و جدد ثقته بنصرها .
أما سيرغي لافروف فقد أكد على الخطر الإرهابي الذي يهدد المنطقة برمتها , و دعا إلى سحب الذرائع للماطلة في العملية السياسية في سورية .. و جدد تأكيده باستمرار الدعم لسورية في محاربة الجماعات الإرهابية ..
من جهته أشاد المعلم بمواقف روسيا مقارنة بالموقف الأمريكي الداعم للإرهاب و للإرهابيين في سورية و إرسال 2100 مقاتل مؤخرا ً إلى جنوب سورية , و مواقفها مزدوجة المعايير في التعامل مع القضية السورية .
و أعتقد أن المعلم قد فاجئ لافروف .. و ترجم كلامه المباشر عن ذرائع المماطلة ..ووجه الدعوة للسيد ديمستورا لحضور موسكو 3 .. في موقف سياسي يدل على ذكاء و خبرة الدبلوماسية السورية و جرأتها في فضح المماطلين في تهيئة الأجواء لفرض الحل السياسي في سورية .
روسيا و سورية .. مسار ٌ و مصير
2015-07-01
بقلم: ميشيل كلاغاصي