2024-03-29 12:40 ص

إرهابكم بدأ يقرع ابوابكم فهل تتعظون؟!!

2015-07-02
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
التفجيرات والعمليات الإرهابية الأخيرة في الكويت وفرنسا وتونس تصدرت الصحف العالمية واسهبت الصحافة الغربية بها وكأنه لم يكن هنالك عمليات إرهابية لهذه المجموعات التكفيرية الوهابية قبل ذلك. فعمليات التفجير بالسيارات المفخخة وعمليات الذبح وقطع الرؤوس وارتكاب المجازر بحق المكونات الاجتماعية والدينية والعرقية، واكل الأعضاء البشرية واستهداف مدارس الأطفال والجوامع والكنائس وأضرحة الصحابة، وتدمير البشر والحجر والارث الحضاري في محاولة لمحي الهوية والتأريخ والمعالم الحضارية، جرى وما زال يجري بشكل ممنهج ومبرمج في سوريا والعراق واليمن ومصر. ولكن الفارق بين كل هذا وما جرى قبل عدة ايام وعلى امتداد جغرافي شاسع شمل ثلاثة قارات أوروبا وأفريقيا واسيا، هو أن الارهاب بدأ بالزحف الى الدول التي رعت هذا الارهاب سواء بتجنيد الإرهابيين أو تمويلهم وتقديم الغطاء الإعلامي والسياسي وضمان سهولة تنقلهم من والى الدول المستهدفة. فالتفجير الإرهابي الذي ذهب ضحيته ما يقرب من 30 شهيدا وهم يصلون متضرعين الى الله عز وجل في هذا الشهر الفضيل في الكويت كان أول عمل إرهابي تشهده الكويت منذ أكثر من عقدين على سبيل المثال. وفي تفجير مماثل في محافظة القطيف بالسعودية بتاريخ 22 مايو من هذا العام استشهد 21 مصلي وجرح 100 آخرين في مسجد بلدة القطيف بهجوم انتحاري ولقد تبنى تنظيم داعش العملية الإرهابية، ولم يكن مصادفة ان منفذي كلا الهجومين الانتحاريين كانا سعوديين، فالسعودية تعتبر مهد ومصنع للإرهاب الوهابي التكفيري الذي يكفر كل مسلم ما لم يكن على هذا المذهب ويحلل دمه فماذا إذا كان هذا المسلم شيعيا؟ المضحك المبكي انه في كلا الحالتين أدانت الطبقة السياسية الحاكمة التفجيرين مشيرة الى ان "دعاة الفتنة" يحاولون إشاعة الفتنة في البلاد هكذا تناقلت وبثت أبواق الاعلام الرسمي والسعودي والكويتي. ما لم تذكره وسائل الاعلام هذه هو عدم وقوف أي من الدولتين وأجهزتها الأمنية ضد التحريض المذهبي في المساجد والتجييش الطائفي المقيت للشارع، كما انها لم توقف حملات التبرعات العلنية لصالح المجموعات الإرهابية كالنصرة او داعش في سوريا والتي كان يشارك بها أعضاء من البرلمان الكويتي وأمراء ورجال أعمال هنا وهناك. الطبقة السياسية الحاكمة في الكويت وجهت الدعوات للأجهزة في مجلس التعاون الخليجي على ضرب الارهاب، وكان الأولى بها ان تحث طائرات "التحالف" التي تدمر البشر والحجر في عدوانها البربري على اليمن أن تقوم بقصف تنظيم داعش ومراكز تدريبه وكذلك تنظيم القاعدة في أرض الجزيرة العربية في حضرموت بدلا من ان تقوم بقصف مواقع الجيش اليمني والمقاومة الشعبية اليمنية اللذين يحاربون هذه المجموعات الإرهابية التي تمددت واستولت على اقليم حضرموت بالكامل بفضل هذا "التحالف" الذي تقوده السعودية والمدعوم خليجيا فيما عدا سلطنة عمان. لقد حذر الكثيرون من ان دعم الإرهابيين في سوريا والعراق على وجه التحديد من قبل هذه الدول الداعمة لهذه المجموعات المتوحشة، سرعان ما سيرتد إليهم وفي عقر دارهم. وتنظيم داعش لم يخفي عن نيته للوصول الى مكة المكرمة. ومن المؤكد ان التفجيرات التي طالت الكويت والسعودية واليمن في الخليج العربي من قبل تنظيم داعش لن تهدأ ومن يظن ان الاستهداف سيكون فقط للحسينيات والشيعة بالتحديد هو واهم ويمتاز بغباء سياسي وقصر نظر. فهذا التنظيم الإرهابي الوهابي ومن لف لفه لن يوفر أحدا وسرعان ما ينقلب على راعيه ومموليه لأنه أصبح يمتلك الإمكانيات المادية التي تعطيه هامش من الحرية. ولقد اشارت بعض الصحف ان القيادي البحريني في جماعة "داعش" تركي البنغلي أن العملية المقبلة بعد تفجير مسجد الامام الصادق في الكويت ستكون في مملكة البحرين. أما تونس فقبل الانتخابات الأخيرة وعندما كان الاخوان المسلمين الممثلين بحزب النهضة في سدة الحكم فان الدولة وأجهزتها الأمنية غضت الطرف عن التجييش الطائفي والمذهبي في الجوامع من قبل أئمة من تيار السلفيين الجهاديين كما اغمضت عينيها عن العديد من المراكز التي كانت تعمل على تجنيد الالاف من التونسيين وارسالهم الى الداخل السوري للقتال الى جانب الإرهابيين من النصرة وداعش. وقد وصل الحال عندها الى تجنيد النساء والقاصرات تحت شعار نكاح الجهاد وارسالهم الى سوريا حتى يشبعوا رغبات المنحرفين في هذه المجموعات الإرهابية. وقد عاد القسم الأكبر منهم الى بلادهم حوامل. الحدث الأخير في تونس والذي ذهب ضحيته ما يقرب من 38 شخصا معظمهم من السياح الأجانب في منتجع سوسة السياحي والذي تبنته داعش لم يكن الأول من نوعه في تونس الذي يستهدف المناطق السياحية بهدف ضرب أحد الاعمدة الرئيسية التي يقوم عليها الاقتصاد التونسي. ففي اكتوبر من عام 2013 فجر انتحاري نفسه عند مدخل احدى الفنادق السياحية وفي مارس من العام الحالي هاجم مسلح متحف باردو في العاصمة وتمكن من قتل 20 سائحا. وفي كلا الحالتين تبنى تنظيم داعش الهجومين. لقد عششت المجموعات الإرهابية وبنت القواعد لها داخل تونس خاصة في جبل الشعانبي في عهد حكم حزب النهضة الإسلامي الذي جاء الى سدة الحكم على أعقاب ما سمي "بالربيع العربي". وها نحن نشهد مزيد من نتائج تلك الحقبة الزمنية، التي تم فيها أيضا اغتيال شخصيتين بارزتين على الساحة السياسية التونسية وهما المعارض اليساري البارز شكري بلعيد الذي تم اغتياله في 6 فبراير من عام 2013، وكذلك النائب المعارض بالمجلس التأسيسي التونسي محمد البراهمي المنسق العام لحزب "التيار الشعبي" الذي اغتيل في يوليو من نفس العام. ما نشهده الان من تمدد الارهاب في دول المغرب العربي ممثلة بتنظيم القاعدة في المغرب الغربي الى جانب تنظيم داعش الذي اعلن عن تواجده في ليبيا حيث بدأ يتمدد ويسيطر على المدن ذات الموارد النفطية لضمان توسعه وتجنيد المزيد من المقاتلين، لم يكن ليتسنى له هذا الهامش من الحرية الكبيرة لو لم تقم قوات حلف الناتو والتي شاركت معه بعض الدول العربية وبمباركة ما يسمى بجامعة الدول العربية وامينها العام آنذاك عمر موسى بشن العدوان على ليبيا بهدف تغيير النظام في ليبيا وازاحة العقيد معمر القذافي، وذلك بحجة "حماية" المدنيين من الليبيين. وبدلا من تحقيق "الاستقرار" المنشود "وإقامة النظام الديمقراطي" و"حماية المدنيين" دمر البلد بأكمله وشاعت الفوضى وفقدت السيادة وتحول البلد الغني بموارده الى كانتونات متنازعة تحكمها العصابات التي كانت تسمى "مقاتلي الحرية" أثناء العدوان الذي شنه الناتو بطائراته داعما هذه المليشيات الإرهابية من تنظيم القاعدة وغيرها التي كانت تعمل على الأرض. ولقد تحولت ليبيا الى دولة فاشلة ذات حكومتين ليس لأي منهما سلطة تذكر على الارض وعمت الفوضى وتراجع الوضع الأمني في البلد، وهو ما أوجد التربة الخصبة للمجموعات الإرهابية التكفيرية للنمو والانتشار السرطاني في المغرب العربي، وأصبحت ليبيا مركزا لتجنيد وتدريب المرتزقة في معسكرات أقيمت على أراضيها لهذا الغرض وارسالهم الى البلد المعني وخاصة سوريا والعراق ومصر. ليس هذا فحسب بل أصبحت محطة لانتقال المهاجرين من الدول الافريقية بطرق غير شرعية للسواحل الأوروبية كمدخل للتنقل في أوروبا. والتفجير الإرهابي الذي استهدف أحد مصانع الغاز قرب مدينة ليون في جنوب شرقي فرنسا أتى بالتزامن مع الاعمال الإرهابية بكل من الكويت وتونس. وعلى الرغم من وقوع ضحية واحدة في الهجوم حيث تم العثور على رأس مقطوع وعلم تنظيم داعش بالقرب منه، فان هذا كافيا للدلالة على أن تنظيم داعش قد وصل بالفعل الى أوروبا. وهذا الحدث الإرهابي لم يكن الأول من نوعه في فرنسا فقد وقع حادث إرهابي في العاصمة باريس في 7 يناير من هذا العام حيث تمكن مسلحين من اقتحام مجلة الكاريكاتير الأسبوعية "شارلي أبيدو" وقتل 12 شخصا منهم رسامي كاريكاتير مشهورين. عنها وصف الرئيس الفرنسي هولاند الحادث بانه "عمل على قدر استثنائي من الوحشية". وشارك في مراسيم التشييع رؤساء دول وسياسيين استنكارا للجريمة وظهرت يافطات "كلنا شارلي" تأكيدا على دعم فرنسا. ما يهمنا هنا أن نورد أن بعض الدول الأوروبية وخاصة فرنسا قد ساعدت أو أسهمت مساهمة فعلية ومباشرة في دعم الارهاب التي تندد به الان وذلك لأدراكها أخيرا أن خطر الارهاب قد أصبح خطرا جديا على أمنها الداخلي، وخاصة مع حجم أعداد الأوروبيين الذين غادروا بلادهم للالتحاق بالتنظيمات الإرهابية التي تقاتل الى جانب المنظمات الإرهابية مثل النصرة وداعش في العراق وسوريا. فقد أكدت العديد من وسائل الاعلام الغربية عن تنامي مخاطر الحركات الجهادية على دولهم في الفترة الأخيرة. فلقد أوضح تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن عدد الأجانب اللذين التحقوا بالتنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وتنظيم داعش قد بلغ 25000 (BBC نيوز 2 ابريل 2014 ) . وعلى ان هنالك أكثر من 22000 مقاتل اجنبي في سوريا والعراق. ولقد صرح منسق دول الاتحاد الأوروبي لمكافحة الارهاب أن 3000 مقاتل من عدة دول أوروبية قد التحقوا في صفوف تنظيم داعش الإرهابي. وبحسب تقرير صادر عن وزارة الداخلية الفرنسية فان 1200 فرنسي قد غادروا فرنسا للالتحاق بجبهة النصرة وداعش وأغلبهم توجهوا الى سوريا (موقع فرانس انفو 17 ديسمبر 2014 ). وتشير التقارير بزيادة اعداد الاوربيين المتوجهين للقتال الى جانب المجموعات الارهابية بنسبة حوالي 71% وذلك بعد الإعلان عن دولة الخلافة الإسلامية في بداية شهر رمضان في العام الماضي 2014. هذا وقد اشارت بعض المعلومات الواردة من فرنسا بأن هنالك ضباط عسكريين فرنسيين كانوا قد خدموا في الجيش الفرنسي سابقا قد التحقوا للقتال الى جانب تنظيم داعش وأحدهم أصبح اميرا في منطقة دير الزور مؤخرا. ولقد أورد ت مجلة نيو ايسترن اوت لوك (29 ابريل 2015) اعداد الاوربيين الذين توجهوا للقتال في سوريا الى جانب المجموعات الإرهابية 300 من السويد، 550 من المانيا، 600 من المملكة المتحدة، 50 من فنلندا ، 1200 فرنسي وذلك بناءا على معلومات نشرت من قبل الأجهزة الأمنية لهذه الدول. ولا يعقل ان تكون هذه الاعداد قد مرت دون غض الطرف عنها وخاصة بعد افتضاح الدور التركي في تسهيل مرور المقاتلين والمتطوعين الأجانب الى الداخل السوري بعد تدريبهم في معسكرات داخل الأراضي التركية. والمتابع للأحداث وخاصة في الشأن السوري يدرك مدى التورط المباشر لفرنسا ممثلة برئيسها ووزير خارجيتها وخاصة في التنسيق مع كل من السعودية وقطر وتركيا في المراحل المختلفة في إدارة العدوان على سوريا طيلة الأربعة سنوات الماضية ولغاية الان وخاصة في الدعم بالأسلحة الى جانب الدعم السياسي في المحافل الدولية والإصرار على اعتبار بعض المجموعات الإرهابية على أنها "المعارضة السورية المعتدلة". والولايات المتحدة ليست بعيدة عن المشهد العدواني وهي التي أعلنت على رؤوس الاشهاد ومهدت لإنشاء معسكرات لتدريب وتسليح "المعارضة السورية المعتدلة" في تركيا والسعودية وغيرها من الدول العربية ومدها بالأسلحة النوعية، وارسال الافواج المتخرجة الى الداخل السوري "لقتال داعش" وفي حقيقة الامر انها ترسل لقتال الجيش السوري والمقاومة الشعبية ومقاتلي حزب الله. وقبل أيام فقط ارتكب تنظيم داعش مجزرة في عين العرب بقتل ما يقرب من 200 من المدنيين بعدما تمكنت بعض عناصره من الدخول الى المدينة بلباس الاكراد المدافعين عن المدينة، وقبلها ارتكبت المجموعات الإرهابية مجازر ضد المكون الدرزي أيضا في سوريا. بعض المحللين ذهبوا الى القول أن النجاحات التي حققها تنظيم داعش الأخيرة وقدرته على التمدد والانتشار انما يعود بسبب الإخفاقات وفشل السبل التي وضعها الائتلاف التي تقوده أمريكا وبالتالي لا بد من تعديل هذه السبل. ونحن نقول ان القضاء على داعش لم يكن هدفا لهذا "التحالف الدولي" أصلا، الذي يحارب الارهاب ليبعده عن مناطق معينة بينما يغذيه ويدعمه بكل الوسائل المتاحة العسكرية واللوجيستية والأسلحة والسياسية للإبقاء عليه ليحارب الدول الوطنية في مناطق أخرى وخاصة في سوريا والعراق. كيف لعاقل ان يصدق بعد كل هذا الكذبة الكبرى التي يحاول "الائتلاف الدولي" تسويقها في محاربته للإرهاب وبعض دوله تمارس الارهاب على مسمع ومرأى "المجتمع الدولي" في اليمن الذي دمر عن بكرة ابيه حجرا وبشرا دون ان يقف هذا "المجتمع الدولي" لوقف المجازر التي ترتكب يوميا ضد الشعب اليمني الذي لا يسمح لوصول المعونات الإنسانية من غذاء وأدوية له؟ وكيف لعاقل أن يصدق قولكم وأنتم تحاربون من يحارب الارهاب على الأرض في سوريا والعراق واليمن؟ وكيف لعاقل أن يصدق قولكم وأنتم تفتحون حدودكم واجوائكم لتنقل ودخول كل زناة الليل وحثالة البشرية المتوحشين والمتعطشين للقتل ورؤية الدم الى المنطقة لتدمير الإرث الحضاري والقضاء على الفسيفساء بمكوناتها الاجتماعية واثارة الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية؟ وكيف وكيف وكيف......؟ مخطىء من يعتقد أن الأمور ستأخذ منحى آخر كما يعتقد البعض بعد كل هذه الاحداث المتزامنة بالنسبة لمواقف "للائتلاف الدولي" التي تقوده الولايات المتحدة "لمحاربة الارهاب" المتمثل بالمناسبة فقط بتنظيم داعش فالنصرة أصبحت المعارضة السورية المعتدلة. ان الإبقاء على هذه اللآفات السرطانية المتوحشة يبقى هدفا لاستخدامها لأغراض استراتيجية في تفتيت المنطقة وشغلها في حروب دموية تستنزف طاقاتها وقدراتها لسنوا ت قادمة. ومن هنا نعود ونؤكد على ضرورة تكوين حلف إقليمي دولي للدول التي تحارب الارهاب قولا وفعلا على الأرض وفي مقدمتها سوريا والعراق وخاصة مع وجود هذه المساحات الواسعة المشتركة بين البلدين التي تعطي سهولة تحرك المجموعات الإرهابية بين البلدين. ان محاربة الارهاب تستدعي أن تتضافر جهود دول المنطقة وقواها الفاعلة التي تقف سدا منيعا ضد الإرهاب. ان الارتهان الى الولايات المتحدة أو أذنابها وادواتها في المنطقة والاستجداء بطلب السلاح منها كما هو الحال مع الحكومة العراقية لن يجدي نفعا، فالولايات المتحدة تمارس عمليات الابتزاز لتحقيق مآربها في المنطقة.  

الملفات