2024-04-20 07:25 ص

متى سيزهر الياسمين...متى ستتحرر كعبة المسلمين

2015-07-04
بقلم: مريم الحسن
ثار أو ثُوّر الياسمين في الوطن العربي و كان له الحق بأن يثور, فالظلم و إن طالت إقامته لا بد للعدل بأن يسود بعد الجور. هكذا وُعدنا منذ أن نطق الحق بوعده, و من يومها ما زلنا ننتظر الفرج و الظهور. و الشاعر قالها يوماً و قد صدق الشابي في ما قاله (إذا ما الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر). لكن القدر حتماً لن يستحيب إلا إذا نادت عليه عزيمة البشر, و هو بالتأكيد لن يتغير لا بالاحلام و لا بالأماني و لا بطول الصبر وبانتظار الفرج أو بالدعاء له مع كل غسق و في كل سَحر . ذلك أن القدر لا يُعير سمعه و لا يمنح تسديده و فرجه إلا للعامل الساعى إلى التغيير و ليس إلى القاعد السائل ربّه الفرج و المؤمن بأن حاله هو القضاء و القدر فوجب عليه الصبر و الإنتظار مع الدعاء من دون صرخة احتجاج تزلزل ركود حاله المُهين أو انتفاضة فيضان صبرٍ تقلب كل الموازين و تغير المقادير ليصبح بعدها صاحب الحق المستضعف هو الناهي و الامير, فيسقط بانتفاضته المستكبر مهما عظم تحالفه مع المستعمرين و مهما مكّن له الصهاينة شوكته لأنه كلبهم الوفي و خادمهم الأجير. يقول سبحانه و تعالى في سورة البقرة, أية 216(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ). و هذا بالتمام هو عينُ حالنا اليوم. فأي قتال أبغض على قلب المؤمن من قتال أشعلت جذوته نار فتنة المفتنين. و أي قتال أكره على قلب المسلم من قتال يضطر فيه إلى قتل مسلماً آخر ينطق مثله بالشهادتين و يتشارك معه بنفس الشعائر الدينية و يتعبد مثله بنفس الكتاب. و أي قتال أقسى على قلب المسلم العالم بدينه من قتالٍ يُجبر فيه على قتال مسلماً آخر جاهلاً بدينه ابتدأه بالقتال بعد أن ضلله مُفتنٌ يتاجر بالدين, فجنّد عصبيته بالتطرف و بالبغضاء, و أزهق فطرته السليمة حتى قتل الرحمة في قلبه ليقتل بالتالي بقسوته كل من خالفه في الرأي أو في العقيدة بعد أن سلّحه بمدية التكفير لينحر بها أخيه الإنسان و يشوّه بها روح الإسلام الرحيم. و أي قتال يُفطر قلب المسلم من قتال يَنجر فيه إلى قتال أخاً له في الدين أو في القومية, كان من المفترض ان يكون له عوناً في قتال المستعمرين و المغتصبين لولا انه اختُطف من حضن الإسلام عنوةً و على غفلةٍ منه ليُجنّد في صفوف الإعداء فصار بذلك العدو الأول للمسلمين و المهدد الأول لأمنهم و لحقوقهم لأنه يقيم معهم في نفس الدار و يرافق أبنائهم و يسمم أفكارهم فأصبح للأمة كما المرض العضال الذي انتشر فيها فاستحال استئصاله من دون إلحاق الضرر و الأذى بباقي أعضائها. في بداية ما بات يعرف بثورات الياسمين, انتفض الشارع العربي كله على نبضة رجل واحد. فمن حُسن ظن الشعب العربي الطيب بها و من لهفته لها , ظنها مِلكه و اعتقدها ثورته, ثورة المستضعف على المستكبر. الشعب المظلوم كان يريد, لكن الطابخ القابض على قابس الضوء الأخضر كان هو أيضاً يريد, فقامت الثورات بكل ما للمظلوم من حُسن نيةٍ و طيبة قلب, لكن كان لمصنّعها فقط...و لمصنّعها فقط ما أراد. (هذا في البداية). كانت رغبة المُصنِّع أن يجنّد المظلومين و أن يحشدهم جميعاً في جبهة واحدة, ففي احتشادهم قوة الزلزال التي ستحقق له ما خطط له (الشرق الأوسط الجديد) و ما عجز عن تنفيذه بعد هزيمة مشروعه على يدي المقاومين في العراق و بعد فشله في اقتلاع الفكر المقاوم الذي بدأ بالتمدد و بالاتساع على إثر انهزام الجيش الإسرائيلي و انتصار المقاومين في لبنان و صمود الشعب الفلسطيني. هو كان يريد استقطاب القوة المظلومة ليوظفها لاحقاً في مشروعه. و لم يدري المظلوم حين ثار أنه ثوّر و انه جنّد و أنه صار بيدقاً في لعبة استراتيجية كبرى يقودها محور شر المستَعمر إلا بعد أن وقعت الواقعة و بعد أن أُدخل على ثورته لاعبين من لحمه و من دمه لكنهم و للخزي غرباء عنه في الغاية و في الوسيلة و في الانتماء و الولاء و العقيدة. الشعب العربي الطيب...أراد لكنه خُدع و أُخذ على حين غرة. و الخبثاء ايضاً أرادوا...فكان لهم لبرهة ما أرادوا, من تضليلٍ للرأي العام و من سفك للدماء ومن تشتيتٍ للأمة بزرع الفتن فيها و بتغذية التفرقة المذهبية بين أبنائها. لكن الله الذي يُمهل و لا يُهمل يختِم بيدَي رجاله المقاوين بما يريد, ليكون له وحده في النهاية إحقاق ما يريد. فكما ألحق الله سبحانه و تعالى الهزيمة بالأمريكيين على يدي المقاومين في العراق و أخرجهم منها, و هزم المحتل الصهيوني في لبنان على يدي مقاوميه و محق بسواعدهم اسطورة الجيش الذي لا يقهر , فإن الله أظهر حقه أيضاً على يدَي المقاومين السوريين, ففضح على أيديهم المستعربين الخائنين و عرّفنا على الصهاينة المتأسلمين و عرّى كل منافق منهم إدعى يوماً انه عربي او مسلم يغار على مصلحة العرب و المسلمين. و هكذا, صارت الأرض السورية الطاهرة غربالاً للدين الحنيف, وبيّن الله بفضل جهاد أهلها و بصبرهم و بمقاومتهم من هو العربي حقاً قولاً و فعلاً و عملاً و من هو المستعرب المنافق الناطق بالعربية فقط و العامل بكل كدٍ ضد مصالح العرب , و من هو المسلم الحقيقى و من هو الخارج عن الإسلام. و بفضل هذه المقاومة الشريفة, بان الحق حقاً و ظهر الباطل باطلاً و لم يعد هناك عذر لأي اصطفافات رمادية تطيل بعمر الذل و القهر و الـتأخر و الفتنة في أمتينا العربية و المسلمة. للأمس القريب كانت بوصلة العرب و المسلمين هي القضية الفلسطينية, و كانت فلسطين المغتصبة و حقوق أهلها و دعم مقاوميها جلّ اهتمامات الأمتين العربية و المسلمة, و كان أي تأخر بالنهوض أو بالتقدم أو بالتحرر أو بالتحرير يُعلق على شمّاعة الإستعمار و التآمر الغربي على مصالح العرب و المسلمين. للأمس القريب كان عدونا البعيد التآمر الغربي و كان عدونا القريب فقط إسرائيل. البوصلة اليوم هي الإسلام, و عدونا الأول هو من يعتدي عليه بالتشويه و بالتحريف و بالتضليل لأنه يعتدي على هويتنا و على محور قيامنا و على جذوة القوة فينا و على السبب وراء بقائنا و صمودنا رغم كل التآمر علينا. فأي نضال و أي قضية و اي بوصلة أبدى و أهم و أسمى من بوصلة الإسلام؟ و أي مقاومة أجدى من مقاومةٍ تنقذ الإسلام من أسره لتعيد إليه روحه التي تسلب منه خنقاً لقيمه التي هي أكمل و أخلق و أعدل و أنقى القيم و أغناها. من دون إنقاذ الإسلام لن تتحرر الأراضي المغتصبة, و من دون إنقاذ الإسلام لن تنهض الأمة ولن تتقدم, و من دون إنقاذ الإسلام لن يتوقف سعي الغرب لإستعمارنا و لن يرتدع عن سرقة ثرواتنا, من دون إنقاذ الإسلام ستظل الفتنة قائمة بيننا تنهش بلحم شبابنا و تشرب من دماء أحبابنا و سنظل فيها مذلولين و متأخرين ننظر بعين الإنكسار و الحسرة إلى تقدم باقي الأمم و نحن نقضم أصابع قهرنا و ندعو الله بأن يُعجّل علينا الفرج و نحن القاعدون ندّعي بأننا المغلوب على أمرنا و بأن لا حول و لا قوة لنا. الفتنة ليست بين المذهبين السني و الشيعي كما يُراد تصويرها للشباب المُضَلل و للمتطرفين في الأمة, فكلى المذهبين تعايشا معاً لعقود بل لقرون و ترافقا سوياً يداً بيد في كل معارك الأمة ونضالاتها, و كلى المذهبين هما غنًى للدين, و الاختلاف في أي فكر او عقيدة او توجه هو نعمة للإنسانية و ليس نقمة عليها, و هل بغير الإختلاف و تناقش وجهات النظر و حوار النظريات المتضاربة يتطور الإنسان؟ و أليس من نِعم الله علينا أنه خلقنا مختلفين؟ و من نعمه أنه ميّزنا عن باقي مخلوقاته بالعقل الذي هو كالبصمة الشخصية في كل آدمي منا ؟ فالعقول لا تتشابه إلا بما فُطرت عليه و ببدهيات الأمور. و الحق سبحانه هو الذي خلقنا شعوباً و أمماً لنتعارف و هو الذي أرادنا أن نتعرّف عليه بالعقل و أن نعبده بالعقل و لهذا ترك لنا حرية الإختيار بين الكفرو بين الإيمان و عنده هو فقط الحساب و بيده هو فقط القرار بين الثواب و بين العقاب (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ...) إلى آخر الأية الكريمة. فتنة اليوم يوحي ظاهرها بأنها الحرب بين السنة و الشيعة بينما هي في الحقيقة حرب الوهابية على كلى المذهبين. هي حرب مُدعي الإسلام على كل المسلمين بمختلف طوائفهم المتعارف عليها تاريخياً حتى ظهور الفكر الوهابي الذي تغلغل بين مذاهبنا مدعوماً بمال السُحت الذي ينفقه عليه آل سعود لنشر تطرفه وبث سُمّه التكفيري في خلايا إسلامنا السمح و ذلك منذ استيلائهم على أرض الحجاز بوكالتهم عن صهاينة الغرب. لذا وجب على المسلمين أن يثوروا ضد ناشري هذا الفكر المنحرف و اللا إسلامي حتى و لو كان ناشريه ينطقون بالشهادتين و يدّعون في العلن بأنهم ينتمون إلى الإسلام بينما هم في الحقيقة يحاربونه في الباطن و يعملون على تدميره من الداخل. في القعود و في السكوت عن فسادهم و إفسادهم نظلم الدين و نُضعف الإسلام و نساعدهم على إغراق الأمة أكثر و أكثر في فتنتهم. و محاربة فكرهم التكفيري لا يكون فقط بصد هجمات إرهاب دواعشهم عن قرانا و مدننا و لا بإغلاق مساجدهم هذا إن استطعنا إلى ذلك سبيلا, فذلك لن يوقف زحف إرهابهم طالما أنه يُغذى بمال الأمة المنهوب منها و المُستثمر فقط في مشاريع إضعافها. السبيل الأوحد لإنقاذ الإسلام من براثنهم هو بإقتلاع السلطة من بين يدَي ممولي الفكر الوهابي و بإزاحتهم عن عروش تسلطهم, عندها فقط تخمد نار الفتنة ليعود لشبابنا رشدهم فيعود لإسلامنا أخلاق نبيه الذي ما بعث فينا إلا ليتمم مكارم الأخلاق. من عليهم التعويل اليوم لإنقاذ الإسلام هم مقاومو الحجاز و أهلها, فكل منا يقاوم من موقعه و كل مؤمن يعمل و يناضل و يقاوم لخير البشرية جمعاء و ليس فقط لمصالح قومه أو فئته أو طائفته أو مذهبه. بإنقاذ الإسلام من براثن وحوش التكفير و من أفواه شيوخ الفتن و التضليل و تسلط ملوك الفساد عليه ننقذ الأمة بل الإنسانية كلها و نُرجع إلى الإسلام سمعته الطيبة فيعود إلى ما أراد له الله أن يكون عليه: ناشراً لمكارم الأخلاق , باسطاً للعدل بالرحمة و بالكلمة الطيبة, مجادلاً من خالفه بالمنطق و بحسن الخُلق , أكمل الأديان و أرحمها و أعدلها. بتحريرأرض الحجاز من صهاينة العرب يُحرّر الإسلام لتُحرِر بدورها الكعبةُ الحُرة أقصى فلسطين من يد صهاينة اليهود, فيرجع الحق إلى أهله في كلى البلدين, و تُحقن دماء المسلمين المهدورة بالفتن لتُبذل في تحرير ما اغتصب من أراضيهم و ثرواتهم و بالدفاع عنها. إن ياسمين العرب و المسلمين لن يزهر طالما الإسلام رهينة التكفيريين و طالما الكعبة أسيرة المنافقين و طالما من يقاوم ليسترد الأقصى قد تُرك وحده ليقاوم و ليصد عن إسلامنا و أرضنا وعرضنا و وحدتنا هجوم كل شياطين الكون لا سيما شيطانَي المنطقة الأكبرين : شيطان إسرائيل الصهيوني و شيطان آل سعود الوهّابي.  

الملفات