2024-04-18 11:18 ص

إيران : عين ٌ على الثوابت بإصرار .. وأخرى ترقب الاستكبار

2015-07-30
بقلم: الدكتور محمد بكر
على قاعدة " المستفيدين معاً " واستناداً إلى ريادة السيادة الإيرانية واستقلال قرارها السياسي الذي لا نقاش ولا جدال فيه , أطل الرئيس حسن روحاني في مؤتمر المنظمات غير الحكومية ليعلن أن عصر رابح – خاسر قد انتهى وأن رسالة الاتفاق النووي هو وضع لغة السلاح والتهديد جانباً , وإن القرار 2231 أخرج إيران من تحت عنوان خطير , كاشفاً أنه طلب من المفاوضين في فيينا , ترك المفاوضات , إن لم يقبل الطرف الآخر بشروط إيران , وُقع بالاتفاق , وبالكيفية الإيرانية لجهة عدم المس بالخطوط الحمراء , وإن الجمهورية الإسلامية بالفعل لاتريد الحصول على سلاح نووي , استمرت بدورها اللهجة الإيرانية عند ذات المستوى المعهود , ثبات ٌ على النهج , وتمسك بالسياسات وطريقة التعاطي مع القضايا الإقليمية الأخرى التي حاول الأمريكي أن يحقق بعض المكتسبات فيها من خلال طرحها أثناء المفاوضات النووية لكن الجواب الإيراني كان حاسماً , فموضع المباحثات هو البرنامج النووي فقط , لم يكن أمام الأمريكي خياراً إلا التوقيع سواءً أكانت قاعدة التوقيع احتواء إيران أم التطبيق الفعلي لبنود الاتفاق , فأوباما الممتعض من سوء المآلات والنهايات غير السارة " لربيعه العربي " , وعلى الرغم من الكم الكبير من فوضاه اللاخلاقة التي عمت المنطقة , لكنها لم تفرز إلا جملة من الاصطفافات والتكتلات الإقليمية والدولية التي استطاعت أن تطلق اللاءات في المحافل الدولية وتحد من سطوة اليد الأمريكية وبطشها واستعلائها على مدى عقود ٍ خلت , أضف إلى ذلك أن التعويل الأمريكي على صياغته وتصنيعه " للغول الداعشي " في تحقيق مالم يستطع تحقيقه من سبقوه من المنتجات السياسية الأمريكية الأخرى قد بدأ بالشذوذ عما رسم له , ولم تنجح محاولات استخدامه كورقة في تغيير سياسات الخصوم , بدوره كان الألماني أول المهرولين باتجاه طهران, بعده هرولت موغريني مسسؤولة الاتحاد الأوروبي , هرولة ُ سيتلوها الكثير من المهرولين الأوروبيين تباعاً , فعلى مسرح الكبار أثبتت الجمهورية الإسلامية أنها من أصحاب الأدوار الرئيسة والبطولية , فبلد ٌ استطاع أن يحقق الحضور العالمي على مستوى القدرات التسليحية والردعية والتصنيعية والتكنولوجية بالرغم من سنوات ٍ طويلة أطبق فيها الحصار على كل عوامل النهوض ودفع الاقتصاد المحلي الإيراني , هو بالفعل يستحق هذه الاندفاعة الأوروبية للتعامل معه والاستفادة من تجربته العلمية والتقنية . فهل تبقى هذه الاندفاعة مؤطرة فقط في أطر الاستثمار وتطوير العلاقات الاقتصادية, أم تحمل في مضامينها سيناريوهات الاستهداف والنخر من الداخل ؟؟ إن ما حمله الاتفاق النووي ولو في الشكل من فتح صفحات جديدة للغرب مع الجمهورية الإسلامية , كان نتيجة واقعية أدرك فيها الغرب الاستكباري أن تفعيل المواجهة مع إيران لن يجلب المأمول بل على العكس سيعقد المشهد ويؤجج النار التي لن تبقى حبيسة الجغرافيا الإيرانية , ولاسيما بعد جملة من التحركات السياسية الوازنة التي صاغتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية أفضت إلى تجديد صورة النظام الدولي بحلته السياسية والاقتصادية , فكان الحضور الفاعل في قمة بحر قزوين , وكذلك الانضمام إلى منظمة شنغهاي , وتمتين العلاقة مع روسيا والصين , لدرجة أن الرئيس بوتين أهدى نظيره الإيراني الشيخ حسن روحاني في قمة بحر قزوين الأخيرة درعاً من البرونز يعود تاريخه إلى جيش الشاه عباس الأول قائلاً له : أنتم من يستحق أن يحتفظ بهذا الدرع , في إشارة واضحة إلى ماهية الاصطفافات الحاصلة على مستوى لعبة الأمم , وإلى عمق العلاقة الروسية الإيرانية , كل ذلك كان بمنزلة الرسائل التي راجع فيها الأمريكي والغربي حساباته وقرر يقيناً التحول في معركته مع إيران من المواجهة إلى التعامل معها عن قرب والاحتكاك بها على قاعدة التغلغل في الداخل الإيراني تحت شعار الاستثمار وتطوير العلاقات , بموازاة العمل الحثيث للوصول إلى الأهداف غير المعلنة في بث الفرقة والعمل على مكامن المتناقضات في الداخل , واستثمار التيار المؤيد لسياسته , وتغذية نتائج هذا العمل للوصول إلى مشهد تصبح فيه الفوضى ونسف الاستقرار العنوان الأبرز للساحة الإيرانية . تدرك الجمهورية الإسلامية جيداً الأبعاد المتقدمة والغايات البعيدة لقوى الاستكبار في الداخل الإيراني , ومن هنا كانت تحذيرات قائد الثورة حاضرة بقوة لجهة عدم الوثوق بالغرب , وأن إيران لن تسمح باستغلال الاتفاق , إضافة لتحذيراته عن حرب ٍ بالإنابة يعدها الغرب وحلفائه للنيل من مواقف إيران , وكما كان الوعي الإيراني على أشده خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأخيرة وما كان يحضر خلالها لإيران , فإن الوعي لتداعيات وانحرافات محتملة للاتفاق النووي سيكون حاضراً ومتجذراً لا يبرح العقل السياسي الإيراني . في اعتقادنا أن الجمهورية الإسلامية وبموازاة يدها القابضة على الثوابت , وإيماناً منها بحقوق الشعب الإيراني لجهة ممارسة الأنشطة النووية للأغراض السلمية بما يعزز من صمود وقدرات هذا الشعب للوصول إلى نهضة اقتصادية تليق به , تبقى عيونها مسمرة باتجاه جميع التفاصيل والجزئيات ومحاولات الالتفاف , عين ٌ لا تغادر الثوابت ورسوخ السياسات المقاومة والداعمة للشعوب المستضعفة وقضاياها العادلة وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني , وعين ترقب بحذر تحركات ومخططات قوى الاستكبار لتقويمها والنيل منها باقتدار إذا ما شذت عن البنود والأهداف المتفق عليها , و العيون الإيرانية التي خبرت أعداءها ستبقى مسمرة ترقب لحظة بلحظة أي محاولات للغدربها وستكون الفخ الذي يطبق على مشروعات وأحلام الاستكبار في إيران .
 * كاتب فلسطيني مقيم في سورية
 mbkr83@hotmail.com