2024-03-28 10:19 ص

لمصلحة من هذه الاجتماعات السرية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل؟

2015-07-30
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
من الواضح ان السلطة الفلسطينية لديها ادمان اسمه "المفاوضات مع إسرائيل" ولا تستطيع ان توقف ادمانها ولو لفترة بسيطة، حتى ولو ان هذه "المفاوضات" تجلب مزيدا من الكوارث لشعبنا الفلسطيني وقضيته العادلة. والأسلوب المفضل عند السلطة هو العمل من وراء الكواليس ومن وراء اللجنة المركزية واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وكافة الفصائل الفلسطينية، فكل هؤلاء هم آخر من يعلم وليس من السلطة بل من وسائل اعلام العدو الاسرائيلي. هذا الأسلوب في السرية الذي أصبح معتمدا منذ اتفاقية اوسلوا السيئة الصيت والتي هي احد الأسباب الرئيسية لما نحن عليه اليوم من مصائب ومصاعب. ولقد خبر شعبنا أن "المفاوضات" وخاصة السرية (وهذا لا يعني أن العلنية بأفضل حال) منها تعني ببساطة مزيد من حلب الطرف الفلسطيني المفاوض ومزيد من التنازلات ومزيد من المكاسب التي تحققها إسرائيل. ولسنا بحاجة الى السرد التاريخي للتدليل على هذا. فشعبنا يرى الأمور على ارض الواقع بنتائجها مهما تبجح البعض "بالمكتسبات" التي جناها الطرف الفلسطيني من "المفاوضات" التي اتاحت له بالانتقال والتدرج من مرحلة الى أخرى من مراحل "النضال" ، وكأننا تجاوزنا او حققنا مرحلة التحرر الوطني وبدأنا ما شاءالله في بناء الدولة والمؤسسات . والمضحك والمبكي على سبيل المثال ان نقرأ تصريح أحد جهابذة السلطة "أبو المراحل" وبعد أكثر من 25 عاما على بدء المسار التفاوضي المدمر ان "التنمية تحت الاحتلال شبه مستحيلة". هل تريدون أكثر من هكذا مأساة؟ بدري أبو كلبشة وصح النوم. وهذا الحال لم يتغير بالطبع فها هي وسائل الاعلام الإسرائيلية تسرب خبرا عن اللقاء السري بين السيد صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين وسلفان شالوم وزير الداخلية الإسرائيلي والمسؤول عن ملف المفاوضات الإسرائيلي وذلك في العاصمة الأردنية مؤخرا. فالذي يبدو أن السلطة مصممة على إعطاء العالم الذي بدأ العديد من دوله يناصب إسرائيل شيئا من العداء لممارساتها العنصرية بحق شعبنا، وتعنتها وتعجرفها ورفضها للانصياع حتى ولو لبعض المطالب الدولية المحقة، والعمل على توتير الأجواء وزعزعة الاستقرار في المنطقة، والوقوف مناصبة العداء لكل الدول الكبرى لإبرامها الاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي. وهو الوقت أيضا التي تقود فيه العديد من المنظمات الدولية الحقوقية والمعنية بحقوق الانسان الدعوات لمقاضاة الكيان العنصري على جرائم الحرب التي ارتكبها في صيف 2014 عند اعتداءه الوحشي على قطاع غزة. وهو الوقت أيضا الذي تقف فيه إسرائيل متحدية المجتمع الدولي ببرامج الاستيطان التي لم تهدأ عبر السنوات والتي كان آخرها الان القرار ببناء 800 وحدة سكنية جديدة في انحاء الضفة الغربية 500 منها سيتم في القدس. برامج الاستيطان الذي دعا الاتحاد الأوروبي بفرض مقاطعة استيراد ما تنتجه المستوطنات اليهودية المقامة على الأراضي الفلسطينية التي احتلت 1967. كما وإنها تأتي في الوقت التي بدأ فيها حملة المقاطعة الاقتصادية وسحب الإستثمارت وعدم الاستثمار في إسرائيل الى جانب حملة المقاطعة الأكاديمية تكتسب زخما غير مسبوق وذات أثر كبير سلبي على إسرائيل من الناحية الاقتصادية والسياسية والإعلامية والأخلاقية والإنسانية، مما استدعى الطبقة السياسية الحاكمة في الكيان الصهيوني باعتبار حملات المقاطعة انها تمثل "خطرا وجوديا" على دولة إسرائيل. ان فتح أي حوار أو مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة في المرحلة الحالية يعطي إسرائيل الحجة والذخيرة السياسية التي يمكنها من استخدامها عبر الآلة الاعلامية الضخمة التي تمتلكها بان تقنع العالم بانها جادة في عملية السلام مع الفلسطينيين، وأن على دول العالم والمنظمات الدولية الكف عن مناصبة العداء للدولة العبرية أو توجيه الانتقادات لها في المحافل الدولية أو الاعلامية. ولقد اوعزت الحكومة الإسرائيلية ومن خلال مكتب رئيس وزرائها نتنياهو لكل سفراء إسرائيل في الخارج التحرك على وزراء خارجية الدول التي يعملون بها في محاولة لإقناعهم بأن عملية السلام لم تمت وأن الحكومة الإسرائيلية وبالتحديد نتنياهو ما زال معنيا بالسلام مع الفلسطينيين وأن حل "الدولتين" ما زال قائما، وذلك على الرغم من ان نتنياهو خاض الانتخابات على برنامج منع قيام دولة فلسطينية. إسرائيل تريد ان تستبق ما هو قادم الى المنطقة بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني، باعتقادها انه من الممكن للدول الكبرى الضغط عليها للمضي قدما في عملية السلام مع الفلسطينيين على أساس "حل الدولتين". نحن نعلم علم اليقين أن الكيان الصهيوني عمل ومنذ بدء اوسلوا سيء الصيت على التملص من تقديم اية استحقاقات للسلام حتى ضمن هذا الاتفاق المجحف بحق الفلسطينيين. وهي ما زالت تتهرب من دفع هذه الاستحقاقات وتعمل على خلق حقائق ووقائع على الأرض بات من شبه المستحيل تفكيكها والعودة الى الوراء، بمعنى ان كل من يعتقد بان فكرة الدولتين ما زال هنالك إمكانية لتطبيقها ولو بحدودها الدنيا يعد من الحالمين سياسيا. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ألم تتعظ السلطة الفلسطينية بعد كل هذه السنوات التي أمضتها بمفاوضاتها العبثية؟ متى سنوقف الدوران في الحلقة المفرغة أصلا؟ متى ستقف اللجنة المركزية واللجنة التنفيذية في منظمة التحرير المغيبة وبشكل علني وتفضح كل هذه الالاعيب وعمليات التضليل والعمل بالخفاء والسرية والتنازلات المجانية التي أوصلتنا الى الوضع الكارثي الذي وصلنا اليه؟ وتعمل على محاربة هذا النهج في أوساط شعبنا وبشكل مبرمج وواسع. تساؤلات كثيرة يطرحها أبناء فلسطين المخلصين دون ان تجد آذان صاغية. المؤامرات تحاك على شعبنا وقضيته إقليميا ودوليا وبمشاركة فعالة من بعض أهل البيت. فالبعض وخاصة الان أصبح يتسابق لحجز دور ومكانة وموقع ضمن التغيرات السياسية والتحالفات الجديدة التي بدأت تتبلور أكثر فأكثر في المنطقة وخاصة بعد ان تم توقيع الاتفاق بين إيران والدول الست الكبرى حول برنامجها النووي. وبدلا من الارتهان والاعتماد على شعبنا في الداخل والخارج وفي جميع مناطق الشتات التجأ طرف كما تعودنا الى هذه الدولة الإقليمية أو تلك للاستقواء على الطرف الآخر. وكالعادة فان المصالحة الوطنية وحكومة الوحدة الوطنية والعمل على الوصول الى قواسم مشتركة والعمل تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية الجامعة لكافة الاطراف، كلها وضعت على الرف الى أن تتضح وتنضج معالم الوضع الجديد على ما يبدو لنرى لمن تكون الغلبة. والغلبة طبعا ليس بالمفهوم الذي ينعكس لصالح شعبنا وقضيته، بل على العكس الغلبة لهذا الفصيل على ذاك الفصيل لندخل في متاهات سياسية جديدة وخلافات لا أول لها ولا آخر. هذا في الوقت الذي تمارس فيه إسرائيل مزيدا من قضم الأراضي وتهويد الأرض الفلسطينية في كل ارجاء فلسطين التاريخية وبتسارع وفي نهاية المطاف لن يكون لكم ارضا تتنازعون عليها، وسيبقى تنازعكم على من يرث المغانم والمصالح الضيقة على المستوى الاقتصادي وتقاسم "السلطة" التي هي ليست بسلطة على الاطلاق. فلا سلطة تحت بسطاير الاحتلال وهذه هي الحقيقة التي يحاول البعض ان يتغافلها أو أن يغض النظر عنها. الكثيرون من شعبنا والقيادات المخلصة تنادوا ودعوا ولسنوات طويلة الان كل من تنظيمي فتح وحماس للترفع عن المصالح الفئوية الضيقة والارتهان الى شعبنا وتغليب الخلافات لصالح القضية بمجملها والتكاتف في مقاومة الاحتلال وعدم الاستقواء بالتحالفات التي تضر بالقضية ومصالح شعبنا. وما زلنا لغاية الان نعايش المد والجزر في علاقة هذين الطرفين التي تتناغم وتتماهى مع الأدوار الإقليمية فاليوم السعودية وغدا مصر وبعد غد قطر وهكذا دواليك، ولكل حساباته ومصالحه التي لا تصب بالضرورة مع مصالح شعبنا هذا ان لم تكن تتضارب كلية معها. ومع التمحور الجديد للسعودية والدول الخليجية بشكل عام مع الكيان الصهيوني والعلاقات التي نشأت على خلفية العداء الغير مبرر لإيران هنالك محاولات جادة لتصفية القضية الفلسطينية بشكل أو بآخر بقيادة المحور السعودي الذي يحاول جاهدا لإحياء ما سمي "بالمبادرة العربية" التي اكل الزمن عليها وشرب. وهنالك ضغوطات واغراءات غربية وإقليمية للطرف الفلسطيني المفاوض سرا ام علنا والاستفادة من وضع التشرذم في الساحة الفلسطينية وعمليات التناحر على "خلافة" الرئيس أبو مازن. هنالك تخوف من ان نصل الى حالة تصبح فيها بعض الأطراف الفلسطينية تتسابق على من سيكون الطرف الذي ستعتمده إسرائيل للتعامل معه ضمن ما ستؤول عليه خارطة التحالفات السياسية في المنطقة في المرحلة القادمة، خاصة بعد الانتهاء من الملف النووي الإيراني ورفع العقوبات عن إيران. هنالك مؤشرات الى اننا قد نكون ذاهبين الى هذا وخاصة ضمن حالة الانقسام الذي طال اجله على الساحة الفلسطينية، كما يتضح من التحركات السياسية وتكثيف الزيارات لهذا الطرف او ذاك والمعلومات التي تسرب في الصحافة بين الحين والآخر التي يجب أن تؤخذ على محمل الجد. وهذا يستدعي عملا وطنيا من كافة التنظيمات والقيادات والاطر النقابية والشعبية المخلصة الغيورة على الوطن. على ان يكون هذا العمل موجه الى القاعدة الشعبية لشعبنا في كافة أماكن تواجده حتى نتمكن من تجنب كارثة جديدة.

الملفات