2024-04-20 03:43 ص

لا أحد يعرف كيف تفكر دمشق...

2015-08-01
بقلم: المحامي محمد أحمد الروسان

هل ضغطت واشنطن على مجاميع المعارضة السورية الخارجية لتغيير وجهة قبلتها من موسكو باتجاه القاهرة؟ وهل ثمّة سيناريو يرقى درجة أو مستوى المؤامرة على الفيدرالية الروسية قبل سورية ونسقها السياسي؟ هل تتخلّى دمشق العاصمة عن استراتيجيات الاستثمار في الوقت والانتظار وبالتالي ترك استراتيجية شعرة معاوية، لصالح استراتيجيات الحسم الشامل انْ لجهة الحسم السياسي، وانْ لجهة الحسم العسكري، بالتعاون مع حلفائها الإقليميين والدوليين وحركات المقاومة، والتي هي في بعضها أكثر من حزب وحركة وأقلّ من دول؟


في الخلاصة هنا: نجد أنّ العاصمة الأميركية واشنطن دي سي ضدّ أيّ تقارب سعودي إيراني، كون هذا التقارب من شأنه أن ينهي العدو الذي صنعته أميركا فوبيا إيران لتبتز به السعودية وشقيقاتها الصغرى من دول الخليج. وواشنطن تريد إسقاط سورية ونسقها سواء عسكرياً أو بالحلّ السياسي أو الديبلوماسي، ومن ثم تقسيمها الى ثلاث دول لسبب عميق جيواستراتيجي يتموضع في ضرورة الالتفاف على مشروع روسيّا لمدّ أنبوب الغاز عبر تركيا، بحيث يُصار الى تحويل الجغرافيا السورية الى ممرّ للنفط والغاز السعودي القطري «الإسرائيلي» الى أوروبا عبر جغرافية تركيا، انّها حرب الطاقة نفطاً وغازاً والتي أنتجت ديبلوماسيات الطاقة بمفهوم جديد، حتّى ولو تطلب الأمر إسقاط أردوغان نفسه نتيجة الانتخابات التركية الأخيرة تعتبر الخطوة الأولى ، حيث الأخير صار يخشى انقلاباً داخلياً عليه، وهنا قد يكون من المفيد القول إنّ فلادمير بوتين قد تسرّع في رهانه الثاني بعد الرهان الأول، على حصان خاسر لاختراق حلف شمال الأطلسي ومن البوّابة التركية وانْ حدثت ارتباكات هنا أو هناك في مفاصل صنع القرار في حلف «الناتو» في البدء!

الأزمات تراوح مكانها في المنطقة، وتحاول التعايش مع الواقع الصعب بفعل التباعد بين الأقطاب، إنْ لجهة دواخل المنطقة، وانْ لجهة خوارجها الجدد، وإنْ لجهة الطرف الثالث الذي يعمل على إعادة رسم حدودها بالدم والنار.

التحالف الفعلي

بامتياز… هناك تحالف سوري عراقي إيراني حزب الله موجود في المنطقة، ولقاءات طهران درست وبحثت قوننته وترسيمه استعداداً للسيناريوات الدموية المقبلة إفشال ما سميّت بعاصفة الجنوب من قبل الجيش العربي السوري ووحدات المغاوير، بجانب مساعدة معلوماتية من أحد أطراف من داخل غرفة العمليات المسمّاة «موك» وصلت إلى نواة الجيش العربي السوري قبل بدء العملية بشهر تقريباً ، أيضاً ما جرى في الشمال السوري في إدلب وجسر الشغور وأريحا، ثم استعادة الجيش العربي السوري لزمام المبادرة في أكثر من 500 نقطة اشتباك مع المسلّحين الإرهابيين على مساحة جغرافية الوطن السوري، وإزاء ملفات الخلاف والبؤر الساخنة تمهيداً لأي مواجهات مقبلة، خاصةً أنّ مضمون هذا التحالف أو المحور بمضمون عسكري مخابراتي اقتصادي سياسي ديبلوماسي، يجري العمل على تفعيل جلّ هذه الروابط وتوحيد الجهود لمنع الاستفراد بكلّ ساحة على حدة.

مع التأكيد أنّ أذرع «موك» في عمق الجغرافيا السورية الجنوبية تتجه نحو الانحسار،و«عاصفة الجنوب» تنخفض سرعة رياحها، مقابل ارتفاع حرارة الضربات النارية التي تسدّدها وحدات الجيش العربي السوري، نحو عمق الخطوط الخلفية للتنظيمات الإرهابية المسلّحة والتي تشكل عصب تلك العاصفة الرملية.

أنقرة ورغم الموقف منها فهي تقع في إطار محطات ومفاصل العلاقات الثلاثية على طول خطوط إيران بغداد سورية بجانب حزب الله، ولك أن تقول حماس أيضاً والجهاد الأسلامي لاحقاً في ظلّ تموضعات جديدة لحركة حماس، تركيا بعلاقاتها مع إيران وانْ كانت فوق الطاولة تعاون وتحت الطاولة تنافس يصل درجة الصراع، إلاّ أنّها بمجملها مقبولة ويمكن البناء عليها في ظلّ التقارب التركي الروسي والذي فتح صندوق هدايا روسية متعدّدة لأنقرة، والسؤال هنا:

هل من شأن كلّ ذلك أن يفرض قراءات تركية جديدة إزاء الدولة السورية ونسقها السياسي، وفي ظلّ تعرّض أردوغان لمحاولات انقلابية داخلية بفعل الخيوط الأميركية الأوروبية المختلفة، وكما أسلفنا سابقاً؟ وهل يمكن أن نعتبر تقدّم وحدات حماية الشعب الكردي في تل أبيض وعين عيسى وعلى طول الحدود السورية التركية، بمثابة فخ جديد نصب للرئيس أردوغان بعناية فائقة، تنمّ عن حقيقة العقل الدمشقي العميق بتفكيره ورؤيته؟

وهنا لا يمكن وصف تركيا بأنّها لا تتصدّر الحرب على دمشق ونظامها، كما يحاول البعض المتأترك بالمعنى التكتيكي لا الاستراتيجي، من العربان قوله وتسويقه للوصول الى أنّ هناك مشتركات وتقاطعات وبعد أربع سنوات وأزيَد من الحرب الأممية على سورية، والصراع فيها وعليها وحولها وعقابيل ومآلات ذلك؟

أسعار النفط تدخل الميدان

محور واشنطن تل أبيب ومن ارتبط به من بعض غرب وبعض عرب وبعض مسلمين، وضعوا كلّ من سورية وإيران في خانة الاستهداف العميق وعبر إخضاع سلعة النفط وإدخالها في الصراع السياسي إزاء سورية والمنطقة، فموسكو وطهران تشتركان بمصير واحد والمصالح المشتركة في تزايد كما المخاطر أيضاً نحوهما، وبعد العقوبات الدولية على موسكو بفعل المسألة الأوكرانية، وهي بالمناسبة ليست عقوبات كونها خارج الأمم المتحدة، بل هي أعمال عدائية من قبل منظومات الناتو، من هنا أقرّ فلادمير بوتين عقيدة عسكرية روسية جديدة للجيش الروسي، اعتبر بموجبها تمدّد الناتو لضمّ كييف له، خطراً عسكرياً يهدّد الأمن الداخلي الروسي كما يهدّد الأمن القومي الروسي أيضاً.

فكان التقارب الروسي التركي وعبر الورقة الاقتصادية وورقة الطاقة خطوط الغاز خط سيل الغاز الجنوبي ومنها الى أوروبا وإنشاء مجمّع للغاز على الحدود التركية اليونانية لتزويد إيطاليا بالغاز، وليعوّض عن خط سيل الغاز الشمالي والذي ترفض بلغاريا مروره بأراضيها بضغط من الاتحاد الأوروبي، ثم تحييد الخلافات على خطوط العلاقات التركية الإيرانية والبحث عن أيّ مشتركات، وهذا من شأنه أن يقود الى التموضعات في جبهة موحدة ضدّ محور واشنطن تل أبيب، خاصةً وأنّ نواة البلدربيرغ الأميركي تضع في عينها وتمام عقلها وفكرها تقسيم تركيا عبر الورقة الكردية، حيث البدء تأسيس إقليم كردستان سوري على غرار العراقي ليمهّد لدولة كردية مقبلة في المنطقة، وتحت ضغط الحرب على سورية ونسقها السياسي كانت الإدارات الكردية المحلية، فتركيا فهمت واستوعبت الرسالة التالية: أن تنسب الانتصارات في العراق على «داعش» إلى البيشمركة على ضعفهم لا الى الجيش العراقي والعشائر، يعني بمجمله يصبّ في تحقيق كيان كردي مستقلّ في الشمال العراقي، مع كيان كردي مستقلّ في شمال سورية، وتحت ضغط الحرب عليها مما يعني تقسيم تركيا لاحقاً، مع أنّ هناك في استراتيجيات البلدربيرغ الأميركي تأسيس كيان كردي في شمال غرب إيران عبر الكرد الأيرانيين وحزبهم حزب الحياة الكردي الإيراني بيجاك .

وعلى هذا الأساس يرى البعض من خصوم تركيا، أنّ أردوغان دون كيشوت تركيا الجديد، ومساعده سانجو رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو يهندسان لتحسين العلاقات مع مصر، لحين تحقيق مقاربات مصرية تركية قد تقود الى نصف استدارات لحاجة الطرفين لبعضهما البعض، خاصة ما يخطط لتركيا عبر الورقة الكردية الكيانيّة الكردية التي يجري الحديث عنها الآن هي فخ لتركيا لتفجيرها من الداخل ، ومصر عبر سيناء ومجتمعها حيث الإرهاب وحواضنه، وعبر ليبيا باتجاه المسار المصري لاحقاً، بالرغم من أنّ العلاقات الديبلوماسية لم تنقطع بين القاهرة وأنقرة وكذلك العلاقات الاقتصادية والتجارية، والسؤال هنا: هل تسمح واشنطن وبلدربيرغها بعودة حقيقية للعلاقات المصرية التركية؟ ما هو نوع وطبيعة الاعتراض «الإسرائيلي» الصهيوني المتوقّع على عودة هذه العلاقات؟ وهل تطبيع العلاقات التركية «الإسرائيلية» الآن لتجاوز الفيتو «الإسرائيلي» على عودة العلاقات المصرية التركية؟ هل ثمّة إعاقات سعودية إماراتية أو فيتو سعودي إماراتي مشترك لعودة العلاقات على خطوط علاقات القاهرة أنقرة؟ وفي حال رفع الفيتو السعودي الإماراتي المشترك عن عودة العلاقات بين أنقرة والقاهرة، ما هي التنازلات التركية المطلوبة سعوديّاً وإماراتيّاً؟ وهل تستجيب تركيا لما هو مطلوب من الزاوية السعودية والإماراتية؟ كيف يكون الدور البريطاني في مسألة الرغبة المصرية التركية المشتركة لتحسين العلاقات وعودتها، في ظلّ وقوع الجيش التركي تحت المظلة البريطانية والجيش المصري تحت المظلة الأميركية؟

لقاءات مصرية ـ تركية؟

هناك معلومة تتحدث عن لقاءات حدثت قبل التغيير الأخير في قيادة جهاز المخابرات المصري منذ أقلّ من عام، مع المخابرات التركية وبمبادرة تركية وفي القاهرة نفسها، بحثت مسألة تحسين العلاقات وما يعترضها والفيتوهات المتوقعة من بعض الأطراف الخليجية، والطرف الأميركي والطرف «الإسرائيلي» الصهيوني، والآن يتولى هذا الملف اللواء محمد طارق عيسى سلام نائب مدير المخابرات المصري، مع رئيس شعبة مكتب المخابرات التركية في المخابرات المصرية.

وفي ظلّ ما يخطط لتركيا من استراتيجيات بلدربيرغيّة وفي عين نواته وهدفه نتساءل التالي: هل عوامل الربط التركي مع إيران وروسيّا والصين صارت أقوى مما هي عليه مع واشنطن، خاصةً بعد تغيّر المشهد السياسي التركي كنتاج للعملية التشريعية الأخيرة؟ وهل من شأن ذلك أن ينعكس على جلّ المسألة والحدث السوري؟.

صحيح مئة بالمئة أنّ أردوغان الآن ورغم أنّه قطع كلّ خيوط علاقاته مع النسق السياسي السوري، قد لا تكون لديه مشكلة من بقاء النظام والنسق السياسي السوري ورمزه الرئيس بشار الأسد، حيث العامل الكردي يدفعه إلى التنسيق مع السوري ونسقه السياسي، انْ بصورة مباشرة، وانْ بصورة غير مباشرة، عبر الإيراني والروسي والألماني برلين تعتبر الكرد جزءاً أصيلاً من العرق الآري الألماني .

أعتقد وأحسب أنّه سيحدث تمنّع تركي واضح في البدء، لكن في النهاية سيتعاملون مع معطيات الواقع السوري في حالة تظهير التحالف الإقليمي الجديد المدعوم روسيّاً وصينيّاً ومن باقي دول «بريكس»، في السياسة والديبلوماسية والاقتصاد والتسليح، مع وجود حزب الله وأدواره في المنطقة لاحقاً والتي قد تتجاوز الحدود اللبنانية نحو حدود الدم والنار التي يرسم بها محور واشنطن تل أبيب ومن ارتبط به حدود الساحات وفقاً لمصالحه.

انّ نغمة أردوغان الكلاسيكية مع استمرار النزاع مع المسلحين الراديكاليين ستستمرّ، وهنا سيردّد الأردوغان الرئيس: أنّ سبب هذا النزاع الميداني هو بقاء الأسد، وأعتقد هنا أنّ هذه النغمة الكلاسيكية الأردوغانية لم تعد تقنع أردوغان نفسه، ولا حتّى أحمد داوود اوغلو كيسنجر تركيا! ومدير المخابرات التركي هاكان فيدان.

فكّ وتركيب «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» منطقة يعاد تفكيكها وتركيبها من جديد، حيث تفكيك كيانات قائمة وإطاحات لحدود ومحاولات لرسم وتأسيس اتحادات اقليمية، قد تقود لوقائع وترسيمات جغرافية ديمغرافية حديثة، حيث الحدود والخرائط صارت ترسم بالدم.و«الشرق الأوسط» منطقة لم تتهيأ بعد لتلك الديمقراطيات الغربية التي ثبت فشل ترويجها وتسويقها، من قبل الليبراليين الجدد في المنطقة، برامكة الساحات «الشرق أوسطية»، ومن هنا يطرح السؤال التالي: هل المنطقة فعلاً بحاجة الى أتاتورك عربي، يحدّد ترسيمات المجتمع بالقوّة، بعدما عمّت فوضى التطرف والإرهاب بفعل المؤامرة والتي اشترك فيها بعض عرب وعربان، وبعض مسلمين، بجانب الأميركيو«الإسرائيلي» الصهيوني وبعض غرب أيضاً؟

مع التأكيد أنّ أيّ تدخل تركي عسكري مباشر في شمال سورية يحتاج الى غطاء دولي واقليمي لم يتوافر في السابق وهو غير متوافر الآن، وأنّ هذا التدخل سوف يعمّق التلاحم بين الأكراد والجيش السوري، وهذا من شأنه أن يؤثر على استراتيجيات الغرب في محاربة «داعش» في الداخل السوري، بالاعتماد على وحدات حماية الشعب الكردي كبديل عن التعاون مع الجيش السوري والدولة الوطنية السورية، وأنّ أيّ صدام عسكري تركي مع الكرد والجيش السوري في الداخل السوري، يتيح وبقوّة نقل الصراع والصدام الى الداخل التركي، بسبب أنّ الديمغرافية المحاذية وعلى طول الحدود التركية السورية هي ديمغرافية كرديّة نقية مئة بالمئة.