2024-03-29 01:19 ص

سوريا باقية موحدة إن شاء الله

2015-08-25
بقلم : حماد صبح
ينال الإعلام الإسرائيلي بوسائله المختلفة اهتماما كبيرا في العالم العربي بمستويات مختلفة يفرضها قرب أو بعد الجهة العربية عن مركز الانشغال بالصراع المصيري مع عدو الأمة الوجودي . ومصدر الاهتمام : أن ما ينشر في الإعلام الإسرائيلي يكشف حقائق وخلفيات تساير الأحداث الجارية مسايرة حثيثة ، وهو _ ما ينشر _ غالبا ما يستند إلى مصادر استخبارية مطلعة على حقائق وخلفيات الأحداث ، وهذا الاستناد يعطي المنشور قدرا معقولا من المصداقية أو الدلالة على بعد معين في الموقف الإسرائيلي في حال الشك في مصداقية المنشور . وهناك سبب آخر للاهتمام العربي بمنشورات الإعلام الإسرائيلي ، وهو أنه حتى في مقالات الرأي ، يمكن استقراء حقائق ومواقف واتجاهات محددة في الدولة الإسرائيلية وفي المجتمع الإسرائيلي توضحها تلك المقالات ؛ لأنها كتبت بحرية واقتناع من أصحابها بخلاف الحال في العالم العربي الذي تضيق فيه حدود حرية الرأي أو تعدم تماما . ومن شهور نشر كاريكاتير في جريدة " الأهرام " جاوز فيه راسمه قمة الصواب والإجادة في تصوير محنة حرية التعبير عن الرأي في العالم العربي . في الكاريكاتير يتصل كاتب هاتفيا بمسئول كبير راجيا : " قل لي أنا إيه رأيي عشان أكتبه ! " . المعتاد أن يقال إن الدول القامعة لحرية التفكير والتعبير لا ترضي برأي يخالف توجهاتها وسياساتها ، فتمنع نشر مقال يخالفها ، أو يتجنب الكاتب بنفسه التصريح بمخالفتها ، ويلمح إلى موقفه المخالف إلماحا خفيفا لا يؤخذ عليه . الحال الجديدة التي توفق راسم كاريكاتير " الأهرام " إلى النفاذ إلى حقيقتها تجاوزت المعتاد القديم . لم يعد الكاتب يعرف حتى رأيه الشخصي في الأحداث والقضايا في بلده ، بل لم تعد له شخصية بعد أن احتلته أجهزة الدولة القامعة من الداخل وصارت هي التي تحدد قناعاته واتجاهاته . مساحة حرية الرأي في الدولة الإسرائيلية واسعة ، وهذا مثلما قلنا يجعل مقالات الرأي في الإعلام الإسرائيلي ذات دلالات على الأحوال في هذه الدولة . على أن التحوط والتحذر واجبان مما ينشر في هذا الإعلام ، فأحيانا تستخدم حتى مقالات الرأي في توجيه مضامين استخبارية ورسمية إسرائيلية قد تأخذ شكل معلومة يعزز بها الكاتب وجهة نظره ، فتبدو بريئة من أي خلفية استخبارية أو رسمية مقصودة ، ومعروف أن كثيرا من الكتاب والمثقفين الإسرائيليين أصحاب خلفيات أمنية واستخبارية ، وتربطهم علاقات وثيقة بتلك الأجهزة رغم انتقالهم إلى ساحات ودوائر عمل جديدة . من المقالات التي نحسها مفعمة برائحة استخبارية مقال نشرته " معاريف " في الحادي والعشرين من الشهر الحالي ليوسي ملمان ، واهتمت به الإعلاميات العربية كثيرا ، وأحلته في الصدارة مما تنشره من مقالات الصحف العبرية . يحدد المقال رؤية قسم الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية لسوريا الحالية ، ويقول إنهم توقفوا في القسم عن استعمال اسم "سوريا " ل " تعريف المنطقة الجغرافية والكيان القائم وراء الحدود الشمالية في الجولان " ، ويضيف إنهم يبحثون عن اسم ملائم لتلك المنطقة ، وإن من بين الاقتراحات المقدمة الاسم " شام " موضحا أنه الاسم العربي التقليدي الذي أطلقه العرب عليها بعد الفتح الإسلامي الذي يسميه احتلالا . والإسرائيليون يسمون أي وجود عربي خارج جزيرة العرب احتلالا . ويفوت الكاتب أن الشام تسمية عربية لتلك المنطقة قبل الفتح الإسلامي ، وأن الهجرات العربية إليها لم تبدأ بالفتح الإسلامي ، وإنما في 3500 ق . م ، وأنها لم تكن في عهد البيزنطيين خالية من العرب الذين أخذوا حتى ذلك الفتح اسم الغساسنة . ويفوته أيضا أن الشام اسم مرادف لسوريا في كيانها الجغرافي والبشري الكبير، أي ما يضم سوريا الدولة الحالية ولبنان وفلسطين والأردن ، ومن ثم فدولته هي الغريبة الوحيدة في جغرافيا المنطقة. وفق ما في المقال ، ترى الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أن سوريا المعروفة انتهت ، فالدولة السورية لا تسيطر إلا على 20 % من مساحة البلاد ، ولا أمل في حل سياسي قريب يعيد لها وحدتها السابقة . واضح أن رأي الكاتب المشبوه بالرائحة الاستخبارية ، وإن وافقه الواقع الحالي لسوريا بعد أربع سنوات ونصف من عدوان عالمي على كيانها ، ينبعث مما يخطط له أركان المؤامرة العالمية على سوريا ، ومنهم الدولة الصهيونية وصهاينة العرب ، ومما يتمنون حدوثه ، أي تقطيع سوريا إلى دويلات وكيانات صغيرة عرقية وطائفية ضعيفة يرتبط أكثرها أو كلها بإسرائيل التي ستبدو حينئذ وسط أشباه مماثلين لها في عرقيتها وعنصريتها وقد تخلوا عن جامعهم التاريخي المتين وهو العروبة والإسلام ، وستكون هي الكبيرة بينهم كبر الصرصار بين النمل . الفاجع أن ما يخطط له الصهاينة ويتمنونه يصنع بالدم العربي والمال العربي ، ومع هذه الفاجعة المنكرة في تاريخ الأمم ، وهي في الأمة العربية كان أولى أن تكون من أشد الفواجع إنكارا وتحريما وتجريما لمن يصنعونها ؛ نقول ما يتلو : أولا : رغم ما حل بسوريا من صنوف الموت والدمار فإن صمودها أربع سنوات ونصفا يبشر بأنها قادرة قيادة وشعبا وجيشا ومؤسسات على الصمود زمنا مناسبا سيوصلها إلى النصر الحاسم على مجرمي الحرب الكونية الحالية ، وفي الأفق ما يبشر بقرب نصرها إن شاء الله ، وقد يكون مناسبا التقدير أن محنة سوريا في ربع ساعتها الأخير . ثانيا : ليس كل ما يقدره الإسرائيليون تثبت صحته ، وما أكثر ما خابت تقديراتهم خيبات كبيرة مخزية . بعد حرب 1967التي أفقدهم نصرهم الكبير فيها اتزانهم وصوابهم ، تسابقوا في التنبؤات بأنه لا قيامة للعرب بعد تلك الحرب ، وبعد ست سنوات دق الجيش المصري والجيش السوري عنق الجيش الإسرائيلي ، واقتربت إسرائيل من الهزيمة لولا التدخل الأميركي . ثالثا : إذا كان العدوان على سوريا ذا صبغة إقليمية وعالمية فالمدافعون عنها لهم هذه الصبغة . روسيا ترى الدفاع عن سوريا خط الدفاع الأول عن نفسها ضد عدوانية الغرب ، ونفس الشيء تراه الصين ، فالدولتان الكبريان تعلمان دقيق العلم أنهما على جدول أطماع الغرب وعدوانه ، وليس بلا دلالة كبيرة أن يرفض بوتين عرضا سعوديا ب100مليار دولار تدفع على عشر سنوات للتخلي عن سوريا . وإقليميا يرى شرفاء العرب ، وهم أغلبية الشعب العربي ، أن ضياع سوريا يعني ضياع الأمة العربية ؛ لأنه ما من دولة عربية لها صفات سوريا القومية وإخلاصها العروبي النقي الصادق الذي جعلها أقوى قلعة لحماية الهوية الثقافية والحضارية العربية ، وللموقف الإيراني وزنه الكبير في صمود سوريا أيا كان ما يثار حول حقيقة نوايا هذا الموقف ، وفي ما يثار بلا ريب الكثير من المغالاة وسوء القصد وضحالة الإدراك لما تفرضه الجغرافيا الواحدة من حتمية لمواقف معينة . إيران لها مصلحة في صمود سوريا وتساعدها على ذلك ، ما الخطأ في هذا ؟ أليست أشرف من عرب يدمرون سوريا بمالهم ومؤامراتهم ومجرميهم ؟ حلال عليهم التحالف مع إسرائيل ، وحرام على سوريا التحالف مع إيران ؟ وما أوسع الفارق بين التحالفين ! رابعا : نقدر أن سوريا ستبعث قوية بعد توقف العدوان ، وستعيد بناء ذاتها ، وستكون المحنة الكبرى التي اجتاحتها درسا وتجربة يستفاد منهما في بناء الذات السورية الجديدة ، ومن قاتل كل هذا الحشد العدواني أربع سنوات ونصفا لن يصعب عليه إعادة بناء ذاته بعد انتصاره على المعتدين ، ولن تكون إعادة البناء إلا في سوريا واحدة موحدة ، وعندها سيرى الذين قدروا أن سوريا انتهت ، ومنهم كاتب المقال الصهيوني يوسي ملمان ، أن تقديرهم أضغاث أحلام وغبار أوهام .

الملفات