2024-04-24 03:15 م

الحراك الشعبي في بيروت!!

2015-08-27
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
الحراك الشعبي الذي شهدته العاصمة بيروت والذي بدأ كحراك للتعبير عن غضب الشارع اللبناني لما آلت عليه الأحوال في العاصمة وخاصة لمشكلة النفايات التي تجمعت وتراكمت في معظم شوارع العاصمة وبدأت تهدد بكارثة بيئية وصحية وقد انعكس هذا بتسمية الحراك "حملة طلعت ريحتكم"، بدأ يتدحرج ويأخذ طابعا أوسع وأشمل ومن الحراك المطلبي لاحتياجات عاجلة ملحة يومية مثل النفايات الى طرح قضايا ملحة أخرى مثل الكهرباء والماء والبطالة والفساد والى ظهور بعض الأصوات والشعارات التي تندد بالحكومة وادائها وتطالب الى اسقاط النظام بمعنى اسقاط الحكومة واستقالة الرئيس سلام. ابتدأ الحراك بشكل سلمي وحضاري والتزم الجمهور بالطابع السلمي وجوبه بعنف من قبل رجال الامن الذين قاموا باستخدام الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه مما أدى الى وقوع جرحى في صفوف المحتجين. وتراجع الامن اللبناني على ما يبدو بناء على أوامر عليا وهذا ما حصل في اليوم الأول وتحدث الرئيس تمام سلام في محاولة لتهدئة الخواطر وامتصاص نقمة الشعب. أما في اليوم الثاني فقد حصلت مجابهات عنيفة بين رجال الامن والمتظاهرين مما أدى الى وقوع إصابات كبيرة في صفوف المتظاهرين مما استفز الجمهور الغاضب ووقعت صدامات عنيفة. ومما زاد "الطين بله" هو وجود بعض المشاغبين! في وسط الجمهور (وقد يكون هنالك توظيف لهذه الفئة من بعض الأطراف السياسية) الذين اعتدوا على بعض المحلات التجارية واشتبكوا مع رجال الامن في ساحة رياض الصلح حيث كان التجمع الرئيسي للمتظاهرين مقابل السرايا الحكومية. واعتقد البعض ان الاحداث التي حصلت يوم الاحد ستخلق نوع من التردد عند الجمهور اللبناني التي ستؤدي الى الاحجام عن النزول الى الشارع مرة أخرى وخاصة وأن البعض نادى بتعليق حركة الاحتجاجات حاليا بعد الصدامات التي حصلت. ولكن تبين ان حسابات البعض كانت خاطئة اذ اخذ الجمهور اللبناني في التجمع مرة أخرى في اليوم الثالث على التوالي في نفس الساحة. وفوجىء الكثيرون أن الأجهزة الأمنية اللبنانية قد قامت ببناء حاجز من الألوح الاسمنتية العالية على غرار جدار الفصل العنصري الذي بنته قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو على غرار جدار برلين كما قال بعض المتظاهرين اللبنانيين الذين ادانوا هذا التصرف. وقد بني هذا الجدار لفصل الجمهور اللبناني عن السرايا الحكومية والذي اعتبره البعض انه لا يمثل فقط حاجزا طبيعيا لمنع اللبناني من الوصول الى السرايا الحكومية او بناء المجلس النيابي، بل ان له رمزية ودلالة على ان المراد له ارسال الرسالة الى الهوة والفجوة والشرخ والفصل المتواجد أصلا ما بين الناس العاديين والطبقة السياسية اللبنانية. لا أحد يدري كيف ستتطور الأمور من الان فصاعدا وهل سيكون هنالك تصعيد تدريجي أم لا وماذا سيكون مستقبل هذا الحراك. ولكن لا بد لنا من تدوين بعض الملاحظات حول هذا الحراك. أولا: من الملاحظ على ان الحراك شكل حركة عفوية لقطاعات مختلفة وعريضة من الجمهور اللبناني والأهم ربما من ذلك انه جاء خارج إطار المذهبية والطائفية والمناطقية السياسية، التي كانت وما زالت تشكل بمجملها المرض العضال الذي ميز الحالة السائدة في لبنان منذ استقلاله ولغاية الان. أن يأتي هذا الحراك خارج هذا الإطار يشكل حالة فريدة والامل يبقى على ان يبنى على هذه الظاهرة مستقبلا التي تشعر بها كافة مكونات المجتمع اللبناني أنهم ينتمون الى وطن اسمه لبنان، وليس الى طائفة او مذهب يقيدهم بانتخاب من سيمثلهم ضمن نظام سياسي قائم على المحاصصة الطائفية والمذهبية وليس على أساس المواطنة. هذا النظام السياسي كان وما زال يشكل العقبة الأساسية والرئيسية أمام حل العديد من المشاكل التي عصفت وتعصف في لبنان على المستويات كافة الخدماتية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ثانيا: بدأ الحراك بمطلب أساسي واحد وهو الضغط على الحكومة لإيجاد حل لمشكلة النفايات التي أصبحت ملحة للغاية بعد الوصول الى وضع لم يعد يطاق لما يشكله من تهديد حقيقي للبيئة وانتشار الأوبئة والامراض الخطيرة الناجمة عن تعفنها وما تجلبه من تكاثر بكتيريا تتطاير في الجو الى جانب الحشرات والفئران وتولد غازات سامة وانتشار حالات التسمم ...الخ من مشاكل بيئية وصحية. وتدحرجت المطالب كما ذكرنا في البداية الى قطاعات خدماتية أخرى وخاصة توزيع الكهرباء والماء ووصولا الى الدعوة بإسقاط النظام. ومع تقديرنا الى الحس العفوي الذي تمتلكه مثل هذه التحركات الشعبية، هذا الحس الذي يؤهلها للرؤية بوضوح ان كل هذه الأمور مترابطة عضويا ببعضها البعض ولا يمكن الفصل بينها وأن في مجملها تعود الى السياسة وممارسات الطبقة السياسية الحاكمة والمنتفعة، والتي تستغل وجودها في السلطة لتحقيق مصالحا وجني الأرباح الطائلة، الا أن وجود المطالب المتعددة والمتنوعة والتي انعكست في الهتافات والتي كتبت على اليافطات دون وجود تنسيق واضح للمطالب المحددة مثل خلل في هذا التحرك. وهذا بحد ذاته يقودنا الى الملاحظة الثالثة. ثالثا: ذكرنا أن التحرك كان عفويا والتحق العديد من اللبنانيين به منذ البداية. وكان الامر اللافت منذ البداية هو عدم وجود قيادة ميدانية لهذا التحرك لتقوم على تأطير التحرك وتحديد المطالب والشعارات التي يلتف عليها الجمهور المشارك، وبالتالي القدرة على عملية متابعة تنفيذ هذه المطالب ووضع الآليات الكفيلة التي تساعد في الوصول الى الأهداف المرسومة لمثل هذا التحرك. وهذا يترك ميوعة في المواقف الى جانب تعدد الرؤوس كما نقول بالبلدي وعدم توحيد الصفن وظهور الخلافات مما يسهل عملية استغلال الحراك أو سهولة اجهاضه وانفضاض الناس من حوله. ولا بد لنا من التذكير هنا بالتحرك الجماهيري في مصر والاعتصام في ميدان التحرير وعلى الرغم من الاختلاف ما بين التحركين فانه لا بد لنا من التنويه هنا أن غياب القيادة الواعية للحراك الشعبي هناك واعتقاد البعض خطأ وخاصة في الأوساط الشبابية ان القيادة غير مهمة ويكفي ان تدار الأمور يوما بيوم حيث تصبح الأمور ردود فعل، كل ذلك أدى الى من استغل هذا الواقع وجير التحرك لمصلحته. نقول هذا هنا للتأكيد على ضرورة تواجد قيادة ليست بالضرورة أن تكون حزبية (وخاصة ضمن الأوضاع السائدة حيث يتواجد انقسام سياسي عمودي حاد في لبنان)، ولكن يالتأكيد يجب ان تكون قيادة مشهود لها بحرصها على الوطن والمواطن، ولديها من الخبرة تكفي لمساعدتها في التوصل الى صياغة مطالب شعبية محددة وتوجيهها. ومن الضروري التنبه الى أن بعض منظمات المجتمع المدني او المنظمات الغير حكومية قد تكون مرتبطة بأجندات تريد ان تأخذ الشارع الى ما لا يحمد عقباه. رابعا: من الضروري التنبه الى ان الطبقة السياسية المتنفذة في لبنان ستحاول ان تجير هذا الحراك الشعبي لمصلحتها. وذلك اما لتحسين مواقعها في السلطة أو من خلال زيادة حصتها في شركات النفايات التي تدر عليها ذهبا كما يقولون. وهي بالفعل قد قامت بفعل أول خطوة في هذا الاتجاه وخاصة في موضوع النفايات الذي لم تأخذ به الحكومة قرارا ولغاية ما قبل التحرك. من المعروف أن شركات النفايات في لبنان تحقق أرباحا طائلة للطبقة السياسية وهنالك أفراد في هذه الطبقة استغلت الحراك لتحسين حصتها في شركات النفايات والمناقصات التي تم نقاشها في الحكومة تحت ذريعة تلبية مطالب الناس المتظاهرين. فكان أن تقرر ان تمنح ستة شركات مسؤولية جمع النفايات وطمرها بكلفة 450 مليون دولار، هذا في الوقت الذي كان يدفع 220 مليون دولار لنفس الغرض العام الماضي. وكانت أن تقدمت شركة إيطالية للتعامل مع هذه النفايات بكلفة 180 مليون دولار. وهذا يدلل على ان الاوليغاركية اللبنانية المتغلغلة في الطبقة السياسية تريد ان تستغل حراك "طلعت ريحتكم" لنهب المزيد من المال العام. خامسا: ان أصحاب النفوذ في الطبقة السياسية في لبنان سيحاولون بكافة السبل الى اجهاض الحراك الشعبي الجديد. ولا شك ان بقاء مثل هذا الحراك محصورا في مدينة ما وعلى شريحة من شرائح المجتمع اللبناني سيسهل عملية ضربه والتعامل معه من ناحية أمنية أو اجهاضه بطرق أخرى. ومن هنا تنبع أهمية العمل على تأسيس حراك شعبي وطني جامع على مستوى لبنان. حراك يدفع الى تحقيق انتخابات نيابية ومن ثم رئاسية لإخراج الدولة ومؤسساتها من حالة الشلل الكامل لمراهنة البعض على تغيرات إقليمية والمقصود هنا تحديدا سوريا التي قد تعيله في فرض أو تحسين شروطه ( أو هكذا يعتقد مخطأ) ومواقعه في اية تسوية في لبنان. في النهاية نود ان نعيد لنؤكد ان الكثير من مصائب لبنان تعود الى النظام السياسي قائم على أساس المحاصصة الطائفية والمذهبية، والى ان يتم الغاء الطائفية السياسية ستبقى الطائفي والمذهبية تطل برأسها البشع بين الحين والأخر ويبقى السلم الاجتماعي للبنان مهددا بالانفجار وسيبقى نهب المال العام من الاوليغاركية اللبنانية والفساد المستشري في لبنان قائما. هذا بالإضافة الى ان ذلك أدى ويؤدي الى انتشار المجموعات التكفيرية مثل داعش والقاعدة على الأرض اللبنانية الذي يساهم في خلق الفتنة.

الملفات