2024-04-19 01:03 م

الجمهورية العربية المتحدة تنتصر

2015-08-27
بقلم: السيد شبل
سبقت مصر سوريا.. لا، بل دعمت مصر سوريا، في مقاومتها الجسورة ضد مشروع الفوضى الذي كان يسعى العقل الغربي من خلاله لإعادة ترتيب المنطقة العربية، وتدجينها أكثر وأكثر من ثم استتباعها بأقل التكاليف الممكنة، بعد أن يصير أكبر كيان متماسك وقائم فيها أصغر من أصغر من محافظة عربية موجودة الآن. وبثبات سوريا ثبتت مصر، وبانتصار مصر انتصرت سوريا.. ليس لأحد القطرين فضلًا على الآخر، لأن الجسد الواحد لا يمن بعضه على بعضه، وإنما تتكامل أعضاؤه فيستقيم الأمر. كانت سوريا على شفا جرف هار، لكنه لم ينهار بها.. وانقذتها العناية الإلهية من مصير كان الجيران جميعهم (خصوم وأعوان)، معرضين للاكتواء بناره. نستند اليوم إلى جدار صلب، ونحن نقول أن الأحلام الأمريكية التي أعلنها قبل عشر سنوات تقريبًا جورج بوش الابن، بخصوص شرق أوسط مهلهل ومدجن، قد تبددت في مصر، كما وقد تلقت طعنة في سويداء قلبها في سوريا، وانتصرت الجمهورية العربية المتحدة في معركتها الجديدة. صحيح أن سحرة "السي أي إيه" لن يكفوا عن إطلاق ثعابينهم، لكن العصا العربية قادرة على لقف ما يأفكون. على أية حال فالحذر عند النصر مطلوب، كما الأمل عند الهزيمة. في كل الحالات الأنسب أن لا تستسلم لأي من معسكرات التطرف، وأن تحافظ على وضعك في الجزيرة المعتدلة، حيث الوسط.. الذي يشتمل على النصيب الأكبر من وجوه الحق. وبناءًا عليه سنبتهج بما وصلنا إليه اليوم عاقدين العزم على الحذر، مستفيدين أيما إفادة مما جرى في الأربع سنوات الماضية، موقنين أنها (أي أحداث السنوات الماضية) لم تكن ابنة الفراغ، وإنما كانت حصادًا مرًا لما سبقها من عقود، كما أن الفلاح النسبي الذي حققته المؤامرات فيها، لم يكن كله عائدًا لحذاقة أعدائنا، وإنما كان عائد بقدر مماثل لفشلنا وهشاشة تربتنا الداخلية!، وهذا أمر واجب تسليط الضوء عليه، خاصة في وقت النصر، والذي بات وشيكًا، أو على الأقل سار الدرب الذي يوصل إليه ممهدًا، على عكس أيام مضت، كان الوطن العربي فيه كالقافز في الهواء دون أن يعلم الأرض التي هو مجذوب إليها فيما بعد. المعركة التي فُرضت على كل من مصر وسوريا، والمخاطر التي تعرض لها كلا البلدين، أثبتت أن الروابط بينهما لا سبيل إلى الفكاك منها، وأنها أعمق وأمتن من كل ما تم صياغته في شعارات، هذا التقارب، رصده ساسة وباحثون دوليون وبدأ الحديث علانية في صحف عالمية عن أن مصر هي الداعم العربي الأهم حاليًا لسوريا، حتى ولو لم يصرح قادة البلدين بهذا الأمر بشكلٍ معلن. يبدو للمتابع أن الانتصار المصري على المشروع الغربي التقسيمي أوضح وأبين، لذا سنحاول في السطور القادمة إفراد مساحة أكبرللحديث عن النصر السوري الذي بات في حكم المؤكد، من خلال عرض مقتطفات من مقال نشره موقع "جلوبال ريسرتش" لـ "تيم أنديرسون"، وهو أستاذ في الاقتصاد والسياسات الدولية، ومشهود له بالموضوعية. وقد حاول في وصلة من الكلام المهندم والعلمي، الرد على ترهات الإعلام الغربي حول سوريا، فيقول: "رغم سفك الدماء المستمر والضغط الاقتصادي الحاد، إلا أن سوريا صادمدة وتتقدم بثبات نحو نصر عسكري واستراتيجي سيغير منطقة الشرق الأوسط. و هذا دليل واضح على فشل خطط واشنطن سواء المتعلقة بتغيير النظام أو عرقلة عمل الدولة أو تمزيق البلد وفقا لتقسيمات طائفية". ويقدم تفسيرًا لمعنى النصر السوري، فيقول أن انتصار سوريا هو مزيج من التأييد الشعبي المتماسك للجيش الوطني في وجه الطائفيين الفاسدين (التكفيريين)، والدعم الثابت من قبل حلفاء أساسيين ( يعني روسيا وإيران) مع تهشم القوى الدولية التي تصطف ضدهم، للدرجة التي تدفع عدد من الدول المعادية رسميا لسوريا ووكالات تابعة للأمم المتحدة لإعادة علاقاتها مع النظام. ومتهمًا الإعلام الغربي بتعمّد التضليل، فيقول: الإعلام الغربي يكذب بشكل مستمر حول طبيعة الصراع في سوريا. ويتجلى ذلك بإخفاء دعم الناتو للجماعات التكفيرية، وكذلك في الإعلان المستمر عن تقدم (المعارضين) وتجاهل دحر الجيش السوري لهم. والواقع يخبرنا بأن الإرهابيين المدعومين من الغرب لم يحققوا أي تقدم استراتيجي حقيقي منذ تدفق المقاتلين الأجانب لمساعدتهم في الاستيلاء على أجزاء من شمال حلب في منتصف عام 2012. ويروي أندرسون أجواء زيارته الأخيرة لسوريا، فيقول: "خلال زيارتي الثانية في يوليو2015، كان بإمكاني رؤية تحسن الوضع الأمني حول المدن الرئيسية. ففي الزيارة الأولى عام 2013، ورغم طرد ضاربي الرقاب التابعين للناتو من أغلب حمص و القصير، فإنهم كانوا في مدينة معلولا القديمة وعلى امتداد جبال القلمون، ويقومون بمهاجمة الطريق الجنوبي إلى السويداء. أما هذه السنة فكنا قادرين على السفر بحرية عبر الطريق من السويداء إلى دمشق و حمص فاللاذقية، مع انعطاف صغير حول حرستا. في 2013 كان هناك إطلاق يومي لقذائف الهاون شرق دمشق، الأمر الذي أصبح أقل هذه السنة. و يبدو أن الجيش يسيطر على 90% من المناطق ذات التعداد السكاني الكثيف". وساق، آندرسون في مقاله، ثلاث مسائل على قدر معتبر من الأهمية، الأولى: تتعلق بالحرب الإعلامية التي تعرضت لها الدولة السورية منذ اندلاع الأزمة، حيث حُمّل الجيش العربي السوري كل الفظاعات التي ارتكبت على يد عصابات مدعومة من الغرب وممالك الخليح. وهذا يشمل الادعاءات الكاذبة باستخدام الأسلحة الكيماوية، والمزاعم حول الأضرار الناتجة عما يسمى البراميل المتفجرة، ورغم أن أرقام الضحايا والأخبار الدائرة في مدارها تكون غير الدقيقة إلا أنها قد صارت معتمدة من قبل مجموعات منحازة مثل العفو الدولية و مراقبة حقوق الإنسان، من أجل دعم بروباجندا الحرب؛ أما المسألة الثانية، فهي تدور حول قدرة النظام السوري على الإمساك بذمام الدولة حتى الآن، فيشير إلى أن الإرهابيين صحيح يتواجدون في مناطق كبيرة، ولكن لا تملك داعش و لا أي مجموعة مسلحة أخرى السيطرة على الكثير من المناطق السورية المأهولة. ودائما ما تخلط الوكالات الغربية بين الوجود و السيطرة. فعلى الرغم من هجمات داعش في درعا وإدلب وشرق حمص، فإن الأماكن السورية ذات الكثافة السكانية واقعة تحت سيطرة الجيش بشكل أقوى عما كانت عليه عام 2013، ويوضح أن الجيش السوري أحكم نطاق سيطرته حول شمال حلب ودوما وحرستا، ومؤخرا حقق انتصارات في الحسكة وأدلب ودرعا. ومع قوات حزب الله تمكن الجيش من القضاء على داعش و شركائها في جبال القلمون على طول الحدود مع لبنان؛ المسألة الثالثة، يعود من خلالها لاتهام الإعلام الغربي بالتحيز والتضليل عند مناقشة قضية اللاجئين والنازحين حيث يركز على مخيمات تركيا والأردن والتي تسيطر عليها بشكل كبير المجموعات المسلحة، والتي تفتقر إلى الخدمات الآدمية، بينما يتجاهل الملايين الذين نزحوا عن مناطق الحرب إلى أماكن تخضع لسيطرة الجيش، ويتم فيها تقديم خدمات جيدة ورعاية لائقة للأسر النازحة، ففي الشمال تضاعف تقريبًا عدد سكان محافظة اللاذقية ليصبح أكثر من ثلاثة ملايين، إذ استوعبت المهجرين من حلب و ادلب ومناطق شمالية أخرى تأثرت بهجمات الإرهابيين الطائفيين، ومعظمهم في إيواء مجاني أو يقيمون مع عائلات وأصدقاء بمساعدة الحكومة، حيث يعملون أجيرين أو في أعمال صغيرة، وفي الجنوب استضافت السويداء مائة وثلاثين ألف عائلة مهجرة من منطقة درعا ما ضاعف تعداد سكان المحافظة. ومع ذلك فان دمشق تحملت الحصة الأكبر من الستة ملايين مهجر داخليا، ويقوم الجيش مع الحكومة والإدارات المحلية بالدور الرئيسي في الرعاية وتوفير الخدمات وحفظ الأمن. ختامًا: إن المعركة التي دارت رحاها، ولا تزال في مصر وسوريا، ستمتد آثارها خارج البلدين، بل خارج الوطن العربي كله، وستخرج منها محاور أقوى مما كانت.. وستسقط جراءها نظرية القطب الواحد التي هيمنت على العالم لنحو عقدين من الزمن.. وستصير المعسكرات أكثر فرزًا وتحديدًا على الصعيد الدولي أو الإقليمي بل وحتى المحلي.. ويكفي أن الانتصار فيها حتمًا سيحد كثيرًا من الصلف والغرور الغربي.

الملفات