2024-04-25 01:04 ص

هذا ليس نفاقا فقط .... بل هو عهر سياسي واهانة لكل ما هو انساني بكل المقاييس

2015-10-02
كتب الدكتور بهيج سكاكيني
قبل أيام فقط أصدر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قرارا بتعيين سعوديا لرئاسة مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة. ولقد اثار هذا القرار استغرابا شديدا في العديد من الأوساط السياسية الى جانب السخط من قبل العديد من المنظمات التي تعنى بحقوق الانسان مثل منظمة هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية ومراسلون بلا حدود وغيرها من منظمات حقوقية عربية واجنبية. وجميع هذه المنظمات قامت بتوثيق الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان داخل السعودية، الى جانب المجازر التي ترتكبها يوميا في اليمن منذ بدء العدوان الذي تقوده السعودية منذ 26 آذار الماضي. واليوم قامت بارتكاب أكبر مجزرة التي ذهب ضحيتها حوالي 140 من الأطفال والنساء في حفل عرس في محافظ تعز. هل للسيد الأمين العام ان يطلعنا عن مفهومه لحقوق الانسان؟ هل المجازر التي ترتكب يوميا في اليمن بالقصف الجوي والبحري والبري بحق الشعب اليمني من أطفال ونساء تشكل احدى ركائز حقوق الانسان؟ هل قصف المستشفيات والمدارس ومحطات الوقود وطرق امداد الطاقة وشبكات المياه والكهرباء ومصانع الادوية ومخازن الأغذية وصوامع الحبوب التي تقوم بها طائرات التحالف السعودي يوميا ودون انقطاع على مدى ستة أشهر الان تدخل ضمن الحفاظ على الانسان وحقوقه، يستحق عليها آل سعود مكافئة؟ هل ضرب حصارا بريا وبحريا وجويا على اليمن ومنع إيصال المساعدات والأغذية والمحروقات والأدوية وغيرها من المستلزمات الضرورية للإبقاء على حياة ما يقرب من 15 مليون يمنيا باتوا بأمس الحاجة الى ابسط مقومات الحياة للبقاء على وجه الارض هو الجانب الإنساني المشرق الذي تشرف عليه عائلة مجرمة فقدت انسانيتها تستحق شرف ترأس مجلس حقوق الانسان؟ هل الحكم على الوف اليمنيين من مرضى الكلى والسكري والسرطان وغيرها من الامراض المزمنة والذين حرموا الدواء اللازم للعلاج بسبب الحصار المطبق الذي يفرضه "التحالف" العربي الهمجي بقيادة آل سعود الذين تخلوا عن آخر ترسبات إنسانية متبقية لديهم، يدخل ضمن الحفاظ على حقوق الانسان، لكي تستحق هذه العائلة الهمجية ترأس مجلس حقوق الانسان؟ هل العائلة التي جندت وصنعت الإرهابيين آكلي الأعضاء البشرية وارسالهم الى سوريا والعراق واليمن ليقوموا بتفجير الجوامع والكنائس والأماكن الاثرية ويدمرون الإرث الحضاري والإنساني والثقافي في هذه البلدان يستحقون هذا الشرف؟ هل قتل الأطفال المتعمد وحرق أجسادهم الطاهرة بالقنابل الفسفورية والعنقودية المحرمة دوليا والتي وثقت استخدامها في اليمن المنظمات الحقوقية الدولية يدخل ضمن الحفاظ على حقوق الانسان؟ لقد ارتكب "التحالف" الغير مقدس الذي ترأسه السعودية جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وهذا ما شهدت به العديد من المنظمات الدولية التي طالبت بالتحقيق في هذه الجرائم ومحاسبة مرتكبيها. فماذا تفعل السعودية الان وهي في رئاسة مجلس حقوق الانسان غير ان تحشد الدول للتصويت ضد مشروع قرار تقدمت به هولندا لفتح تحقيق دولي في جرائم الحرب التي ارتكبت في اليمن لان هذا سيدينها ( جريدة الثورة اليمنية 25 09 2015). وكما جاء في الرسالة التي رفعت من بعض منظمات حقوق الانسان العربية الى بان كي مون احتجاجا على تعيين وزير الخارجية السعودي لرئاسة مجلس حقوق الانسان "لم يعد خافياً ضلوع السلطات السعودية في الكثير من الفظائع والمآسي غير المسبوقة لحقوق الانسان في العديد من دول المنطقة مثل العراق وسوريا والبحرين واليمن وغيرها وتعاونها الثابت بالدليل مع منظمات إرهابية مثل القاعدة وداعش وجبهة النصرة واعتناقها فكراً يمثل مرجعية لكل هذه المنظمات ما يضع المملكة العربية السعودية في رأس قائمة الدول المنتهكة لحقوق الانسان في العالم...." وعلى ان الخطوة "... تشكّل تحديّاً سافراً لمشاعر المدافعين عن حقوق الانسان في منطقتنا العربية، وفي الخليج والجزيرة العربية على وجه الخصوص". ان انتهاكات حقوق الانسان الذي تقوم به عائلة آل سعود لا يقتصر على الدول المجاورة او الإقليم بشكل عام بل يتعداها الى الداخل السعودي فسياسة القمع السياسي والاجتماعي والديني والاقتصادي والثقافي الذي يمارس على الشعب السعودي لا يوجد له مثيل الا ربما في العصور الوسطى الظلامية في أوروبا. فقد عكف آل سعود ومنذ نشأة المملكة في الثلاثينات من القرن الماضي على تركيز السلطة السياسية للبلاد في ايدي العائلة وابناءها من الامراء واعتبار الخيرات وخاصة البترول والغاز ملكا للعائلة ولولي الامر (الملك) الحق في توزيع المكارم الملكية على الرعايا من عامة الشعب. فالدولة التي أقيمت ليست بدولة مواطنة ولا تمتلك دستورا ينظم حكم البلاد ويمنع وجود الأحزاب وحتى التجمعات كما يجب على الرعية اطاعة ولي الامر وكل من يخرج عن الطاعة والانصياع التام لما يؤمر به من قبل ولي الامر يحلل سفك دمه ويقام عليه الحد بقطع الراس بالسيف وهذا ما تقوم يقوم به تنظيم داعش الذي يتبنى الفكر التكفيري الوهابي الذي يبناه آل سعود ويفرضونه على الرعية ضمن برنامج تعليمي وتثقيفي منذ الصغر ومن خلال ما يسمى بجهاز الشرطة الدينية وجهاز "هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر" الذي ينتمي اليه عناصر المطاوعة. في بلاد آل سعود يجوب ما يسمى بالمطاوعة الشوارع وهم من الرجال الذين يعملون ضمن المؤسسات الدينية الأمنية الرسمية (الشرطة الدينية) في السعودية بالعصي وذلك للتحقق واجبار النساء على الالتزام والتقيد "باللباس الشرعي" بلبس العباءة السوداء وتغطية الشعر والرأس كاملة بالحجاب بحيث لا ترى الا العينين فقط من المرأة وهي في الشارع أو في أماكن التسوق. الى جانب ذلك التحقق من الفصل بين الشباب والفتيات فلا يجوز الاختلاط بتاتا وهنالك الكثير من الحوادث التي تم فيها اعتقال الشباب أو ضربهم بالعصي من قبل الشرطة الدينية. كما يفرض هؤلاء على الرجال التوجه الى دور العبادة من المساجد في أوقات الصلاة المحددة واغلاق الأسواق والدكاكين فترة الصلاة ومن يرى بالشارع في هذه الاثناء يتعرض للضرب والاهانة وأحيانا للسجن. وفي زمن ليس ببعيد في شهر مارس 2002 قتل 15 طالبة تراوحت أعمارهن بين 12 الى 17 عاما عندما اندلع حريق في مبنى احدى المدارس الداخلية للطالبات عند التدافع الذي حصل خلال الحريق. وعندها اتهمت الشرطة الدينية (المطاوعة) بأنها وراء وقوع الحادث المروع وذلك لان عناصر من الشرطة الدينية التابعة لهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في مملكة آل سعود أعاقوا مغادرة طالبات المدرسة بحجة عدم ارتدائهن الحجاب والعباءة السوداء الاجبارية في السعودية. وهذا ما ذكره احدى ضباط الدفاع المدني السعودي الذين وصلوا الى المكان لجريدة "الاقتصادية" من أنه شاهد بأم عينيه الشرطة الدينية " يضربون البنات لمنعهم من مغادرة المدرسة لعدم ارتدائهن العباءة". وبدلا من تحميل الشرطة الدينية المسؤولية عن الحادث خلص "التحقيق الرسمي" الذي أجرته وزارة الداخلية ان السبب يعود عدم وجود مخارج للطوارىء في المبنى الذي يحتوي على 835 طالبة إضافة الى عشرات المعلمات (55) فيه. وعندها أعلن وزير الداخلية بكل ثقة ان المدارس المستأجرة للبنات لا تتوفر فيها عناصر الأمان لان انشاءها كان لغرض السكن وليس للتعليم. وهذا ينطبق على أكثر مدارس البنات في المملكة التي لديها ما يقرب من 700 مليار دولار في خزينة الاحتياط. وهذا ما يدلل الى أي مدى آل سعود يعيرون اهتماما بحقوق الانسان من سلامة وامن الأطفال. أم أن الأطفال لا يتواجدون في قاموس حقوق الانسان في الأمم المتحدة؟ نتساءل؟ وهذا الحادث لم يكن الوحيد في مملكة آل سعود فقد حدث حرائق مماثلة على سبيل المثال في مدرسة بنات في جدة "مدرسة براعم الوطن" في نوفمبر 2011، وأخرى في اكتوبر من عام 2010 في مدرسة ابتدائية للبنات أيضا ( جريدة الشرق الأوسط 20 نوفمبر 2011 ). ولا ندري ان كانت كل هذه الحرائق تأتي مصادفة في مدارس للبنات فقط أم ماذا؟ ولقد أفادت وكالة الانباء الاسوشيتد برس 6 فبراير 2014 عن وفاة احدى الطالبات التي أصيبت بنوبة قلبية في جامعة الرياض للبنات بسبب عدم تقديم أي مساعدة أو عناية طبية لها وذلك لرفض أعضاء الهيئة التدريسية السماح للطاقم الطبي الذي وصل الى بوابة الجامعة من الدخول لكونهم من الرجال. هذه هي دولة آل سعود التي يفتخر بها وزير خارجيتها لاختياره لمنصب رئاسة مجلس حقوق الانسان. وحقوق المرأة مصانة في السعودية!! فلا يجوز للمرأة ان تتجول لوحدها في الشارع أو ان تكون لوحدها في الأسواق فمن المفترض ان يكون معها زوجها أو اخيها أو أبيها. ولا يجوز للمرأة ان تغادر البلاد للزيارة أو الدراسة أو للعطلة لوحدها بل يجب ان تكون بصحبة زوجها أو اخيها أو ابيها وفي بعض الحالات النادرة يجب ان تأتي برسالة من زوجها مصدقة من الدوائر الرسمية بأنه يسمح لزوجته بالمغادرة واعتبر هذا تقدما كبيرا. وتمنع البنات في المدارس من ممارسة أي نشاط رياضي. ربما يقول البعض ان هناك الكثير من المبالغات في هذا والذي يشك في ذلك فليبحث بنفسه وستجدون ان ما قيل هو القليل مما يحدث على ارض الواقع. في احدى الدراسات الميدانية حول العوامل التي تؤدي الى انتشار السمنة في المملكة كانت احدى المشاكل في الدراسة أنك لا تستطيع ان تجمع معلومات من مدارس البنات عن عدد ساعات النشاطات الرياضية الأسبوعية التي يمارسها البنات لان مثل هذه النشاطات معدومة. حالة أخرى تبين "احترام" حقوق الانسان والطفولة تخص الطفل علي محمد النمر الذي ينتظر تنفيذ حكم الإعدام بقطع رأسه بالسيف ومن ثم صلب جثته وعرضها في مكان عام ليكون عبرة على ما يبدو لمن يتجرأ على الاحتجاج على سياسات آل سعود القمعية خاصة تجاه سكان القطيف ذات الأغلبية الشيعية المهمشة بكل المقاييس بحسب الدراسات http://carnegieendowment.org/files/eastern_saudi_uprising.pdf)). اعتقل الطفل علي عام 2012 عندما كان عمره 17 عاما لاشتراكه في مظاهرة نددت بالسياسة القمعية للحكومة السعودية وحكم عليه بالإعدام بقطع الراس عام 2014 بعد ان وجهت اليه تهمت الانتماء الى منظمة إرهابية!! ورمي زجاجات حارقة على الشرطة ورجال الامن وحث الاخرين على التظاهر باستخدام تليفونه الخاص وإعطاء إرشادات للآخرين على الإسعافات الأولية. هذا ما ورد في لائحة الاتهام. ولقد اقرت المحكمة العليا الحكم دون إعطاء أي فرصة لمحاميه برؤيته أو منحه حق الاستئناف. ولقد اشارت بعض المنظمات التي تعنى بحقوق الانسان الدولية ومنها أمنيستي انترناشيونال بان الاعترافات التي ادلى بها علي اثناء اعتقاله أخذت منه تحت التعذيب ولهذا فإنها باطلة ويجب عدم اعتمادها، ولكن الحكومة السعودية آثرت اهمال ما رفع اليها بهذا الخصوص. كما آثرت اهمال دعوة لجنة خبراء الأمم المتحدة المعنية بالتعذيب والاعدامات التي حثت السعودية بعدم تنفيذ حكم الإعدام بحق علي مشيرة في بيان صادر عنها الى ان الحكم باطل بحكم أن "أي محاكمة تحكم بالإعدام لذنب اقترفه أشخاص وهم سن الطفولة هو مخالف للتعهدات الدولية للسعودية العربية" كما أشار البيان الى أن السعودية هي احدى الدول التي صادقت ووقعت على "اتفاقية حماية الطفل" العالمية. وماذا عن الكارثة الإنسانية الكبرى للحجيج الذي ذهب ضحيتها لغاية الان ما يقرب من 1200 حاج والمرشح ان يقفز العدد الى 2000 بحسب معلومات تسربت من داخل المستشفى الذي يحوى على جثامين القتلى التي ما زال المئات منها محفوظة في البرادات لحين فرزها والتعرف عليها. لماذا يرفض آل سعود للان مشاركة أي فريق محايد من الدول الإسلامية من التحقيق في القضية لكي تقف عند حقيقة ما جرى وتحديد الجهة المسؤولة عن الحادث واتخاذ إجراءات لتلافي حدوث كارثة مشابهة مستقبلا؟ ولماذا ازيلت وصودرت الكاميرات من اماكنها وترفض الجهات المختصة السعودية تسليمها لجهة محايدة للاضطلاع عليها؟ ولماذا يحتكر آل سعود كل المعلومات وتكتفي أجهزة اعلامهم ومنظريهم وبعض من ائمتهم والكتبة المأجورين لدى السلطان بتحميل الحجيج المسؤولية وعدم التزامهم بالإرشادات المقدمة لهم وذلك بعد ساعات معدودة على الحادث الأليم وقبل حتى ظهور الفبركات الإعلامية الرسمية؟ ولماذا ما زالت السلطات السعودية تتحفظ على العدد الحقيقي للذين قضوا نحبهم الذي بدأ رسميا بإعلان بمئة او مئتين وتصاعد تدريجيا لكي يصل الى أكثر من الف والحبل جرار كما يقول المثل؟ هل هذا لامتصاص نقمة وغضب الامة الإسلامية؟ ولماذا تأتي الجهات الرسمية والكتبة المأجورين وتدخل عنصر الفتنة المذهبية المقيتة التي يروج لها آل سعود والتي لا يكف اعلامهم اليومي عن بث سمومها لربطها بالحادث؟ والف لماذا....وكلها تدل على مدى الاستهتار بحياة الناس والحجيج الذين توفدوا من كافة بقاع الأرض الى بيت الله. هل لهذا وهبت يا سيد بان كي مون شرف رئاسة لجنة حقوق الانسان لآل سعود؟ صحيفة نيو يورك تايمز ذكرت ان الحادث تسبب لان بعض المداخل قد أقفلت لمرور "شخصيات مهمة". نحن لا نريد استباق الأمور فقد يكون هذا الخبر عار من الصحة ولكن يحق للدول الإسلامية ان تطالب بالتحقيق بالحادث ولا يحق للسلطات السعودية احتكار المعلومات وعرض النتائج وخاصة مع هذا العدد الضخم من الوفيات. ولنا في لجان التحقيق التي جرت في مدرسة البنات التي ذكرناها سابقا مثال واضح حيث حملت الضحية السبب ونقطة على السطر قالتها وزارة الداخلية السعودية آنذاك. هذه هي حقوق الانسان عندما يتعلق الامر بعائلة آل سعود. ما ذكر هنا ما هو الا عينات من الانتهاكات الفاضحة والمكشوفة لحقوق الانسان في داخل السعودية وخارجها الذي تقوم به أو تشرف عليه عائلة آل سعود التي عانقت واعتنقت الفكر الوهابي وتحالفت مع الحركة الوهابية منذ قيام مملكة القهر. هذا الفكر التكفيري الذي تنهل منه المجموعات الإرهابية التكفيرية مثل داعش والمجموعات القاعدية التي تغذى فكريا وتدعم ماديا واعلاميا وكل أنواع الدعم الأخرى من قبل آل سعود بشكل مباشر أو غير مباشر. هذه هي العائلة التي قدم لها الأمين العام للأمم المتحدة على طبق من فضة رئاسة مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة. لقد درجت السعودية على شراء المواقف والدول والافراد من خزينة الدولة وقد شكل هذا التوجه ركيزة أساسية من ركائز السياسة الخارجية السعودية وعاجلا أم آجلا سنرى ما هو الثمن الذي قدمه آل سعود للحصول على هذا المنصب. ان يعطى آل سعود مثل هكذا منصب وخاصة في هذا الوقت بالذات والدماء اليمنية والعراقية والسورية على وجه الخصوص تسال بسبب آل سعود من قبل الأمم المتحدة لا يشكل نفاقا فقط بل يتعداه الى عهر سياسي بكل المقاييس الى جانب أنه وقاحة وإهانة واحتقار للإنسانية.