2024-03-29 08:47 ص

الخلافات الجوهرية بين المشروعين الروسي والامريكي في محاربة الإرهاب

2015-10-03
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
الولايات المتحدة ترى في "التدخل" الروسي في سوريا بإرسال شحنات من الأسلحة للجيش السوري لمساعدته في محاربة المجموعات الإرهابية العاملة على الأراضي السورية المتمثلة بالأخص في داعش والنصرة وكل من يحمل السلاح في وجه هذا الجيش في محاولة لإسقاط الدولة السورية والاعتداء على سيادة أراضيها واجوائها، بانه يشكل "خطرا" على المنطقة ويؤدي الى زعزعة الاستقرار بالإضافة الى انه دعم للرئيس الدكتور بشار الأسد وبقاءه على رأس الهرم السياسي في البلد. الخطر الذي يشكله الانخراط الروسي في الازمة في سوريا سواء بالدعم العسكري الأخير للجيش السوري الذي يأتي ضمن اتفاقيات معقودة بين الدولة السورية وروسيا أو بإرسال مزيد من الخبراء العسكريين أو بإرسال طواقم من سلاح الجو الروسية للاشتراك في الحرب على الارهاب في سوريا بناء على طلب رسمي سوري من الدولة السورية الى القيادة الروسية والتي تم إقرارها من مجلس الدوما الروسي، كلها بالمجمل لم تخرج عن اطر الشرعية والمواثيق والأعراف الدولية المتعارف عليها. تصرف القيادة الروسية بهذا الموضوع كان وما زال تصرفا يتسم بدرجة كبيرة من المسؤولية واحترام المواثيق الدولية وليس تصرفا أرعن ومتهور وخارج أطر الشرعية الدولية واحترام إرادة وسيادة الدول والشعوب مثل التصرفات التي تقوم بها الولايات المتحدة وحلفائها وادواتها في منطقتنا وفي بقاع العالم الأخرى. "الخطر" الذي تدعيه الإدارة الامريكية ووسائل اعلامها هو الخطر على مصالحها واستراتيجيتها في المنطقة ومخططاتها للمستقبل الذي رسمه المحافظين الجدد للمنطقة والذي يقوم بالأساس على "تغيير الأنظمة" على غرار ما فعلته الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق وليبيا وغيرها من الدول على شاكلة جورجيا وأوكرانيا "بالثورات الملونة"، وتفتيت المنطقة الى دويلات وجزر أرخبيل مذهبية وطائفية متنازعة فيما بينها وإعادة رسم الخرائط السياسية والجغرافية للمنطقة باسرها، لتأبيد الهيمنة والسيطرة الصهيو-أمريكية عليها وعلى مقدراتها وثرواتها. "الخطر" الذي ترتئيه الولايات المتحدة ينبع من ان صمود الدولة السورية بكل مكوناتها والدعم الروسي لهذا الصمود وتعزيزه قد فرمل القدرة الامريكية على فعل ما تشاء في سوريا واسقاط النظام كما فعلت في المناطق الأخرى. "الخطر" التي تردده الإدارة الامريكية ووسائل اعلامها ينبع من ادراكها ان الصمود الأسطوري للدولة السورية الذي ساهم الى حد كبير فيه حلفائها الدوليين وعلى رأسها روسيا والصين والاقليميين إيران والمقاومة اللبنانية، سيعزز المكانة الدولية والإقليمية لروسيا والصين على وجه الخصوص ويؤكد انتهاء فترة أحادية القطب والهيمنة الامريكية على الساحة الدولية، كما انه يعزز قوة ومكانة محور المقاومة والدور الإقليمي والمحوري لإيران وسوريا. وكل هذا بالطبع يتصادم مع الولايات المتحدة ومصالحها وشل قدراتها للتلاعب بالدول الوطنية واستراتيجية تغيير الأنظمة ونشر "الفوضى الخلاقة" الذي نادت بها كونداليزا رايس. ان الفشل الذي منيت به المباحثات بين الرئيس أوباما والرئيس بوتين في نيو يورك فيما يخص مكافحة الارهاب والازمة السورية نابع من ثلاثة نقاط جوهرية. أولا: الخلاف في تعريف المجموعات الإرهابية وهدف الحملة ضد الارهاب وكيفية محاربته، وهي بمجملها شكلت رؤى واستراتيجيات مختلفة ان لم تكن متضاربة أصلا. روسيا ترى ان الجيش العربي السوري ووحدات الحماية الشعبية الكردية هما القوتين الوحيدتين اللتان تحاربان الارهاب على الأراضي السورية. وترى ان الجيش السوري الشرعي هو الذي يأتمر بأوامر الرئيس الأسد نقطة على السطر. وان كل سلاح يرفع في مقاومة هذا الجيش هو سلاح غير شرعي. وأن الارهاب ليس مقصورا على داعش بل يتضمن أيضا المجموعات القاعدية وخاصة النصرة. والهدف الروسي هو محاربة داعش والنصرة كمجموعتين ارهابيتين ومن لف لفهم والقضاء عليهم من خلال عمليات عسكرية جوية وبرية بالتعاون والتنسيق الكامل مع الجيش العربي السوري والدولة السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد والحكومة السورية باعتبارها السلطة الشرعية للبلاد. أما الولايات المتحدة فإنها تقتصر تعريفها للإرهاب على انه يشمل تنظيم داعش فقط وهنالك قيادات سياسية وعسكرية في الولايات المتحدة على استعداد التعاون مع جبهة النصرة لأنها بحسب المفهوم الأمريكي انها تحارب داعش وتقاتل أيضا الجيش السوري والدولة السورية وهذا بالطبع يدخل ضمن التوجه والاستراتيجية الامريكية. والإدارة الامريكية ما زالت تصر على وجود المعارضة المعتدلة على الرغم من اعترافها بالفشل الذريع التي منيت به في برنامج تجنيد وتدريب وتسليح معارضة معتدلة قوامها 5000 مسلح وارسالهم الى الداخل السوري لقتال داعش والدولة السورية فلم تتمكن أجهزتها الأمنية والاستخباراتية والعسكرية من تجنيد وتدريب أكثر من حولي 70 شخص لم يتبقى منهم سوى 5 مسلحين في الأراضي السورية، عدا عن ان من دربتهم سابقا انضموا الى جبهة النصرة وسلموا الأسلحة لهذا التنظيم. ونحن لا نستغرب ان يكون هذا ما هو الا مسرحية تقوم بها المخابرات الامريكية بالتنسيق مع جبهة النصرة لرفدها بالمسلحين والسلاح. والا كيف يمكننا فهم عدم ادراج محاربة النصرة من قبل قوات "التحالف" الأمريكي في حربها المزعومة على الارهاب واستعداد أمريكا للتحالف مع النصرة في "قتال" داعش الذي يدعيه التحالف وتمكين النصرة كأداة في قتال الجيش العربي السوري. وربما تتضح الصورة أكثر عندما ندرك حجم الدعم العسكري واللوجيستي الذي يقدمه الكيان الصهيوني لهذه المجموعة. الى جانب ذلك فإن الولايات المتحدة لا تسعى الى القضاء حتى على داعش واستئصال الارهاب بل تعمل على احتواء داعش وحصرها في أماكن جغرافية محددة ومحاربتها فيما إذا تجاوزت هذه الرقعة الجغرافية. وهذه الاستراتيجية الامريكية اتضحت وضوح الشمس وما زالت هي المتبعة في العراق. فعلى سبيل المثال سمح لداعش بالاستيلاء على مدينة الموصل ولم تتعرض لها القوات الامريكية بالرغم من توافر المعلومات الاستخباراتية عن تحركات مقاتلي داعش. أما عندما حاول مسلحي داعش من الاقتراب من المناطق الكردية وبالتحديد أربيل تم ضربهم وبعنف من الطائرات الامريكية واضطر مقاتلي داعش على الانسحاب. أما الان فما زالت الإدارة والقوات الامريكية تقف حجر عثرة امام ما يقوم به الحشد الشعبي من تحرير المناطق العراقية التي يتواجد فيه داعش وتحاول الضغط وابتزاز الحكومة العراقية من خلال ادواتها في التركيبة السياسية في البلد. الولايات المتحدة تريد استثمار وجود داعش وابقاءها كأداة وتبرير لتدخلها وتوجداها العسكري في المنطقة الى جانب استخدامها لقتال جيوش الدول الوطنية واستنزاف قدراتها العسكرية واشغالها في حروب جانبية لضمان أمن الكيان الصهيوني وهو أحد ركائز الأهداف الاستراتيجية الامريكية في المنطقة. ثانيا: الخلاف من الموقف تجاه الرئيس بشار الأسد حيث تصرح الإدارة الامريكية وبكل وقاحة ليلا نهارا أن الرئيس الأسد لا مكان له في سوريا المستقبل، وكل ما يقال عن تغير في الوقف الأمريكي تجاه الرئيس الأسد ما هو الا هراء ولا يستحق النقاش. والأفضل لمن يحاول ان يحسن من الوجه القبيح للإدارات الامريكية المتعاقبة أو إدارة أوباما الان أن يقرأ ما بين السطور وان يتفهم تأريخ الولايات المتحدة في المنطقة. ان المستهدف ليس الرئيس الأسد لشخصه ولكن الدور السوري الرافض للانصياع لأوامر الإدارة الامريكية والانخراط في تنفيذ المخططات والاستراتيجية الامريكية في المنطقة. الرئيس الأسد مستهدف لأنه وقف وما زال ضد المخططات الامريكية في المنطقة وبشكل واضح منذ الغزو الأمريكي للعراق واسقاط الرئيس صدام حسين عام 2003 . ونذكر هنا بالزيارة التي قام بها السيد كولن بأول الى دمشق الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية آنذاك ووضع لائحة من الطلبات الامريكية التي يجب على الرئيس الأسد تنفيذها والا فان مصيره لن يكون بأفضل من مصير الرئيس صدام حسين. وتضمنت الطلبات طرد المنظمات الفلسطينية من دمشق وعدم تقديم أي دعم لها، قطع العلاقات مع إيران وعدم تزويد حزب الله بالسلاح وعدم السماح لإيران باستخدام الأراضي السورية لتمرير السلاح الى حزب الله في لبنان. الى جانب ذلك ان لا تشكل دمشق عقبة في مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بحسب المقاسات الامريكية. وكذلك عدم تقديم الدعم للقيادات السياسية العراقية التي التجأت الى دمشق، وقد وصلت الوقاحة الطلب من الرئيس الأسد ان يزود الإدارة الامريكية بأسماء جميع العلماء وأساتذة الجامعات العراقيين المقيمين في سوريا. رفضت هذه الطلبات جملة وتفصيلا من قبل القيادة السورية ومنذ ذلك الوقت وضع الرئيس الأسد في قائمة الرؤساء الذي يجب التخلص منهم. وعملت أجهزة المخابرات الامريكية بالتعاون مع وزارة الخارجية لتحضير الأرضية في الداخل السوري والساحة الدولية لهذا الغرض. لا نريد ان ندخل في التفاصيل وفي المعلومات التي سربت بوثائق الويكيليكس وعن العدوان الاقتصادي (العقوبات) التي فرض على سوريا، أو ما كتب عن دور السفير الأمريكي في دمشق ودوره قبل وبعد الازمة السورية وعلاقته بالمعارضة، ولكن ما نود التأكيد عليه ان القضية ليست قضية الرئيس بشار الأسد فلو تواجد رئيس آخر واتخذ نفس المواقف آنذاك وبقي صامدا على هذه المواقف الوطنية والقومية لكنا في نفس القارب الذي نحن به الان. وربما أصبح إصرار الولايات المتحدة على رحيل الرئيس الأسد عن سدة الحكم في سوريا الان أكثر من أي وقت مضى بفعل الصمود الأسطوري للدولة السورية قيادة وجيشا وشعبا، والشعبية التي يتمتع بها السيد الرئيس. وفوق كل ذلك فقد أصبح رمزا لهذا الصمود ورمزا للإرادة والسيادة والكرامة السورية والأمين على القومية العربية وهي الكلمة التي لا تريد الأوساط في واشنطن سماعها لما تسببه من حساسية للبيت الأبيض ولصناع القرار فيه، التي عملت وما زالت تعمل على محو الهوية العربية وتدمير الارث التاريخي والحضاري والثقافي والإنساني العربي عن طريق جحافل المغول والتتار والقوى الظلامية من داعش والنصرة الارهاب التكفيري الوهابي، وبقاء الرئيس الأسد يعني إبقاء جذوة الفكر القومي والهوية. القيادة الروسية تصر على ان الرئيس الأسد هو الرئيس الشرعي المنتخب للدولة السورية، وان مستقبل الرئيس لا يحدده الا الشعب السوري نفسه وليس الرئيس أوباما أو هولاند أو غيرهم لأنهم ليسوا سوريون كما صرح بوتين في عقر البيت الأمريكي وبعد الاجتماع مع الرئيس أوباما. ولا شك ان القيادة الروسية تدرك بشكل جيد ان سياسة تغيير الأنظمة وشيطنة الرؤساء والتهجم عليهم والصاق التهم المفبركة لهم، تلك السياسة التي تتبعها الادارة الامريكية قد جاءت بالمصائب وخلقت الفوضى وعدم الاستقرار. وربما بوتين يعلم ذلك أكثر من غيره وذلك لتعرضه لهذه السياسة من قبل الإدارة الامريكية ووسائل الاعلام الداعمة لها. ثالثا: لقد تعمدت الولايات المتحدة على تكوين "التحالف" الدولي "لمحاربة داعش" خارج إطار الأمم المتحدة ومجلس أمنها كما انها نصبت نفسها في موقع قيادة التحالف منذ البداية وعملت على اقصاء واستثناء قوى اقليمية ودولية فاعلة مثل روسيا والصين وإيران الى جانب الدول التي تحارب الارهاب على الأرض مثل الدولة السورية والعراقية. كل هذا لأنها ارادت ان توظف حربها المزعومة على داعش كأداة لتحقيق مآربها السياسية التي لم تستطع تحقيقها في حربها المباشرة في العراق على سبيل المثال أو من خلال ادواتها كما هو الحال في سوريا. أما روسيا فقد نادت وسعت الى تكوين حلف لمحاربة الإرهاب من دول المنطقة بحيث يضم العراق وسوريا والسعودية وتركيا ومصر وإيران وعلى ان يكون هذا الحلف تحت مظلة مجلس الامن بمعنى تحت مظلة الشرعية الدولية. وفتحت روسيا القنوات والاتصالات وقامت بعقد الاجتماعات مع كافة الأطراف دون استثناء أو اقصاء حتى مع تلك الدول التي يعرف الجميع انها تدعم الارهاب بكافة الاشكال مثل السعودية وتركيا. وهذه المحاولات لم تنقطع حتى لغاية آخر لحظة وكانت روسيا تحاول أن تنسق مع الولايات المتحدة. ولكن عندما أدركت القيادة الروسية ان كل هذه المحاولات قد فشلت تم الاعلان عن لجنة التنسيق المشتركة بين روسيا وإيران والعراق وسوريا وانشاء غرفة مشتركة لجمع المعلومات الاستخبارية وتحليلها في محاربة الارهاب في كل من العراق وسوريا. وتم تزويد الجيش السوري بأسلحة حديثة ومتطورة وارسال مزيد من الخبراء والفنيين الروس وعدد من القوات الروسية لتشغيل منصات صواريخ..الخ لأسباب كنا قد اشرنا الى بعضها سابقا (( http://pelest.com/article/view/id/8261;http://pelest.com/article/view/id/8269. كما تم سابقا تزويد الجيش العراقي ببعض الأسلحة والمعدات العسكرية من طائرات وصواريخ بطلب من الحكومة العراقية التي ما زالت تتعرض لعمليات ابتزاز رخيصة من قبل الإدارة الامريكية التي تضع العراقيل أما تجهيز الجيش العراقي بما يلزمه لمحاربة الارهاب على ارضه. وحتى عندما انخرط الروس في الضربات الجوية في سوريا قبل يومين فقد تم ذلك بناء على طلب رسمي من الحكومة السورية بمعنى أن روسيا التزمت بالأطر الشرعية في محاربة الارهابيون على الأرض السورية وبالتنسيق الكامل والتام مع الجيش العربي السوري الشرعي. وهذا فارق واختلاف جوهري بين الولايات المتحدة وحلفاؤها في "التحالف "الدولي من حيث ان تدخلهم في سوريا هو تدخل غير شرعي ومخالف للأعراف والمواثيق الدولية. ما أردنا تبيانه هنا ان هنالك فروق جوهرية بين الطرح الروسي والطرح الأمريكي فيما يختص بمحاربة الارهاب وأن هذين الطرحين لا يمكن ان يتقاطعا، وبالتالي فان أي حديث عن إمكانية التنسيق والتعاون بين الطرفين تكاد تكون معدومة وان ما يقال عن تنسيق او تعاون لن يتعدى التبليغ عن العمليات والطلعات الجوية قبل حدوثها بساعات قليلة جدا لمنع الاحتكاك بين الطرفين. وأخيرا ربما يكون من الجدير ان يطرح سؤالا نظريا ضمن سياق ما هو حادث الان وهو إذا ما اثبت الانخراط الروسي نجاعته في التصدي للإرهاب في سوريا ونحن لا نشكك في ذلك، وشكل هذا حافزا للحكومة العراقية بالطلب رسميا من القيادة الروسية بالدخول الى الأجواء العراقية للتصدي للمجموعات الإرهابية بهدف القضاء عليها ماذا سيكون رد الإدارة الامريكية على ذلك؟ وربما إذا ذهبنا ابعد من هذا ماذا سيكون هذا الرد فيما لو ارادت الحكومة العراقية استبدال "المساعدة" الامريكية بالمساعدة الروسية بهذا الشأن؟ أسئلة قد تترك للخبراء والمتخصصين للإجابة عليها، وقد تجيب عليها الاحداث القادمة قبل ذلك.  

الملفات