2024-03-28 03:42 م

بوتين و الأسد .. وداعا ً " داعش " و أخواتها

2015-10-07
بقلم: ميشيل كلاغاضي
بات من المعروف أن حرب الولايات الأمريكية و حلفائها الأوروبيين و الأتراك و العدو الإسرائيلي و بعض الدول العربية و الخليجية على سورية قد وُضعت تحت عناوين مختلفة كحرب الغاز و النفط , مشروع الشرق الأوسط الكبير , إعادة تكوين و رسم الخرائط الجديدة , الحروب الدينية , التقسيم , الربيع العربي , و مشروع السيطرة على العالم , و تغيير الأنظمة بالقوة العسكرية ... الخ , و التي يمكن وضعها تحت عنوان ٍ وحيد هو " الحرب اللا أخلاقية الكونية على سورية " . فمن خلال نظرة ٍ عامة لمكونات التحالف الأمريكي الشيطاني, و بالرجوع إلى تاريخ دوله نجد ما يبرر إطلاق هذا التوصيف و هذه التسمية.. إذ يكاد يخلو و بالمطلق و لو من صفحة بيضاء واحدة على الأقل , فقد قامت جميعها على السلب و النهب و الإجرام و القتل و التهجير و الإحتلال و إسالة الدماء , و اعتمادها الترهيب و الإرهاب المباشر و غير المباشر و بعيدا ً عن كل القيم و المثل الأخلاقية و الإنسانية و الدينية الحقة , على الرغم من تشدقها و إتباعها سياسة ً إعلامية تضليلية خدعت شعوبها و العالم تحت العناوين البراقة كالديمقراطية و الحرية و العدالة و التعاليم الدينية .. في حين تمثل سورية وكل حلفائها و من وقف معها الوجه الاّخر و الحقيقي لحرية الإنسان , و احترام إرادة الشعوب المتمسكة بقرارها الوطني , و حقها في تقرير مصيرها , و احترام سيادة الدول و دعمها لإنتزاع حقوقها الوطنية.. و إذ رسمت نهجها من خلال مبادئها و سياستها في تحقيق السلام, و جعلت القبة الأممية والقانون الدولي, و قرارات الأمم المتحدة سقفا ً لها في علاقاتها مع كافة دول العالم.. فالعالم يدرك تماما ً أن سورية وحلفائها لم تقم يوما ً بأي عمل ٍ عدائي ٍ أو استعماري تجاه غيرها من الدول و الشعوب.. و لها من السمعة و الإحترام و التقدير لدى كل الشعوب , ولدى التاريخ نفسه . خمس سنوات ٍ تقريبا ً من الحرب على سورية وهي تدافع عن شعبها ووجودها و تاريخها و بقائها , و تقاتل دفاعا ً عن الإنسانية جمعاء في وجه كافة قوى الشرّ و الحقد و الإرهاب الدولي المنظم , و استطاعت أن تصمد و تتجاوز المراحل الصعبة , و أن تحد من تمدد الإرهاب على أرضها , وبدأت تتلمس طريق النصر .. في الوقت الذي تدفع الولايات المتحدة و حلفائها الأشرار بالمزيد من المال و السلاح و الإرهابيين الذين استجلبتهم من كافة أصقاع العالم في أبشع صور الإستثمار الدنيء. لقد بدا المشهد بلا نهاية, و أصبح واضحا ً أن الهدف هو استمرار استنزاف الدولة السورية, و أن الإرهاب لن يتوقف , و أن هناك من يسعى لإطالة زمن الحرب , دون مراعاة التهديد الذي بدا يشكله الإرهاب لكافة دول العالم , و الذي لم يتوان عن توجيه بعض الضربات الإرهابية في دول ٍ كثيرة , و أن خطره يزداد و تتسع دائرة تمدده لتتجاوز الحدود السورية , ليطال كل مكان . لم يعد بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها إخفاء حقيقة دعمها و استثمارها للإرهاب , خصوصا ً بعد إنقضاء أربعة عشر شهرا ً من قيادتها تحالفا ً دوليا ً كاذبا ً و مخادعا ً , غير اّبهة بأمن دول المنطقة و بحياة شعوبها , و إشاعة الفوضى و الإرهاب في العالم . كان لا بد لسورية و لحلفائها و خاصة الدولة الروسية العائدة و بقوة إلى الواجهة العالمية , أن تترجم استخدامها لحق الفيتو لأربع مرات في مجلس الأمن دفاعا ً عن سورية و عن نفسها و كافة الشعوب , أن تقوم بالرد المناسب , ووضع الحد للإرهاب و مشغليه و التأكيد على عدم حصول الولايات الأمريكية على وكالة حصرية لتنفيذ قرارات مجلس الأمن 2170و 2178و 2199 الصادرة تحت الفصل السابع , و للتأكيد على أنها قد اختطفت هذه القرارات تحت اسم الشرعية الدولية , و شكلت لنفسها تحالفا ً من خارجه , و استعملته منصة ً لتحقيق مصالحها , و بشرت العالم بطول أمد الحرب لسنوات و سنوات و قد تمتد لثلاثين عاما ً. لقد لاقى طلب الدولة السورية القبول و الترحاب من دولة روسيا الإتحادية , و سارعت للتدخل العسكري و المباشر و الإنضمام إلى الجيش العربي السوري في مكافحة الإرهاب على الأرض السورية , الأمر الذي قوبل بترحيب تيار ٍ شعبي كبير في الشارع السوري , خاصة ً بما تملكه من إمكانيات و قدرات عسكرية متميزة و أسلحة متطورة , والعديد من الأسلحة و الذخائر و الصواريخ غير المتوفرة لدى الجيش العربي السوري , بالإضافة لإمتلاكها منظومة فضائية جوية و استطلاعية و طيران مسير عبر الأقمار الاصطناعية , و منظومة حرب إلكترونية , و عدة أجيال من طائرات السوخوي و غيرها المختلفة الإختصاصات و القدرات في التعامل مع كافة أنواع الأهداف . هذا القرار لم يأت من فراغ فالدولة الروسية هي وريثة الإتحاد السوفيتي , و قد استطاعت بناء إقتصاد قوي و أقامت تحالفات عالمية و على رأسها التحالف مع دول البريكس , و استطاعت أن تنهض بصناعاتها العسكرية الحديثة و المتطورة , و دون أي شك قامت بدراسة خطواتها بكل عناية قبل أن تُقدم على السير فيها , واضعة ً نصب أعينها أنها تخوض اختبارها الأول خارج حدودها بعد الحرب العالمية الثانية , ومن خلال سياسة ٍ ندية واضحة لسياسة الهيمنة و لنظام الأحادية القطبية , في عالم ٍ تغيرت خرائطه و موازين القوى السياسية و العسكرية فيه عبر بوابة صمود الدولة السورية . إن التحرك الروسي و الدخول العسكري الكبير و القوي في محاربة الإرهاب على الأرض السورية أغضب الإدارة الأمريكية و حلف الناتو و الغرب عموما ً , و جعلها تراقب انحسار دورها العالمي و إنهيار منظومة قطبيتها الاحادية , مع يقينها بعدم قدرتها على فعل الشيء الكثير في ظل الذكاء و الجرأة الكبيرة و شرعية التحرك الروسي , وتكامل دوره العسكري الجوي مع تحركات الجيش العربي السوري على الأرض .. لقد وجدت نفسها أمام حالة ٍ من الذهول و الضياع , خاصة ً بعد الكلام الروسي عن مدة ٍ أولية للقضاء على تنظيم " داعش " تنحصر ب 3-4 أشهر .. فلجأت إلى التشويش و التضليل الإعلامي للنيل من فعالية و جدية الدولة الروسية في مكافحة الإرهاب. لقد أحرجها الموقف الروسي الذي أعلن عن نيته ضرب و استئصال كافة أشكال الإرهاب بما فيها " داعش " و " النصرة " و غيرها من التنظيمات و الفصائل الإرهابية , و كشف زيف إدعاءاتها في دعم ما تسميه " المعارضة المسلحة المعتدلة " .. خاصة عندما تحدث الوزير لافروف عن استعداد بلاده " لإقامة اتصالات مع الجيش الحر إن وُجد على الأرض بالفعل " , " إذ لم يقل لنا أحد ٌ حتى الاّن أين يعمل ؟ و أين و كيف تعمل وحدات " المعارضة المعتدلة " .. فالوزير لافروف يعرف تماما ً أن " الجيش الحر " تحول إلى فصائل إرهابية كجيش الفتح و جيش الإسلام و غيرها , و أنه من السذاجة بمكان إعتباره معارضة ً معتدلة , فالعالم يعرف أنه المسؤول عن مجزرة نوى , و مجزرة جسر العاصي , و مجزرة جسر الشغور, و غيرها من أعمال الإغتصاب و الحرق و التدمير و مهاجمة المطارات العسكرية و ذبح المدنيين و اّلاف الجرائم الإرهابية بحق الدولة و الشعب و الجيش العربي السوري , وقد خاض المعارك إلى جانب من بايعهم في جسر الشغور و أريحا و المسطومة و في"عاصفة الجنوب " و الهجوم على مطار الثعلة ...الخ , و كان كلام الرئيس بوتين واضحا ً في الجمعية العمومية للأمم المتحدة عندما قال : " ما تسمونه معارضة معتدلة تعاونوا مع داعش و سلموا أنفسهم و أسلحتهم و إنضموا إليهم بشكل أو باّخر " . فمن يتابع التحركات العسكرية المشتركة لسلاح الجو السوري و الروسي يلحظ دون عناء كبير كيفية رسم حدود أقواس تدخل البري , كما أن توجيه الضربات على كامل مساحة سورية أربك الإرهابيين و مشغليهم , و أعتقد أن تحرير تدمر يبدو هدفا ً مستعجلاً يسعى لإنقاذ ما تبقى من أوابدها التاريخية , و تحطيم رمزية إحتلال التنظيم للمدينة كاملة ً , الأمر الذي قد يفسر تدمير التنظيم قوس النصر مؤخرا ً استعدادا ً للهروب منها و مغادرتها مهزوما ً . كما أن الضربات المركزة في سهل الغاب تؤكد أن الهدف الموازي هو تحرير طريق حماة – حمص لما له من أهمية للإنطلاق الشمال الغربي بإتجاه إدلب و جسر الشغور و حلب لاحقا ً .. و الإمساك بوسط الجغرافيا السورية لإتاحة التحرك وراء تحرير و تطهير كافة الأراضي السورية. و في الوقت الذي يشهد صحوة ً كبيرة في صفوف السوريين المنخرطين منذ خمسة أعوام في حمل السلاح بوجه دولتهم, و إذ تنشط المصالحات و قيام أكثر من 3000 مسلح بتسليم أسلحتهم وأنفسهم, في درعا و كناكر والطيبة و بيت تيما وبيت حور.. بالإضافة لعمليات الإقتتال بين الفصائل المسلحة و فرار العديد منهم في الرقة , وفي أغلب المناطق الجنوبية , الأمر الذي يؤكد فشل العدو الإسرائيلي بعد خمس سنوات من دعم هذه الفصائل و الإحتماء بها كشريط عازل و أن يقف حائلا ً بينها و بين بواسل الجيش العربي السوري . تبدو الولايات المتحدة الأمريكية مربكة ً و عاجزة ً عن إيجاد الحلول السريعة لوقف إنهيار أدواتها الإرهابية و تراقب فرار أكثر من ثلاثة اّلاف إرهابي بإتجاه الحدود التركية و الأردنية , فقد كان الدخول العسكري الروسي الجوي مرعبا ً و حاسما ً لدقة ضرباته و فعالية قدراته و بنك أهدافه , و بدا لها واضحا ً مدى التعاون و التنسيق مع القيادة العسكرية السورية , فالضربات الجوية أصبحت مشتركة , فيما يجري الحديث عن خطوات لاحقة لا تستبعد استقدام قوات ٍ برية ٍ روسية , في الوقت الذي تتحرك البوارج الصينية الخارقة و تصل إلى الشواطئ السورية , وسط ما يُشاع عن التحرك البري الكبير للقوات السورية والإيرانية و بعض الفصائل العراقية دون أن ننسى أبطال و المقاومة اللبنانية الذين امتزجت دماء شهدائهم و جرحاهم بدماء شهداء و جرحى إخوانهم في الجيش العربي السوري , فالتحالف الرباعي ( السوري , الروسي , الإيراني , و المقاومة اللبنانية ) دعاه رئيس الحكومة السورية الدكتور وائل الحلقي ب " المعادلة الرابحة " . و في ذات الوقت الذي تتلقى فيه الدولة السورية دعما ًسياسيا ً من كافة حلفائها في البرازيل و الأرجنتين , و بعض الدول الأوروبية كإسبانيا و تشيكيا و كثيرون حول العالم , يلاحظ ارتفاع منسوب الوعي في الشارع العربي و خاصة المصري و الأردني بعيدا ً عن مواقف حكوماتها , إذ يُثبت الشارع العربي التفافه حول سورية بدءا ً من الجزائر و ليس إنتهاءا ً بالسودان .. نرى بعض الدول الأوروبية كفرنسا و بريطانيا - و تركيا, تعود عن مواقفها التي أعلنتها منذ إسبوع و إدعت قناعتها قبولها ببقاء الرئيس الأسد , في موقف لافت ٍ يعكس كلام الرئيس الأسد الذي قال : " ليس لأي مسؤول أجنبي أن يحدد مستقبل سورية " , و تأكيده " أننا لا نثق بالمسؤولين الغربيين لأنهم يعيشون حالة ضياع " . و من الملاحظ أن تركيا و نظام اّل سعود بدوا من أكثر المعارضين للتدخل الروسي , الأمر الذي يعكس عمق تاّمرهم على سورية ويقينهم أن النصر السوري كفيل ٌ بإزالتهم عن المسرح السياسي . لا تملك الولايات المتحدة الأمريكية أية فرصة في وقف هذا المدّ الكبير و الإصرار على مكافحة الإرهاب في سورية و العراق الذي يتحضّر لتوجيه طلبه الرسمي للدولة الروسية أسوة ً بالطلب السوري , الأمر الذي يبرر استقدام روسيا أنواعا ً متطورة من الصواريخ و الطائرات و القاذفات بعيدة المدى , وسط خشية البعض من الصدام الدولي في السماء السورية , و الذي نعتبره خيارا ً غير مطروح من الدولة الأمريكية فقد سبق السيف العذل .. و ما عليها سوى الإنصياع لرغبة و قوة و إرادة محور المقاومة في إنهاء الحرب أولا ً و من ثم الإنخراط الفعلي و الحقيقي بالعملية السلمية و الجلوس على طاول المفاوضات . يبدو أن الرئيسان بوتين و الأسد لن يتوقفا قبل أن يقولا للإرهاب .. وداعا ً " داعش ".

الملفات