2024-04-25 09:53 م

متى إتخذ القرار بالتدخل الروسي في سورية؟ ولماذا الآن؟

2015-10-07
كتب سمير الفزاع
* لحظة القرار: الأربعاء 26/11/2014 يستقبل الرئيس الروسي بوتين وزير الخارجية السوري وليد المعلم في المقر الرئاسي في سوتشي، وتوزع صورة وحيدة تجمع بين الرئيس بوتين والوزير المعلم وقد ظُلّلت أطرافها بالأسود، ثم يَلحق بها ثلاثة صور كاملة بدون تضليل... فأي رسائل يمكن أن نقرأ في تلك الصورة؟: 1- ظهرت عدة صور لبوتين والمعلم بعد الصورة مظللة الجانبين، لكن ما يميز هذه الصور أن لا أحد بجانبهما، بعكس الصورة المظللة الأطراف! السؤال، من كان يقف إلى جانبهما غير الوفدين الرسميين الذين ظهرا في قاعة الإجتماعات، ولا يريدون لأحد أن يعرفه، ولكن الطرفان مهتمان جداً، بأن يشغلا بال المراقبين بالتفكير بهم!؟. 2- لو تقدمنا خطوة إلى الأمام، لوجدنا صورة أو أكثر للوفدين الذين سيناقشان جدول أعمال تكلم عنه "المعلم" لجريدة الأخبار قبل توجهه لموسكو، وتحدث عنه لاحقاً لافروف في موسكو، لكن بنداً أساسيّاً في جدول الأعمال لم يظهر المختصون بالحديث حوله في الصور، صواريخ S300 والأسلحة النوعية الأخرى، هل هم من أخفتهم الظلال؟!. 3- في ذات الصورة ظهر الرئيس الروسي وفي يده "كراسة" تستخدم في كتابة ملاحظات مكثفة وبنود محددة، وكأن الصورة تقول أن موسكو مهتمة بالإستماع إلى طلبات دمشق وتلبيتها أكثر من التباحث والتفاوض معها. وهو ما أكدته صورة "المعلم" في قاعة الإجتماعات، حيث كان يحملاً ملفاً بعكس الجانب الروسي الذي وضعت أمامه أوراقاً بيضاء. 4- نقلت وكالة أنباء "تاس" الروسية الرسمية عن المتحدث باسم الرئيس الروسي دميتري بسكوف، قوله إن "بوتين والمعلم عقدا اجتماعاً مغلقًا لم يسمح لوسائل الإعلام الروسية أو الأجنبية بتصويره... وأن المباحثات تناولت العلاقات الروسية السورية" دون مزيد من التفاصيل. ونقلت الوكالة عن المعلم قوله إن "اللقاء كان بناءً جدا". في مثل هذه اللقاءات لن يكون "الخطيب" أو "كيلو" محور النقاش؛ بل سيكون الكلام من مستوى أسلحة وسياسات كاسرة للتوازن، وقادرة على تقديم إستجابات سياسية وميدانية محددة بدقة، تناسب المرحلة القادمة من الصراع في المنطقة. 5- تمّ تمديد زيارة الوفد السوري إلى روسيا لأربع وعشرين ساعة، وهذه الـ24 ساعة كافية لوحدها لإتمام زيارة، فأي شيء طرأ على الزيارة كي تمدد كل هذا الوقت؟ هذا المؤشر يؤكد بأن هناك مسائل "حساسة" تم مناقشتها بأدق التفاصيل، وملفات تم الحوار حولها حتى الخواتيم، ولا شيء متروك للإعتقاد والتخمين والظن!. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، من هي الجهة في الوفد السوري التي إحتاجت لهذا الوقت؟ هل هو الفريق السياسي الذي رأيناه يجتمع مع بوتين ولافروف، أم رجال الظل؟ وهل يفسر تصريح وزير الخارجية الروسي أن "موسكو ستواصل العمل على تعزيز القدرات الدفاعية لسورية" هذا التمديد وهذه القراءة؟ ربما هذا ما أكدته الأحداث اللاحقة. صباح الاثنين 3/8/2015، وفد عسكري سوري رفيع المستوى مؤلف من ثلاثة ضباط سوريين كبار يصل إلى موسكو، لبحث سبل مكافحة الإرهاب، وتبادل الخبرات في هذا المجال كما قال مصدر مسؤول... وفي نفس الوقت كان لافروف يجتمع مع نظرائه كيري والجبير في الدوحة، لقد أظهرت أجواء الإجتماعات التي أجراها لافروف قبل لقائه الثلاثي وخلاله بأن الطرف الآخر مُصرّ على التصعيد، ومستمر في حربه على سورية... تقرر وضع اللمسات الأخيرة للتدخل الروسي مع الضباط السوريين بإنتظار إجتماع الفرصة الأخيرة في موسكو. وصل الجبير إلى موسكو، وأنقلب على "التفاهمات" السابقة، وتعمّد التصعيد ضد سورية ورئيسها من موسكو، لم يرى فيه لافروف سوى "عاهر غبي". عاهر لأنه تخطى حدود الأدب، وأنقلب على التفاهمات، وغبي لأنه فهم الأمور على غير حقيقتها. تقرر البدء بتنفيذ خطة الإنتشار الروسي في سورية... فكان الطلب السوري، وجاءت الإستجابة الروسية الحاسمة والجريئة لتنفيذ معاهدة الصداقة والتعاون الموقعة بين دمشق وموسكو منذ العام 1980، وتحديداً البند السادس منها، الذي يشير إلى قيام الطرفين الموقعين، بالعمل المشترك لإزالة الخطر التي يتعرض له أمن أحد الطرفين، وتقديم المساعدة والدعم لبعضهما البعض في حال تعرض أحدهما لخطرٍ عسكريّ. * لماذا الآن؟ 1- كان بإستطاعة واشنطن وأدواتها إعداد جيش حقيقي منذ إطلاق مشروع تدريب "المعارضة المسلحة المعتدلة" كي تحارب داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية، لكنها وبعد فشل تجربة "الجيش الحر" قررت أن ترعى وتستثمر بداعش والنصرة وغيرهما من الجماعات الإرهابية، وهذا يظهر الجوهر وحقيقية موقفها لناحية تفتيت سورية وتقسيمها وبقية المنطقة عرقيا وإثنياً. 2- كان للظرف السياسي أثر حاسم في تحديد موعد التدخل الروسي، فمثلاً لو تدخلت روسيا منذ عامين لظهرت موجة عارمة من التلفيقات والفتاوى التي تتحدث عن غزو وحرب "صليبية" روسية جديدة لسورية وهذا ما قام به فعلاً "شيوخ" بلاط آل سعود وآل ثاني منذ أيام... لكن بعد تدخل واشنطن وتحالفها والكيان الصهيوني بشكل واضح في الحرب على سورية... لم يعد لهذه الخدع الرخيصة أي قيمة حقيقية وباتت مجرد صدى لبيان صادر عن البغدادي أو الجولاني... . وكان ضرورياً الإنتظار لمعرفة نتائج الإنتخابات النيابية التركية؛ بل و"المساهمة" في صناعتها لإسقاط أردوغان ومشروعه، وهذا ما حصل. دخلت تركيا حالة من الجمود والفراغ السياسيين، وأضطر أردوغان للذهاب إلى إنتخابات مبكرة، ودخل في معركة كسر عظم مع خصومه ما أشعل صراعاً قد لا ينتهي مع أكراد تركيا وخصومه السياسيين إلا بتفجير تركيا. الأمر ذاته ينطبق على واشنطن، التي أصبحت على موعد مع دخول إدارتها مرحلة "البطة العرجاء والعاجزة" بسبب إقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية. وأما السعودية فكان خيار مراقبتها وهي تغرق أكثر وأكثر في اليمن، وتحديداً بعد إنزلاقها إلى التدخل البري، الخيار الأكثر حنكة وحكمة... . 3- إطمأنت واشنطن وأدواتها إلى فرضية أن موسكو ليست قادرة ولا راغبة في نشر قوة معتبرة متكاملة التشكيلات، بسبب المشكلة الأوكرانية، وتدهور أسعار النفط، والتظاهر الأمريكي بعدم الرضى عن المنطقة التركية العازلة التي أقامتها في إدلب وتلك التي تنوي إقامتها في الشمال السوري من خلال الإعلان عن سحب بطارايات الباتريوت... فقطفت موسكو هذا التراجع وتقدمت بقوة وجرأة وثبات لتفاجيء الجميع. 4- أوروبا على وشك الدخول في فصل "الشتاء" ويرجح أن يكون قارصاً هذا العام، وهكذا ستكون حسابات تركيا واوروبا بأكملها أكثر تعقيداً قبل التفكير بأي ردّ فعل "عنيف" على التحرك العسكري الروسي. 5- بعد التوقيع على الإتفاق النووي الإيراني، حصل الرئيس أوباما وحزبه والتيار "المعتدل" في إيران، على ورقة "مهمة" للفوز بأي إنتخابات قادمة هنا أو هناك... لكن أي تصعيد في المنطقة وخصوصاً في سورية ولبنان، سيحسم الموقف لصالح المعسكر المقابل، وقد "يحرق" هذه الورقة نهائياً. 6- إعادة الإنتشار التي نفذها الجيش العربي السوري في أكثر من موقع، ودخول قطاعات واسعة من هذه القوات في برامج تسليح وتدريب وتأهيل لمواجهة تكتيكات الحروب اللامتماثلة، وإستيعاب المزيد من العنصر البشري في التشكيلات المقاتلة... جعله بعد توفر غطاء إستخباري-جوي عالي الجودة جاهزاً للقيام بهجوم مضاد واسع وكاسح في أكثر من جبهة. 7- شكّل الموقف المصري الداعم للوجود العسكري الروسي وللغارات التي ينفذها، ضربة قاصمة لموقف واشنطن وأدواتها في المنطقة وخصوصاً تركيا ومملكة آل سعود، وكبح إلى حدّ بعيد أي محاولة لإضفاء "الطابع الديني" على الصراع، وهذا الموقف كان مستحيلاً قبل عام تقريباً؛ بل ربما كنا سنواجه مشهد آخر مظلم تماماً بوجود مرسي ربيب واشنطن والصديق العزيز لشيمون بيريز والحليف القوي لأردوغان. مهدت موسكو لتحركها "الصادم" بسلسلة طويلة من الإجراءات السياسية والدبلوماسية، حيث إستقبلت عددً كبيراً من القادة ووزراء الخارجية والوفود من المنطقة والعالم، وأبرمت عشرات العقود الإقتصادية والتسليحية والسياحية... مبدية حسن نواياها لتغير مواقف الطرف الآخر، وصولاً لطرح "التحالف المعجزة" بين سورية وعدد من الدول الشريكة بالحرب على سورية... لكن الطرف الآخر لم يكن في عجلة من أمره لوقف مأساة سورية وشعبها؛ بل فسروا هذه الإجراءات بأنها ضعفاً روسياً ومؤشرات تراجع في موقفها. لكن الحقيقة كانت في مكان آخر، عندما بذلت موسكو هذا الجهد السياسي والدبلوماسي الهائل، ولأنها تأكدت من حقيقة موقف الطرف المقابل، ونضوج مناخات الهجوم المعاكس الشامل... عملت ومنذ أشهر مع غرف العمليات في سورية وحزب الله وإيران لتُعد الخطط والتكتيكات المناسبة، وتجمّع المعلومات الإستخبارية والميدانية... حول مراحل الهجوم المعاكس، ومحاوره، وحجم الحشد والأسلحة الأنسب في كل محور، ومدة التمهيد الناري الجوي والأرضي وقائمة أهدافه... وسلسلة الإجراءات الإحترازية اللازمة لقمع أي تحرك عدواني من الحلف المقابل... فكانت الصدمة المضاعفة ليس بفشل مشروع الغزو الأمريكي فقط؛ بل وسقوط النظام الأحادي القطبية برمته.