2024-04-23 01:05 م

الانتفاضة والانقسام الفلسطيني...!!

2015-10-09
بقلم: أحمد القدرة*
منذ أكثر من سبعة وستين عاماً من الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين, تشهد الأراضي الفلسطينية حالة اشتباك ومواجهة مستمرة بين الشعب الفلسطيني وقوات الاحتلال الإسرائيلي, دفاعاً عن أرضه ومقدساته وممتلكاته ورفضاً لكافة المخططات والممارسات والإجراءات والاعتداءات والقرارات العنصرية التعسفية من قبل حكومة الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني في البقاء والوجود على أرضه, وهذه الإجراءات عبارة عن سلسلة مستمرة دون انقطاع وبوتيرة منتظمة يحكمها البُعد الديني في المقام الأول ومن ثم البُعد الديمغرافي والأمني والسياسي. شهدت الأراضي الفلسطينية في نهاية شهر ديسمبر 1987 انتفاضة شعبية ضد الاحتلال, وجاءت شرارة انطلاقة هذه الانتفاضة مع إعلان استشهاد أربعة فلسطينيين جراء تعرض سيارتهم لحادث دهس متعمد من قبل شاحنة إسرائيلية وسُميت بانتفاضة الحجارة رمزاً للسلاح الفلسطيني في التصدي لقوات الاحتلال, وفي سبتمبر 1996 انتفض الشعب الفلسطيني في وجه قوات الاحتلال الإسرائيلية بعد أن أقدم على فتح نفق أسفل المسجد الأقصى, وسُميت بهبة القدس, وفي سبتمبر 2000 انطلقت الانتفاضة الثانية من الأقصى حينما أقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك شارون باقتحام ساحات المسجد الأقصى وقد سُميت بانتفاضة الأقصى, وفي مطلع أكتوبر 2015 اندلعت مواجهات آخذة بالتطور في القدس والضفة الغربية بين الشعب الفلسطيني وقوات الاحتلال الإسرائيلي, رداً على استمرار الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية. مع كل انتفاضة وهبة جماهيرية واندلاع مواجهات, يكون هناك حادثة مُعينة وجريمة ترتكبها قوات الاحتلال تؤدي إلى انطلاق شرارة المواجهة, إلى جانب العديد من ممارسات حكومة الاحتلال وقواتها العسكرية والمستوطنين, والتي يمكن إجمالها في التالي: المخططات الإسرائيلية لتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً, وسلسلة الاقتحامات المستمرة للمسجد الأقصى, والانتهاكات المنظمة للمقدسات الإسلامية والمسيحية, وسياسة تهويد القدس والأماكن الدينية, وتفريغ الأرض من السكان وطردهم منها وابعادهم عن مدينة القدس وسياسة هدم المنازل بحجج وهمية, والاستمرار في مصادرة الأراضي من أجل استكمال بناء جدار الفصل العنصري والتوسع الاستيطاني, واقتحام المدن والقرى الفلسطينية وتنفيذ سلسلة من الجرائم بحق أبناء الشعب الفلسطيني من اعتقال قتل وتعذيب ومصادرة الممتلكات, واستمرار الحواجز التي تفصل المدن الفلسطينية عن بعضها البعض وتُقيد حرية التنقل فيما بينها, واستمرار عربدة المستوطنين وجرائهم والتي كان آخرها حرق الطفل محمد أبو خضير وعائلة دوابشة, واستمرار حصار قطاع غزة, واستمرار اعتقال أكثر من ستة آلاف فلسطيني في سجون الاحتلال, واستمرار حكومة الاحتلال في فرض الوقائع على الأرض, وسرقة الموارد الطبيعية الفلسطينية, والتحكم في عائدات الضرائب وتحويل الأموال, هذا من جهة, ومن جهة أخرى, استمرار حكومة الاحتلال تجاهل كافة القرارات الدولية التي صدرت بحق الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية, واختراق وعدم الالتزام بكافة القرارات والاتفاقات التي أُبرمت بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وإفشال كافة جولات المفاوضات وتعثر عملية السلام, والتأثير الإسرائيلي المتسمر لإفشال أي قرار وأي مشروع وأي مبادرة تهدف إلى إنهاء الاحتلال وإلى إقامة الدولة الفلسطينية. إن المواجهات التي اندلعت في القدس والضفة الغربية تأتي في إطار رد الفعل الطبيعي على كافة الممارسات والجرائم التي تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين ورداً طبيعياً على سلسلة القرارات الأخيرة التي اتخذتها حكومة الاحتلال تجاه المسجد الأقصى والمواطنين المدافعين عن الأقصى. هذه المواجهات قابلة للوصول إلى مرحلة الانتفاضة الشامة كانتفاضة الحجر والأقصى, فكافة العوامل التي صاحبت الانتفاضتين السابقتين متوفرة ومحفزة لانطلاق الانتفاضة الثالثة بمفهومها الأوسع والأشمل, لكن ما يغيب عن الانتفاضة الثالثة حتى هذه اللحظة حتى تأخذ مسارها السليم هو الحاضنة الداخلية الفلسطينية الداعمة والمؤيدة لأي تحرك وأي قرار بمعنى أدق حاضنة الوحدة الوطنية وهذا ما كان متوفراً في الانتفاضتين السابقتين ما أعطى لهما زخماً وتفاعلاً شعباً وفصائلياً ومجتمعياً, فالساحة الفلسطينية الداخلية مازالت تعيش حالة انقسام فلسطيني, انقسام ألقى بظلاله ونتائجه السلبية على كافة مفاصل الحياة الفلسطينية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وفكرياً وثورياً وإعلامياً. إن استمرار الانقسام الفلسطيني وغياب الوحدة الوطنية الفلسطينية سينعكس بشكل سلبي على طبيعة المواجهات التي يقودها الشعب الفلسطيني في القدس والضفة الغربية ولن تفضي إلى الانتفاضة الثالثة التي يتوقعها ويتمناها الجميع, وذلك لسبيين هما: أولاً: وجود مدرستين فكريتين مدرسة تؤمن وتؤيد النهج والممارسة السياسية والدبلوماسية, كما أنها تؤيد المقاومة الشعبية السلمية, ومدرسة تتبنى الخيار العسكري انطلاقاً من مبدأ ما أخذ بالقوة لا يسترد بالقوة, بمعنى لم يعد هناك أي اتفاق وأي قرار وطني وأي رؤية استراتيجية موحدة في مواجهة الاعتداءات والانتهاكات والقرارات والمخططات والمؤامرات الإسرائيلية, فهل تكون من خلال المواجهة السياسية وعبر المحافل الدولية أم عبر المقاومة سواء سلمية شعبية أو المقاومة العسكرية. ثانياً: إن حالة عدم التوافق والاتفاق على نهج ومسار موحد أصبح محط انتقاد وتشكيك وعدم ثقة من قبل أصحاب المدرستين, وهذا ما يرافق المواجهات مع المحتل في هذا الوقت وفي هذه المرحلة الدقيقة في تاريخ القضية الفلسطينية من خلال الخطاب السياسي والإعلامي الحزبي الموجه, الذي أصبح بديلاً عن الخطاب الوطني الداعم والمساند للشعب الفلسطيني. أمام هذه الاعتداءات والممارسات والجرائم من قبل قوات الاحتلال والمستوطنين, وأمام هذا الواقع الفلسطيني المتأزم والتراجع والتهميش المستمر للقضية الفلسطينية في المحافل العربية والإقليمية والدولية, ولدعم ومساندة وتطبيق إعلان الرئيس الفلسطيني في الأمم المتحدة, ولدعم الحراك الشعبي الفلسطيني في مواجهته المستمرة مع قوات الاحتلال ولتعزيز عوامل صموده وتصديه لمخططات الاحتلال وحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية, ولإبقاء جذوة المواجهات مشتعلة ومستمرة للانتقال من المواجهة إلى الانتفاضة حتى تحقيق الأهداف الفلسطينية, يجب إنهاء الانقسام الفلسطيني الذي استنزف الوقت والجهد والطاقات, وتوحيد الخطاب السياسي والإعلامي وإعادة الثقة بين مكونات المجتمع الفلسطيني وبين الفصائل الفلسطينية, واستثمار زيارة وفد منظمة التحرير الفلسطينية لقطاع غزة لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية, والدعوة لعقد اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني بحضور ومشاركة كافة الفصائل الفلسطينية ومنظمات المجتمع الفلسطيني لتدارس وتباحث كافة التطورات والتحديات التي تحيط بالقضية الفلسطينية وتتعرض لها, لإعادة تقييم المرحلة السابقة من تاريخ القضية, للاتفاق على برنامج وطني واستراتيجية عمل وطني متفق عليه لتحدد المسارات والخيارات الوطنية التي تعيد للقضية الفلسطينية مكانتها ومركزيتها وفاعليتها عربياً وإقليمياً ودولياً, والبناء المستمر على كافة الانجازات التي تم تحقيقها, لانتزاع الحقوق الفلسطينية وإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية.
*باحث في شؤون الشرق الأوسط

الملفات