2024-04-20 11:15 ص

وقف العربدة في السماء السورية..القطار السوري - الروسي - السريع

2015-10-11
بقلم: ميشيل كلاغاصي    
بتاريخ 28 أيلول  2015 وفي الوقت الذي كانت تتحضّر الوفود المشاركة في أعمال الدورة السبعين للجمعية العمومية في نيورك لقراءة بياناتها و توضيح رؤيتها من مجمل الأحداث العالمية,وخصوصا ً حول الحرب ٍ اللا أخلاقية التي تتعرض لها سوريا..كان الرئيس فلاديمير بوتين يضع نقطة الفصل التاريخية لما قبل هذا اليوم و ما بعده,عبر إعلانه دعم بلاده المطلق للدولة السورية في محاربة الإرهاب على أرضها,و دعوته لبقية دول العالم للإنضمام إلى هذا الدعم,والذي اكتسب شرعيته بعدما حصل على الطلب الرسمي من الدولة السورية . فأربعة عشر شهرا ً كانت مدةً كافية للرئيس بوتين ليعلن فشل التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية,الذي لم يُفض إلاّ لتمدد الإرهاب و توسع مناطق سيطرته,و ارتداد موجاته الإرهابية لتضرب في أنحاء مختلفة حول العالم والتي تخطت حدود سورية و العراق و خرجت لتضرب بعيدا ً عن أسوار دمشق و بغداد متحدية ً كل قلاع العالم. فما قاله الرئيس بوتين : " ما يعجبني في أمريكا هو النهج الإبداعي في حل المشكلات و الإنفتاح و التحرر الذي يساعد على تفتح القدرات المختزنة ".. يبدو و كأنه وضع حصيلة لعمليات الكر و الفر و النجاحات و الإخفاقات السياسية و العسكرية لكل الأطراف خلال السنوات الخمس الماضية , و استخلص منها أهم عناوينها و عِبرها و بنى عليها عليها قراره التاريخي بالتحرك العسكري خارج حدود و أسوار بلاده, و في حدود مجالها الحيوي لأمنها القومي.. اّخذا ً بعين الإعتبار مواجهة الإحتمالات الأصعب في حال تعثر الحلول السياسية للحملة العسكرية للتحالف الجديد بالقيادة الروسية, دون أن يغيب عن باله أنه أصبح يقف عسكريا ً وجها ً لوجه عبر الميدان السوري جوا ً و برا ً و محاطا ً ب " ناتو " أوروبا و تركيا و القواعد الأمريكية في دول الخليج العربي و التي تشكل الخزان الأكبر للتطرف والإرهاب,الذي تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بالإمساك بزمامه . لقد أبدى الرئيس بوتين إعجابه بصورة ٍ أقرب ما تكون إلى السخرية و التحدي من العقل الأمريكي الذي ورّط نفسه بالعنوان المزدوج الذي يدعي في ظاهره محاربة الإرهاب , و يخفي دعمه و قيادته و الإستثمار فيه . لقد أثبت عبقريته السياسية كلاعب شطرنج ٍ روسي , أمام لاعب البيسبول الذي يعوّل على ضربة ِ حظ ٍ قد تأتي أو لا تأتي .. ووضع أمريكا في ملعب أمريكا , و أحرجها في إبداع الحلول و دفعها لإخراج ما في جعبتها من قدرات سياسية مختزنة تُخرجها من الميدان و تترك إرهابييها يواجهون مصيرهم المحتوم سوريا ً , و أن تختار ما بين جدية و صدق محاربتها للإرهاب, أو إتجاهها نحو المواجهة الكبرى !. لقد حطم بوتين العظيم عنجهيتها و عظام وجهها .. و لم يكن ليسمح لها حتى بالصراخ . فوسط الذهول الأمريكي بدأ هدير الصواريخ و الطائرات الروسية يُلهب الأرض تحت أقدام مدنسيها , فعشرة ُ أيام ٍ كانت كافية لإحداث الفرق على الأرض , و إعطاء الجيش العربي السوري ما كان يحتاجه من كثافة ٍ نارية جوية دقيقة , و مكّنته من إعلان الحسم العسكري قبل البدء به , إذ أعلن قائد أركانه العماد علي أيوب عن التحرك الهجومي للفيلق الرابع – اقتحام بغية تحرير كافة القرى و المدن و البلدات من رجس الإرهاب . فالضربات الجوية الروسية والسورية و التحرك السريع للقوات البرية , و هروب العديد من الإرهابيين نحو الشمال السوري , والقضاء على مئات الإرهابيين و تدمير حصنهم و مستوعات ذخائرهم و أنفاقهم .. أصاب الأمريكيين بالذهول و جعلها تبحث عن بعض الوقت لتستوعب الصدمة , فلجأت إلى حملة ٍ إعلامية تضليلية كاذبة تتهم الضربات الروسية بعدم الدقة و تدمير البيوت و إصابة المدنيين ..لكن الحملة أصيبت بالفشل السريع لما أصبحت تتمتع به الولايات المتحدة من سمعة سيئة , بالإضافة للشفافية الكاملة للإعلام الحربي الروسي و توثيقه كل الضربات بالمكان و الزمان , عبر التصوير الفضائي و تقديمها الفوري لوسائل الإعلام الدولية . كما لجأت لحلفائها الخليجيين الذين لم يتوانوا عن إذكاء نار الفتن الطائفية و إعلانهم " الجهاد " الجديد و "الحرب المقدسة".. دفعوا بعنوان ٍ ديني – إرهابي متطرف , يرى في الدخول الروسي حربا ً صليبية تقودها الكنسية الأرثوذوكسية لقتال و قتل " السنّة " من المسلمين. و إذ أعلن أحد المسؤولين السعوديين أن الدول السنية في المنطقة لن تقبل بالتدخل الروسي ولا بأي تسوية "تسمح لإيران بالسيطرة على سوريا"، معتبرا ً أن كافة التنظيمات المتطرفة ليست سوى الأعراض لا المرض ذاته للأزمة السورية , و ألقى باللوم كاملا ً على القيادة السورية. فسارعت السعودية إلى رفع دعمها لثلاثة تنظيمات إرهابية - جيش الفتح، والجيش السوري الحر، والجبهة الجنوبية - بالأسلحة الفتاكة بحسب ما كشف مسؤول سعودي لشبكة "بي بي سي" البريطانية , تشمل عددا ً من الأسلحة الحديثة عالية القوة، و مضادات الدروع دون أن يستبعد تقديم الصواريخ المضادة للطيران .. في لعب ٍ واضح على أسماء التنظيمات الإرهابية لتجنب التنظيمات المصنفة دوليا ً كمنظمات إرهابية ك " داعش و النصرة " . أما الحليف التركي فقد خضع لإختبار روسي عنيف , عبر الدخول " الخاطئ " للطيران الروسي أجواء تركيا , الأمر أظهر ضعفه و حجمه بمعزل ٍ عن حلف الناتو الذي لم يبد الحماسة الكافية في دعمه , فبعد سحب صواريخ الباتريوت من قبل ألمانيا و هولندا و أمريكيا ( خلال الشهر الحالي ) , لم يجد أردوغان طريقة أفضل للدفاع عن أطماعه و مشروعه الإخواني – العثماني سوى التهديد بالعلاقات الثنائية بين البلدين , ووقف شراء الغاز الطبيعي الروسي , الذي إعتبره " أكبر خسارة لروسيا " , وتهديده بإعادة النظر حول بناء روسيا محطة " أكوبو" النووية في تركيا , و تخفيض مستوى التبادل التجاري بينهما الذي يبلغ حاليا ً 30 مليار دولار .. في الوقت الذي رفضت شركة غاو بروم الروسية الطلب التركي حول تزويدها بكمية إضافية تقدر ب 3 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي , و اكتفت بالموافقة على كمية 2 مليار متر مكعب في خطوة سياسية للضغط على الرئيس التركي . يبدو أن أردوغان قد فقد عقله و يصرّ على الإنتحار السياسي إذ يهدد بأسباب بقائه في الحكم داخليا ً و التي قامت أساسا ً على نجاحه في دعم و نهضة إقتصاد بلاده , في الوقت الذي ترفض الأغلبية الساحقة من الشارع التركي سياسته الخارجية .. كان الحري به أن يُفصح عن مصدره البديل للغاز و الطاقة قبل التشدق و إطلاق مثل هذه التصريحات "السخيفة" . لقد فعلها الرئيسان السوري و الروسي.. فصمود الأول لخمس سنوات , و صبره التاريخي واختياره اللحظة التاريخية المناسبة لتوجيه طلبه الرسمي للدولة الروسية للتدخل العسكري,على الرغم من الإشاعات و الحملات الإعلامية حول ضعف ووهن الجيش الوطني خصوصا ً و الدولة السورية عموما ً,جعل الأمريكان يسترخون بإنتظار إنهيار الدولة السورية, و التي فاجئ رئيس أركان جيشها العالم بقدرات ٍ بشرية من قوات النخبة عالية التدريب و الكفاءة القتالية العالية لتقوم بالحسم السريع و في الوقت المناسب..في الوقت الذي فاجئ الرئيس الروسي العالم بقوة قراره و صلابة قدراته الصاروخية , الجوية و البحرية و البالستية,التي مكنته من إتخاذ قرار وقف الحرب على سوريا , واضعا ً نصب أعينه النصر و لا شيء غيره , وأن احتمال الفشل ممنوع تحت أي ظرف ٍ من الظروف . فليس من المستغرب أن تعلن سورية و روسيا بدعم ٍ كامل من الدولة الصينية الشريكة في الفيتو الروسي لأربع مرات , قرارا ً بوقف العربدة في السماء السورية , بعدما وضع الشريك الصيني حاملة الطائرات " لياونينغ " في المياه الإقليمية السورية , ودفع بحاملة طائراته المقاتلة و المروحية " العملاقة " نحو سوريا , من جهة أخرى، خفضت وزارة الدفاع الأمريكية طلعاتها الجوية , وسط صمت ٍ فرنسي بريطاني و بإعتبارهما أقوى دول التحالف الأمريكي عسكريا ًو سياسيا ً. في الوقت الذي تتحدث فيه الخارجية الأمريكية عن عدم وجود أي قرار أمريكي لإقامة منطقة حظر جوي في سورية , و إذ يؤكد المتحدث بإسم البيت الأبيض جوش ايرنست أن إدارته لا تناقش هذه المسألة لتجنب خطر المواجهة المباشرة مع روسيا . و بإنتظار المباحثات الروسية – الأمريكية الجديدة حول المجال الجوي السوري , و " الإبداع الأمريكي و قدرته على التحرر و الإنفتاح , و القدرات المختزنة " الذي تحدث عنه الرئيس بوتين , تبقى كل الإحتمالات مفتوحة , لكنها ستصب – دون شك - في صالح الفوز و القضاء على الإرهاب في سوريا .. فمن أراد الفوز فليتعلق بالقطار السوري – الروسي السريع . 

الملفات