2024-04-19 02:54 م

اردوغان.....زعم الفرزدق يوما انه سيقتل مربعا...

2015-10-12
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
الرئيس اردوغان ورئيس الوزراء التركي أوغلو أطلقوا التصريحات النارية والتهديدات بخصوص انتهاك طائرة روسية مقاتلة الأجواء التركية أثناء عملياتها في قصف مواقع الإرهابيين في سوريا. ولقد أوضحت الخارجية الروسية ووزارة الدفاع بان هذا الخطأ الفني جاء نتيجة سوء الأحوال الجوية. ولكن الناتو صرح بان العذر الذي قدمته موسكو غير مقنع. أما السيد اوغلو فقد ذهب للقول بان تركيا سترد على أي انتهاك لأجوائها. تركيا ربما أكثر من أي دولة إقليمية لديها الباع الطويل في اختراق طائراتها المجال الجوي للدول المجاورة مرات عديدة وخاصة المجال الجوي العراقي وذلك في عمليات قصف لمواقع حزب العمال الكردستاني وتعقب مقاتلي الحزب من قبل قوات برية تركية في داخل الأراضي العراقية. ونحن هنا لا نتكلم عن ثوان معدودات كما كان الحال مع الطائرات الروسية التي اخترقت المجال الجوي التركي بالخطأ اثناء قصفها لمواقع المجموعات الإرهابية القريبة من الحدود التركية-السورية. لقد أوضح بوتين ان الطائرات الروسية أرسلت الى سوريا لمحاربة الارهاب وليس للاعتداء على الدول المجاورة. وبالتالي فان العمليات الجوية التي تقوم بها الطائرات الروسية لا تتواجد في المنطقة بنية الاعتداء او تهديد الدولة التركية أو شعبها او قواتها المسلحة. السيد اردوغان ورئيس الوزراء السيد أوغلو يتحدثان عن انتهاك السيادة التركية ويثيرون زوبعة إعلامية وكلامية وضجيج يشبه الى حد كبير الطبل الأجوف. فهم أول من يعتدي ويتعدى على سيادة الدول المجاورة والغير مجاورة. ماذا عن فتح الحدود لسنوات في الاتجاه السوري لكل إرهابي العالم متعددي الألوان والاجناس والاعراق اللذين تم تجنيدهم واحضارهم الى تركيا وتسليحهم وتدريبهم في معسكرات أقيمت لهذا الخصوص على الأراضي التركية وتقديم كافة الدعم اللوجيستي والطبابة لهم والسماح للمجموعات الإرهابية لتهريب النفط وقطع الاثار والمصانع التي فككت والحبوب التي نهبت من سوريا لبيعها في الأسواق التركية والعالمية. اليس هذا اعتداء على سيادة دولة؟ أم ان تركيا تعطي لنفسها الحق في الاعتداء على سيادة الدولة السورية وانتهاك أراضيها واجواءها ولا تتحمل خطأ فنيا غير مقصود من قبل الطائرات الروسية التي كانت تقصف الإرهابيين في سوريا، وتقيم الدنيا ولا تقعدها احتجاجا على ذلك وكأن روسيا تريد ان تعتدي على تركيا. الا يدلل ذلك على سخافة الاحتجاج التركي وعلى انه يؤكد وبشكل فاضح لا لبس فيه دعم تركيا للإرهاب التي تتبجح بانها تحاربه!!. ألم تنشر مكالمة أردوغان مع رئاسة أركان الجيش التركي حول تدبير حادث على الحدود الذي يتيح لتركيا اخذه كذريعة للتدخل العسكري المباشر في سوريا؟ ألم تعتدي القوات التركية على السيادة السورية بدخول قواتها التي قامت بنقل ضريح سليمان شاه التركي المتواجد في الأراضي السورية "خوفا" من تدميره من داعش؟ وقامت بنقله ودفنه في موقع آخر وبالأراضي السورية دون ان تعلم الحكومة السورية بذلك. اليس هذا تعديا على سيادة دولة؟ وماذا عن الطائرة التركية التي اخترقت الاجواء السورية في يونيو 2012 والتي اسقطتها الدفاعات الجوية السورية لرفضها الإفصاح عن هويتها؟ اردوغان المسعور ورئيس وزراءه السيد اوغلو هم آخر من يتحدثون عن السيادة واختراق الأجواء والاراضي. ان التهديد التركي على انها لن تسكت على اختراق اجوائها وأنها ستقوم بتفعيل إجراءات وقوانين الاشتباك الجديدة التي وضعتها لنفسها والتي تشمل بالمناسبة عدم الاقتراب بأكثر من 5 كيلومترات من الحدود التركية من داخل الأراضي السورية، وكذلك عدم استيراد الغاز الطبيعي من روسيا وإلغاء صفقة بناء المفاعل النووي لإنتاج الطاقة الكهربائية وهي الاتفاقية التي تم التوقيع عليها من قبل البلدين، كل هذا بمجمله يدخل ضمن المهاترات والمراهقة والصبيانية السياسية التي يتمتع بها السيد اردوغان، الذي يحاول ان يستثمر الحدث سياسيا وابتزاز روسيا الى أبعد الحدود وحجز مكان على طاولة التسوية السياسية في حالة انطلاق قاطرتها. أما بخصوص التهديد بعدم شراء الغاز الروسي فان تم ذلك وهذا ما نستبعده كلية، فان الضرر لن يلحق بروسيا فقط بل وعلى تركيا وربما بشكل أكبر بكثير وذلك لان الاقتصاد التركي يعتمد الى حد كبير على الحصول على هذا الغاز والذي تحصل عليه تركيا بأسعار تفضيلية من روسيا وباقل مما تبيعه روسيا في الأسواق العالمية. والتهديد التركي الان أصبح كمن ينفخ في قربة مثقوبة أيضا وخاصة بعد احياء خط انابيب الغاز الذي يمر عبر الأراضي الأوكرانية بعد تعطيله لفترة طويلة والغاءه من قبل بوتين بعد العراقيل التي وضعتها بعض دول الاتحاد الأوروبي الى جانب المشاكل الاقتصادية والسياسية مع أوكرانيا بعد وصول القوى الانقلابية الى السلطة بدعم الولايات المتحدة. هذا الخط المسمى ساوث ستريم يغذي العديد من الدول الأوروبية، والذي كان من المفترض استبداله بخط يمر عبر الأرضي التركية. وفي حالة تنفيذ اردوغان لتهديداته الجوفاء فان ذلك يعني أيضا ربما القضاء على الحلم الاردوغاني بان تصبح الموانىء التركية محطة مركزية في تصدير هذه السلعة الاستراتيجية وبالتالي تعزيز دور ومكانة الدولة التركية الإقليمي والدولي، هذا الى جانب ما قد يجلبه هذا من استثمارات اجنبية الى تركيا. الضجة التي أثارها كل من أردوغان ورئيس الوزراء داود أوغلو ليست حقيقة مرتبطة بخرق الطائرات الروسية للأجواء التركية بل هو مرتبط بأبعد من هذا بكثير. انه مرتبط بالمخططات الاستراتيجية التركية والتي بدورها مرتبطة بالاستراتيجية الامريكية وبرنامج المحافظين الجدد والنيوليبراليين الذين ما زالوا يحثون ادارة أوباما للتدخل العسكري المباشر في سوريا. ان الصرخات التي يطلقها أردوغان ترتبط بتهاوي مشروع اسقاط الدولة السورية وابعاد الرئيس الأسد عن المشهد السياسي، وفشل المشروع القاضي بإقامة منطقة آمنة ومنطقة حظر جوي تشمل رقعة من الأرض في الشمال السوري وذلك بهدف إقامة دويلة أو امارة للمعارضة "المعتدلة" السورية. هذا المخطط الذي كان يجرى التحضير له لإقامة سلطة موازية للسلطة الشرعية في دمشق، كمقدمة لتقسيم سوريا. وجاءت المؤازرة الروسية للدولة السورية والجيش السوري في محاربة الارهاب والإرهابيين لتسقط هذا المخطط، وتقسم ظهر المجموعات الإرهابية التي كانت تراهن عليها تركيا وغيرها من القوى الإقليمية الاخرى التي تتصدرها قطر والسعودية، الى جانب الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة. وأخيرا نقول ان تهديدات اردوغان واوغلو لموسكو بعدم السكوت على انتهاك الأجواء التركية وتفعيل قواعد الاشتباك ما هي الا فقاقيع تطلق في الهواء وينطبق عليها قول الشاعر "زعم الفرزدق يوما انه سيقتل مربعا...... أبشر بطول السلامة يا مربع". 
bahij.sakakini@gmail.com

الملفات