2024-04-18 04:33 ص

آل سعود رأس الفتنة

2015-11-15
طلال ياسر
منذ بداية الأحداث في سورية آذار 2011، أصرّت القنوات الخليجية المتصهينة على إسباغ الطابع الطائفي والمذهبي عليها، فلم يكَدْ يمضي أسبوع مثلاً على اندلاع تلك الأحداث، أو ما سمّي زوراً "الثورة السورية"، حتى بدأت هذه القنوات ببثّ الأكاذيب حول انخراط كل من إيران وحزب الله في هذه الأحداث، وذلك حتى قبل أن يدرك هذان الطرفان حقيقة ما يجري على الأرض، فمن يقف في الخارج لا يستطيع بسهولة أن يتبيّن حقيقة الأمور، وذلك أن الكمّ الهائل من البروباغندا التي رافقت الأحداث في سورية منذ البداية لم يُتِح لأحد أن يعلم حقيقة ما يحدث، اللهم إلا الأطراف التي تقف وراء الأحداث يمكن أن تفهم ما الذي يجري.

ولكن المتتبّع لأداء هذه القنوات كان يلاحظ شيئاً واضحاً وهو إصرارها على صبغ هذه الأحداث بالصبغة الطائفية والإيحاء للمتلقي أينما كان في هذا العالم بأن ما يجري هو حرب طائفية بين النظام الذي جعلته هذه القنوات ممثلاً لإيران، والشعب الذي ادّعت أنه بالمجمل على المذهب السني، وأن النظام يقوم بقتل المدنيين السنة خدمة لعملية تطهير طائفي يمارسها للتخلّص من معارضته، مع أن السنّة الذين خرجوا ضدّ النظام في الأحداث لا يتجاوزون نسبة أربعين في المئة من السنّة في سورية، ولكن المخرج الذي أشرف على إخراج ما سمّي "الثورة السورية" أراد لها أن تكتسب هذه الصفة.

ومهما يكن من أمر فإن الإصرار الخليجي وخاصة السعودي على إلباس ما جرى في سورية لبوس الحرب الطائفية، إنما كان ظاهراً بشكل واضح لا لُبسَ فيه، حيث عمل آل سعود منذ البداية مثلاً على رفع منسوب الشحن الطائفي في المنطقة بذريعة "حماية السنّة" من بطش النظام "الشيعي"، فاستطاعوا استدراج أكبر عدد من الإرهابيين إلى سورية تحت هذا العنوان، وأوعزوا إلى هؤلاء الإرهابيين من خلال شيوخ الفتنة الوهابيين باستخدام أشنع وسائل القتل والتمثيل بحق أتباع النظام لاستدراج ردود فعل مشابهة من الجانب الآخر أو أشد، والإيحاء بأن ما يجري هو حرب طائفية بين السنة والشيعة في سورية، وصولاً إلى تعميم هذا التناحر في المنطقة، ولكن الأمر لم يستقم لهم كما أرادوا لأن الجانب الآخر تنبّه إلى طبيعة المخطط الذي يقومون برسمه، فلم يسِر على الطريق المرسوم له، ما جعل الأغلبية العظمى من أهل السنة في سورية خصوصاً والمنطقة عموماً تفهم طبيعة المخطط وتنحاز إلى محاربة الأدوات التي استُخدمت لإثارة الفتنة وهي الجماعات الإرهابية المتطرفة، وبالتالي فشلت الخطة السعودية في صناعة هذه الفتنة في سورية وتعميمها على العالم الإسلامي خدمة للصهيونية العالمية التي تهدف إلى إغراق المنطقة في بحرٍ من التناحر على أساس ديني ومذهبي وعرقي فترة طويلة من الزمن حتى يتسنّى لها تحقيق أهدافها في إقامة دولة "إسرائيل" اليهودية، أسوة بسائر الدويلات الطائفية التي ستنشأ في المنطقة تلقائياً بعد استقلال الأطراف المتصارعة في الجوار بالمناطق التي تسيطر عليها، وباختصار إعادة تشكيل الدول في المنطقة على أساس ديني يتيح لـ"إسرائيل" الإعلان عن نفسها دولة يهودية بعد إسقاط حق الشعب الفلسطيني في العودة إلى أرضه وتقرير مصيره.

إذاً عندما شعر آل سعود ومن ورائهم "إسرائيل" بأن الغاية من الشحن الطائفي افتُضحت في سورية وليس بالإمكان العبور عبر الحرب الطائفية إلى تمزيق المنطقة، تم الاتفاق فيما بينهما على شنّ حرب على الشعب اليمني الأعزل والإيحاء بأن هذه الحرب هي حرب بين تحالف "سنّي" مكوّن من السعودية ودول الخليج ومصر وباكستان، على جماعة أنصار الله في اليمن التي هي حسب ادّعائهم تتبع إيران، فكثر في إعلامهم الحديث عن أسر جنود من إيران أو من حزب الله مثلاً للقول إنهم يحاربون إيران في اليمن، وذلك في الحقيقة لم يكن إلا محاولة رخيصة لاستدراج ردّ فعل من إيران ضدّ السعودية يتم تصويره على أنه حرب بين السنة والشيعة، وبالتالي تعميم الحرب بين الطائفتين على سائر العالم الإسلامي، ولكن وعي القيادة الإيرانية لحقيقة ما يحيكه آل سعود و"إسرائيل" في هذا الاتجاه أسقط هذا الخيار أيضاً، وما إصرار آل سعود على ارتكاب أبشع المجازر في اليمن إلا محاولة بائسة لاستدراج ردّ فعل إيراني يمكّنهم من تحقيق هدفهم الأهم وهو تحويل الحرب في العالم الإسلامي إلى حرب طائفية، وبالتالي حرف الانتباه عن العدو الحقيقي "إسرائيل" واستبداله بإيران.

ولكن الرياح لم تجرِ كما تمنّاها آل سعود، حيث اضطروا مؤخراً لقتل نحو خمسة آلاف من الحجاج في منى من أجل قتل مئات الإيرانيين واستدراج ردّ فعل إيراني يؤدّي إلى النتيجة ذاتها، ولكن ذلك لم يفلح أيضاً، وحتى قيام آل سعود مؤخراً بالتعاون مع زعيم حزب العدالة الإخواني التركي بإدخال مجموعة من المرتزقة القادمين من أواسط آسيا إلى الشمال السوري تحت مسمّى "جيش الفتح" كان مطلوباً منه استدراج مؤازرة إيرانية مباشرة على الأرض للجيش السوري للإيحاء أيضاً بأن الحرب هنا تجري على أساس طائفي، لم يؤدّ النتيجة المرجوّة منه، فكان التدخّل الروسي بمنزلة الأمر الذي قطع الشك باليقين حول طبيعة الحرب التي تجري في سورية، وهي حرب بين محورين أساسيين، محور تمثله أمريكا والغرب والصهيونية العربية والإخوان المسلمون وتمثلهم الحركات الإرهابية على الأرض، ومحور آخر تمثله روسيا وإيران والصين وسائر دول بريكس ومنظمة شنغهاي ودول الألبا وسورية والعراق، وتمثله الجيوش النظامية الشرعية لهذه الدول، وهذا ما أثار جنون السعودي الذي شعر بإطلاق رصاصة الرحمة على مشروعه في الفتنة، ما اضطرّه إلى اتهام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتشيّع، في آخر نكتة أطلقها أغبياء آل سعود في هذا الإطار من الإصرار على إلباس الحرب في المنطقة لبوس الحرب الطائفية، وذلك كله لعلم آل سعود أن الحرب هنا باتت حرب وجود، والمنتصر فيها سيكون له دور في العالم الجديد، أما الخاسر فسيذهب إلى مزبلة التاريخ وهذا ما سيكون مستقرّ آل سعود وغيرهم من الأدوات في المنطقة والعالم.
عن قناة (المنــار) اللبنانية