2024-03-29 03:42 م

تفجير برج البراجنة.. قراءة في السياق والدوافع

2015-11-16
بقلم: محمد محمود مرنضى
 استطاع داعش، بعد فشل محاولات عدة، من تنفيذ تفجير انتحاري ارهابي مزدوج في منطقة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت، ما اسفر عن سقوط العشرات من المدنيين بين شهيد وجريح.

 لم يتوقف داعش وغيره من التنظيمات الارهابية عن محاولات الاختراق لتنفيذ عمليات كهذه، ولذلك فان مرور بعض الوقت دون القيام بأي عملية انما هو ناتج عن نجاح الاجهزة الامنية اللبنانية واجهزة المقاومة في تفكيك بعض الشبكات واكتشاف بعض العمليات قبل تنفيذها، لا أنه ناتج عن توقف التنظيم عن مساعيه الارهابية. وهذا يعني ان حصول التفجير في هذا الوقت تحديدا يرتبط بعوامل لوجستية-امنية أدت إلى نجاح التنظيم بالقيام بعمليته في هذا الوقت.

من هنا لا يبدو دقيقا قيام بعض المحللين بربط التفجير بفك الحصار عن مطار كويرس العسكري في سوريا او استرجاع مدينة الحاضر. لان هذا الربط يفضي الى القول ان التنظيم قادر على تنفيذ عمليات ارهابية متى شاء، وهو كلام بعيد كل البعد عن الواقع، لان اعمالا ارهابية من هذا القبيل تستلزم اياما واسابيع للتخطيط، من اختيار الهدف ورصده والتحضيرات اللوجستية للتفجير، وهذا امر لا شك يتجاوز ما ذُكر من تطورات على الساحة السورية.

 نعم يمكن القول في قراءة هذا العمل الارهابي انه ينطلق من مسلمات اساسية تتحكم بفكر وسلوك وخطط هذا التنظيم، ويمكن اختصار هذه المسلمات بالتالي:

 1- إن التفجير جاء في سياق انتكاسات كبيرة وواسعة بدأت تصيب داعش منذ ما قبل التدخل الروسي، ثم تصاعدت بشكل مضطرد بعد التدخل.

2- غالبا ما يسعى التنظيم في الحالات التي يشعر فيها بالضغط الى الهروب للامام في محاولة لارباك ساحة «الخصم» من جهة، ورفع معنويات مناصريه من جهة اخرى، عبر القول بواسطة التفجير ان التنظيم قادر على إيذاء عدوه.

  3- يعلم التنظيم تماما ان هذا النوع من الاعمال لا يمكن ان تدفع «عدوا» كحزب الله وقواعده للانسحاب من سوريا او حتى مجرد التفكير في ذلك، باعتبار ان الانخراط في القتال في الساحة السورية خيار استراتيجي للحزب، وليس مجرد تدخل عابر يهدف إلى تحصيل مكاسب تكتيكية او آنية. وعلى هذا الاساس فان التنظيم يسعى من خلال اعماله الارهابية ان يجعل من انخراط المقاومة مكلف من ناحية بشرية، حتى وان كانت الضحايا من المدنيين طالما انهم من بيئة المقاومة ومناصريها وجمهورها.

 4- ان داعش غالبا ما يقصد من هذه الاعمال زرع الفوضى في الساحات المستهدفة، لان ذلك من شأنه ان يساعده على التسلل اليها وزيادة نشاطه فيها. ولذلك نجده غالبا ما يقرن عملياته الارهابية بحملة اعلامية «مضللة» لاثارة الفتن عبر نشر كم هائل من الاشاعات والاخبار غير الصحيحة.

5- ان هذا النوع من الاعمال للتنظيم يأتي ايضا في سياق عمليات «الاستنهاض» و«الاستقطاب» والتي يعتبر التنظيم ان العمليات الارهابية تساهم فيها، لانها توحي «للمناصر» انه ما زال يملك القوة والمبادرة على الفعل.

 امام هذه العناصر، فان الرد الاهم والاكبر، ليس المزيد من الجهد الامني لاكتشاف هذه الشبكات فحسب، وهو أمر هام بلا شك، بل أن يترافق ذلك مع المزيد من الحرص على وحدة الصف الوطني وتفويت الفرصة على اثارة الفتن، وعدم اظهار وجود اي بيئة حاضنة لهذه الجماعات، وان هؤلاء الارهابيين الذين قد يتبين ان منهم لبنانيين ليسوا سوى حالة شاذة منبوذة من بيئتها.

نقلاً عن موقع العهد