2024-04-19 01:08 ص

قطع "شريان الحياة" لداعش و "عورة " الولايات المتحدة!!

2015-11-21
كتب الدكتور بهيج سكاكيني
لا يخفى على أحد ان أي حرب من الحروب التي دارت وعلى مدار التاريخ البشري تحتاج للمال لتوفير كل مستلزمات الحرب المادية بما فيه الأسلحة والدعم اللوجيستي والمؤن الغذائية وغيرها. والدولة او التنظيم الذي يقود حربا لا بد ان يضع نصب اعينه كل هذا. ولنا من التاريخ دروس وعبر فحملة نابليون على سبيل المثال فشلت نظرا لعدم تمكن القوات الفرنسية الغازية تأمين خطوط الامدادات للجيش المقاتل على الأراضي الروسية وذلك لطول المسافات. ولقد عمد الروس على اتباع سياسة حرق الأرض والبنى التحتية من أي منطقة ينسحبون منها حتى لا يستفيد منها الغزاة. لم تفلح حملة نابليون كما لم تفلح المانيا النازية في احتلال روسيا لنفس الأسباب. ومن هنا فان كل انسان عادي مثلنا أدرك ربما من اللحظة الأولى او بعدها بقليل ان التمدد السرطاني لتنظيم داعش وحصوله على الأسلحة والمؤن وقدرته على تجنيد هذه الاعداد الهائلة من الإرهابيين ومن العديد من المناطق في العالم الى جانب التقنيات والخبرات التي يمتلكها بمجملها تدل على القدرات والامكانيات المادية التي يمتلكها لوجود دول مساندة وداعمة له وبشكل كبير. والمتتبع لأنشطة هذا التنظيم الإرهابي يستطيع ان يستخلص انه سعى منذ عام 2012 الى الان على السيطرة على المناطق التي يتركز فيها آبار البترول والمنشآت النفطية الى جانب حقول المزارع وصوامع الحبوب وكذلك الأماكن التاريخية بالإضافة الى السيطرة على المعابر الحدودية لتأمين طرق الامداد والتهريب وبيع النفط وغيره. وقد حارب هذا التنظيم الإرهابي غيره من التنظيمات الإرهابية وخاصة جبهة النصرة في معارك ضارية قتل فيها الالاف من مقاتليهم على مدار السنوات الماضية للسيطرة على مناطق نفوذ تعتبر استراتيجية بالنسبة لهم ولبقائهم وضمان مداخيل كافية لإدارة التنظيمات ودفع الرواتب وشراء الولاءات الخ. لا شك أن مصادر التمويل للتنظيم الإرهابي متعددة ومتنوعة فهنالك التبرعات التي تأتي من قبل اغنياء وامراء الخليج على وجه الخصوص وخاصة من دولة الكويت وقطر والسعودية بالإضافة من الأموال التي كانت تصلهم وما زالت وبشكل مباشر من آل سعود، هذا بالإضافة الى الأسلحة التي قامت قطر والسعودية بشرائها من دول أوروبا الشرقية وإسرائيل والتي كانت تنقل الى المجموعات الإرهابية بالتنسيق مع المخابرات المركزية الامريكية. زد الى ذلك الاتجار بالمخدرات وخاصة الهيروين الذي يتم نقله من أفغانستان الى السوق الأوروبية وهي تجارة مربحة جدا ويقدر بعض الخبراء الروس الذين يعملون في مجال مكافحة تهريب المخدرات بان هذه التجارة تضمن ما يقارب المليار دولار سنويا لداعش. الى جانب ذلك الاتجار في بيع الأعضاء الداخلية للذين يقتلون على ايدي التنظيم الإرهابي وهو ما نقله ممثل الدولة العراقية الى الأمم المتحدة في 15 أكتوبر 2015 حيث قال " ان "الدولة الإسلامية" تقوم بقتل الناس لبيع اعضائهم. وبحسب ما أورد هذا الممثل في للأمم المتحدة ان المقابر الجماعية التي اكتشفت لضحايا التنظيم في العراق احتوت على مؤشرات بان الجثث قد خضعت لعمليات جراحية، وعلى ان جثث هؤلاء كانت ناقصة الكلية وأعضاء أخرى. ولقد حصل تنظيم داعش على كمية كبيرة من الأموال قدرت ما بين 900000 الى 2 بليون دولار امريكي عندما احتلت مدينة الموصل من البنك المركزي هناك. ويدخل تهريب القطع الاثرية وبيع المنتوجات الزراعية ضمن الأنشطة الاقتصادية التي تدر على التنظيم أموالا لخزينته. وتقدر الأموال التي يملكها التنظيم بحوالي 7 مليارات. وهنالك العديد من التساؤلات التي طرحت وما زالت تطرح كيف يتم تحويل المبالغ اليه وعن طريق اية بنوك أو وسطاء. حجم الأموال المتداولة كبير جدا ولو كان هنالك تدقيق في التحويلات المالية ومراقبة حركة الأموال على المستوى العالمي او الإقليمي لأمكن خنق هذا التنظيم ماديا، ولكن من الواضح انه لا تتواجد النية بعد لعمل هذا. ويحضرني هنا أنه عندما حرم على البنوك التعامل مع قطاع غزة منعا لوصول الأموال المحولة الى الفصائل الفلسطينية التي أدرجت على قوائم الارهاب الامريكية حرم على الفلسطيني الذي يعمل في الخليج على سبيل المثال من تحويل ولو مئة دولار عن طريق البنوك لأهله في القطاع لان ذلك اعتبر دعما للإرهاب. ولقد وضعت الإدارة الامريكية عقوبات على كل بنك يقوم بتحويل اية مبالغ الى قطاع غزة حتى لو كانت بضع مئات من الدولارات وكانت تراقب حركة البنوك، ولكنها غضت الطرف عن تحويلات بالملايين لداعش وغيرها من المجموعات الإرهابية مثل النصرة التي حول لحسابها ملايين الدولارات مقابل إطلاق سراح المخطوفين كما كان الحال عند إطلاق سراح رجال الأمم المتحدة العاملين في الجولان السوري. وكان من الواضح ان محاربة التنظيمات الإرهابية كان وما زال يستدعي قطع الشريان الرئيسي الذي يمد هذه التنظيمات بالحياة ويساعدها على التمدد والبقاء "بصحة جيدة". ومنذ ان أعلنت الولايات المتحدة حربها على الارهاب منذ ما يقرب من العام والنصف تقريبا وقامت بتكوين "الائتلاف الدولي" لمحاربة تنظيم داعش لم نرى أي شيء ملموس على الأرض. لا بل على العكس من ذلك فقد تمدد هذا التنظيم الإرهابي بشكل سرطاني مما سمح له بالسيطرة على العديد من الأماكن والمناطق واخذ بالامتداد غربا الى مصر والمغرب العربي وخاصة بعد العدوان على ليبيا من قبل حلف الناتو والمستعربين وتحويلها الى دولة فاشلة، كما تمدد الى بعض الدول الافريقية جنوب ليبيا. وبعد ان ثبت هذا التنظيم الإرهابي مواقعه بدأ بالتمدد عن طريق خلايا هنا وهناك في الدول الأوروبية ولا شك ان التنظيم قد عمل على هذا منذ وقت طويل وما بدأنا نشهده على الساحة الأوروبية وخاصة الفرنسية من عمليات إرهابية وحالة الاستنفار في الدول الأوروبية والمداهمات في العديد من دولها وخاصة بلجيكيا والسويد في الآونة الأخيرة واعتقال العشرات من الشبان واكتشاف أسلحة واحزمة ناسفة في بعض الشقق حيث تم اعتقال الشبان يدلل على مدى خطورة الموقف وعلى مدى تغلغل عناصر هذا التنظيم الى الدول التي كانت ولفترة بسيطة تغض الطرف عن تحركات هذه العناصر منها الى سوريا والعودة اليها مرة أخرى. ان المصدر الرئيسي للأموال التي يحصل عليها التنظيم الإرهابي بحسب الخبراء والمحللين تأتي من سيطرته على العديد من آبار النفط في سوريا والعراق الى جانب محطات التكرير التي تصل ما يقارب 250 منشاة وبئر، 160 قابلة للاستخدام بحسب بعض المصادر وهذه توفر لداعش دخلا يوميا في حدود 2 مليون دولار يوميا. واتت الضربات الأخيرة المركزة لمئات الحافلات التي تنقل النفط السوري والتي دمرتها الطائرات الروسية في سوريا لتسلط الضوء مرة أخرى على عدم جدية "الائتلاف الدولي" الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة داعش. وفي قمة "العشرين" الذي عقد في انطاليا في تركيا قبل ايام قام الرئيس بوتين بعرض صور التقطت من الأقمار الاصطناعية الروسية التي تبين مئات الحافلات المصطفة والتي يمتلكها داعش لتهريب النفط السوري عبر الأراضي التركية أو العراقية، مما اثار بعض التساؤلات لدى بعض المجتمعين أين هذه الصور من الأقمار الاصطناعية الامريكية؟ وهل هذه الأقمار عمياء أم انها لا ترى الا ما تريد ان تراه؟ ومرة أخرى وبالدليل القاطع يتبين العهر الأمريكي واكذوبة محاربة تنظيم داعش، فلا يمكن تصديق الولايات المتحدة التي رعت هذا التنظيم ولسنين ان يكون لها مصلحة فعلية لمحاربته وان كان لديها مصلحة في تحجيمه واحتواءه. محاربة داعش تستدعي فيما تستدعيه ضرب شريان حياتها الرئيسي وهو النفط وطرق امداده وقطع الطريق على توصيله بشكل او بآخر الى الأراضي التركية وبيعه الى التجار الاتراك أو ايصاله الى ميناء جيهان التركي عبر الانابيب من الأراضي السورية. والذي يبدو ان الكميات التي تصل الى تركيا عبر الأراضي السورية قد ازداد في الآونة الأخيرة وذلك لحاجة التنظيم الى الأموال لتعويض خسائره وهذا ما حدا للطائرات الروسية وذلك بالاتفاق بين روسيا وسوريا وإيران والمقاومة على ضرب ليس فقط الحافلات بل وأيضا على ضرب بعض المنشآت النفطية التي من شأنها ان تساعد التنظيم في استخراج النفط الخام بالإضافة الى تكريره والانتفاع من الأموال التي تجنيها. الى جانب هذا لا بد من قطع الطرق بين سوريا والعراق التي ما زال التنظيم يستخدمها لتهريب البضائع والنفط الى جانب نقل الأسلحة وعناصره الإرهابية. هذه المساحات الشاسعة التي تركتها الطائرات الامريكية ولم تقوم بطلعات لضرب قوافل داعش الا فيما ندر. لو تم اغلاق الحدود الشمالية والجنوبية ومنع تسلل الإرهابيين ومنع تدفق الأسلحة والعتاد والمؤن لهم من قبل الدول المحيطة ومن يدعم الإرهابيين، لما كنا وصلنا الى ما نحن عليه الان ولقضي على الارهاب كما قضت روسيا على حملة نابليون وألمانيا النازية ولنفس الأسباب. ولا بد لنا ان نرد على بعض التصريحات المضللة والملتوية التي حاولت بها الادارة الامريكية ترويجها بعد ان ظهرت حديثا بعض التساؤلات حول تلكؤ طائرات التحالف وعدم ضرب الحافلات التي تنقل النفط لحساب داعش طيلة ما يقرب من 18 شهرا الماضية. عندها صرحت الإدارة الامريكية من ان هذا كان لتفادي مقتل المدنيين من جراء هكذا عمليات وهذا الكلام مردود عليهم. فقد قامت الطائرات الامريكية بقصف الصهاريج المحملة بالبترول في أفغانستان عندما كان المدنيين في احدى القرى يعبئون اوعيتهم من الحافلة التي استولوا عليها. والمبرر الذي قدم آنذاك كان لمنع طالبان من الاستفادة من النفط بحسب زعم الجيش الأمريكي. أما عدم قصف المنشآت النفطية السورية التي يسيطر عليها تنظيم داعش من قبل قوات "التحالف الدولي" فقد اعطي المبرر قبل أيام بان ذلك لان هذه المنشآت هي ملك للشعب السوري وبالتالي لا يجوز تدميرها. نحن لا نخالف الراي من ان هذه البنى التحتية هي ملك للشعب السوري ولكننا نريد ان نذكر الإدارة الامريكية من ان محطة توليد الكهرباء في حلب والتي قصفت قبل بضعة أسابيع من طائرات "التحالف الدولي" هي أيضا من البنى التحتية للشعب السوري. أم ان هنالك تمييز إذا ما كانت هذه البنى التحتية تحت سيطرة الجيش السوري أو سيطرة داعش؟؟؟؟ وربما تصريح الرئيس الفرنسي هولاند مؤخرا بعد الحادث الإرهابي في باريس يدلل على نوع من التململ من سياسة الولايات المتحدة الذي تقود "التحالف الدولي" لمحاربة داعش حيث قال " ان فرنسا ستعمل على القضاء على داعش وليس على احتوائها او تحجيمها". ويأتي هذا التصريح طبعا بعد ان بدأ الارهاب يضرب في العمق الفرنسي وفي باريس "مدينة النور" بالتحديد. وها هو هولاند وتحت تأثير الصدمة يريد ان ينسق مع روسيا في محاربة الارهاب على الأراضي السورية وربما العراقية خوفا من مزيد من الارتدادات على الداخل الفرنسي ولقناعته بان الولايات المتحدة ليست جادة في محاربة تنظيم داعش. ولعل هذا ما يفسر السرعة التي انضمت اليها بعض السفن الحربية الامريكية الى حاملة الطائرات الفرنسية في البحر المتوسط وذلك لقطع الطريق على تحالف فرنسي روسي في توجيه ضربات موجعة لداعش على الأقل في سوريا. ولكن يبقى السؤال الى أي حد يمكن لفرنسا هولاند ان تغضب آل سعود بهذا التصرف وهو المفرط بإنتهازيته وتلونه استطاع ان يحصل على عقود تجارية وبيع أسلحة بعشرات المليارات الدولارات لدعم الاقتصاد الفرنسي المتهالك. لقد أصبح من الواضح الان وخاصة بعد الدخول الروسي في سوريا بناء على الطلب الرسمي من القيادة السورية وما حققه الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية وحلفاء سوريا من إنجازات على الأرض بفعل الضربات الجوية المركزة والمكثفة للطيران الروسي والقصف الصاروخي لمواقع الإرهابيين بكل اطيافهم والوانهم، وكذلك ما تعرضت له باريس من عمليات إرهابية غير مسبوقة في اتساعها وحجم الخسائر البشرية التي احدثتها الى جانب حالة الرعب والخوف الذي انتشرت على الساحة الأوروبية وتداعياتها، نقول ان المعطيات تشير الى الحاجة الى تكوين ائتلاف دولي إقليمي تحت مظلة الأمم المتحدة لمحاربة الارهاب بكل اطيافه وأن لا يبقى مقصورا على داعش. وان تكون القوى الاقليمية التي تحارب الارهاب على الأرض وخاصة الجيش العربي السوري في طليعة هذه القوى وهو الذي يحارب الارهاب على الأرض منذ ما يقرب من الخمسة سنوات. وان لا تكون الولايات المتحدة هي المتحكمة في هذا الائتلاف فقد اثبتت التجربة للقاصي والداني انها غير معنية بالعمل الجدي في هذا الإطار، ويبقى على دول الاتحاد الأوروبي الاقتناع بهذا والخروج من تحت العباءة والهيمنة الامريكية على قرارها السياسي، الى جانب الانحياز لأمن شعوبها بدلا من الانحياز لمليارات وصفقات أسلحة وعقود تجارية تديرها مع دول جل ما يميز حكامها هو التخلف الحضاري والثقافي والاجتماعي والعيش في عقلية القرون الوسطى والتي تشكل المستنقع الفكري للفكر التكفيري الوهابي.
bahij.sakakini@gmail.com