2024-04-20 04:48 م

النضال بالمقلوب !

2015-11-24
بقلم: السيد شبل
النضال على صعيد السياسات الداخلية كان يعني فيما مضى، مقاومة توسع السلطات التنفيذية في استخدام صلاحياتها، والوقوف كجدار صدّ أمامها إذا حاولت خرق القانون أو تطويعه أو مد اليد لمنافقيها للقفز عليه؛ وهذا نهج نضالي مثالي طالما راعى الظروف الموضوعية، وربط ما هو داخلي بقضية الأمة في صراعها مع قوى الاستعمار الغربي. أما العمل السياسي اليوم، في ظل طغيان المنطق الأعور لـ"الليبرالية الحديثة"، فأهدافه لم تعد كسابق عهدها، وإنما أصبحت توسيع رقعة الفوضى والانفلات والتفكك، ليصير الجميع (بلا استثناء) فوق القانون، وليس التنفيذيون وحدهم!. وهذا طبعًا لا يعني (وفقًا لهذا المنطق) وضع التنفيذي في مواجهة غيره، والعمل حتى على المساواة في الظلم، وإنما يعني الحشد والتوجيه في سبيل هدم سائر صور السلطات المحلية (وليست سلطات الشركات متعدية القارات، مثلًا)، وبالتالي يصير القفز على القانون عادة صباحية، يمارسها الناس ضمن طقوسهم اليومية. ويتم تعميم هذه الرؤية باعتبارها مرادفًا لـ"العدالة"، ويمتد الخط على مافيه من اعوجاج، فتصير الفوضى مرادفًا للحرية، ويصير التناحر بديلًا عن التفاعل المطلوب بين القوى المجتمعية، وتصير الحقوق الفردية في معزل عن الحقوق الجماعية (العائلة، الوطن، الأمة..)، ويصير النضال معناه إشاعة الظلم وتعميم الخطأ وليس مقاومته!. وتصبح كل نقابة وكل جماعة وكل طبقة وكل فئة وكل طائفة، في صدام مع غيرها، تريد أن تكتسب لنفسها استثناءات لا حق لها فيها. (تريد ذلك، وهي ترفع شعارات العدالة!). فإن قال بعض الذين أفلتوا بعقولهم بعيدًا عن هذا الجنون الذي يلعن كل سلطة على الإطلاق، باستثناء سلطات (جورج سورس وبيتر آكرمان وأحفاد روتشيلد وروكفلر وكارنيجي...): أن المطلوب هو مقاومة الخطأ (المتمثل في تجبر السلطات التنفيذية، إن وقع)، وحصاره، مع الحفاظ على النظام العام، وليس إشاعة الخطأ وتعميمه وتكثيره ليصير كمحل مخبوزات بعد أن كان مجرد كعكة، يتقاسم إثم مخبوزاته الجميع. يتم اتهامهم بدعم الاستبداد!!. وقد صار هذا الاتهام الجاهز والمعلّب عند دعاة "الحريات" في العصر الاستعماري الحديث وسيلة معتمدة لإرهاب خصومهم والتنكيل بهم ومنعهم من طرح أي نهج معاند لهم. (يفعلون ذلك، وهم يرفعون شعارات الحرية!) والحقيقة أن نفي هذا الاتهام، لم يعد يجدي مع هؤلاء، والأنسب القول بأن مدلوله في هذا الزمن وبهذا الترتيب وبالنظر لنوايا قائلية ليس فيه ما يُخجل!، وأن الآخر "الليبرالي" هو من عليه الخجل والحياء (إن كان لديه بقية من اتصال بضميره) من إدمانه خدمة مشروع الفوضى وتقديسه للسلطات العالمية في مقابل بغضه لكل صورة يمكن عبرها تنظيم المجتمع داخليًا وضمان وحدته، وقبل ذلك عليه أن يخجل من قلبه للموازين وتلبيسه مفاهيم "النضال" إلى هذا الحد المزري !. من باب بالمناسبة، فقط: أولئك الفوضويون هم الرصيد الاستراتيجي الذي يمكن لأي سلطة الاستناد إليه في حال أرادت التنكيل بخصومها ووصم سائر معارضيها والاستبداد بالأمر، فهم على مزاجها ويعزفون معها معزوفتها المفضلة، وإليهم يعود الفضل في تشبث الجماهير أكثر بالسلطات القائمة، على فسادها، وعزوفهم عن أي تغيير. فمن فعليًا المدان بتهمة بدعم الاستبداد سواء في نسخته المحلية أو الدولية ؟!.