2024-04-25 03:33 م

أثرياء المملكة الوهابية تحت المراقبة

2016-01-29
محمد وهبة
«اللائحة الذهبية»، التي وضعتها الولايات المتحدة الأميركية بأسماء من تتهمهم (حينها) بتمويل اعتداءات 11 أيلول عام 2001، عادت الى الضوء في لبنان، على الرغم من مضي نحو عقد ونصف عقد من الزمن على إصدارها. تسمّي هذه اللائحة أفراداً، غالبيتهم من الجنسية السعودية، يملكون أو يديرون شركات مصرفية ومالية ومؤسسات تعليمية وثقافية وجمعيات خيرية... تزعم الإدارة الأميركية أن جميعها استخدمت في عمليات تمويل تنظيم «القاعدة» الإرهابي.

بعض هذه الأسماء ظهرت مجدداً في مذكرة «استعلام عن حسابات» وزّعتها هيئة التحقيق الخاصة (مكافحة تبييض الأموال) على المصارف العاملة في لبنان في 5 كانون الثاني 2016، بناءً على قرار صدر عنها في 24 كانون الأول 2015. دعت الهيئة بموجب هذه المذكرة الى إفادتها، في مهلة أسبوع، «عمّا إذا كان يوجد أو لا يوجد حسابات عائدة بصورة مباشرة أو غير مباشرة لـ17 اسماً، بما فيها الحسابات المقفلة وغير المتحركة والصناديق الحديدية. وطلبت الهيئة من المصارف تزويدها بالمستندات العائدة لهذه الحسابات، ولا سيما كشوفات الحسابات في حال وجودها. وطلبت أيضاً «اتخاذ جانب الحيطة والحذر حيال التعامل مع هذه الأسماء».

أسماء بارزة

الأسماء الـ17 الواردة في لائحة هيئة التحقيق الخاصة تشمل 6 أفراد و11 شركة وجمعية. الأفراد هم: شريف صدقي، سليمان عبد العزيز الراجحي، ياسين القاضي، عبد الرحمن خالد سليم بن محفوظ، سالم أحمد بن محفوظ وسلطان إيمان بن محفوظ.

أما الشركات فهي: «المرجان كوربوريشن»، «أراضي إنك»، «كورتلاند فارم كونسرفانسي»، «غرنفل ليمتد»، «ياسمين مانجمنت سيرفيسز ليمتد»، «مايفلاور انفستينغ كورب»، «موفّق فاونديشن»، «نيمير بتروليوم»، «رودودندرون ليمتد»، «SAAR foundation» و«صدقي أند كو». ويتفرّع من هذه الشركات مجموعة شركات ثانية مملوكة منها، أو تابعة لها أو هي عبارة عن أسماء مستعارة للشركة الأصلية؛ «موفّق فاونديشن»، يتفرّع منها مؤسستان: «موفّق فاونديشن لبلسمة الجراح»، «منظمة الموفق الإنسانية». ويتفرّع من «نيمير بتروليوم» 11 شركة هي: «نيمير بتروليوم بتروكاش ليمتد»، «نيمير بتروليوم كومباني»، «نيمير بتروليوم كومباني ريسورسز ليمتد»، «نيمير بتروليوم كو قمر غلف ليمتد»، «نيمير بتروليوم بوزاتشي»، «نيمير بتروليوم شمال أفريقيا»، «نيمير بتروليوم فنزويلا»، «نيمير بتروليوم كومباني شمال أفريقيا»، «نيمير بتروليوم عُمَان»، «نيمير بتروليوم بارس» و«نيمير بتروليوم كولومبيا».
كذلك تعرف مؤسسة SAAR تحت اسمي:SAAR network, SAFA Group.
جميع الأفراد الواردة أسماؤهم هم معروفون في عالم المال والأعمال، وبعضهم يعدّ من أغنى أغنياء الخليج ويتمتعون بالشهرة والنفوذ... والأهم أن بعضهم يمتلك حضوراً في لبنان سابقاً وحاضراً.

مصدر الطلب

توضح مصادر محلية مطّلعة أن مصدر اللائحة هو الإدارة الأميركية. وتفيد بأن هناك لوائح كثيرة ترد الى الجهات المعنية في لبنان من جهات خارجية للاستعلام عن حسابات ونشاطات بعض الأشخاص والشركات، ولكن ما يميّز اللائحة الحالية أنها تضم أشخاصاً ليسوا مغمورين، بل يمتلكون شبكة علاقات واسعة مع أشخاص ومؤسسات في الولايات المتحدة الأميركية نفسها.
في السنوات الأخيرة، ازدادت الضغوط الأميركية على القطاع المصرفي، وفرضت عليه تطبيق قوانين الامتثال الأميركية من دون أي اتفاقات رسمية بين الحكومة اللبنانية والإدارة الأميركية. ويشير أحد أعضاء مجلس إدارة جمعية المصارف إلى أن المصارف ملزمة بالخضوع لطلبات الاستعلام، استناداً الى تعميم مصرف لبنان رقم 126، الذي طلب من المصارف التشدّد في عملياتها من أجل حماية علاقاتها مع مصارف المراسلة (المصارف التي تنفذ العمليات الخارجية لحساب المصارف اللبنانية بالعملات الأجنبية).
اللائحة الحالية تستعيد «اللائحة الذهبية» القديمة، وهو ما أثار تساؤلات كثيرة بين المصرفيين المحليين. لماذا الآن؟ وما هو الهدف؟ وكيف ستتعامل المصارف اللبنانية في ظل وجود أسماء عليها كان لها حضور مباشر في القطاع المصرفي المحلي نفسه؟

المزاعم الأميركية

بداية القصّة في عام 2001، اإ زعمت الوكالة المركزية للمخابرات الأميركية أنها أجرت تحقيقات شملت وثائق السكرتير الشخصي لأسامة بن لادن في نيروبي، وديع الحاج، وتوصلت إلى أن تمويل اعتداءات 11 أيلول جرى عن طريق مصرفيين سعوديين بارزين؛ بينهم صلاح الراجحي، المدير المساعد لشركة الراجحي الاستثمارية في ذلك الوقت.

ووفق تقارير عديدة نشرت في تلك الفترة، جرى اتهام SAAR بأنها كانت تموّل القاعدة عن طريق شبكة عنكبوتية مؤلفة من مجموعة شركات وأفراد، وهي واحدة من المنظمات والشركات التي أنشأها المصرفي السعودي الشهير سليمان عبد العزيز الراجحي ضمن إمبراطورية كبيرة كانت تدير أكثر من 26 مليار دولار في مطلع الألفية الثانية. وتزعم هذه التقارير، أن سليمان الراجحي هو أحد أعضاء «اللائحة الذهبية»، جرى إدراج اسمه بعد مداهمة مكتب تابع لمؤسسة «بينيفولنس العالمية»، وهي مؤسسة خيرية جرى اتهامها أيضاً بأنها تموّل القاعدة في البوسنة. التحقيقات الأميركية قادت في اتجاه الربط بين عبد العزيز العمري، وهو أحد منفذي اعتداءات 11 أيلول، وبين بنك الراجحي حيث كانت له حسابات مالية، وأن صلاح الراجحي (شقيق سليمان الراجحي) كان مدرجاً على لائحة المعارف في هاتف وديع الحاج.
بعد اعتداءات أيلول، جرت تصفية منظمة SAAR ومتفرعاتها مثل «صفا غروب»، وبدأ الحديث عنها يخفت تدريجاً. لم تُعرف الخطوات التي اتخذت بشأن سليمان الراجحي، إلا أنه كان واضحاً أن ثروته ازدادت لتبلغ 6.67 مليارات دولار وزّعها على أولاده في عام 2011، فيما استمرّت أعمال أولاده بوتيرة طبيعية، بما ذلك عقدهم شراكات مع جهات أميركية وأوروبية، علماً بأن المزاعم الأميركية تقول إن قسماً من الأموال التي تبرع بها الراجحي اختفى في «الثقب الأسود»، الذي يمثّل «جمعيات خيرية» وهمية كان مصرّحاً عن وجودها في الجزيرة البريطانية «آيل أوف مان» التي تعدّ مسرحاً أساسياً لإنشاء شركات الأوف شور والنشاط المصرفي غير المنظم.
بحسب المعطيات المتداولة بين المصرفيين اللبنانيين، لا يزال الراجحي يتعامل مع العديد من المصارف في لبنان، ومع مؤسسات أميركية أيضاً.

بالاستناد الى المزاعم الأميركية نفسها، تم اتهام شريف صدقي، كونه كان يشغل منصب الأمين العام لمنظمة SAAR، التي كانت تتعاطى مع منظمات مشتبه بكونها واجهات تمويلية «للقاعدة»؛ منها «التقوى». صدقي هو محام يحمل الجنسية الأميركية ويعيش في جدّة، وهو يمثّل خالد بن محفوظ الذي كان بمثابة «المصرفي الخاص» للعائلة المالكة في السعودية، ويُتهم بأنه المموّل الأساسي لمؤسسة «موفق»، التي وصفت على أنها واجهة «للقاعدة»، واسمه ورد في العديد من الشركات التي كان يساهم فيها أو يملكها سليمان الراجحي.
أما خالد بن محفوظ، الذي توفي في عام 2009، فكان مستثمراً في بنك الاعتماد والتجارة العالمي، ثم تمكن من الحصول على الجنسية الهولندية له ولأفراد من عائلته. وكان لدى ابنه عبد الرحمن بن خالد بن محفوظ استثمارات في شركة «هايبريدون» وفي «نيمير بتروليوم». هذه الأخيرة تملكت «دلتا أويل» التي كانت تعمل في اكتشاف النفط في أذربيجان. إلا أن الشركة ومتفرعاتها بيعت في عام 2004 وأصبح اسمها «نايتس بريدج بتروليوم». كانت لدى خالد بن محفوظ استثمارات في أكثر من مؤسسة لبنانية، وورثته يحملون اليوم مساهمة في مصرف لبناني أيضاً.
كذلك، أدرجت الولايات المتحدة ومجلس الأمن الدولي، اسم ياسين القاضي على «اللائحة الذهبية» لممولي القاعدة. واتهمته وزارة الخزانة الأميركية وأدين، إلا أنه رفع دعوى في واشنطن وأمام الاتحاد الأوروبي وكسبها، وأزيل اسمه عن اللائحة السوداء في عام 2012.
شركات لم تعد موجودة

اللافت في هذا الأمر، أن المؤسسات التي يملكها هؤلاء والتي يشتبه في أنها كانت تمثّل الواجهة الأساسية لتمويل القاعدة والعمليات الإرهابية، قد جرت تصفيتها، أو انتقلت ملكيتها الى أطراف أخرى. وهذا الأمر يثير تساؤلاً عن سبب إعادة التدقيق في هذه المؤسسات والشركات، علماً بأن لائحة هيئة التحقيق الخاصة في لبنان ذكرت أسماء شركات جديدة تعود إلى الأفراد المشتبه فيهم أو الذين يجري التحقيق بشأنهم.
يأتي هذا التدقيق من قبل هيئة التحقيق الخاصة، في وقت سياسي وأمني دقيق. فهو يأتي بعد صدور القانون الأميركي لحظر تمويل حزب الله والمخاوف الناشئة عن هذا الأمر في لبنان. إلا أن السياق السياسي قد يكون بارزاً أكثر على عتبة التطورات في المنطقة، التي دفعت الولايات المتحدة وروسيا نحو مكافحة «الإرهاب» المتمثّل في «داعش» التي ورثت «القاعدة». فهذه الخطوة اليوم، تأتي أيضاً بعد سنوات على انطلاق العمليات الأميركية لملاحقة ممولي «داعش» وطرق تمويلها واستعمالها وسائل التواصل الاجتماعي والزراعة وبيع النفط.
عن صحيفة "الاخبار" اللبنانية