2024-04-25 09:00 م

منذ متى يضع المهزوم والمأزوم شروطه في العملية التفاوضية؟

2016-02-01
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
لا داعي لان يكون المرء سياسيا أو عسكريا أو اجراء الأبحاث المضنية في تأريخ البشرية والحروب التي جرت على هذا الكوكب منذ ان وجدت الحياة والمجتمعات الإنسانية عليها، لكي يستخلص ان المهزوم بأي حرب من حيث فشله ان يحقق أي من أهدافه التي رسمها منذ بدء الحملة العدوانية وإعلان الحرب، ان يقوم بوضع شروط حتى للمجيء الى طاولة المفاوضات التي بالتأكيد لا يستحق ان يكون عليها بالأساس. هذا في العلوم السياسية يجب ان يطلق عليه "الغباء السياسي" على أقل الأحوال. هذا ما حاول وفد المعارضة السورية المنبثق عن مؤتمر الرياض ان يفعله. طبعا القضية لم تكن مرهونة بهذه المعارضة بل كانت مرهونة بالممولين والداعمين والمؤسسيين لهذا الجسم الهلامي المسخ المسلوب الإرادة والسيادة. فقد أوجدت هذه المعارضة من قبل تركيا وقطر والسعودية على مراحل وفي ظروف مختلفة ومتنوعة. ولم تكن في اية فترة من الفترات تمتلك قرارها السيادي. والشروط التي وضعتها للحضور هي نفس المطالب للثلاثي المهزوم قطر وتركيا والسعودية وان كانت السعودية أصبحت تشكل الواجهة لمثل هذا التحالف الثلاثي الغير مقدس. النقطة الجوهرية التي ارادت السعودية تحقيقها من خلال الوفد هو الاعتراف الاممي بان وفد الرياض التي تتحكم السعودية بقراراته هو الوفد الرسمي والوحيد المخول بالتفاوض عن المعارضات السورية بغض النظر عن ماهيتها وتواجدها وطروحاتها ورؤيتها في الحل للازمة السورية. ولا شك ان المعارضات الأخرى ومن ضمنها المعارضة الوطنية لم تقبل فكرة ان تكون ضمن وفد الرياض نظرا للبون الشاسع في رؤيتها للحل، فهي وفي معظمها ترفض رفضا قاطعا ان تكون مطية لهذه الدولة أو تلك وتؤكد على ان الحل يجب ان يكون بالحوار بين أبناء الوطن الواحد دون تدخلات اجنبية وبغض النظر عن هذه الجهات. وان من سيقرر مستقبل النظام السياسي في سوريا هو الشعب السوري من خلال انتخابات عامة حرة ونزيهة تجري تحت اشراف ورقابة دولية. وفد الرياض أمر بالذهاب الى المؤتمر بالرغم من كل العنتريات والتصريحات النارية التي أطلقت هنا وهنالك وخاصة من قبل رئيس ما سمي ب "اللجنة العليا للمفاوضات" حيث صرح في البداية ان وفد الائتلاف لن يذهب الى جنيف إذا دعي طرف ثالث للمفاوضات وذلك لان السعودية أرادت احتكار المعارضة وتركيزها بهذا الوفد فقط. وبعد ان علم ان المفوض الدولي قام بإرسال دعوات لبعض الشخصيات الأخرى قال وفد الرياض ان موقفه من الحضور أو عدمه سيحدد على ضوء تحديد صفة المشاركين الاخرين كمحاورين أو مستشارين لوفد الرياض. وكان التوقع ان تؤجل البدء بالمفاوضات الى يومين او ثلاث ولكن روسيا من خلال وزير خارجيتها السيد لافروف أصرت على البدء بالموعد المحدد بمن حضر سواء حضر وفد الرياض أم لم يحضر. كانت كل من قطر وتركيا تدعمان عدم الذهاب ولكن هذا لا يعني ان السعودية كانت تريدهم الذهاب ولكنها كانت تسعي لتحصيل مكاسب سياسية قبل إعطاء التعليمات للمسخ المعارض بالذهاب. فآل سعود كانوا قد تلقوا الامر من البيت الأبيض عليكم الذهاب الى جنيف والا؟؟؟؟. ودعت وزارة الخارجية الامريكية المعارضة السورية الى المشاركة في محادثات جنيف دون شروط مسبقة. ولما ارتأت السعودية ان الركب سيسير بها أو بدونها أوعزت للأداة السيد حجاب رئيس "اللجنة العليا للمفاوضات" ان يعلن ذهاب الوفد الى جنيف. وكان لا بد من إيجاد "تخريجة" لهذا الرضوخ فقال حجاب ان الوفد قد وافق على الذهاب الى جنيف 3 بعد ان تسلم ضمانات وتطمينات اممية ومن الولايات المتحدة، دون ان يذكر ما هي هذه الضمانات او التطمينات التي جعلت الوفد "على تغيير" مواقفه من الحضور أو عدمه. الشيء المؤسف والمدان في تصوري هو عدم توجيه الدعوة الى الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا الذي يرأسه صالح مسلم مما دعا ممثلو مجلس سوريا الديمقراطية بعدم المشاركة في المؤتمر. ولا بد لنا ان نشير هنا ان استبعاد أو ارجاء توجيه الدعوة الى الحزب الديمقراطي الكردي اتى نتيجة لممارسة الضغوط من قبل تركيا أردوغان التي رفضت رفضا قاطعا حضور المؤتمر (بمعنى انها ستمنع وفد الرياض من الحضور) في حالة توجيه الدعوة الى الحزب الديمقراطي الكردي حيث ان اردوغان يعتبر هذا الحزب هو امتداد لحزب العمال الكردستاني التركي الذي تعتبره تركيا منظمة إرهابية وتشن عليه في المرحلة الحالية حربا بلا هوادة في جنوب شرقي تركيا وذلك بعد ان نكث اردوغان بكل الوعود التي قطعها لزعيم الحزب أوجلان الذي ما زال يرزح في السجون التركية. ان عدم توجيه الدعوة الى الحزب الديمقراطي الكردي وهو مكون من المكونات السياسية والعسكرية التي تقاتل إرهابي داعش والنصرة يدلل بشكل لا لبس فيه ليس فقط على وقاحة أردوغان بل يدلل أيضا الى مدى التورط التركي في الشأن الداخلي السوري. ولا نستطيع ان نستوعب مطلقا كيف للأمم المتحدة الراعية للمؤتمر ان ترتضي باستبعاد مكون اجتماعي رئيسي سوري في المفاوضات بين الأطراف السورية لان احدى الدول الإقليمية غير موافق على ذلك. وهذا مخالف للنصوص التي وردت في القرار الاممي لمجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي يتحدث عن ان تمثيل وفد المعارضة يجب ان يكون شاملا وواسعا لأقصى حد ممكن. الخطورة في عملية استبعاد المكون الكردي نزولا عند الرغبة التركية تكمن في نقطتين أساسيتين كأول قراءة في ذلك. أولا: سيؤخذ اسبقية لان تتدخل قوى إقليمية أخرى تعمل على مزيد من تفجير الوضع في جنيف 3 لان ليس لديها النية الصادقة في السير بطريق الحل السياسي، وربما ذهبت الى جنيف في محاولة لكسب الوقت وفي محاولة لوقف تدهور المجموعات الإرهابية التي تناصرها مثل جيش الإسلام واحرار الشام الذي تحاول السعودية الحاقهم في العملية السياسية وخاصة وانها وضعت على راس المفاوضين قيادي من جيش الإسلام الارهابي التابع لها. ان الذهاب الى جنيف للضغط في عملية وقف إطلاق النار بين الجيش العربي السوري وما يسمى بقوات المعارضة السورية والمعني المجموعات الإرهابية من جيش الإسلام واحرار الشام يراد به الحفاظ على هذه المجموعات، وخاصة مع التقدم السريع الذي بات الجيش العربي السوري وحلفائه في المقاومة اللبنانية والذي بات يهدد هذه المجموعات الإرهابية بجانب تنظيم داعش والنصرة. فالسعودية، وتركيا وقطر تريد ان تقطف على طاولة المفاوضات ما يحققه الارهاب في سوريا. ثانيا: ان استبعاد الحزب الديمقراطي الكردي الذي يتمتع بشعبية في الوسط الكردي السوري لا يلزم الحزب بتبني ما سينتج عن المفاوضات في حالة نجاحها وهو ما نشكك به ضمن التركيبة الموجودة من المعارضة وطبيعة موازين القوى على الأرض. وقد صرحت المصادر الحزبية من ان الحزب لن يلتزم بمخرجات المفاوضات الجارية حاليا. والاستبعاد قد يخلق أجواء من عدم الثقة والشعور بالخذلان والتهميش لمكون أساسي في سوريا مما قد يدعو الاكراد الى عملية انفصال عن الوطن السوري. ونحن لا نستبعد ان يكون هذا ما تريده الولايات المتحدة من استبعاد المكون الكردي لان هذا يصب في استراتيجية تقسيم الوطن السوري. والذي يجب ربما ان نشير اليه هنا هو ما تردد مؤخرا من قيام الولايات المتحدة في توسيع مدرج مطار قديم غير مستخدم في المناطق الكردية مما يشكل اعتداء سافرا على السيادة السورية. وقد يكون الغرض من هذا هو خلق بؤرة او كيان في الشمال السوري قد يتم الحاقه بالدولة الكردية المستقبلية إذا تم اقامتها في إقليم كردستان العراق. وكنا قد أشرنا سابقا بالدعوات التي أطلقها السيد مسعود البرازاني رئيس إقليم كردستان العراق من ان الوقت قد حان لإقامة الدولة الكردية. وربما من هنا نجد الإصرار الروسي ووفد الحكومة السورية على ضرورة تمثيل الحزب الديمقراطي الكردي في المباحثات في جنيف 3. البعض قد يطرح مشاركة جيش الإسلام واحرار الشام مقابل اشتراك الحزب الديمقراطي الكردي، وهو الامر الذي تتحفظ عليه الدولة السورية وإيران وروسيا باعتبارهم تنظيمات إرهابية. الطرح مردود على أصحابه لان الحزب الكردي يحارب الارهاب وهم مكون اجتماعي في المجتمع السوري قبل ان يكون حزبا سياسيا وله مقاتليه الذين يقاتلون داعش والنصرة. أما جيش الإسلام واحرار الشام فهذه مجموعات إرهابية ولا تشكل مكون اجتماعي سوري أو حزبا سياسيا بل ان كلاهما تنظيمات مرتبطة وممولة ومدعومة من قوى إقليمية لها مآرب في سوريا. وبناء على ذلك لا يمكن القبول بهم كأطراف مفاوضة. وإذا ما أراد البعض ان يتخذ جانب المصالحة مع السوريين المتواجدين في هذه المجموعات فانه من الضروري أولا ان تعلن المجموعتين رسميا وعلنا تخليهم عن كافة الارتباطات مع تنظيم القاعدة واستعدادهم للانخراط الفعلي لمحاربة داعش وجبهة النصرة. في النهاية نود ان نؤكد على ان المعارضة المنبثقة عن مؤتمر الرياض في حقيقة امرها لا تمثل فعليا معارضة سورية بقدر ما هي أداة لدول إقليمية لا تسعى الى الحل السياسي للازمة السورية وما زالت هذه القوى الإقليمية تغرد خارج السرب وخارج إطار موازين القوى على الأرض السورية ومنسلخة عما يدور في الميدان وتأمل كما يأمل السيد كيري ان لا يؤثر ما يدور على الساحة والميدان السوري والإنجازات التي يحققها الجيش العربي السوري وحلفائه على المباحثات التي ستنطلق في جنيف غدا. وهذا تفكير سياسي ساذج ان لا نريد ان ننعته بكلمات أخرى. ففرنسا خرجت تلملم جراحها وخيبتها من فيتنام بعد معركة ديان بيان فو الشهيرة عندما هزمت من المقاومة الفيتنامية والجيش الأمريكي لم يكن اوفر حظا أيضا في فيتنام بعد تسلم المهمة بعد الفرنسي. وما قاله السياسي الأمريكي المخضرم كيسنجر آنذاك لا نستطيع ان نحققه على طاولة المفاوضات ما لم نحققه على ساحة المعركة. بمعنى ان المهزوم والمأزوم لا يمكن ان يضع شروطه على طاولة المفاوضات. فهل تتعظ كل من السعودية وقطر وتركيا؟ التصرفات والوقائع لا تدلل على ذلك. ومن هنا نقول انه كما فشل جنيف 2 فان افق نجاح جنيف 3 ضئيلة جدا ان لم نريد ان نقول معدومة. ويبقى سيد الموقف هو الميدان وهو الذي سيقرر ويحسم الامر بشكل مطلق. ان كل الوقائع على الأرض تدلل على افول محور الأعداء وانتصار محور المقاومة في سوريا.
bahij.sakakini@gmail.com