2024-04-25 11:31 م

حياتنا ....بين زمنين !!

2016-02-03
بقلم: وفيق زنداح
ننشد للماضي بكافة جذوره ومنعطفاته ... مؤشراته ودلالاته ... هذا الماضي الذي يعود بنا بذاكرته لأيام الطفولة البريئة ... والشباب القوي ... والرجولة المتزنة بوعيها وسلوكها ومبادئها ... وحتى الشيخوخة بايمانها وعقيدتها واستخلاصاتها المتراكمة ... والتي تنشر ما لديها من توجيهات وارشادات . منظومة قيمية حياتية أخلاقية... فيها ملامح ومضامين جمالية... لا يستطيع أحد التنكر لها ... او القفز عنها ... الا استثناءا هنا او هناك ... بمن يغيبون انفسهم ... ومن لا يريدون استقامة حياتهم ... وهداية قلوبهم ... جهل مستحكم ... وعناد مكابر ... وقلوب مقفلة... لا تنبض بروح الحياة ومبادئها ... استثناء قد يشوه الصورة ... ولكنه لا يستطيع الغائها وتسويدها بأعيننا ... وبنبض قلوبنا وبفكرنا المتجدد ... برغم النقاط السوداء... في ظل صفحة بيضاء كانت بالزمن الجميل... رغم فقداننا للكثير من مظاهر الحياة والرفاهية ... وما يسمى اليوم بتكنولوجية العصر ... احياء كاملة كانت تستمع الى مذياع واحد ... ووطن كامل كان يشاهد شاشة واحدة ما بعد العقد السادس من القرن الماضي ... مباريات كرة القدم كنا لا نعرف الا الأندية المصرية وعلى رأسها الأهلي والزمالك والترسانة والاسماعيلي ... الأولمبي والاتحاد وغيرها من الأندية والتي كنا نشاهدها من خلال المقاهي والشوارع العامة ... كوكب الشرق أم كلثوم كنا نستمع اليها بحفلها وعبر الاذاعة المصرية... اذاعة واحدة كانت تصل المحيط بالخليج ... وشاشة واحدة كنا نشاهدها تسمى التلفزيون العربي (المصري) ... كنا نعرف مذيعا واحدا ذات صوت عروبي قومي اسمه أحمد سعيد عبر اذاعة صوت العرب من القاهرة ... كنا نستمع لخطابات زعيم واحد يزرع بداخلنا الامال المتجددة والمعنويات العالية الرئيس الخالد جمال عبد الناصر ... وحدة واحدة شاهدناها ... واستمعنا لاطرافها الرئيس عبد الناصر والرئيس السوري شكري القوتلي في اطار نظام سياسي موحد يجمع الاقليم الشمالي والاقليم الجنوبي تحت مسمى الجمهورية العربية المتحدة . مرحلة زمنية فيها من المعنويات والوطنية والقومية ما يعزز من صبرنا ... ومقومات صمودنا ... حقبة زمنية شاهدنا فيها كل ما يسر القلوب... رغم ما اعترى هذه الحقبة من ضربات وانتكاسات ... لكنها سرعان ما كانت تذهب ادراج الرياح ... لما بداخل الشعوب من معنويات وطاقات ... وايمان لا يتزعزع بحتمية الانتصار . الزمن الجميل ... كان زمنا عاقلا ممنهجا ... زمنا توافقيا قوميا ... زمنا اخلاقيا ... زمنا كان يعرف فيه كل ما هو اخلاقي وموروث ثقافي ... يميز ما بين الخطأ والصواب ... وما بين الحقائق والأكاذيب ... عشنا زمنا صادقا ... وليس زمنا عبثيا ... فاقدا للأهلية والتوازن ... كنا نعيش زمن العزة والكرامة والشرف الحقيقي ... زمن الجدية والاخلاص والعمل ... الزمن الذي كان يخرج فيه الناس لأعمالهم مع كل صباح ... يؤدون واجباتهم بروح عالية وايمان قوي ... ذاك الزمن الذي كان يقبل به ما قسم من أرزاق ... وما توفر من رضى وقبول ... بعيدا عن الصراعات والاحباطات ... وعدم القبول بما قسم من أرزاق . من حقنا أن ننشد للزمن الجميل ... ومن واجب الاجيال علينا ان نعطي ونؤشر لهم على بعض العناوين ... وما بداخل زمنهم من عيوب وأزمات . الزمن الماضي زمن خبز الطابون ... زمن الزيتون والزعتر والزيت ... زمن العسل ... زمن بريق الفخار الذي كنا نشرب فيه من مياهنا العذبة . الزمن الجميل ... زمن المحبة والتسامح ... زمن الكرامة والشهامة ... والعفو عند المقدرة ... زمن الشعور بالجار حتى ولو جار ... زمن التكافل والتضامن ... وليس زمن الشعارات والعبارات المنمقة ... زمن الفعل لا الاقوال ... زمن الواجب دون مقدمات وشروحات وتحليلات ... الزمن الماضي هو الزمن الانساني بمثالياته واخلاقياته وادبياته ... زمن المودة وتقديم الحق على المصلحة ... زمن الوفاء بالعهود ... من حقنا ... بل من واجبنا أن ندفع باتجاهات وسلوكيات ومبادئ الزمن الجميل ... وما استخلصناه من ذلك الزمن ... لينقل الى واقع الزمن الحالي ... على ان لا تندم الأجيال ... على انها من اجيال هذا الزمن ... اجيال الزمن الحالي تعيش ظروفا مختلفة ... وتكنولوجية متقدمة ... تعيش ثورة المعلومات .... والتقدم الصناعي يعيشون بظروف اقتصادية افضل ... لكنها تفقد قدرتها الشرائية في ظل تعدد الاحتياجات ... يتواصلون مع بعضهم البعض وكأن العالم بغرفة صغيرة ... مظاهر الحياة المتوفرة ... لم تسعف ... ولم تساعد... ولم تدفع... افضل من الماضي وهنا يكمن الخلل ... وتتعقد المشكلة ... ليبقى السؤال ... لماذا ننشد للماضي... باعتباره الزمن الجميل... ونسخط على الواقع باعتباره الزمن الهابط . هبوط الزمن الحالي ... هبوط قيمي اخلاقي... سلوكي أدبي ... يعزز بداخل قلوبنا ألم شديد وحزن عميق ... عندما نحاول ان نسرد تفاصيل المشهد الحالي ... وفروقاته الشاسعة... ما بين الماضي والزمن الحالي ... بفكره وسلوكياته وتكنولوجيته... فالموسيقى ليست هي الموسيقى القديمة ... والاغنية ليست هي الاغنية القديمة ... والتعليم ليس هو التعليم القديم ... والثقافة ليست هي الثقافة القديمة... والشعر والأدب والقصة والرواية ليس كما نحن عليه الان... والطعام ليس هو الطعام القديم بمذاقه وفوائده الصحية ... والمياه كذلك والرعاية الصحية كذلك نظافة الشوارع والمدن ... كل شئ قديم كان افضل بمراحل... برغم قلة الامكانيات... اذا ما تمت المقارنة مع الواقع الحالي... وهذا ليس مرتبطا بحالنا وظروفنا ... ولكنه ذات علاقة بدول كثيرة وأوطان عديدة... اذا ما تمت المقارنة ما بين قديمهم وحديثهم ...ستجد الفرق شاسعا ... وسترى النتائج والفروقات كبيرة . هذا الحاضر الهابط من المصالح الغالبة ... والقلوب الحاقدة ... والارادة المهتزة والافكار المشتتة ... زمن الغلبة للأقوى ... زمن الحق والعدل الضائع ... زمن الفجور واعلاء الصوت ... زمن الشتائم والقذف ... زمن عدم احترام الصغار... واضاعة حقوق الكبار ... زمن غابت فيه الكلمة المسموعة... والرأي السديد... والرجل الرشيد ... زمن يرى كل منا في عقله الاتزان وفي رأيه الصواب ... زمن الدجل والكذب ... زمن الافتراءات والتطاول والتشهير ... زمن بلا اخلاقيات وبلا قيم .... كل هذا عند البعض ... وعند القلة القليلة... ممن لا زالوا على حياتهم ... وثقافتهم وسلوكياتهم ... من لا زالوا على قناعاتهم وممارساتهم ... والتي يرون فيها الصواب ... ويرون في الاخرين الخطأ. رغم مرارة الزمن وتعقيداته وتشابكاته ... وهذا الغلو في اطماع البعض ... وهذا الانشداد لبريقه وحداثاته... وهذا التغييب ربما المقصود للكثير من موروثاتنا وثقافتنا وتعاليمنا ... عاداتنا وتقاليدنا ... والتي تصعب علينا الكثير... من ظروف حياتنا ... وتجعل منا فاقدين للأمل برؤية واقع أفضل ... من الزمن الجميل الذي نعود اليه في كل أزمة من أزماتنا . صحيح ان الزمن الجميل ننشد اليه ونعيش احلامه واماله ... ونستذكر إيجابيات وتجلياته ... لكن هذا لا يعني بالمطلق... بأن الزمن الذي نعيش فيه سوداويا لدرجة الاحباط وفقدان الثقة ... فما نشاهد اليوم الكثير... مما يثير الاعجاب... في ظل تفوق علمي وتكنولوجي ... وفي ظل تطور صناعي ... وقدرات علمية وكفاءات مهنية ... نسعد اليوم بهذه الأجيال الشابة المفعمة بالحياة والعمل ... والتي تحتاج الى المزيد من الفرص لأثبات ذاتها ... واقناع من سبقوهم من أجيال... ان امكانيات هذه الأجيال هائلة وعظيمة... وفيها من العلم والمهنية ما يوفر امكانية النجاح وخوض التجربة... واثبات الذات والانتصار ... على كل ما يعكر عزيمتنا وايماننا بأن اجيالنا الحالية قادرة على النجاح ... رغم كافة التحديات والمصاعب التي تواجهها بفعل عوامل الواقع... وما يتم استحداثه من سلبيات... تحول دون تقدم هذه الأجيال على خارطة العمل والمراكز القيادية داخل مؤسساتنا الفاعلة . نأمل ان تتوفر الجدية والمخططات والبرامج العلمية والادارية لإعطاء المزيد من الفرص لأجيالنا الشابة التي تطوق لإثبات ذاتها... وخوض غمار العمل بكل جدية واخلاص وايمان عميق لخدمة الوطن.