2024-04-20 04:52 م

تهديدات أردوغان الجوفاء...واللغط الدائر في جنيف

2016-02-04
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
السيد أردوغان لا يفوت اية فرصة في سبيل محاولة العودة الى واجهة الاحداث بعد ان حجم دوره في المنطقة وخاصة على الساحة السورية بعد دخول روسيا على خط الازمة السورية بمساندة الجيش العربي السوري وحلفاؤه على الأرض. وربما الخطيئة الكبرى الذي ارتكبها بإسقاط الطائرة القاذفة الروسية بكمين مدبر ومخطط له وهي تقصف مواقع الإرهابيين في نوفمبر من العام الماضي. وعلى ذلك تدحرجت ردود روسيا ولكن ليس بالشكل الذي أراده اردوغان. فلم تكن الردود مشوبة بالعنتريات أو بلحظات انفعالية بل بشكل متأني ومدروس ومؤذي لتركيا اردوغان من الناحية الاقتصادية والسياسية وجاءت بشكل متدحرج (http://pelest.com/article/view/id/8665) قبل هذه الحادثة لم تكن روسيا تتعامل مع تركيا كعدوة على الرغم من البون الشاسع في مواقف الطرفين من الازمة السورية، بل كانت تعتبر تركيا كشريك مع روسيا في العديد من المشاريع الاقتصادية على المستوى الاستراتيجي وخاصة في مجالات الطاقة. حيث كانت وما زالت تركيا تستورد معظم احتياجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا عبر خطوط انابيب تصل اليها. بالإضافة الى ذلك وعنما نشأت المشاكل مع النظام الفاشي الجديد في أوكرانيا الذي جاءت به المخابرات المركزية الامريكية في كييف، بالإضافة الى الاستجابة الأوروبية للضغوط الامريكية كالعادة لاتخاذ مزيدا من العدوان الاقتصادي على روسيا بغرض تحجيم دورها المتصاعد على الساحة الدولية، قام بوتين بتوقيع مذكرة تفاهم مع اردوغان لبناء خط غاز سمي "تيركش لاين" لنقل الغاز الروسي الى أوروبا عبر تركيا وقام بإلغاء "ساوث ستريم" الذي كان من المفترض ان يمد جنوب أوروبا بالغاز الروسي متجاوزا الأراضي الأوكرانية. واتفق مع تركيا على بناء خط تيركش ستريم ليمر عبر الأراضي اليونانية ومن ثم الى دول جنوب اوروبا. وفي مقابل ذلك كان من المفترض ان تزداد كمية الغاز المصدرة الى تركيا بثلاثة مليارات متر مكعب سنويا إضافة على 13.6 مليار متر مكعب تستوردهم تركيا حاليا. بالإضافة الى ذلك أبدت روسيا استعدادها لخفض سعر الغاز الذي تورده الى تركيا بنسبة 6%. بالإضافة الى كل ذلك تم توقيع عقود يتم بموجبها ان تقوم شركات روسية ببناء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية تعمل بالوقود النووي، الى جانب استثمارات وتفاهمات للبلدين في عدة قطاعات صناعية وزراعية وسياحية. هنالك 4 ملايين ساح روسي يقومون بزيارة تركيا كل عام. تعرضنا لهذا هنا حتى نبين ان العلاقات بين الدولتين كانت علاقات قوية ينتفع من وراءها البلدين وكما ذكرنا على الرغم من التباعد في المواقف السياسية وخاصة فيما يختص بالشأن السوري. ولكن هذا الامر تغير كلية بعد حادثة اسقاط الطائرة الروسية وقتل أحد طياريها على ايدي مجموعات مدعومة من تركيا في منطقة جبل التركمان. وعندما اسقطت الطائرة الروسية التجأ اردوغان الى الناتو بحكم ان تركيا هي دولة في الحلف ولكن بالرغم من تصريحات الناتو بدعم تركيا والقول بانه من الضروري ان تحترم روسيا سيادة الأرضي التركية، فان الناتو بحسب الكثيرون من المحللين الغربيين لم يكن مرتاحا من التهور التركي ولا يريد الانجرار وراء مصادمة مع القوات الروسية العاملة على الأراضي السورية. وخاصة وان الطائرة الروسية لم تكن تستهدف مواقع داخل الأراضي التركية ومن يدرك طبيعة التداخل الجغرافي على الحدود التركية –السورية يدرك تماما أن الاختراقات قد تحصل عند ضرب تجمع الإرهابيين في المناطق الحدودية. أراد اردوغان من تلك الخطوة المجنونة ان يفرض قواعد اشتباك تركية على الطائرات الروسية وان يحجم دورها خاصة في المنطقة الشمالية وذلك على امل إقامة "المنطقة العازلة" لحماية "المدنيين:" ، التي لم تكن الا خطوة "لحماية الارهابين المدعومين من قبل تركيا في المنطقة الشمالية وطرق امداداتهم بالأسلحة وحماية الطرق التي يتم من خلالها تهريب النفط السوري والعراقي لبيعه في الأسواق التركية أو الى الخارج. هذا ما تبين لاحقا بشكل لا يقبل الشك بالصور التي اخذت بالأقمار الاصطناعية الروسية والتي نشرت في وسائل الاعلام لقوافل من الحافلات لنقل البترول من الأراضي السورية الى الحدود التركية. المهم ان السحر انقلب على الساحر لان روسيا هي من فرضت قواع الاشتباك الجديدة والتي لخصها بوتين ورئيس الأركان الروسي بان الطائرات الروسية سوخوي 34 وصواريخ S-400 التي ادخلها الروس لحماية طائراتهم القاذفة والأجواء السورية، ان هذه ستسقط أي طائرة في السماء السوري او القريبة منه اذا ما ارتأت القيادة العسكرية ان هذا يشكل خطرا على الطائرات الروسية في الجو. واعطيت التعليمات الى الطيارين الروس بالتصرف حتى دون الرجوع الى القيادة الروسية على الأرض. وتصريح بوتين من ان روسيا قد طعنت بالظهر كان معبرا عما تلى من حيث التعامل مع تركيا على انها ليست بدولة صديقة. أتبع كل هذا بإجراءات اقتصادية ضد التعامل مع تركيا في مجلات كثيرة لا شك ان كان لها تأثير على تركيا. هذا لا يعنى انها لم تؤثر في نفس الوقت على روسيا ولكن روسيا استطاعت ان تتكيف الى حد كبير وخاصة في مجال استيراد المنتجات الزراعية من دول أخرى شملت مصر وسوريا وغيرها. وربما الخطوات العسكرية التي اتخذت بعد ذلك أو بالأحرى ربما سرع بها فهي البدء بتنظيف الشمال السوري في منطقة اللاذقية من العناصر الإرهابية المدعومة من تركيا والوصول الى جبال التركمان حيث تم اسقاط الطائرة الروسية ولم يتوقف الجيش العربي السوري وحلفاؤه على الأرض من التقدم صوب الحدود التركية لإغلاقها امام الإرهابيين وطرق امدادهم بالأسلحة والذخيرة عبر الأراضي التركية وذلك مع غطاء جوي روسي فعال مستمر مع تكثيف الطلعات الجوية اليومية. وها هو الجيش العربي السوري وحلفاؤه أصبحوا في العديد من المناطق لا يبعدون الا كيلومترات قليلة عن الحدود التركية. بالإضافة الى ذلك فان قوات حماية الشعب الكردية من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري الذي يتزعمه صالح مسلم بدأ يتسلم دعما جويا روسيا أيضا في مقاتلته للإرهابيين في الشمال السوري بالإضافة الى دعمه سياسيا للذهاب الى جنيف 3 باعتباره انه مكون رئيسي من المكونات الاجتماعية والسياسية والعسكرية في سوريا. هذا الحزب الذي تعتبره تركيا اردوغان إرهابيا وفصيلا من حزب العمال الكردستاني الذي يشن عليه الجيش التركي حربا دون هوادة في الجنوب الشرقي من تركيا. اردوغان فشل في جر الناتو في مواجهة روسيا بوتين إرضاء لطموحاته الذاتية في ان ينصب نفسه السلطان العثماني الجديد ولاعبا أساسيا في المنطقة. ان الدول الاوروبية بالإضافة الى أمريكا لا تعتبرانه شريكا بقدر ما تعتبرانه انسانا متهورا يتصرف بردود فعل عاطفية آنية، الى جانب انه يعمل على تبديل المواقف والتحالفات بحسب المزاجية السياسية التي تتناسب مع طموحاته الذاتية، ومن هنا لا يمكن الاعتماد عليه كحليف. كما فشل في جر الإدارة الامريكية وحلف الناتو في دعمه على إقامة منطقة عازلة في شمال سوريا كخطوة على ضم بعض الأراضي السورية ضمن مخطط اعادة رسم الخرائط الجغرافية والتحالفات السياسية في المنطقة التي تقودها الولايات المتحدة. وفي محاولة للضغط على الدول الأوروبية لتحقيق ذلك قام بإغراقها في أكبر موجات من المهجرين السوريين في مخيمات الايواء على الأراضي التركية. وغض النظر عن المهربين والمافيا التركية التي عملت بشكل نشط على تهريب اللاجئون السوريون وغيرهم الى اوروبا عن طريق اليونان. ولقد زاد من عزلة تركيا أردوغان افتضاح علاقته بتنظيم داعش الارهابي والمجموعات القاعدية. وبدأت وسائل الاعلام الغربية تتحدث بشكل علني عن ذلك، كما تحدثت الى جانب ذلك عن سياسة تكميم الافواه المعارضة لسياسته في الداخل وخنق الحريات الشخصية والعامة وزج العديد من الصحفيين بالسجون، مما جعل تأييد سياسته والارتباط به شبهة بتبني هذه السياسة والسكوت عليها. ولم يسلم حتى من القيادة السياسية في الكيان الصهيوني الذي وجهت له تهمة الضلوع في دعم تنظيم داعش وبيع النفط المنهوب لهذه الجماعات الذي شكل مصدر رئيسي لتمويلهم. حتى في اللحظات التي كان اردوغان يسعى الى إعادة العلاقات مع إسرائيل بعض القطيعة الشكلية على اثر حادثة السفينة مرمرة التي كانت متوجهة الى قطاع غزة في محاولة لكسر الحصار والتي قتل فيها عدد من الاتراك عندما تعرض لها قوات من الجيش الاسرائيلي. طبعا الاتهام الإسرائيلي لتركيا اردوغان كان المقصود به ابعاد التهمة عن الكيان بدعم الإرهابيين في سوريا وخاصة في منطقة الجولان المحتل. وبادرت إسرائيل بتكوين تحالف مع اليونان وقبرص الد أعداء تركيا لضمان مصالحها في آبار النفط والغاز في البحر المتوسط. ومن سخريات القدر في "محاربة" داعش والإرهاب ان بعض من "يقاتلونه" في المنطقة هم أنفسهم الداعمين والممولين والمشغلين والمؤسسين له والمحافظين على وجوده وتمدده وانتشاره السرطاني في المنطقة لاستخدامه كأداة لتحقيق مآرب استراتيجية بالإضافة الى أخذه كذريعة للتدخل والتواجد العسكري في المنطقة. تركيا اردوغان تشعر فعليا ان دورها كلاعب أساسي في المنطقة بدأ ينهار ولم تعد تلك الدولة القوية التي يمكنها من ترك بصماتها في الحلول لازمات المنطقة وخاصة في الازمة السورية، وهي التي كان لها ولفترة قريبة الأثر الأكبر في الازمة وسيرها والتلاعب بمعطياتها. ولا شك ان اهم العوامل التي أدت الى التراجع والانكفاء للدور التركي هو الصمود للدولة السورية والنجاحات المتسارعة التي يحققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه على الأرض بدعم روسي جوي مؤثر وموجع للمجموعات الإرهابية بما فيها المجموعات الإرهابية المدعومة بشكل كبير من تركيا. الجيش العرابي السوري وحلفاؤه يتقدمون بتسارع مذهل وبغطاء جوي روسي الى المناطق الحدودية مع تركيا. الوصول الى هذه المناطق الحدودية والسيطرة على المعابر وتطهير هذه المنطقة من الإرهابيين، يعني ببساطة الخروج التركي نهائيا من التأثير على مجرى الاحداث في سوريا واسقاط كامل لدورها. ومن هنا تسعى تركيا لمنع هذا الانهيار التام للمجموعات الإرهابية المدعومة من قبلها. تركيا لم تعد قادرة على تقديم الدعم والغطاء الجوي لهم ولا حتى إيصال ربما الأسلحة والذخيرة بالشكل المريح والسهل لهم بحكم التقدم للجيش العربي السوري وحلفاؤه على الأرض والسيطرة الكاملة للطيران الروسي والسوري على الجو بحيث يتم ضرب أي تحرك لقوافل النجدة لهم من تركيا. تركيا اردوغان تقوم الان في جملة من المحاولات اليائسة لمنع الانهيار التام للمجموعات الارهابية في الشمال السوري. من هنا أتت الاتهامات التي وجهت الى الطائرات الروسية باختراق الأجواء وسيادة الأراضي التركية. وبحسب بعض التقارير هذا الاختراق قد يكون قد تم لمدة أقصاها 20 ثانية. ولنقل ان هذا صحيحا فهل يستدعي هذا التهديد بان تركيا لن تسكت وستتصدى للطائرات الروسية وبطلق اردوغان ورئيس وزراءه التصريحات النارية وهم يدرون في داخلهم انهم عاجزين عن فعل ذلك حتى لو كان هنالك نية بالإضافة الى ان الناتو ليس في وارد فتح جبهة مع روسيا لسواد عيون اردوغان او تركيا لأنها دولة من دول الناتو. إضافة الى ذلك ان تركيا تعي جيدا ان الطائرات الروسية لن تعتدي على الاراضي التركية ولا على الجيش التركي ولن تتعامل مع تركيا وكأنها في حالة حرب مع تركيا. كان الأولى بتركيا أو بالأحرى باردوغان ان لا يتصرف بهذا الشكل الصبياني والمراهق سياسيا. على الجانب الاخر تسعى تركيا ومن خلال وفد الرياض المسلوب الإرادة والسيادة المتواجد في جنيف ان تضع وقف إطلاق النار كشرط للبدء في المباحثات الغير مباشرة مع وفد الحكومة السورية. ولماذا وقف إطلاق النار؟ ببساطة لأنهم لا يريدون القضاء النهائي على المجموعات الإرهابية التي يمكن ان يوظفوها في المباحثات إذا ما كتب لها ان تبدأ. والجانب السعودي على الرغم من ارساله للوفد الا ان آل سعود يرون ان الأمور الان لن تجعلهم يحصلون على أي شيء ولذلك فهم اغلب الظن سيعطلون البدء بالمباحثات ولن يكتب لها النجاح فيما إذا بدأت. وهذا يستشف من تصريحات الأدوات في معارضات الرياض..." لن نبدأ بالحوا الا اذا توقف الروس عن قصف المدنيين.." " لن نبدأ الا ان تتوقف الطائرات الروسية على ضرب المعارضة..." وهكذا دواليك في التركيز على روسي وايران....يبدو ان مدرس الاعلام لديهم يقوم بتلقينهم الدرس ليحفظوه عن ظهر قلب وبنفس الكلمات. يريدون ابراز الدور الروسي والإيراني والبعض يقول الاحتلال الروسي الإيراني....المشكلة معهم هي انهم عبيد ولا يستطيعون التفكير الا بطريقة العبيد. فهم بالأساس عبيد لما يمليه عليهم آل سعود أو تركيا وقطر ويميلون لمن يدفع أكثر، ويتقاتلون فيما بينهم على المناصب والمراكز لدولتهم التي يرسمونها في مخيلتهم، بحلم لم ولن يتحقق. المفارقة ان السيد كيري صرح في البداية ان ما يدور في جنيف يجب أن لا يتأثر بما يدور في الميدان. طبعا السيد كيري يعلم علم اليقين ان هذا مغالطة كبيرة ومنافية لكل العلوم السياسية والحروب منذ ان وجدت البشرية على سطح هذا الكوكب المسمى بالأرض. ما يدور في المباحثات اذا بدأت مع يقيننا بانها لن تبدأ واذا ما بدأت لن تحقق الشيء الكثير عما سبقتها وخاصة واننا نسمع نفس العبارات والكلمات والالحان القديمة من قبل وفد الائتلاف أو وفد الرياض كما يسمى بحق فالمرجعية السياسية له هم آل سعود فهم الذين يقررون وما على الببغاء سوى ترديد ما تسمعه من سيدها. البعض يتمتع بغباء ويتفوق به على غيره بدرجات في هذا الإطار لأنه لا يريد ان يرى الحقائق كما هي على ارض الواقع، ويفضل العيش على كوكب آخر غير الكوكب الذي نعيش عليه وتجري الأمور على ارضه. في النهاية نقول انه من الواضح ان العمليات العسكرية لن تقف قبل القضاء على تنظيم داعس وجبهة النصرة ومن لف لفهم على اية بقعة من ارض سوريا الحبيبة وما نشهده اليوم هو الانهيار العسكري لهذه المجموعات الإرهابية الواحدة تلو الأخرى بفضل عزيمة الجيش العربي السوري وحلفاؤه الحقيقين وتحت الضربات والمؤازرة الروسية والإيرانية المركزة والمكثفة على الأصعدة العسكرية والسياسية والاقتصادية بشكل متكامل. هؤلاء هم الحلفاء لأسياد الأرض والوطن الشعب السوري البطل، الحر، والذي يمتلك الإرادة والسيادة والقرار السياسي. ولحين القضاء على هذا السرطان واغلاق الحدود لمنع تهريب الأسلحة والإرهابيين لن يكون هنالك توقف للعمليات العسكرية وإعطاء الفرصة لهؤلاء القتلة الإرهابيين من إعادة التجمع وتقديم الدعم لهم من قبل مموليهم وداعميهم ومشغليهم. القرار بهذا الشأن قد اتخذ من قبل الدولة السورية وجميع حلفاؤها وهو ما ينفذ على الأرض. وقضية استمرار تعطيل مؤتمر جنيف أو إيقافه أو تأجيل "المباحثات" التي لم تبدأ بالأساس لن يؤثر على سير العمليات ضد الارهاب على الأرض السورية بكافة اشكاله والوان اعلامه واختلاف مموليه لن تتوقف.
bahij.sakakini@gmail.com