2024-03-28 02:09 م

حياتنا ... والأجيال

2016-02-07
بقلم: وفيق زنداح
لا أحد مخلد بهذه الدنيا... كلنا ولدنا بحكم الطبيعة البشرية ... مررنا بفصول حياتنا ... ولا زلنا ... منا من غادرها ... ومنا من لا زال يعيش عليها . الحياة ليست واحدة بالنسبة لنا ... بل الحياة تختلف حسب كل منا ... وبحسب قوتنا وامكانياتنا ... ثقافتنا وقدرتنا ... لكل منا أن يسلك طريقه بإرادته ومعرفته ... بحكم أننا لسنا على وتيرة واحدة ... كما أننا لسنا بفكر وقلب ... أحاسيس ومشاعر واحدة ... كل منا بما فطر عليه ... وبما تم اكتسابه بفعل عوامل عديدة لها علاقة مباشرة وغير مباشرة بالبيئة والتربية ... الثقافة والمهنة ... التعليم والتجربة ... ومجمل العلاقات ... وما بينهما وخلالهما... يختلف كل منا بسلوكياته ... كما نختلف بقلوبنا وعقولنا واخلاقياتنا وادبيات تعاملنا . الحياة ربما يلمس البعض منا فيها بساطة شديدة ... وربما يرى البعض الاخر فيها التعقيدات الكثيرة ... حتى على مدار اليوم الواحد ... وعلى مدار اللحظة بمراحل العمر يرى كل منا بحسب قدرة تأثره وتأثيره ... استخلاصاته وتجربته... ومدى مروره بتجارب عديدة تولد لديه تراكمات تجربة... ممكن ان تساعده في تصليب ذاته والنهوض بأحواله... وتعزيز ثقافته وفكره ومنهجية حياته ... وربما العكس. الحياة مسألة مادية... تشمل كافة المتناقضات بتفاصيلها وعناوينها ... نجد الخير والشر ... كما نجد الخيرات والحرمان ... نجد الفرح والحزن ... القوة والضعف ... كل شيء ونقيضه . هناك المخلصين الأوفياء ... وهناك الكاذبين المنافقين ... هناك من يملأ قلوبهم الايمان... وهناك من يملأ قلوبهم والغيرة والحسد ... هناك من كان بداخلهم محبة الناس ... والانتماء للمكان والزمان ... ويحققون سعادتهم من خلال من حولهم ... بما يقدمون ويضحون به... وليس بما يكتسبون ويحرمون غيرهم منه . ليس في هذا قول فلسفي بالمعنى النظري ... بقدر تجربة كل منا جيلا بعد جيل ... وما يفرض علينا من الوقوف أمام انفسنا ... لإحداث المراجعة ... والتوقف أمام المحطات ... والعمل بجدية تامة لإنهاء واستئصال ما يعكر على كل منا انسانيته ... وما يعكر على النفس اطمئنانها... وما يدخلها بصراعات تدمر ما تبقى بشخصيته الانسانية . ممر الحياة ... ممر ملئ بالأحداث والمنعطفات ... ملئ بالتناقضات والاختلافات ما بين مرحلة واخرى... فلكل مرحلة وفترة زمنية سماتها وصفاتها ... فكرها وطباعها وسلوكياتها ... مشاعرها واحاسيسها ... انسجاما مع حالة كل منا ومدى التوافق والتناقض ... ومدى الاستقرار بحالة كل منا . حياتنا كسرعة البرق بزمانها ... وبذاكرة كل منا ... فبالأمس ولدنا ... واليوم أصبحنا كبارا وشبابا وشيوخا ... بذاكرة كل منا... تجد صورة حياة كل منا والتي تمر بأحداثها ومنعطفاتها ... وتجربتها واستخلاصاتها ... فمنا من يستفيد ويبني على ما تحقق من تراكمات التجربة ... ومنا من لا زال يصر على عدم الاستفادة من تجربته . منا من قام بواجباته التربوية ... وما صاحبها من رعاية دائمة وخدمات مقدمة منذ النشأة وحتى سن البلوغ ... وحتى الوصول الى مراحل القدرة على العمل والانجاز ... ومنا من عاش لنفسه ... واسقط واجباته ... وعاش حياته دون اهداف واضحة ووسائل محددة . ليس هناك قواعد ثابتة ... وليس هناك نظريات جامدة ... كل شيء مرن ومتحرك ومتفاعل ... كل شيء يؤثر ويتأثر ... كل شيء يضعف ويقوى بمرور الزمن ... ممرات اجبارية نسير عليها ونتفاعل بجنباتها ومنعطفاتها. كل منا وجد نفسه بظروفه المحيطة التي لم يصنعها ... ولكنه توارثها ... كل منا بنصيبه المتاح ... لم يختار أحد منا اسما أو عنوانا أو مكانا أو حتى زمانا ... لكل منا ثقافته.. ذكائه.. وصفاته.. سلوكه ..وقناعاته ... لكل منا دور بهذه الحياة... منا من يقوم بها على أكمل وجه ... ومنا من يقصر بأداء واجبه ... منا من يجد السعادة بعيون من حوله... ومنا من يعيش لأجل نفسه . حياة متناقضة... وغير مستقرة على حال ... كما حال الانسان المتناقض مع ذاته وغير المستقر على منهجه ... كل هذا بنسب متفاوتة... كما كتب كل منا لنفسه وكما كتب لنا ممن هم حولنا ... فهناك من صنع بأيدينا ... وهناك من صنع ممن حولنا... ولكل تأثيراته وانعكاساته ... كما لكل منا بحسب شخصيته بكافة عواملها الفسيولوجية والنفسية والسيكولوجية الثقافية والتعليمية والتربوية . كل منا يمر بالحياة ... لكن ليس كل منا يعيش بذات ظروفها ... لذا يخرج كل منا بشخصيته وفكره وثقافته ... تربيته وسلوكه ... انسانيته واخلاقياته ... بحسب معطيات وظروف ... ومكتسبات بيئية... ربما تضيف وتعزز من ايجابياته وتعظم منها ... وربما تحدث العكس والمتناقض معها . هنا تكمن الفروق والاختلافات ... فمنا من يكون متوازنا عاقلا انسانا بكافة الصفات والسمات الانسانية ... ومنا من يفتقد بعضها... او كلها ... كل بحسب تجربته واحاسيسه ... فكره وثقافته ... عائلته وبيئته المحيطة . حياتنا ... وعبر تتابع الاجيال... تولد لدينا رؤية فلسفية فكرية تربوية ... رؤية وطنية ... تعزز بداخلنا قناعات ثابتة وراسخة ... أن الدنيا بكل ما فيها من مغريات ... وبكل ما فيها من محاولات حرفنا عن فكرنا وتربيتنا وانسانيتنا ووطنيتنا ... وما تحلى به اجدادنا وابائنا وامهاتنا من سمات وصفات واستخلاصات ولدت لدينا مانعا قويا لمواجهة كل ما يمكن ان يعكر انسانيتنا وثقافتنا وصفاتنا . تجربة حياتنا ... والتي اكتسبنا منها الكثير عبر الاجيال... تؤكد لنا أن الدنيا فانية ... ومباهجها مؤقتة ... ومغرياتها تؤخر ولا تقدم ... وان ليس كل ما يلمع ذهبا ... وليس كل ما يقال يصدق ... حتى وصلنا لقناعة... ليس ما نشاهده حقيقة في ظل تكنولوجية تحرف الابصار... وربما تغذي الأفكار بما ليس صحيحا ومفيدا... فهل لكل منا ان يحدد تجربته ؟!