2024-04-19 10:57 م

دستورنا لا يُقرأ ولا يُطبق الا...

2016-02-12
بقلم: وردة بية
عندما اشتدت عاصفة الربيع العربي بعد اسقاط نظام بن علي في تونس ومبارك في مصر ، سارعت الجزائر مثل بقية الدول الأخرى ، الى تقديم مبادرة اصلاحات جوهرية على الدستور وبعض قوانين الجمهورية، فشهدنا آنذاك ، جولات ماراطونية أقامها مسؤولون في الحكومة مع بعض الشخصيات الوطنية ، الأحزاب ، التكنوقراط والأكاديميين.. لتقديم اقتراحاتهم بخصوص تعديل الدستور والتوجه بالدولة نحو دمقرطة أشمل وأنجع ... البداية كانت جادة و"سخونة" كما يقول الجزائريون ، ولكن بعد أن تحول الربيع العربي الى خراب للأوطان، وأدرك الجميع، بأن لا فائدة منه في التغيير السليم ، بدأت وتيرة الاصلاحات تتراجع ونبرة التعديل تَخفُت ، فاُستهلكت خمس سنوات ، ونسي الجزائريون أنهم ينتظرون مولودا جديدا اسمه الدستور.. اليوم ، تم تعديل الدستور ، وانتقل النظام من شبه رئاسي الى نظام رئاسي ، باستكمال تحويل جهاز الاستعلامات من وزارة الدفاع الى رئاسة الجمهورية ، وبزيادة مشبعة ومقننة في صلاحيات الرئيس والتي لا يوجد لها مثيل الا في جمهورياتنا، وذلك بتعيينه لرئيس وزراء، ليس من منطلق الأغلبية البرلمانية أو عن طريق هيئة دستورية أو لجنة محلفة ، أو عن طريق الاستشارة ، وانما عن طريق انتقاء غير مبرر، بحسب محللين.. ما نريد أن نتناوله من بين جميع تلك التعديلات المقترحة ، هو التعديل الجوهري الذي مس قطاع القضاء وقنن استقلاليته..حيث أوضحت المادة 138 أن السلطة القضائية مستقلة ، وان رئيس الجمهورية هو ضامن استقلالها”. وتؤكد المادة 145 على أن كل أجهزة الدولة المختصة تقوم بتنفيذ أحكام القضاء بحيث يعاقب القانون كل من يعرقل تنفيذ الحكم القضائي، وعن سلطة القاضي تقول المادة 147 بأنه لا يخضع القاضي إلا للقانون” مشيرة إلى أنه محمي من كل أشكال الضغوط والتدخلات والمناورات التي قد تضر بأداء مهمته أو تمس بنزاهة حكمه.. كما تنص المادة 151 مكرر بأن المحامي يستفيد من الضمانات القانونية التي تكفل له الحماية من كل أشكال الضغوط وتمكنه من ممارسة مهنته بكل حرية في إطار القانون. على العموم ، هناك مواد أخرى تتحدث عن التعديل في القوانين القضائية، وما يهمنا هو استقلالية القضاء واخراجه من بين براثن وحوش المال والسلطة.. أقول هذا الكلام ، وفي خاطري حادثة وقعت في إحدى ولايات الجزائر الجنوبية .. فقبل بضع سنوات شهدت تلك الولاية عهدة لأحد الولاة المتجبرين ،كان يطبق سياسة الترويع ، ومنطق العصا لمن عصا ، ويلجأ لجميع القوانين الصارمة لتطبيقها على عموم الناس البسطاء والمستضعفين الذين يبحثون عنده عن حقوقهم .. لم يكن هذا الأخير يتمتع بأي ذرة من روح المصالحة والحوار والنقاش ، فطغت نفسيته الشريرة المنتقمة على سلطته التنفيذية ، فتراءت له صورة فرعون فكان شبيهها .. وبالمقابل كان متسامحا جدا مع أخطاء المسؤولين ، ويغار عليهم كغيرة الرجل على زوجته ، والأكثر من هذا ، كان يبرر جرائمهم وسرقاتهم ... الوالي الديكتاتور كان كلما سمع باحتجاج سلمي ينتقض ، ولا يكلف نفسه بالجلوس مع المحتجين والاستماع الى مطالبهم ، وإنما كان يستدعي محامي الولاية وبعض المقربين ليدلهوه على أقسى الطرق القانونية لردعهم عن طريق القضاء ، وبهذا الأسلوب أدخل الكثير من المواطنين الى العدالة بحجة التجمهر غير المسلح، وجر بعض الصحفيين للقضاء تحت حجة القذف والتشهير ، فوجد في العدالة الجزائرية ضالته واستفاد من قوانينها ، بينما كان المواطنون الذين لا يعرفون من القانون الا اسمه يطبقون معه سياسة " اللي يعفس عن جناحك قصه.." ..تجوهرت سياسته الرعناء في ظل طأطأة الرؤوس والسكوت المطبق، حتى وصل به الأمر ليقول في إحدى جلساته: "أنا الرب انتاع البلاد" ... مع تطبيق الدستور الجديد ، وبقوانينه التي انحنت في بعضها للشعب ، هل سيتجرأ أمثال هؤلاء المسؤولين على المواطنين والدوس على كرامتهم؟ . وهل سيسمح الدستور الجديد للمواطن البسيط من الحصول على حقوقه الدستورية والقانونية وانصافه في العدالة أمام هؤلاء الطغاة ؟. وهل سيجد ضالته في الادارة التي تعد أكبر عدو له بسبب المحسوبية والبيروقراطية وهشاشة القوانين التي لا تخدم الا رجال السلطة والمال؟؟.. ومن الجانب المعاكس نتساءل أيضا: أين كان الدستور والقوانين عندما كان ذلك الوالي يعربد ، فهل كانت آنذاك مجرد ديكور لتوضع على الرفوف، ويؤخذ بها فقط وقت اللزوم ؟. أم أن هذه المرة الوضع اختلف تماما بسبب الضغوطات الداخلية والخارجية ، وأن دستورنا الجديد سيحدث ثورة غير مسبوقة لتحقيق العدالة الاجتماعية... قولوا آمين