2024-04-25 05:07 م

الساحة الفلسطينية بين القواعد والأسس السليمة وتداعيات القرارات المتسرعة

2016-04-18
القدس/المنـار/ القرارات الأخيرة التي اتخذت بحق الجبهتين الشعبية والديمقراطية، وقطع مخصصاتهما الشهرية من الصندوق القومي، والاحالات المبكرة على المعاش والتقاعد، وحالات قطع الرواتب عن البعض من حين الى آخر، لها دلالات خطيرة، وتستدعي المعالجة الجذرية، ووضع الأسس والقواعد للتعاطي وتحديد الصلاحيات، والأسباب الوجيهة الموجبة للعقوبات، حتى لا يفقد الشعب آماله، وتتحطم أحلامه، ولكي لا يتسع الصدع بل "الصدوع" في الساحة الفلسطينية، التي باتت ميدانا لغزو الغرباء من كل جنس، وربط الخيوط الخبيثة، وتوسيع ثغرات الاختراق، ووقف عملية التحول الى وكلاء وسماسرة، وباعة تقارير لمن يطلب ويدفع الثمن البخس الذي تقبل به عناصر رخيصة.
حال الساحة الفلسطينية مؤلم ومرير، والتذمر في الشارع يتدرج علوا وارتفاعا، وانفجار البركان قد يطيح بالجميع، متصارعين من كل ألوان الطيف، بركان الرد على الاستغفال وتغييب الوعي والعقل الممارس عالمكشوف، فالتجاوزات في ازدياد، والسلبيات فاقت كل تصور، وممارسات من يرون في المؤسسات والهيئات والوزارات مجرد خانات ومزارع ورثوها عن ابائهم وأجدادهم، ظلم هنا، ومآسي هناك، وارتفاع ضغط الدم وانسداد الشرايين أمراض تزحف الى المؤسسات الحكومية، بفعل الاهمال والظلم والتجاوز، وشكاوى الموظفون تخنق ولا ردود عليها.
كل هذه الآفات والتجاوزات والسلبيات الكيدية والوشوشة والعرقلة، بحاجة الى علاج، بحاجة الى وقفة دقيقة خالصة، بعد توسيع قاعدة التشاور، حتى لا تتحول هذه الآفات الى أمراض مزمنة لا علاج لها.
وهنا، يجب النظر الى ما يجري ويخيم على الساحة بخطورة بالغة، وحرص جدي حقيقي، ونوايا سليمة لوضع القواعد والأسس التي من شأنها وقف التجاوزات وتساهم في اصدار القرارات السليمة.
ان قطع المخصصات عن الجبهتين الديمقراطية والشعبية أمر له انعكاساته المرعبة، في ساحة تعاني الكثير من ممارسات وقمع الاحتلال وسوء الوضع الاقتصادي، وبالتالي، هذا القطع، له موجباته، وهل يقع في خانة التفرد والتضييق والاذلال والظلم، أم أن قرار قطع المخصصات له ما يبرره؟!
قبل الخوض في ذلك، نقف عند نقطة هامة، بل مطلب بات ملحا، وهو ضرورة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية على أسس سليمة، المهام والاهداف والدور والمكونات، مع تفصيل الحقوق والواجبات، وموجبات العقوبات في اطار التشاور الصادق وليس الشكلي، أو امتثالا للتمحور والاستزلام والاصطفاف الوقتي، أو لمجرد اتخاذ قرار ما يندرج في اطار العبثية والكيدية وكسر الرؤوس.
قيل أن قطع مخصصات الجبهة الشعبية جاء ردا على المساس برئيس منظمة التحرير استوجب الاقدام على خطوة القطع تأديبا وتحذيرا من عدم تكرار الفعلة الشنيعة التي رأيناها على شاشات التلفزة والمنقولة من غزة.
هذا، صحيح، بمعنى كان لا بد من عقاب، وهذا يقودنا الى ضرورة الاسراع في وضع الأسس والقواعد للتعامل بين الفصائل المنضوية تحت لواء منظمة التحرير، وكان من الأفضل أن يتخذ نفس القرار من خلال اجتماع للجنة المنظمة التنفيذية، وما يتطلب بطلانه من موقف اعتذاري تتخذه قيادة الجبهة، التي قد تكون غفلت عن مشاركة مندسين في مسيرة احتجاج نظمتها ضد سياسة معنية وقرارات محددة، بمعنى، أن الالتزام والانضباط أمران مطلوبان في مثل هذه المسيرات والاحتجاجات، حتى لا يقع المحظور.
لكن، وبالمقابل، لا بد أن يكون في الساحة الفلسطينية مساحة واسعة من حرية الرأي والانتقاد، مثلما هي سياسة درجت عليها الكثير من الساحات المجاورة والبعيدة، فحرية الرأي جالبة للخير والوفاق، ومصادرة ذلك، قاتلة لأية قيادة، خاصة اذا كان بين ثناياها عناصر لا تريد خيرا للشعب وقائده.
فالجبهة الديمقراطية عوقبت بقطع المخصصات لانتقادات وجهتها بعض قياداتها لسياسة الرئيس محمود عباس، وبما أن هذه القيادات ممثلة في اللجنة التنفيذية التي تعقد اجتماعاتها من حين الى آخر، خاصة في ايام الركود وعدم الحركة، كان من الأجدر لهذه القيادات أن تطرح انتقاداتها  داخل اجتماعات اللجنة التنفيذية بصراحة دون دجل أمام رئيس اللجنة، وما دام هذا لم يحصل، فان انتقادات قيادات الديمقراطية ليست موجبة لقطع المخصصات، فلا بد من انتهاج سياسة حرية الرأي، ولأن هذه السياسة مفقودة، ويعاقب كل من يعتقد ذلك، ويطلق لنفسه العنان منتقدا، فان غيابها أمر ضار ينخر في كل هياكل السلطة والمنظمة، وبات الاعلام الرسمي بألوانه واشكاله لا تأثير له، ونسبة الاقبال عليه من الشارع متدنية وفي الحضيض، لا، كما يصور البعض عكس ذلك للقيادة ورئيسها، حتى أن بعض القيادات هي سبب رئيس في انكماش هذا الاعلام وانعدام تأثيره في الداخل والخارج، وهذا في النهاية مسيء لرأس الهرم من حيث يدري أو لا يعلم، لكنه، في النهاية هو الذي يتحمل المسؤولية، لأنه أخذ بتقارير وأراء غير سليمة من البعض ممن هم عنده في دائرة صنع القرار.
أما بالنسبة للتقاعد الاجباري غير المستند الى حق أو قانون فهو خطأ كبير وفادح، وله تداعياته حقدا، واصطفافا واشاعة، خاصة، وأن خطوات التقاعد الاجباري المبكر ليست سليمة، وغير قانونية، بل ناجمة عن وشوشات وتقارير "تهويلية" فرضتها الصراعات والاحقاد الشخصية، وهذا، وردا عليه، يفترض أن تكون هناك آذان صاغية من جانب مسؤولين أصحاب نوايا حسنة، ليسوا منغمسين في منافع ذاتية وشخصية، بغرض اتخاذ قرارات سليمة، تبعد النفور واللجوء الى المحاكم، والتنافس في ميدان المهاترات، وهو ميدان مفتوح لمن هب ودب، وأصبح محط تهكم واستهزاء من كل الغرباء والخصوم، وكما يقول المثل "قطع الاعناق ولا قطع الارزاق"، وهذا ينطبق عل حالات كثيرة، ممن تقطع رواتبهم لوشاية كاذبة من هذا أو تقرير كيدي من ذاك، أو لسبب تافه لا يستدعي قطع الأرزاق.
ومسألة في غاية الأهمية، لا بد من ذكرها، وهي أن "النواطق" أو "الناطقين" مدعي الغيرة على القيادة، والحرص عليها، يصبون الزيت على النار في مثل هذه الحالات التي اوردناها، فيطلقون التصريحات الرعناء المضحكة وغير السليمة في اتهامات لا تصدق للغير، معتقدين بأن ذلك، سيقربهم من دائرة صنع القرار، كما جرى عندما اتهمت الجبهة الشعبية بالتقارب أو الاتصال مع النائب في المجلس التشريعي محمد دحلان، فهذا غير وارد، والشعبية، معروفة بمواقفها، وهي أبعد ما تكون عن هذا المسلك، الذي تسير فيه قيادات عديدة محسوبة على دوائر صنع القرار، وعند اتهام الجبهة الشعبية، بذلك، فهذا ضادر بالقيادة ورأس الهرم فيها، فليس معقولا أن يكون تأثير محمد دحلان قد وصل الى هذا الحد، فالناطقون وكتبة التقارير يضخمون المسالة، وهذا في صالح دحلان لا ضده.
انها سلبيات في الساحة نخشى تفاقمها، وخطورتها وارتدادتها، ولا بد من وضع قواعد واسس سليمة، تسير عليها كافة المؤسسات والهيئات بعيدا عن المزاجية والارتجال.