2024-04-25 10:47 م

قراءة في زيارة هولاند وشخصيات دولية أخرى الى لبنان!!

2016-04-20
كتب الدكتور بهيج سكاكيني
الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي الى لبنان يوم السبت الماضي تأتي من ضمن سلسلة لعدد من الزيارات قامت بها شخصيات غربية. فقد جاء رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون في شهر سبتمبر من العام الماضي الى جانب وزير الخارجية البريطانية فيليب هاموند في بداية هذا الشهر الحالي، هذا بالإضافة الى الأمين العام للأمم المتحدة مصحوبا برئيس البنك الدولي وكذلك رئيس البنك الإسلامي في مارس الفائت وكذلك نائبة رئيس المفوضية الأوروبية فيديريكا موغيريني. وهذا عدد كبير من الزوار الدوليين الى لبنان، مما يطرح العديد من التساؤلات عن الاسباب الحقيقية لمثل هذه الزيارات المتتالية. تـأتي الزيارة الأخيرة لهولاند الى لبنان على خلفية تنامي مشكلة اللاجئين الذين تدفقوا وبشكل غير مسبوق الى دول الاتحاد الأوروبي وخاصة عبر البوابة التركية. ولقد لعبت تركيا على مخاوف الدول الاوروبية من قضية الهجرة الغير شرعية بأعداد ضخمة غير مسبوقة وتداعيات هذه المشكلة على الأصعدة الاجتماعية والسياسية والمالية للدول الاوروبية فيما اذا ما تم استيعاب هذه الاعداد الضخمة من طالبي اللجوء. وبالفعل فان قضية اللجوء الغير شرعي اصبحت تهدد وجود منطقة اليورو واتفاقية شيغن التي بموجبها تم فتح الحدود بين الدول الموقعة على هذه الاتفاقية ورفع القيود والرقابة على حركة مواطني هذه الدول عبر الحدود الجغرافية. ولقد تمكنت تركيا من ابتزاز دول الاتحاد الأوروبي والحصول على ما يقرب من 7 مليارات يورو وذلك للعمل على منع تدفق النازحين من مناطق النزاعات مثل سوريا والعراق وليبيا الى جانب الدول الافريقية الفقيرة بالإضافة الى تقديم الدعم وتأمين احتياجات اللاجئين المقيمين على أراضيها وخاصة اللاجئين السوريين. ولكن من الواضح ان تركيا لا تقوم بالدور الذي كانت تعول عليه دول الاتحاد الأوروبي. والذي يبدو ان الاتحاد الأوروبي قد تنبه الى انه لم يعير الاهتمام الكافي بالأعداد الكبيرة من النازحين السوريين المتواجدين في دول الجوار الأخرى وبالتحديد لبنان والأردن ومن هنا جاءت الزيارات المكثفة لهذا العدد من الشخصيات الدولية الى المنطقة. هذه الزيارات الغربية المتكررة الى لبنان لا تأتي من باب الاهتمام الإنساني للنازحين السوريين انما تأتي كما ذكرنا سابقا من الخوف من ان تبدأ موجات من المهاجرين السوريين من المنطقة الى الدول الأوروبية على غرار تلك الموجات المكثفة التي سبقتها من السواحل الليبية ومن تركيا عبر اليونان. ولا شك ان هنالك شبكات تهريب قد أصبح لديها الخبرات الكافية في هذا المجال والذي يعتبر تجارة رابحة تحقق مئات الملايين للمشرفين عليها في الدول المنخرطة في هذه التجارة. لكن الى جانب الخوف من هذه الهجرة فإن الدول الغربية والأمم المتحدة ممثلة بالسيد بان كي مون والبنك الدولي والبنك الإسلامي منخرطة فيما هو ربما أخطر من ذلك والمقصود هنا هو الاستثمار السياسي للنازحين السوريين وخاصة ونحن على اعتاب مجهودات دولية تبذل لحلحلة الأوضاع على الساحة السورية في محاولة لإيجاد حلول سياسية لحل الازمة السورية. الزيارات تسعى فيما تسعاه الى تحويل النازح السوري الى لاجئ في البلد المضيف وخلق الجو الملائم ربما الاجتماعي والاقتصاد بحيث يتم توطين اعداد كبيرة من النازحين السوريين في لبنان. هولاند صرح بان فرنسا على استعداد لتقديم 150 مليون يورو للعمل على تأمين نوع من الاستقرار للنازحين السوريين واتاحة فرص عمل لهم خلال الثلاثة سنوات القادمة. أما السيد بان كي مون الذي اصطحب رئيس البنك الدولي ورئيس البنك الإسلامي معه فقد أجرى مباحثات مع الجانب اللبناني وذلك لتقديم الدعم المالي للحكومة اللبنانية بهدف خلق فرص عمل للنازحين السوريين من خلال النهوض بمشاريع في لبنان وعلى مدى العشرة سنوات القادمة تهدف الى توطين مئات الالاف من النازحين السوريين. والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا كل هذه المحاولات للتوطين مع وجود الفرصة لعودة الكثيرون من النازحين السوريين الى ديارهم في الوطن سوريا وخاصة مع تحرير أجزاء كبيرة من الأرضي من المجموعات الإرهابية على ايدي الجيش العربي السوري وحلفاؤه والى جانب بروز احتمالات كبيرة بحا قريب نسبيا للازمة السورية؟ هنالك ربما اجابتين محددتين على هذا السؤال بالتحديد. الإجابة الأولى قد تكمن في عدم جدية الولايات المتحدة والدول الغربية بشكل عام وخاصة فرنسا وبريطانيا الى جانب الأدوات الإقليمية ممثلة بالسعودية وتركيا في السعي نحو حل للأزمة السورية وبالتالي فان ما نشهده من تهدئة نوعية على بعض الجبهات في الداخل السوري تحت مسمى "وقف العمليات القتالية" الى جانب مؤتمر جنيف ما هو الا محطة للاستراحة من عناء المعركة والعدوان على سوريا للتحضير لجولة قادمة وخاصة مع ورود بعض الانباء على شحن عشرات الالاف من الاطنان من الأسلحة المتطورة للداخل السوري لما سمي "بالمعارضة المعتدلة" والتي ما هي الا جبهة النصرة القاعدية ومجموعات مسلحة أخرى منضمة تحت لواءها او تقاتل معها جنبا الى جنب كما هو الحال في بعض ارياف مدينة حلب مثل حركة احرار الشام وجيش الإسلام اللذين وقعوا على "وقف عمليات القتال" دون ان الالتزام بما وقعوا عليه ويهددون بالانسحاب من مؤتمر جنيف. أما الإجابة الأخرى فهو السعي الى الاستثمار السياسي لورقة النزوح واستخدامها ضد المقاومة في لبنان وعلى وجه التحديد لحزب الله اللبناني وذلك بالاستقواء على الحزب عن طريق التغير الديمغرافي الذي قد يحدثه استيعاب مئات الالاف من النازحين السوريين وقد يتنامى العدد الى المليون والنصف المتواجدين على الأراضي اللبنانية في المرحلة الحالية وذلك تدريجيا. ويمكننا تحسس مدى خطورة تغيير الوضع الديمغرافي عندما نعلم بان عدد سكان لبنان لا يتجاوز 4 ملايين نفس. ان خلق واقع اقتصادي واجتماعي ذو اريحية لهؤلاء النازحين من خلال المشاريع المزمع قيامها عن طريق البنك الدولي والبنك الإسلامي للتنمية قد يؤسس الرغبة عند العديد من النازحين السوريين الى عدم العودة الى سوريا. طبعا هذا في حالة موافقة الحكومة اللبنانية على قبول هكذا مخطط وهذا ما رفضته الحكومة المؤقتة الحالية والكثيرون من القوى السياسية اللبنانية. ولكن هنالك بعض القوى ترى ان لها مصلحة في ذلك مثل القوات اللبنانية التي يترأسها الدكتور سمير جعجع على الأقل من الناحية النظرية للان. الحكومة اللبنانية ما تزال بشكل أو بآخر ترفض التحدث والتواصل مع الحكومة السورية بشأن موضوع اللاجئين السوريين وهذه ابسط الأشياء التي ممكن أن تتم مع الجانب السوري وبغض النظر عن وجهة نظر بعض المكونات السياسية اللبنانية التي ما زالت تأمل أمل ابليس في الجنة وذلك بإسقاط الدولة السورية. ان مشاركة اللاجئين السوريين في الانتخابات الرئاسية السورية قبل فترة قد أحبطت محاولات استغلال ورقة النازحين السوريين من قبل الأطراف الحاقدة على دمشق. ان أفضل حلول للاجئين السوريين هو التباحث مع الجهات المسؤولة في الحكومة السورية بدلا من الخضوع لعمليات الابتزاز من الأطراف الإقليمية أو الدولية في هذا الملف بالتحديد التي تشترط تقديم المال بعملية التوطين. ومن الضروري ربما ان نؤكد ان هذا الاهتمام الذي يلبسه الرئيس هولاند أو الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وغيرهم اللباس "الإنساني" يأتي في الوقت الذي أعلنت الاونروا عن تقليص خدماتها للاجئين الفلسطينيين القاطنين في المخيمات الفلسطينية منذ النكبة وهذا التقليص يمس قطاع التعليم والصحة هذا الى جانب التراجع في الجانب الاغاثي. والتضيق على الخدمات وتقليصها قد طال ال 40 الف نازح فلسطيني من المخيمات في سوريا وخاصة مخيم اليرموك. ولنا ان نذكر انه ما زالت العديد من العائلات الفلسطينية تنتظر العودة الى مخيم نهر البارد الذي لم يتم اعماره لغاية اللحظة بعد الاحداث الدامية التي تعرض لها المخيم عام 2009 . هذا التضيق والتقليص في الخدمات من قبل الاونروا الى جانب انعدام فرص العمل في لبنان والمحاصرة الأمنية التي تتعرض لها المخيمات الفلسطينية ودخول المجموعات الإرهابية وتمددها في بعض المخيمات الفلسطينية في لبنان مثل مخيم عين الحلوة وغيره، من شأنه ان يضع الضغوطات على الكثير من العائلات الفلسطينية ويجعلها فريسة سهلة لشبكات المافيا التي تعمل الى حمل المهاجرين الى الشواطئ الأوروبية في قوارب الموت، هذه التجارة التي أصبحت رائدة في الفترة الأخيرة. أما النقطة الأخرى الخاصة بهذه بزيارة الرئيس الفرنسي هولاند الى لبنان والمنطقة بشكل عام فهي انها تأتي على خلفية تدهور وضعه الداخلي كما تدلل شعبيته التي وصلت الى الحضيض بالمقارنة مع أي رئيس فرنسي آخر منذ تأسيس الجمهورية الفرنسية، فشعبيته تدنت الى دون 20% بحسب استطلاعات الرأي في فرنسا وهي نسبة غير مسبوقة في التاريخ الفرنسي لأي رئيس الجمهورية الفرنسية. هولاند ربما يريد ان يستغل جولته في الشرق الأوسط ليثبت للداخل والشارع الفرنسي ان فرنسا تحت رئاسته ما زال لها دورا على الساحة الدولية وما زالت لاعبا أساسيا، على الرغم من آفول دورها في سوريا وخاصة بعد دخول الإدارة الامريكية مباشرة والتنسيق مع روسيا لإيجاد مخرج تحاول فيه الادارة الامريكية الخروج بأقل الخسائر الممكنة ومحاولة ضمان مصالحها في المنطقة بالدرجة الاولى دون إعطاء الدول الأوروبية الكثير من الاهتمام. بغض النظر عن الأسباب التي جاء بها الرئيس الفرنسي الى المنطقة فان معظم المحللين لا يروا اية بصمة أو تأثير لهذه الزيارة وخاصة وان البعض اعتقد قبل الزيارة ان هولاند قد يأتي حاملا مشروعا أو مقترحات بشأن الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية للخروج من أزمته.
bahij.sakakini@gmail.com