2024-03-29 01:54 م

الحنين إلي الديكتاتورية!!

2016-05-01
بقلم: حسام الكحلوت
أثارت الأحداث المتلاحقة لما عرف بالربيع العربي أفكاً وظلماً بالإقليم إلي حدوث فواجع إنسانية ونكبات بشرية ، فتوالت المصائب تباعاً من قتل لمئات الآلاف وهجرة من الأوطان بالملايين من شعوب المنطقة للفرار من مصير محتوم بالقتل والتنكيل ؛ بعد أن أضحي الإقليم مرتعاً للبوم والغربان ، ورائحة القصف والبارود تنتشر بالربوع بعد أن كانت رائحة الأزهار والياسمين تملأ الأوطان وواحة من واحات الأمن والأمان ؛ وموجات نزوح وترحيل بشرية لم يشهد له العالم مثيلاً إلا بحملات التطهير العرقي والديني بالعصور الماضية ، و قتل وتعذيب علي الهوية وإعتقالات تعسفية بالجملة و إعدامات خارج نطاق القضاء واغتصاب واعتداءات جنسية للفتيات، وحصار للسكان المدنيين الذين يقطنون في مناطق الحرب والصراع وحرب بالتجويع بغيتوهات الأقاليم .... ثم يحدثونك بأنه الربيع العربي وضرورات مخاضه وآلامه ...!!!! إن ربيعاً عربياً أو بالأحري عبرياً بشرت به وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس بالعام 2005ورسمت فيه تلك العجوز اللئيم كيفية انتقال الدول العربية والإسلامية من الدكتاتورية إلى الديمقراطية علي الطريقة الأمريكية طريقة راعي البقر الكاوبوي الذي يبيد السكان المحليين بالقتل والصلب ليعيد بناء مجتمع نموذجي للسيد الأبيض الوافد الجديد للمنطقة ، ونظرية "الفوضى الخلاقة" وتوصيفها كما رأت أن تدفع المجتمع إلى أقصى درجات الفوضى والخراب ممتلئة بالعنف والرعب والدم، لكي يتسنى إعماره وإعادة بنائه بحلة جديدة ومظهر بّراق ؛ هذا الفكر المنغولي يذكرنا بجماعة من آفاكين ودهاقنة الصوفية تتيح لمريديها ارتكاب كل المعاصي والموبقات حتى تكون التوبة الصادقة فيولد من جراء ذلك العابدين الزاهدين باعتقادهم المنحرف ، فهذا ليس بربيع بل هو الخريف السرمدي . وسلاح هذا الخريف العربي هو إثارة الجاهلية والعصبيات والقوميات والمذهبيات بحيث تتلاشي فكرة المواطنة والهوية الوطنية الجامعة ، وعَرَّاب ذلك الخريف العربي اليهودي برنار هنري ليفي ، والأداة التنفيذية لهذا الربيع العربي إن صحت التسمية هم الشباب الذي يعاني من الحرمان والبطالة بعد غسل عقولهم بمعسكرات شبابية وكامبات مختلطة بأوروبا تحت رعاية منظمات مشبوهة مثل منظمة فريدم هاوس ذات الصلة الوثيقة بجهاز المخابرات الأمريكية ، فكان ظهور الحركات الشبابية بأسماء وعناوين مختلفة مثل 6 ابريل ،و بلاك بوك ،والألتراس وهلم جرمن مسميات مصطنعة تخفي وراء الأكمة ما ورائها . لقد رفع ذلك الربيع المزعوم قميص عثمان الطاهر برفعه شعار محاربة الفساد والمحسوبية وتوسيع دائرة الحقوق والحريات والحفاظ علي مقدرات الأوطان وهي -مطالب حق -لا مراء في ذلك ؛ أُسئ استخدامها فينظر المرء إلي ما آلت إليه الأوضاع بحسرة وألم بعد أن رافقت تلك النكبات المتوالية ربيعاً حقيقياً بالكيان الإسرائيلي الغاصب وازدهار وتقدم بكيانهم ، فهل يتشكل شرق وسط جديد بمقاس العم سام تتحول فيه الأوطان إلي دويلات و كانتونات متنازعة فيما بينهم علي غرار دول وإمارات الطوائف بالأندلس . • تحتاج المنطقة إلي عقود للتعافي من تلك الآثار المدمرة التي حاقت بها وبنسيجها الاجتماعي ؛ وما الضّير بالصبر علي الحاكم بضع سنين إذا كان في الخروج عليه ضرر ومفسدة اكبر من السكوت عليه ؛ فالأمور مفاضلة ومقارنة ،فالمنطقة العربية إعتاشت لقرون مع الحاكم الديكتاتور العادل ،ألم يصرح المفكر الإسلامي جمال الدين الأفغاني بان تلك المنطقة العربية لا يصلح معها إلا نموذج ذلك الحاكم المسّتبد العادل ، وقد ورد بالحديث الشريف (تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ) لما في الخروج علي الحاكم من تفريق للأمة و جعل بأسهم فيما بينهم ؛ فأصبحنا نحّن إلي أيام الدكتاتورية بعد أن رأينا ربيع الدجال ؛ فالعدل المطلق فقط بالسماء .. إن الحنّين إلي أيام الديكتاتورية لا يعني اشتياقاً لحاكم بعينه وإنما هي المفاضلة بين ما آلت إليه الأمور وأضحت كومة خراب تنعق فيها البوم والغربان ، وبين عصر سابق كان به مسحة من أمان ولقمة عيش تكفي إطعام الأفواه ولو بالكّاد . لقد جربت شعوب المنطقة بعد تلك الأحداث حكاماً جدد وبلباس مختلف عن ما مضي، فخلصّت إلي نتيجة انه لأفرق بين ملك أبيض وآخر أسود برقعة الأوطان فكلاهما يريد لنفسه وحزبّه الجاه والسلطان.
kahloutgz@hotmail.com