2024-04-24 12:42 ص

حلب، وأنقلب السحر على الساحر.

2016-05-03
بقلم: سمير الفزاع
لا شيء على طاولة البحث إلا حلب، ولتذهب جنيف ومبعوثها ومعارضتها المأجورة ومن خلفهم إلى الجحيم... إذا لم يكن هناك من مخرج سريع وثابت وذي صدقية لحلب، فلتكن المعركة، حتى وإن اشتعل الإقليم أو العالم... واهم من يعتقد للحظة أن القيادة السورية ستسمح بتمرير "صفقة" ما –دولية أو إقليمية- تقسّم حلب إلى مناطق نفوذ وخطوط تماس... موقف سورية لمن يعنيهم الأمر. لشهرين كاملين، راهنت واشنطن على المماطلة بتنفيذ "تفاهم" وقف العمليات القتالية الذي توصلت إليه مع موسكو، واستثمار الوقت بترتيب أوراقها، وحشد المزيد من الموجات الإرهابية في الشمال السوري، وإيصال دفعات من الأسلحة والذخائر إلى هذه الجماعات... لجعل معركة حلب، المعركة الأكثر كلفة، والأكثر تعقيداً، والأكثر حساسية... وصولاً إلى جعلها مستحيلة، إلا بتسوية سياسية في سورية والإقليم، وربما في العالم. أعلن لافروف، أن تلك "الهدنة" أوقفت عجلة تقدم الجيش العربي السوري وحلفائه مقابل: فرز وفصل "الجماعات المسلحة المعتدلة" عن جبهة النصرة في حلب وأريافها، تمهيداً لمحاربتها. لكن مثل هذا الأمر، سيقوض مشروع واشنطن الكبير: إعادة إنتاج هوية وبنية وتوجهات الدولة السورية، تمهيداً لنقلها من محور إلى محور، أو تحييدها ما أمكن ذلك، بإشراك مكونات "سياسية" في بنية الدولة يمكنها "تعطيل" هذه التوجهات، وصولاً لتغيير هذه الهوية. معركة حلب، معركة إقليمية ودولية بإمتياز، ولهذا السبب وغيره، تحتاج سورية إلى حلفائها الإقليميين والدوليين للشروع في هذه المعركة. من هنا، منحت القيادة السورية روسيا ما تحتاجه من هامش للمناورة في السياسة والميدان: سحب جزء من القدرات العسكرية الروسية، قبلت بوقف العمليات القتالية في ريف حلب في ذروة تقدمها، تجميد عملياتها في ريف درعا... . عنصر حاسم أثار جنون واشنطن وأدواتها: تحرير تدمر والقريتين. راهنت واشنطن على إدخال الجيش العربي السوري في حالة من "العطالة" والمراوحة عبر التسويف بفصل "المعتدلين" عن جبهة النصر، وبأحسن أو أسوأها، إشغال الجيش وحلفائه في معركة إستنزاف طويلة في تدمر. حسمت تدمر والقريتين خلال أيام، وصارت العيون تشخص إلى الرقة ودير الزور. تذكروا ما قاله الجانب الروسي حينها: لا معركة وشيكة في حلب؛ بل تحرير الرقة ودير الزور بدعم روسي. أي، إسقاط الخطة (أ) الأمريكية، الاستثمار في داعش. وهذا دليلي على الاستثمار الأمريكي بالإرهاب الداعشي في سورية والعراق لمن يريده: قبيل تحرير تدمر، كان الحديث عن تحرير الموصل بالساعات لا الأيام، حتى أن داعش هددت بتفجير سدّ الموصل لإغراق بلدات ومدن سهل نينوى في حال بدء المعركة... فجأة، يتوقف كل شيء، وخصوصاً القصف والاستطلاع الجوي الأمريكي... ومنذ تلك اللحظة، لم تنفذ واشنطن وحلفها ولم تعلن عن أي ضربة "جديّة" على داعش ومقراتها، لتخفيف الضغط عليها بعد هزيمة تدمر والقريتين. ما المخرج؟. إسقاط "الهدنة" في حلب، لإعادة ضبط حركة الجيش العربي السوري وحلفائه على الساعة الأمريكية. هنا ظهرت الخطة (ب) الأمريكية، الإستثمار في جبهة النصرة –القاعدة- وامتداداتها، جيش الإسلام،أحرار الإسلام،جيش الفتح... . ألا يقدم هذا تفسيراً لتدفق ألآف الإرهابيين، وألآف الأطنان من الأسلحة عبر الحدود التركية؟ ألهذا السبب بشكل رئيسي، أسقطت واشنطن عبر أدواتها الإرهابية، اتفاق وقف العمليات القتالية؟... . تجمعت خيوط "المستقبل" وشكله في يد القيادة السورية وحلفائها، وبات العالم ينتظر ردّ فعلها على هذه الخطوة، فكيف كان ردها؟. 1- وافقت القيادة السورية على "نظام تهدئة" يستثني حلب، وهذه إشارة واضحة منها أن مسألة حلب لا يمكن تأجيلها، ويجب حسمها. 2- أكدت القيادة السورية، أن تفكيك المعادلة الأمريكية وكسر حلقاتها الإجرامية في حلب هو من يحدد أفق نظام التهدئة في كامل سورية وليس العكس... . 3- لا مزيد من التسويف والمماطلة، لذلك تمّ ربط التهدئة بمواقيت زمنية لا تتجاوز الـ72 ساعة، وعندها ستفتح أبواب الجحيم من جديد. 4- إذا كان الهدف من قصف المواطنين الآمنين في حلب، تهديد القيادة السورية بالكلفة البشرية والعمرانية العالية لمعركتها، وتأليب الرأي المحلي والدولي بحملة إعلامية مفتعلة إزائها، واستنزاف الجيش في معركة طويلة الأمد تكون مشاركة أسلحة الجو والمدفعية والصواريخ فيها بالحدود الدنيا... فإن المواطن الحلبي مستعد لتحمل هذه المعركة مقابل الخلاص النهائي، ولدينا من القوات الخاصة والأسلحة النوعية القادرة على إنهاء هذه المعركة. 5- أعلنت روسيا على لسان نائب وزير خارجيتها، غينادي غاتيلوف: "روسيا لن تمارس أي "ضغوط" على الحكومة السورية لوقف ضرباتها الجوية لأن ما يحصل في مدينة حلب هو مكافحة للتهديدات الإرهابية... إن الوضع في مدينة حلب يندرج تحت إطار عمليات مكافحة الإرهاب". وهذا تحول إستراتيجي في الموقف الروسي الذي قال سابقاً: لا معركة وشيكة في حلب. لهذا هرع كيري إلى جنيف من اجل لقاء بعض من "وزراء خارجية" أدواته الإقليمية، تركيا والسعودية... للاتفاق على أمور مثل: تغييرات مهمة في وفد الرياض، تنازلات جديدة حول الهدنة، إطلاق سراح مخطوفين... . 6- في تدرج متصاعد للموقف الروسي يؤكد عودتهم بقوة إلى الميدان، الخميس 28/4، أعلن لافروف: إن الولايات المتحدة لم تتخل عن خططها لتغيير نظام الحكم في سوريا باستخدام القوة العسكرية. السبت 30/4، قال غاتيلوف: لن نضغط على الحكومة السورية لوقف عملياتها في حلب... وصولاً إلى ما "سربته" مصادر للميادين حول إبلاغ الروس لدمشق بعودة الإسناد الجوي إلى المستوى الذي كانت عليه قبل الهدنة، وهو قرار يستجيب لطلب من القيادة السورية... وهذا القرار يؤكد –حال ترجمته- ما أعلنه الرئيس بوتين في 17/3:" الكرملين بإمكانه أن يعزّز وجوده العسكري في سورية مرة أخرى خلال ساعات، إذا اقتضى الأمر". 7- خياران لا ثالث لهما تنتظرهما حلب، حيث المراوحة لم تعد ممكنة أو مقبولة: معركة طاحنة تبدأ بحصار المجموعات المسلحة وتنتهي بتطهير مدينة حلب، بكل ما تحمله من مخاطر إنسانية داخلية، وعسكرية محلية وإقليمية... أو فرض فصل "قاطع" بين النصرة و"الفصائل المعتدلة" في إطار "تفاهم" يتيح للجيش العربي السوري وحلفائه، الاطمئنان إلى واقع حلب، بعد إرساء "هدنة" فعالة تصنف كل من يخرقها كجماعة إرهابية يجب محاربتها... ومتابعة تطهير ريف حلب ومحافظات ادلب والرقة ودير الزور. ختاماً، الردّ السوري قادم حتماً، أرادوا توريطه في لعبة الوقت والدم والتضليل... فتورطوا أكثر بعد تحرير تدمر والقريتين. أرادوا مقايضة دير الزور والرقة بهدنة بطعم الاستسلام، ظاهرها "يحفظ" دماء الحلبيين... وباطنها، يتيح لهم تحويل سورية إلى خطوط تماس ومناطق نفوذ وأمراء حرب ومحميات... فكان القرار بالذهاب إلى معركة حلب –وربما الرقة وحلب معاً- مهما كانت العواقب، فالتحضيرات التي أنجزت كافية لحرب إقليمية واسعة، فأنقلب السحر على الساحر... ثقوا بقيادتكم وجيشكم الذي يدير معركة عقول وإرادات لا تقل ضراوة عن جحيم ميادين المعارك، إنما النصر صبر ساعة.