2024-03-29 08:48 ص

المريب الأميركي..!! ...

2016-05-25
بقلم: علي قاسم
لم تنتظر الولايات المتحدة معرفة تفاصيل الاقتراح الروسي حتى سارعت إلى رفضه كحال أغلب الاقتراحات السابقة،

 وإن كان توقيته غير مفاجئ بحكم ما يجري من تجييش إرهابي، وبدليل ما بات محسوماً بالنسبة لسياسة إدارة أوباما التي تتهرب حتى اللحظة من الانخراط بجدية في مكافحة الإرهاب،

رغم ما تبديه من مشاهد كلامية كانت جميعها للاستهلاك الإعلامي، ورغم ما يسرّبه وكلاء حربها وما يحشدونه!!‏

فطريقة الطرح والرفض كانت تستوجب الكثير من الحديث في ظل تهميش أميركي وانصراف شبه كلي عن كل ما من شأنه المساهمة في مواجهة الإرهاب، خصوصاً بعدما وصلت الأمور في الكثير من ظواهرها إلى نهاياتها الحتمية، بما في ذلك التسويف الأميركي الذي استهلك كل أوراقه، ولم يعد مجدياً إعادة استخدامه في الكثير من الاستحقاقات، ناهيك عن التساؤلات التي أثارها الطرح أو الاقتراح الذي بدا أقرب إلى اختبار نيات في مسألة محسومة لم تعد بحاجة إلى المزيد من الاختبارات.‏

اللافت في المسألة نقطتان: الأولى تتعلق بحدود العبث الأميركي في إعادة تظهير أدوار المشغلين الإقليميين، والثانية بردّة الفعل التي كاد المريب الأميركي أن يقول فيها خذوني، ولا سيما حين انحشرت أميركا في الزاوية، وجاءت كل التفسيرات اللاحقة لها محاولة للفكاك مما هو مطلوب منها لتنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بمكافحة الإرهاب عموماً وما يخص سورية على وجه التحديد، حيث مارست أقصى درجات النفاق وحاولت التملُّص مراراً وتكراراً من تلك الاستحقاقات، وقدمت بدلاً منها روزنامة من التحركات المحكومة بهامش العبث في ملفات أخرى لإشغال الوقت والجهد بتداعياتها.‏

هذا يدفع إلى الجزم بأن المقاربة التي كانت رائجة لبعض الوقت في محاولة لإعادة خلط الأوراق، حانت اللحظة التي تقتضي تحييدها.. بل حَسم النقاش حولها، حيث أولوية مكافحة الإرهاب لم تعد هدفاً سورياً مَحضاً فقط، وإنما تتشارك فيه مختلف الدول والأطراف التي تعتقد فعلياً بضرورة مكافحة الإرهاب، فيما يناور عليه ويخاتل في نقاشه كل من يدعم الإرهاب أو يراهن عليه ويعوّل على تنظيماته لتحقيق ما عجز عنه بالتهديد والوعيد، ما يقودنا بالضرورة للعودة إلى المربع الأول في كثير من المحددات الضرورية، خصوصاً بعد التسريبات من قبل الـمُشغّلين الإقليميين عن التحضيرات الإعلامية والدعائية فيما يخص الرقة والمرفقة بالمنشورات الأميركية!!‏

في مقدمة تلك المحددات أن المواجهة مع الإرهاب يجب أن تعتمد على قدرات الأطراف والدول المؤمنة فعلاً بخطره والجادة في محاربته، من دون أن تنتظر مداولات الآخرين وتنظيراتهم وادّعاءاتهم الكاذبة، التي أدّت في الأشهر الأخيرة إلى توفير فرصة للإرهابيين وداعميهم لإعادة تنظيم صفوفهم وترميم ما أصابهم، بل كانت في بعض مشاهدها صورة مبتذلة من صور الابتزاز السياسي والمساومة لتبييض صفحة التنظيمات الإرهابية ومحاولة تحييدها عن جهود مكافحة الإرهاب.‏

وثاني المحددات يتعلق بالأميركي ذاته الذي يتجه لإدارة ظهره للمسألة تحت عنوان الانشغال بالموسم الانتخابي، والإبقاء على مُشغّلي الإرهاب ليتولوا مهمة تقطيع الوقت سواء عبر الحديث عن تشكيلات إرهابية هجينة، أم من خلال تسريبات عن تحضيرات لعمليات جديدة وما يثار حولها من غبار، بحيث تَحول تلك المشاغبات دون حسم المواجهة، والإبقاء على الجبهات مفتوحة مع استنزاف الجهد الدولي بالدوران في الحلقة المفرغة ذاتها من الجدل العبثي في مسلّمات لم تعد تحتاج ولا تحتمل بالأصل المناقشة، وفي مقدمتها مسؤولية الـمُشغّلين الإقليميين عن دعم الإرهاب وتوفير المناخ السياسي الحاضن أو المهادن لوجودهم سواء كان في الميدان أم في أروقة السياسة ومداولاتها.‏

وثالثها أن الإرهاب الذي بات باعتراف معظم دول العالم خطراً يهدد الجميع، وقد تجاوز مداه الإقليمي، يستدعي تكثيفاً للجهود ويقتضي تنسيقاً للتحالفات العسكرية والسياسية القائمة، بحيث تسترجع زخمها الذي شهدته قبل بدء سريان وقف الأعمال القتالية، وهو ما قد يفتح جبهات مؤجلة تمتد بامتداد الجغرافية السورية بما فيها المحسوبة في كفّة الآخرين، وتبدو المؤشرات مفتوحة على مصراعيها وباتجاهات شتى، بما تحمله من تحولات نوعية ستكون قاصمة لظهر الإرهاب، وتحديداً داعش وبقية التنظيمات حيث ستفقد بالضرورة الكثير من رمزية وجودها.‏

رابعها -وقد يكون جوهرها في نهاية المطاف- أن الحديث عن المسار السياسي سيبقى قائماً ومتاحاً مع من يرغب فعلياً في إنجازه، وهذا ما ستتم بلورته مع التطورات المتلاحقة الناتجة عن مواجهة الإرهاب، بحيث يتم الفرز تلقائياً، ويأخذ الاصطفاف السياسي تموضعه وسط خارطة الاحتمالات والبدائل المطروحة، وهو ما يُنتج أرضية فعلية قادرة على تهيئة مناخ يساعد على إطلاق المسار السياسي.‏

العبث الأميركي سيبقي على حضوره، وسيبقى المريب يقول مراراً ودون مواربة خذوني، وهو يضع معايير ربما لكثير من خطواته القادمة التي ستجد صعوبة في النفاذ تحت ضغط متغيّرات ميدانية ستفرض إيقاعها على السياسي بالضرورة، بل ربما كانت هي نقطة الفصل بين مرحلة التسويف والمراوغة والعبث، ومرحلة الحَسم في المقاربات بعد أن تكون خطوات مكافحة الإرهاب قد قطعت أشواطاً يصعب على الأميركي وأدواته وإرهابييه أن يلحقوا بها أو يحجزوا لهم مقعداً ولو في عربتها الاحتياطية أو تلك الملحقة بها.‏
عن صحيفة "الثورة" السورية